الشفيع احمد الشيخ مناضل سوداني ورمز من رموز الحركة الوطنية السودانية واصغر نقابي تقلد مناصب متقدمة في الحركة النقابية العمالية العالمية. ويعتبر أول عامل نقابي تقلد منصب وزير
ساهم في كثير من الاعمال و الانشطة النقابية وناضل بجسارة وله الكثير من المواقف آخرها قيل انه تقدم بهدوء تام إلى منصة إعدامه ، ووقف واستلم الحبل وقام بوضعه بنفسه حول رقبته وهتف باعلى صوته قائلاً " عاش الشعب السودانى .. عاشت الطبقة العاملة "
محتويات
مولده
ولد الشفيع أحمد الشيخ عام 1924م في مدينة شندي التي تقع شمال العاصمة السودانية الخرطوم وهو ينتمي الى قبيلة الجعليين ( قبائل من اصول عربية )تخرج من مدرسة الصناعات في مدينة عطبرة وكان يبلغ ثمانية عشر عاما.
إلتحق فور تخرجه بالعمل في سكك حديد السودان .
شفيع احمد الشيخ نقابيا
شارك في تأسيس هيئه شؤون عمال السكة حديد. الذي تحول فيما بعد الى نقابة عمال السودان .قبل أن يبلغ الرابعة والعشرين من عمره , عام 1948م اختير مساعدا لسكرتير عام نقابات عمال السودان.
عمل على عقد صلات بين الحركة العمالية السودانية والحركتين العمالتين العالمية والعربية . حتى انتخب في عام 1957م نائبا لرئيس الاتحاد العالمي لنقابات العمال كأصغر قائد نقابي يتولى هذه المسؤولية العالمية .
في عام 1964م انتخب مجدداً سكرتيراً عاماً مساعداً لرئيس اتحاد عمال السودان من قِبل 55 نقابة .
تصاعد نضال الحركة العمالية
شارك الشفيع في مقاومة نظام إبراهيم عبود (العسكري)، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات عام 1959م. ومنح وسام السلام وهو في السجنحاولت حكومة عبود ان تحول دون انعقاد مؤتمر عام عمال السودان وتصاعد نضال الحركه الوطنية السودانية بعدها بمشاركة معظم فئات المجتمع السوداني ليتحول الى انتفاضة اسقطت نظام الحكم العسكري .
وسام السلام العالمي
منح - وهو في السجن - وسام السلام العالمي الذي تسلمه فيما بعد عام 1964.الشفيع وزيرا
عندما تم تشكيل حكومة إئتلافية برئاسة السيد / سر الختم الخليفة بعد انتفاضة اكتوبر سمي الشفيع فيها وزيراً ممثلاً اتحاد العمال.كما سميت زوجته(لاحقا ) السيدة / فاطمة احمد إبراهيم وزيرة ممثلة لاتحاد المرأة.إعدام الشفيع
حكم عليه بالاعدام في عهد الرئيس جعفر نميري ، الذي إستغل فشل حركة الرائد هاشم العطا العسكرية في يوليو1971م فأمر باعتقاله وحكم عليه بالإعدام يوم الاثنين 26 يوليو 1971م ونفذ حكم الاعدام شنقاً في 28 يوليو 1971م في سجن كوبر. ومن بين الذين تم إعدامهم من المدنيين .الدكتور جوزيف قرنق و عبد الخالق محجوب وآخرين.كان الشفيع أحمد الشيخ إذن:-
- رئيساً لاتحاد عمال السودان.
- نائباً لرئيس الاتحاد العالمي لنقابات العمال.
- عضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني.
- وزيرا ممثلا للعمال في حكومة سر الختم الخليفة.
- حائزا على وسام السلام العالمي من فرنسا عام 1964 م.
- حائزا على وسام لينين من موسكو عام 1968 م.
والجدير بالذكر ان من بين الذين تم اعدامهم من المدنيين القانونى الجنوبي الأول الدكتور جوزيف قرنق وعبد الخالق محجوب واخرين.
.................
الشهيد الشفيع احمد الشيخ في الليلة الظلماء يفتقد البدر
07-30-2013 04:45 PM
" فى الليلة الظلماء يفتقد البدر" : الشفيع أحمد الشيخ الدكتور صديق الزيلعى
تمر علينا هذه الايام الذكرى ال42 لتعذيب واغتيال الشفيع احمد الشيخ احد ابرز القادة النقابيين السودانيين. وافضل احتفاء بالحياة الزاخرة بجلائل الاعمال التى عاشها الشفيع هو ابراز مواقفه واسهاماته وكتاباته وجعلها نبراسا نهتدى به فى سعينا نحو تحقيق التحول الديمقراطى فى بلادنا وهو هذف نبيل كرس الشفيع كل حياته لتحقيقه. وحياة الشفيع ذات اهمية خاصة للاجيال الجديدة التى تفتحت على الوعى فى ظل الانقاذ ولم تتعرف على التجربة السياسية والنقابية السودانية. خاصة وان تلك الاجيال ، الصاعدة فى مدارج النضال الوطنى، تسعى لبناء منظماتها الخاصة. وندعوا ان تبنى على ما حققته الاجيال السابقة يمحصون تجربتها بعين ناقدة ليحافظوا على ايجابياتها ويتخطوا سلبياتها.
ساهم الشفيع فى انشاء هيئة شئون عمال السكة الحديد فى عام 1947 وتصدى لقيادة نقابة عمال السكة الحديد منذ ذلك الحين وساهم بفعالية فى انشاء اتحاد عام نقابات عمال السودان فى 1950 وتقلد منصب سكرتيره العام حتى اغتياله فى 1971. وكان اول عامل سودانى يتبوأ منصب الوزارة بصفته النقابية حيث انتخبته مجالس ادارات نقابات العمال ليكون وزيرا ممثلا للعمال فى وزارة اكتوبر الاولى. واشتهر خلال نشاطه النقابى بسعة الافق النقابى والجراة فى احقاق الحق والقدرة الفذة على التنظيم والروح الديمقراطى فى تفهم الرأى الاخر والتسامح مع التنوع مما ادى لتعايش تيارات فكرية متعددة فى العمل النقابى تتصارع بمبدئية عن طريق طرح برامج انتخابية ولكنها ، فى النهاية، تتمسك بوحدة وديمقراطية واستقلالية العمل النقابى وتعمل فى اطار الشعار المشهور والذى ساهم الشفيع فى صياغته والتبشير به: " النقابة للجميع ولكل حزبه".
لم يقتصر نشاط الشفيع على السودان وانما شارك بفعالية فى الحركة النقابية الاقليمية و العالمية. وساهم فى تاسيس اتحاد العمال العرب وكان صوتا بارزا وسط النقابات الافريقية والعالمية مما اهله ليتبوأ مناصب قيادية فى اتحاد النقابات العالمى. لذلك ، لم يكن غريبا، كمية الاحتجاجات التى وصلت لسلطة نميرى من كافة ارجاء المعمورة تدين وتستنكر تعذيب واغتيال هذا القائد النقابى الفريد. كما قادت النقابات الاوربية حملت لمقاطعة السفن السودانية التى ترسو فى الموانئ الاوربية وقاد اتحاد النقابات العالمية حملة تضامن مع عمال وشعب السودان واصدر كتابا خاصا عن حياة الشفيع ترجم لعدة لغات ووزع على نطاق واسع.
وحقا " فى الليلة الظلماء يفتقد البدر" وقد تكرر خلال السنوات الماضية التساؤل المشروع: اين الحركة النقابية من قضية الديمقراطية؟ لماذا قعدت الحركة التى قادت ثورة اكتوبر وانتفاضة ابريل عن دورها الطليعى؟ لن اجاوب على هذه التساولات الان ولكن سافرد لها مقالا خاصا. ولكن قراءة سريعة فى حياة الشفيع تعطى القارئ فرصة ليقارن بين كيف كانت الحركة تحت قيادة الشفيع وواقعها الراهن ليعرف بعض العوامل التى اقعدت بها. ونقول بان اعادة الحركة النقابية لسيرتها الاولى يستلزم جهود شاقة و كبيرة: فكرية وتنظيمية ودراسة عميقة للواقع. ونعتقد ان احد مستلزمات ذلك الحراك هو دراسة التجربة النقابية السابقة، ليس بغرض استنساخها حرفيا ولكن بهدف دراسة اساليب العمل ومناهج الادارة وطرق تدريب الكوادر وكيفية تقديم المطالب والمرونة فى التفاوض حولها والحزم عند اللزوم لاستحقاق الحق. وان يتم كل ذلك بعقل ناقد متفتح على الجديد وغير منكفئ على القديم. عقل يستوعب المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى حدثت فى بلادنا وقد مرت مياه كثيرة تحت الجسر.
ما ننشره اليوم هو مساهمة متواضعة للتعريف بجهد الشفيع وجيله وياتى ذلك فى اطار السعى لجعل تجربة الماضى متاحة للاجيال الجديدة. وسوف ننشر بعض وثائق الفترة الاولى لانشاء الحركة النقابية وهى مجرد نماذج لوثائق تلك الفترة والتى تميزت بمواجهات قوية مع الدولة الاستعمارية واشهرها هو اضراب ال33 يوم الذى اجبر الدولة الاستعمارية على التراجع والاعتراف بالهيئة كممثل شرعى للعمال. وسنحاول فى المرات القادمة نشر بعض وثائق الفترات الاخرى. ففى تلك الفترة ارتبط نضال العمال المطلبى لتحسين اوضاعهم بالنضال الوطنى ضد الاستعمار. وفى تعليق للشفيع بان المخدم هو الدولة الاستعمارية التى تستغل العمال وهكذا نيل الحقوق يستدعى ربط النضال الاقتصادى بالنضال السياسى الوطنى.
ونود ان نشير الى بعض الملاحظات السريعة حول هذه البيانات التى لن تفوت على فطنة القارى:
(1) الشجاعة والجرأة فى مواجهة الحاكم العام والسكرتير الادارى عندما كانت ا لدولة الاستعمارية فى اوج قوتها وعندما كانت بعض الفئات تخاطبهما بخادمكم المطيع.
(2) الارتباط الوثيق بين قيادة النقابة وقواعدها حيث تخاطب القيادة القواعد بشكل مستمر ومنتظم لاطلاعها على كل ما يدور مما رسخ العمل النقابى وسط العمال وزاد من وعيهم وتفهمهم لكافة القضايا النقابية وثبت قواعد الديمقراطية النقابية
(3) قبول قيادة نقابة عمال السكة الحديد برأى الاجتماع رغم انه مخالف لرايها رغم انها النقابة الاقدم والاقوى والاكبر والاكثر تنظيما مما يشكل نموذجا لارقى اشكال الديمقراطية النقابية
(4) الموقف الوطنى الداعم لطلاب مدرسة خورطقت الثانوية عندما قصل الاستعمار المئات من الطلاب. وهى سنة حميدة واصلتها الحركة النقابية عندما دعمت اضراب البوليس واضرابات المزارعين والمعلمين.
(5) هذه البيانات هى حصيلة اسبوعين من النشاط النقابى مما يعطينا فكرة عن حجم وثائق الحركة النقابية ولكن ، ويا ويلى من لكن، ضاع ودمر اغلبها بغعل فاعل ( ساتعرض له فى مقال منفصل):
البيانات:
نقابة عمال السكة الحديد بعطبرة – مجلس الادارة الاعلى
أيها الزملاء: لا شك ان مشكلة الطلبة وتشريدهم لم تعد مشكلة تخص الطلبة وحدهم ولكنها فى الواقع اصبحت مشكلة تهدد هذا النذر الحقير من التعليم الذى تحصلت عليه البلاد بفضل كفاح شعبها المناضل مدى خمسين عامل من الذل والعبودية. وان سياسة التشريد التى اتبعتها المعارف مع ابنائنا الطلبة مما ادى للقذف بهم بالمئات خارج دور العلم وهم فى مثل هذه السن المبكرة. لا شك انها سياسة خطيرة جدا ستؤدى حتما لكوارث اخلاقية بهؤلاء الابناء، علاوة ما فى ذلك من تحد مشين للشعب السودانى المتعطش لتعليم ابنائه التواق لنور المعرفة والتقدم. ان سياسة التشريد لا شك انها سياسة صارمة لا تخدم غرضا ولاتحقق استقرارا ولكنها سياسة املتها روح الدكتاتورية وفكرة ناتجة عن عقلية لا تفكر بواقع شعبنا وظروفه القاسية. بيد اننا نعود ونتساءل ما الذى يراد بابنائنا الطلبة؟ أهو الاستقرار فى حياتهم المدرسية ام الاذلال والاضطهاد لتحطيم روحهم المعنوية؟ ان كانت الاولى فهل يظنون انهم يبلغون الاستقرار المنشود بسياسة فاشلة تقوم على الاحتقار والتنكيل والتشريد ام تراهم يظنون انهم ينقذون مستقبل التعليم من الفوضى المزعومة بتشريد المئات من الطلبة واغلاق مدارس باكملها بجرة من قلم؟
ان على المعارف ان تتخلى عن سياستها الفاشلة وتقلع عن نظرتها العدوانية نحو الطلبة ومستقبلهم لانها تعلم قبل غيرها ان الاستقرار المنشود لا يمكن ان يتم على انقاض حريات الطلبة وتجاهل مطالبهم وبدون تهيئة الجوء التربوى الصالح الذى دعائمه الاحترام والثقة المتبادلة بين الطلبة والمدرسين.
أيها الزملاء: ان الموتمر العمالى كهيئة شعبية لها وزنها الاجتماعى فى البلاد لا يمكنه ان يغمض عينيه عن هذه الهازل التى ترتكب فى وضح النهار لان مشكلة تشريد الطلبة لهى امر خطير للغاية لا يمكن السكوت عليه. واذا كانت المعارف تجد لها سندا فى الجمعية التشريعية و الحكومة فى تصرفاتها، فما احرى العمال بحماية الطلبة وهم أبناؤهم. بل قد يكون هذا الطالب المشرد أبن لعامل مشرد.
ان ابناؤنا الطلبة يقفون اليوم وحدهم فى خط النار الاول لا دفاعا عن انفسهم فحسب بل دفاعا عن مستقبل التعليم باكمله . وهم فى موقفهم هذا انما يواجهون قوة متحدة لا قدرة لهم على مقاومتها دون مساعدة فعالة من الطبقة العاملة السودانية بطلة الكفاح فى اى شكل من اشكاله. فلا غرابة ان شعر المؤتمر العمالى بهذا الواجب المقدس واعلن عن عزمه فى خوض المعركة جنبا الى جنب مع الطلبة الذبن كانوا وما زالوا اول المؤيدين لكفاح العمال فى جميع اطواره. ولهذا رأى المؤتمر العمالى فى جلسته بتاريخ 19 الجارى ان يعلن الاضراب العام لمدة ثلاثة ايام ابتداء من السبت 27/11/1950 أى بعد فترة انذار سبعة ايام لتعيد المعارف النظر فى موقفها وارجاع الطلبة المفصولين الى مدارسهم ووضع حد لحالة القلق على مستقبل التعليم فى هذه البلاد بفعل هذه الاجراءات الشاذة.
20/11/1950 مكتب سكرتارية نقابة عمال السكة الحديد بعطبرة
نقابة عمال السكة الحديد السودانية بعطبرة – مجلس الادارة الاعلى
السواقين والعطشجية
ان الظروف القاسية التى يؤدى فيها السواقين والعطشجية اعمالهم المرهقة والمعاملة الشاذة التى يعاملون بها من جانب المصلحة مما جعل حياتهم تتسم بعدم الاستقرار فى كل اطوارها. كل ذلك يجعلنا ان نولى مشكلتهم اهمية قصوى ونناضل بكل عزمنا لرد حقوقهم اليهم. ان مشكلة السواقين والعطشجية الخاصة بساعات العمل انما هى مشكلة مزمنة طالما ابدينا استعدادنا لعلاجها سلميا عن طريق المكاتبات والاجتماعات المشتركة. ولكن لقد اتضح الينا جليا ان المصلحة عازمة عن انصافهم متزرعة بحجج واهية لا تستند الى المنطق بحال من الاحوال. واليكم المشكلة:
لقد سبق ان حددت ساعات العمل للسواقين والعطشجية ب 180 ساعة فى الشهر وقد سرى مفعول هذا التحديد فعلا فى فترة معينة من الزمن فصار كل من السواقين والعطشجية يعمل 180 ساعة وما زاد على ذلك فى بحر الشهر يحسب لهم راحة. واستمر العمل على هذا الحال الى ان جاءت ظروف السيل فصدر اعلان من مكتب المرمة يحث السواقين والعطشجية لمواصلة العمل دون اخذ راحات على ان يحسب لهم ما زاد عن 180 ساعة عملا اضافيا يأخذون عليه اجرا. فيما بعد مدة السيل وكم كانت دهشتنا عندما وصل الى مجلس الادارة خطابا بتاريخ 8/7 من العام الماضى ان ساعات عمل السواقين والعطشجية ستحدد بين 185/195 ساعة فى الشهر. وقد كان هذا بمثابة التملص من تلك الالتزامات واذا بجميع الوعود التى بذلت لم تكن سوى تضليل. واخيرا قرر المدير العام ان تكون ساعات عمل السواقين 190 ساعة فى الشهر وبهذا القرار المجحف يكون متوسط مافقده السواق او العطشجى اجر 50 ساعة من مجموع ساعات العمل فى المدة المنصرمة. هذا علاوة على ان ال 190 ساعة فى عمل مرهق كهذا الذى يؤديه السواق والعطشجى شئ لا يمكن تصوره. ونحن نؤكد انه اذا تمادت المصلحة فى طريقها هذا سوف تدفعنا دفعا لاتخاذ مواقف ايجابية هى المسئولة عن كل نتائجها.
العطشجية ونقل الدوات: نشير الى نشرتنا السابقة فيما يخص مشكلة العطشجية والقرار القاضى بامتناعهم عن حمل الادوات التى هى عمل ليس من اختصاصهم وذلكم ابتداء من يوم 28/11/1950 الجارى وبناء عليه قد استدعى مكتب العمل السكرتير ومساعده واعلنهما شفويا بان المصلحة تنوى ايقاف العطشجية عن العمل رغم ان المدة التى اعطيت انذارا لهذا الاضراب عن حمل الادوات كانت 15 يوما.
اننا نؤكد ان هذا الاجراء الذى تنوى المصلحة اتخاذه ليس له ما يبرره على الاطلاق.
وهكذا يتضح لنا فى كل يوم بما لا يدع مجالا للشك فى حقيقة النوايا السيئة التى تكنها المصلحة وكيف انها تسعى لتعقيد المشاكل وخلق مضاعفات لها فى الوقت الذى كان فى امكانها حل المشكلة من اساسها دون ان يكلفها ذلك سوى قليل من التبصر
27/11/1950 مخلصكم الشفيع احمد الشيخ السكرتير العام
نقابة عمال السكة الحديد السودانية بعطبرة
نشرة مركزية
طلب اعتذار
وصل الى نقابة عمال السكة الحديد خطاب من السكرتير الادارى لحكومة السودان يطلب فيه من مجلس الادارة ان يقدم اعتذارا بنفسه الى مدير عام السكة الحديد فى مكتبه نسبة للقرار القاضى بالاضراب لمدة ثلاثة ايام الذى اجل لاعطاء الفرصة للوساطة الكريمة التى تدخلت لحل النزاع. ولا شك ان المراد من هذا الاعتذار هو دك صرح هذه النقابة وتعريض كرامة اعضائها للامتهان ليسلس قيادتهم ويمشوا فى ركاب الذل والهوان.
ان نقابة عمال السكة الحديد من القوة بمكان ولذلك فهى عازمة على قبول هذا التحدى وتؤكد للسكرتير الادارى أنه لا توجد قوة على الارض ترغمها على الخضوع والنزول الى هذا الدرك السحيق الذى ارادته لها الحكومة. ان الطبقة العاملة اذ تتحرك فهى كالمارد الجبار تنفض عنه غبار الكسل والخمول وهى كالبركان تحرق كل من يمسها بضرر. اننا العمال سوف نضحى بكل ما لدينا فى سبيل مصالحنا وصيانة كرامتنا وليست هنالك قوة فوق الارض تستطيع ان تحول بيننا وبين اهدافنا.
العطشجية
زملائى: استمعتم بالامس من محطة الاذاعة الى ذلك البيان الذى اذاعه مدير مكتب العمل والذى جاء فيه ان نقابة عمال السكة الحديد رفضت الاجتماع به لحل المشكلة الناجمة عن امتناع العطشجية عن حمل الادوات. اننا نؤكد ان هذا الذى جاء على لسان مدير مكتب العمل لا اساس له من الصحة وكنا نربأ برجل مسئول ان يلجأ لمثل هذا التلفيق المنافى للحقائق. والحقيقة ان مدير مكتب العمل الذى ادعى انه حضر بالطائرة لحل مشكلة العطشجية لم يتصل على الاطلاق بالنقابة بل ولم يطلب منها كتابة برغبته هذه. وكل ما هناك ان ضابط العمل للسكة الحديد طلب السكرتير العام ومساعده واخطرهما بان مدير مكتب سوف يحضر لعطبرة وسوف يكون مستعدا لمقابلة اى احد يرغب فى مقابلته فهل تريد مقابلته فرد السكرتير بالنفى واردف قائلا اذا كان لمدير العمل اى رغبة فى مقابلتنا فليذكر لنا ذلك. وعلى اثر هذه المحادثة الشفوية ارسل ضابط العمل صورة الخطاب التالى:
" حضرة رئيس نقابة عمال السكة الحديد
سيدى العزيز سيكون مدير العمل المستر ساندرسون بعطبرة بتاريخ 28 الجارى وسيكون مستعدا لمقابلة اى أحد يريد مقابلته. سيكون حضوره فى عطبرة الساعة 10/10
المخلص جرمان عن المدير العام "
ان هذا الخطاب وحده كفيل بان يفضح ذلك الادعاء القائل بان مدير العمل حضر لعلاج مشكلة العطشجية بالطائرة والا ما المانع ان يرسل مدير مكتب العمل خطابا يهذا المعنى. اننا نرى ان مثل هذا الخطاب الذى ارسله ضابط العمل يصلح ان يكون اعلان عام حتى يطلع عليه كل من يريد مقابلة مدير العمل. وان نقابة السكة الحديد مع الاسف ليست مكانا للاعلانات العامة. بل اننا نؤكد ان مدير العمل لو طلب منا الاجتماع لحل مشكلة العطشجية لما وجد منا سوى القبول.
وختاما اننا نذكر زملائنا العمال بان لا يقيموا وزنا لذلك الهراء والتضليل الذى ترسله محطة الاذاعة الحكومية فى هذه الايام لان مهمتها هى اضعاف موقف العمال حتى ولو كان ذلك بالتلفيق.
29/11/1950 مخلصكم الشفيع أحمد الشيخ السكرتير العام
نقابة عمال السكة الحديد السودانية بعطبرة
نشرة مركزية
اجتمع المؤتمر العمالى فى جلسة فوق العادة للبت فى الخطاب الذى بعثه السكرتير الادارى لحكومة السودان لاتحاد نقابات العمال يطلب فيه حسب رغبة المجلس التنفيذى سحب قرار الاضراب زد على ذلك ان يسير اعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد فى موكب لتقديم اعتذارهم للحاكم العام فى سرايته. لقد قرر المؤتمر العمالى فى تلك الجلسة سحب قرار الاضراب كما قرر عدم الاعتذار لان فى ذلك اذلال للعمال وللشعب السودانى باسره. ولعله من الجدير بالذكر ان ممثلى نقابة عمال السكة الحديد قد عارضوا الجزء الاول من القرار ورغم ذلك فقد حاز على موافقة اغلبية النقابات المشتركة وبذلك اصبح قرارا ملزما نحترمه رغم اختلاف وجهات النظر. هذا ونحن ننتظر تقريرا من الاتحاد واخرا من ممثلينا حتى نستطيع ان نقدم عرضا وافيا موضحين كل العوامل والاعتبارات التى ترتب عليها اتخاذ هذا القرار.
النقابات والاعتذار:
اوضحنا فى نشرتنا الماضية ذلك الخطاب المقدم من سكرتير ادارى حكومة السودان لجميع النقابات يطلب فيه من كل نقابة ان تقدم اعتذارها وتسحب اعلان الاضراب الذى اعلنته محليا لمدير المصلحة التى تنتمى اليها كل نقابة. ولما كان قرار الاضراب معلنا بواسطة اتحاد نقابات العمال فقد تقرر ان تمتنع النقابات عن الرد والاكتفاء بما ارسله الاتحاد العام ممثل النقابات فى هذا الصدد. اما موضوع الاعتذار فهذا اصبح امر مفروغ منه وبعد ان انتهت مدة الانذار دون ان تقدم نقابة واحدة بارتكاب مثل هذه الحماقة.
ان الغريب فى كل هذا هو ان يطلب منا هذا الطلب فى وقت تجيش فيه نفوس العمال بمعنى واحد: لقد صبرنا كثيرا ولن نصبر بعد اليوم ولقد تحملنا كثيرا ولن نتحمل بعد اليوم ، لقد عملنا ما يربو على نصف قرن من الزمن فى اسوا الظروف تحت اقسى انواع الشروط والكبت والارهاب لقد واجهنا من يملك قوة المال وقوة السلاح ويملك جهازا منظما يستغله لمص دمائنا وتشريدنا وارهابنا فنظمنا انفسنا للصراع فكانت معارك دامية وكانت مصادمات فخرجنا منها دائما ظافرين منتصرين. فان لم يكن بشئ فبالخبرة والعظة والكرامة. فما الذى يريدوه منا اليوم؟ أهو الاعتذار؟ الم يكفهم اننا اصبحنا مسرحا تمثل فيه ابشع المواقف التى تشابه اكثر العهود تاخرا حتى يلاحقونا فى اعز مانملك ولا نملك سواه وهو عزتنا وكرامتنا ؟ هل تعرف اننا قوة لا يستهان بها؟ السنا الذين تعتمد عليهم الحكومة فى تسيير اعمالها الاساسية فنحن الذين نسير لها القطارات فى انحاء السودان ونحن الذين نسير البواخر فى فروع النيل ونحن الذين نمد البلاد بالاضاءة ونحن الذين نعمل بين نار المسبك والمصهر تحت وهج الشمس فننتج الملايين لجهاز لا يطعمنا القوت ولا يعطينا الملبس ولا يصرف عنا غائلة الجوع والمرض وفوق ذلك يريدون منا ان نعتذر عن شئ لم نرتكبه بل ارتكبوه فى حقنا وتشريد ابنائنا واغلاق معاهدنا!
انهم طلبوا المستحيل فارادوا منا الاعتذار ولكننا لم نعتذر لاننا لن نعتذر
2/12/1950 مخلصكم الشفيع احمد الشيخ السكرتير العام
النسخة الاصلية لواحد من البيانات اعلاه :
نقابة عمال السكة الحديد السودانية بعطبرة
نشرة مركزية
استدعى البوليس فى مسء الخميس اعضاء مجلس الادارة المتواجدين بعطبرة وفتح معهم محضر تحقيق على اساس القضية التى رفعتها ضدهم ادارة السكة الحديد بصفتهم الشخصية عن النشرة التى اصدرها مجلس ادارة النقابة بتاريخ 2/12/1950 فيما يختص بموضوع رفض الاعتذار. ولما كانت التهمة موجهة اليهم بصفتهم الشخصية فقد رفض اعضاء المجلس الالاء باى رأى لان النشرة المقصودة صدرت من مجلس الادارة لنقابة عمال السكة الحديد وليست منهم كافراد عاديين.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
تلغراف
الشفيع احمد الشيخ السكة الحديد عطبرة
" ارسلت برقية فى اشهر الماضى لصاحب السعادة الحاكم العام بالنص التالى:
" ان الحقوق العامة للحريات التى كفلتها كل القوانين الدولية وخاصة حقوق الانسان التى اقرتها هيئة الامم المتحدة لتجعلنا نحن العمال نحذر سلطتكم التى تسمى بالتشريعية من اتخاذ اى خطوة اجرامية لكبت الحريات اكثر من الان. وان العمال اتخذوا قرارات فى غاية من الخطورة والاهمية فى اجتماع المؤتمر العمالى العام. واعدوا عدتهم لمواجهة كل الظروف التى يعيش فيها الشعب السودانى من ارهاق ووارهاب ويحذرونكم وكل السلطات الخاضعة للحكم الثنائى من اقرار قانون الطوارئ المقدم لجمعيتكم التشريعية والا فانهم مستعدون لاتخاذ خطوات ايجابية حاسمة للحيلولة دون هذه المؤامرة."
وفى 4 ديسمبر قررت الجمعية الاتى: " ان تكون لجنة مختارة للنظر فيما اذا كانت نصوص البرقية التى ارسلها مؤتمر عمال السودان بتاريخ 20 نوفمبر الى معالى الحاكم العام عن موضوع مشروع قانون تعديل قانون دفاع السودان تحتوى على اخلال بامتيازات هذه الجمعية. وان كان الامر كذلك ان توصى الجمعية بنوع الاجراءات التى تتخذ." هذا ويظهر انكم كنتم احد المسئولين عن ارسال هذه البرقية. وقبل ان تقدم اللجنة تقريرها للجمعية بناء على التعليمات الصادرة لها رأت ان تتيح لكم فرصة سماع ماتريد ان تدلى به امامها. ستجتمع اللجنة مرة اخرى فى الساعة التاسعة من صباح يوم الاحد الموافق 10 ديسمبر لتعطيكم فرصة الحضور امامها او تقديم اجابة مكتوبة للنظر فيها فى ذلك الاجتماع. وارجوا ان تتفضلوا بافادتى قبل هذا التاريخ عما اذا كنت ترغب فى الحضور واذا كنت تحتاج الى اى معاونة تمكنك من السفر او ترى ان الوقت غير كاف ليمكنك من تحضير ما تريد ان تدلى به مع ابداء الاسباب للجنة المختارة للنظر فيها. وقد كتبت خطابات مشابهة لهذا الى كل من عبد اللطيف ابوبكر ومحمد السيد سلام والحاج زيدان" (التشريعى)
وصلت البرقية عاليه للسكرتير وقيل انها بصفته الشخصية ايضا. ولما كنا لا نؤمن بتجاهل الجهات المختصة المسئولة وحصر الاتهام فى اشخاص معينين راينا من اللازم احاتكم بصورة البرقية لتكونوا على علم بما يحاك ويدبر فى الخفاء. وقد رد السكرتير على اللجنة المختارة بعدم استعداده للحضور لان الموضوع اولا واخيرا من اختصاص لجنة الاتحاد العام لنقابات السودان.
9/12/1950 مخلصكم الشفيع احمد الشيخ السكرتير العام
.....................
الشهيد الشفيع احمد الشيخ في الليلة الظلماء يفتقد البدر
07-30-2013 04:45 PM
" فى الليلة الظلماء يفتقد البدر" : الشفيع أحمد الشيخ الدكتور صديق الزيلعى
تمر علينا هذه الايام الذكرى ال42 لتعذيب واغتيال الشفيع احمد الشيخ احد ابرز القادة النقابيين السودانيين. وافضل احتفاء بالحياة الزاخرة بجلائل الاعمال التى عاشها الشفيع هو ابراز مواقفه واسهاماته وكتاباته وجعلها نبراسا نهتدى به فى سعينا نحو تحقيق التحول الديمقراطى فى بلادنا وهو هذف نبيل كرس الشفيع كل حياته لتحقيقه. وحياة الشفيع ذات اهمية خاصة للاجيال الجديدة التى تفتحت على الوعى فى ظل الانقاذ ولم تتعرف على التجربة السياسية والنقابية السودانية. خاصة وان تلك الاجيال ، الصاعدة فى مدارج النضال الوطنى، تسعى لبناء منظماتها الخاصة. وندعوا ان تبنى على ما حققته الاجيال السابقة يمحصون تجربتها بعين ناقدة ليحافظوا على ايجابياتها ويتخطوا سلبياتها.
ساهم الشفيع فى انشاء هيئة شئون عمال السكة الحديد فى عام 1947 وتصدى لقيادة نقابة عمال السكة الحديد منذ ذلك الحين وساهم بفعالية فى انشاء اتحاد عام نقابات عمال السودان فى 1950 وتقلد منصب سكرتيره العام حتى اغتياله فى 1971. وكان اول عامل سودانى يتبوأ منصب الوزارة بصفته النقابية حيث انتخبته مجالس ادارات نقابات العمال ليكون وزيرا ممثلا للعمال فى وزارة اكتوبر الاولى. واشتهر خلال نشاطه النقابى بسعة الافق النقابى والجراة فى احقاق الحق والقدرة الفذة على التنظيم والروح الديمقراطى فى تفهم الرأى الاخر والتسامح مع التنوع مما ادى لتعايش تيارات فكرية متعددة فى العمل النقابى تتصارع بمبدئية عن طريق طرح برامج انتخابية ولكنها ، فى النهاية، تتمسك بوحدة وديمقراطية واستقلالية العمل النقابى وتعمل فى اطار الشعار المشهور والذى ساهم الشفيع فى صياغته والتبشير به: " النقابة للجميع ولكل حزبه".
لم يقتصر نشاط الشفيع على السودان وانما شارك بفعالية فى الحركة النقابية الاقليمية و العالمية. وساهم فى تاسيس اتحاد العمال العرب وكان صوتا بارزا وسط النقابات الافريقية والعالمية مما اهله ليتبوأ مناصب قيادية فى اتحاد النقابات العالمى. لذلك ، لم يكن غريبا، كمية الاحتجاجات التى وصلت لسلطة نميرى من كافة ارجاء المعمورة تدين وتستنكر تعذيب واغتيال هذا القائد النقابى الفريد. كما قادت النقابات الاوربية حملت لمقاطعة السفن السودانية التى ترسو فى الموانئ الاوربية وقاد اتحاد النقابات العالمية حملة تضامن مع عمال وشعب السودان واصدر كتابا خاصا عن حياة الشفيع ترجم لعدة لغات ووزع على نطاق واسع.
وحقا " فى الليلة الظلماء يفتقد البدر" وقد تكرر خلال السنوات الماضية التساؤل المشروع: اين الحركة النقابية من قضية الديمقراطية؟ لماذا قعدت الحركة التى قادت ثورة اكتوبر وانتفاضة ابريل عن دورها الطليعى؟ لن اجاوب على هذه التساولات الان ولكن سافرد لها مقالا خاصا. ولكن قراءة سريعة فى حياة الشفيع تعطى القارئ فرصة ليقارن بين كيف كانت الحركة تحت قيادة الشفيع وواقعها الراهن ليعرف بعض العوامل التى اقعدت بها. ونقول بان اعادة الحركة النقابية لسيرتها الاولى يستلزم جهود شاقة و كبيرة: فكرية وتنظيمية ودراسة عميقة للواقع. ونعتقد ان احد مستلزمات ذلك الحراك هو دراسة التجربة النقابية السابقة، ليس بغرض استنساخها حرفيا ولكن بهدف دراسة اساليب العمل ومناهج الادارة وطرق تدريب الكوادر وكيفية تقديم المطالب والمرونة فى التفاوض حولها والحزم عند اللزوم لاستحقاق الحق. وان يتم كل ذلك بعقل ناقد متفتح على الجديد وغير منكفئ على القديم. عقل يستوعب المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى حدثت فى بلادنا وقد مرت مياه كثيرة تحت الجسر.
ما ننشره اليوم هو مساهمة متواضعة للتعريف بجهد الشفيع وجيله وياتى ذلك فى اطار السعى لجعل تجربة الماضى متاحة للاجيال الجديدة. وسوف ننشر بعض وثائق الفترة الاولى لانشاء الحركة النقابية وهى مجرد نماذج لوثائق تلك الفترة والتى تميزت بمواجهات قوية مع الدولة الاستعمارية واشهرها هو اضراب ال33 يوم الذى اجبر الدولة الاستعمارية على التراجع والاعتراف بالهيئة كممثل شرعى للعمال. وسنحاول فى المرات القادمة نشر بعض وثائق الفترات الاخرى. ففى تلك الفترة ارتبط نضال العمال المطلبى لتحسين اوضاعهم بالنضال الوطنى ضد الاستعمار. وفى تعليق للشفيع بان المخدم هو الدولة الاستعمارية التى تستغل العمال وهكذا نيل الحقوق يستدعى ربط النضال الاقتصادى بالنضال السياسى الوطنى.
ونود ان نشير الى بعض الملاحظات السريعة حول هذه البيانات التى لن تفوت على فطنة القارى:
(1) الشجاعة والجرأة فى مواجهة الحاكم العام والسكرتير الادارى عندما كانت ا لدولة الاستعمارية فى اوج قوتها وعندما كانت بعض الفئات تخاطبهما بخادمكم المطيع.
(2) الارتباط الوثيق بين قيادة النقابة وقواعدها حيث تخاطب القيادة القواعد بشكل مستمر ومنتظم لاطلاعها على كل ما يدور مما رسخ العمل النقابى وسط العمال وزاد من وعيهم وتفهمهم لكافة القضايا النقابية وثبت قواعد الديمقراطية النقابية
(3) قبول قيادة نقابة عمال السكة الحديد برأى الاجتماع رغم انه مخالف لرايها رغم انها النقابة الاقدم والاقوى والاكبر والاكثر تنظيما مما يشكل نموذجا لارقى اشكال الديمقراطية النقابية
(4) الموقف الوطنى الداعم لطلاب مدرسة خورطقت الثانوية عندما قصل الاستعمار المئات من الطلاب. وهى سنة حميدة واصلتها الحركة النقابية عندما دعمت اضراب البوليس واضرابات المزارعين والمعلمين.
(5) هذه البيانات هى حصيلة اسبوعين من النشاط النقابى مما يعطينا فكرة عن حجم وثائق الحركة النقابية ولكن ، ويا ويلى من لكن، ضاع ودمر اغلبها بغعل فاعل ( ساتعرض له فى مقال منفصل):
البيانات:
نقابة عمال السكة الحديد بعطبرة – مجلس الادارة الاعلى
أيها الزملاء: لا شك ان مشكلة الطلبة وتشريدهم لم تعد مشكلة تخص الطلبة وحدهم ولكنها فى الواقع اصبحت مشكلة تهدد هذا النذر الحقير من التعليم الذى تحصلت عليه البلاد بفضل كفاح شعبها المناضل مدى خمسين عامل من الذل والعبودية. وان سياسة التشريد التى اتبعتها المعارف مع ابنائنا الطلبة مما ادى للقذف بهم بالمئات خارج دور العلم وهم فى مثل هذه السن المبكرة. لا شك انها سياسة خطيرة جدا ستؤدى حتما لكوارث اخلاقية بهؤلاء الابناء، علاوة ما فى ذلك من تحد مشين للشعب السودانى المتعطش لتعليم ابنائه التواق لنور المعرفة والتقدم. ان سياسة التشريد لا شك انها سياسة صارمة لا تخدم غرضا ولاتحقق استقرارا ولكنها سياسة املتها روح الدكتاتورية وفكرة ناتجة عن عقلية لا تفكر بواقع شعبنا وظروفه القاسية. بيد اننا نعود ونتساءل ما الذى يراد بابنائنا الطلبة؟ أهو الاستقرار فى حياتهم المدرسية ام الاذلال والاضطهاد لتحطيم روحهم المعنوية؟ ان كانت الاولى فهل يظنون انهم يبلغون الاستقرار المنشود بسياسة فاشلة تقوم على الاحتقار والتنكيل والتشريد ام تراهم يظنون انهم ينقذون مستقبل التعليم من الفوضى المزعومة بتشريد المئات من الطلبة واغلاق مدارس باكملها بجرة من قلم؟
ان على المعارف ان تتخلى عن سياستها الفاشلة وتقلع عن نظرتها العدوانية نحو الطلبة ومستقبلهم لانها تعلم قبل غيرها ان الاستقرار المنشود لا يمكن ان يتم على انقاض حريات الطلبة وتجاهل مطالبهم وبدون تهيئة الجوء التربوى الصالح الذى دعائمه الاحترام والثقة المتبادلة بين الطلبة والمدرسين.
أيها الزملاء: ان الموتمر العمالى كهيئة شعبية لها وزنها الاجتماعى فى البلاد لا يمكنه ان يغمض عينيه عن هذه الهازل التى ترتكب فى وضح النهار لان مشكلة تشريد الطلبة لهى امر خطير للغاية لا يمكن السكوت عليه. واذا كانت المعارف تجد لها سندا فى الجمعية التشريعية و الحكومة فى تصرفاتها، فما احرى العمال بحماية الطلبة وهم أبناؤهم. بل قد يكون هذا الطالب المشرد أبن لعامل مشرد.
ان ابناؤنا الطلبة يقفون اليوم وحدهم فى خط النار الاول لا دفاعا عن انفسهم فحسب بل دفاعا عن مستقبل التعليم باكمله . وهم فى موقفهم هذا انما يواجهون قوة متحدة لا قدرة لهم على مقاومتها دون مساعدة فعالة من الطبقة العاملة السودانية بطلة الكفاح فى اى شكل من اشكاله. فلا غرابة ان شعر المؤتمر العمالى بهذا الواجب المقدس واعلن عن عزمه فى خوض المعركة جنبا الى جنب مع الطلبة الذبن كانوا وما زالوا اول المؤيدين لكفاح العمال فى جميع اطواره. ولهذا رأى المؤتمر العمالى فى جلسته بتاريخ 19 الجارى ان يعلن الاضراب العام لمدة ثلاثة ايام ابتداء من السبت 27/11/1950 أى بعد فترة انذار سبعة ايام لتعيد المعارف النظر فى موقفها وارجاع الطلبة المفصولين الى مدارسهم ووضع حد لحالة القلق على مستقبل التعليم فى هذه البلاد بفعل هذه الاجراءات الشاذة.
20/11/1950 مكتب سكرتارية نقابة عمال السكة الحديد بعطبرة
نقابة عمال السكة الحديد السودانية بعطبرة – مجلس الادارة الاعلى
السواقين والعطشجية
ان الظروف القاسية التى يؤدى فيها السواقين والعطشجية اعمالهم المرهقة والمعاملة الشاذة التى يعاملون بها من جانب المصلحة مما جعل حياتهم تتسم بعدم الاستقرار فى كل اطوارها. كل ذلك يجعلنا ان نولى مشكلتهم اهمية قصوى ونناضل بكل عزمنا لرد حقوقهم اليهم. ان مشكلة السواقين والعطشجية الخاصة بساعات العمل انما هى مشكلة مزمنة طالما ابدينا استعدادنا لعلاجها سلميا عن طريق المكاتبات والاجتماعات المشتركة. ولكن لقد اتضح الينا جليا ان المصلحة عازمة عن انصافهم متزرعة بحجج واهية لا تستند الى المنطق بحال من الاحوال. واليكم المشكلة:
لقد سبق ان حددت ساعات العمل للسواقين والعطشجية ب 180 ساعة فى الشهر وقد سرى مفعول هذا التحديد فعلا فى فترة معينة من الزمن فصار كل من السواقين والعطشجية يعمل 180 ساعة وما زاد على ذلك فى بحر الشهر يحسب لهم راحة. واستمر العمل على هذا الحال الى ان جاءت ظروف السيل فصدر اعلان من مكتب المرمة يحث السواقين والعطشجية لمواصلة العمل دون اخذ راحات على ان يحسب لهم ما زاد عن 180 ساعة عملا اضافيا يأخذون عليه اجرا. فيما بعد مدة السيل وكم كانت دهشتنا عندما وصل الى مجلس الادارة خطابا بتاريخ 8/7 من العام الماضى ان ساعات عمل السواقين والعطشجية ستحدد بين 185/195 ساعة فى الشهر. وقد كان هذا بمثابة التملص من تلك الالتزامات واذا بجميع الوعود التى بذلت لم تكن سوى تضليل. واخيرا قرر المدير العام ان تكون ساعات عمل السواقين 190 ساعة فى الشهر وبهذا القرار المجحف يكون متوسط مافقده السواق او العطشجى اجر 50 ساعة من مجموع ساعات العمل فى المدة المنصرمة. هذا علاوة على ان ال 190 ساعة فى عمل مرهق كهذا الذى يؤديه السواق والعطشجى شئ لا يمكن تصوره. ونحن نؤكد انه اذا تمادت المصلحة فى طريقها هذا سوف تدفعنا دفعا لاتخاذ مواقف ايجابية هى المسئولة عن كل نتائجها.
العطشجية ونقل الدوات: نشير الى نشرتنا السابقة فيما يخص مشكلة العطشجية والقرار القاضى بامتناعهم عن حمل الادوات التى هى عمل ليس من اختصاصهم وذلكم ابتداء من يوم 28/11/1950 الجارى وبناء عليه قد استدعى مكتب العمل السكرتير ومساعده واعلنهما شفويا بان المصلحة تنوى ايقاف العطشجية عن العمل رغم ان المدة التى اعطيت انذارا لهذا الاضراب عن حمل الادوات كانت 15 يوما.
اننا نؤكد ان هذا الاجراء الذى تنوى المصلحة اتخاذه ليس له ما يبرره على الاطلاق.
وهكذا يتضح لنا فى كل يوم بما لا يدع مجالا للشك فى حقيقة النوايا السيئة التى تكنها المصلحة وكيف انها تسعى لتعقيد المشاكل وخلق مضاعفات لها فى الوقت الذى كان فى امكانها حل المشكلة من اساسها دون ان يكلفها ذلك سوى قليل من التبصر
27/11/1950 مخلصكم الشفيع احمد الشيخ السكرتير العام
نقابة عمال السكة الحديد السودانية بعطبرة
نشرة مركزية
طلب اعتذار
وصل الى نقابة عمال السكة الحديد خطاب من السكرتير الادارى لحكومة السودان يطلب فيه من مجلس الادارة ان يقدم اعتذارا بنفسه الى مدير عام السكة الحديد فى مكتبه نسبة للقرار القاضى بالاضراب لمدة ثلاثة ايام الذى اجل لاعطاء الفرصة للوساطة الكريمة التى تدخلت لحل النزاع. ولا شك ان المراد من هذا الاعتذار هو دك صرح هذه النقابة وتعريض كرامة اعضائها للامتهان ليسلس قيادتهم ويمشوا فى ركاب الذل والهوان.
ان نقابة عمال السكة الحديد من القوة بمكان ولذلك فهى عازمة على قبول هذا التحدى وتؤكد للسكرتير الادارى أنه لا توجد قوة على الارض ترغمها على الخضوع والنزول الى هذا الدرك السحيق الذى ارادته لها الحكومة. ان الطبقة العاملة اذ تتحرك فهى كالمارد الجبار تنفض عنه غبار الكسل والخمول وهى كالبركان تحرق كل من يمسها بضرر. اننا العمال سوف نضحى بكل ما لدينا فى سبيل مصالحنا وصيانة كرامتنا وليست هنالك قوة فوق الارض تستطيع ان تحول بيننا وبين اهدافنا.
العطشجية
زملائى: استمعتم بالامس من محطة الاذاعة الى ذلك البيان الذى اذاعه مدير مكتب العمل والذى جاء فيه ان نقابة عمال السكة الحديد رفضت الاجتماع به لحل المشكلة الناجمة عن امتناع العطشجية عن حمل الادوات. اننا نؤكد ان هذا الذى جاء على لسان مدير مكتب العمل لا اساس له من الصحة وكنا نربأ برجل مسئول ان يلجأ لمثل هذا التلفيق المنافى للحقائق. والحقيقة ان مدير مكتب العمل الذى ادعى انه حضر بالطائرة لحل مشكلة العطشجية لم يتصل على الاطلاق بالنقابة بل ولم يطلب منها كتابة برغبته هذه. وكل ما هناك ان ضابط العمل للسكة الحديد طلب السكرتير العام ومساعده واخطرهما بان مدير مكتب سوف يحضر لعطبرة وسوف يكون مستعدا لمقابلة اى احد يرغب فى مقابلته فهل تريد مقابلته فرد السكرتير بالنفى واردف قائلا اذا كان لمدير العمل اى رغبة فى مقابلتنا فليذكر لنا ذلك. وعلى اثر هذه المحادثة الشفوية ارسل ضابط العمل صورة الخطاب التالى:
" حضرة رئيس نقابة عمال السكة الحديد
سيدى العزيز سيكون مدير العمل المستر ساندرسون بعطبرة بتاريخ 28 الجارى وسيكون مستعدا لمقابلة اى أحد يريد مقابلته. سيكون حضوره فى عطبرة الساعة 10/10
المخلص جرمان عن المدير العام "
ان هذا الخطاب وحده كفيل بان يفضح ذلك الادعاء القائل بان مدير العمل حضر لعلاج مشكلة العطشجية بالطائرة والا ما المانع ان يرسل مدير مكتب العمل خطابا يهذا المعنى. اننا نرى ان مثل هذا الخطاب الذى ارسله ضابط العمل يصلح ان يكون اعلان عام حتى يطلع عليه كل من يريد مقابلة مدير العمل. وان نقابة السكة الحديد مع الاسف ليست مكانا للاعلانات العامة. بل اننا نؤكد ان مدير العمل لو طلب منا الاجتماع لحل مشكلة العطشجية لما وجد منا سوى القبول.
وختاما اننا نذكر زملائنا العمال بان لا يقيموا وزنا لذلك الهراء والتضليل الذى ترسله محطة الاذاعة الحكومية فى هذه الايام لان مهمتها هى اضعاف موقف العمال حتى ولو كان ذلك بالتلفيق.
29/11/1950 مخلصكم الشفيع أحمد الشيخ السكرتير العام
...............
فى يوم 26 يوليو قبل اربعين سنه اغتيل المناضل الشفيع بعد ان تعرض لتعذيب بشع .
من المستحيل او الصعب ان يجد اى سياسي الاحترام والتقدير من الجميع . ولكن المناضل الشفيع احمد الشيخ كان الشاذ الذى يؤكد تلك القاعده . عندما كنت اسكن عند الخال محجوب عثمان فى القاهره ، كنا نتطرق لسيرة الشفيع طيب الله ثراه . كان الخال محجوب يقول ( الشفيع شخص ما عادى يختلف عن كل الناس . ويضيف الشفيع كان صدرو مفكك . ) وهذا يعنى انه رجل واسع الصدر يتقبل الناس ولا يحقد ولا يضمر الشر , كان نبيلا بمعنى الكلمه ( ما فيهو اى كلام ) .
لقد منح الشفيع وسام لينين الذى لم يحصل عليه الا افراد . وكان يتوق للحصول عليه زعماء ورؤساء دول . كما تحصل على وسام ابن السودان البار .
عندما ذهب احمد سليمان بعد اكتوبر وطلب من عبد الرحمن مختار ان يتعاقد معهم لطباعة الميدان ، رفض عبد الرحمن مختار لانه قد تعاقد مع الاخوان المسلمين لطباعة جريدتهم. فقام احمد سليمان كعادتة بتوجيه اقذع الشتائم لعبد الرحمن مختار . الى ان اوقفه الشفيع . وهذه الحادثه اوردها عبد الرحمن مختار فى كتابه خريف الفرح . مظهر الشفيع ومحياه كان يسعد الانسان حتى بدون ان يعرفه . كان يمثل بساطة ونقاء ابن البلد . هذا الفارس قال عنه نميرى بعد الرجوع الى السودان فى برنامج تلفزيونى عندما سألوه عن عدة اشخاص ابدا رأيه ، ولكن عندما سألوه عن الشفيع قال لا اعرفه . رجل عرفه كل العالم وحزن عليه . وينكر معرفتة جعفر نميرى .
المجموعه التى شاركت فى ضرب الشفيع كانت بقيادة الرائد ابو القاسم محمد ابراهيم والضابط على حسين اليمانى .والرائد عبد القادر جنى ، النقيب محمد ابراهيم . ومارسوا مع البطل الشفيع الضرب والركل بالاحذيه العسكرية والطعن بالسنكى والضرب باعقاب البنادق .
ابوالقاسم محمد ابراهيم عرفتة منذ ايام ايام الطفوله وعرفت اغلب اهله وسكنا فى نفس الحى . كان حاقداً طيله حياتة . ود اليمانى قابلته لفتره بسيطه فى السويد كان فى ضيافتى . عرفت عنه ما يخجل فيما بعد . ما سأورده هنا هو جزء من مشروع توثيقى كبير فى سودانيات بدأه الاستاذ عبد الله الشقلينى وشارك فيه آخرون منهم خالد الحاج صاحب الموقع رحمة الله علية . عصمت العالم ، الدكتوره بيان ، قارسيا وآخرون .
وسنواصل ...
ع،س شوقى
كتب خالد الحاج :
شهادة فاطمة أحمد إبراهيم :
عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني :
أحمد سليمان طلب مني أن أسترحم نميري... فرفضت!
أستاذة فاطمة.. أكثر من ثلاثين عاماً مرت على 19 يوليو .. ماذا تقولين عنها اليوم؟
ـ قبل أكثر من شهر ذهبت إلى بلغاريا مستشفية وفي يونيو توفت والدتي فأخبر والدي الشهيد الشفيع بأنني شديدة الارتباط بالوالدة فعليه من الأحسن ان يذهب ولا يعود بي للسودان. وقد كان ولم يخبرني بوفاة الوالدة وإنما أرجع سبب حضوره إلى بلغاريا إلى سوء الأوضاع السياسية خطيرة جداً ولا أعلم ماذا سيحدث ويحل بالسودان ورأيت أنه من المناسب رجوعك للبلد ويبدو بأن حاجة خطيرة ح تحصل... وواصل: أنا ح أحكي ليك قصتين حدثت لي أولاهما كان معي المرحوم حسن قسم السيد بالمنزل ببري ودق الباب وعندما فتحته وجدت أبو القاسم محمد إبراهيم ومعه معاوية سورج وأحمد سليمان زين العابدين محمد أحمد وضعت لهم كراسي بالحوش وطلبت منهم الدخول فرد على أبو القاسم .. لا ماح نتفصل .. شوف يالشفيع انا عاوز أسألك ورد على بأمانة.... أنا عايز أعرف أنت معانا ولا ضدنا؟ فضحكت .. وقلت حتى أرد عليك أدخل أولا وبعدين أجاوبك... وفجأة تدخل معاوية سورج وقال أيوه حدد لينا موقفك ، وأضاف أحمد سليمان بحدة، أيوه لازم تورينا .. وكنت أقابل كل ذلك بالضحك .. وعندها انفعل زين العابدين محمد أحمد وقال أخرسوا يا قليلي الأدب... أنا ما قايل أنكم جايين تحققوا مع الشفيع، ولعلمك بأن منزل الشفيع وفاطمة عندي مكان مقدس، وأخرج مسدسه «يا قليلي الأدب .. تطلعوا قدامي ولا أرصصكم» وخرجوا .. القصة الثانية ذهب أحمد سليمان ومعاوية سورج الى منزل منصور احمد الشيخ وكان معه الهادي ووضع احمد سليمان رجله على الكرسي وهو واقف ورفض الجلوس وقال اسمع يا منصور والهادي قولو للشفيع اذا ماحددت موقفك وواقف وين نحن ما ح نخليك وكان امام منصور كباية موية حدفها في وجوهم .. ورد عليهم بلاش قلة ادب انتو ما بتحققوا مع الشفيع وخرجوا وقال لي الشفيع دي الاحوال البمر بيها السودان حتى وصلنا السودان علمت بوفاة الوالدة وكنت بمنزلنا بالعباسية والشهيد الشفيع ببري وعندما مرت الايام اخذت ابني احمد وذهبت معي شقيقي الهادي الى منزلنا ببري، المهم سلم الشفيع على ابنه احمد وسألني بعض الاسئلة وبعد فترة قال لي انا عاوز استحم لاني دعوت الي اجتماع لجنة مركزية فوق العادة لانني اشعر بان الضباط الاحرار ضاغطين على هاشم العطا للقيام بانقلاب... بالاضافة الى اعضاء اللجنة المركزية فقد دعوت هاشم العطا ليعرف رأي الحزب في الانقلابات وواصل انتظريني استحم وح اعتذر ليك عن عدم حضورك للاجتماع بعد دخول الشفيع الحمام جاء شقيقه الهادي وعندما كنا قاعدين سمعنا طرقا شديدا على الباب فقام الهادي وفتح الباب وجاء المحامي غازي سليمان مسرعا ومنزعجا واخذ يردد الشفيع وينو.. الشفيع وينو..» قلت له انه في الحمام ورد عليَّ بحده .. لا امشي خليهو يطلع انا عاوزو في امر ضروري... مشيت للحمام وناديت على الشفيع واخبرته بان غازي سليمان عاوزك وهو منزعج جدا فقطع الشفيع حمامه وخرج وبادر غازي سليمان عندما رأي الشفيع رسلني ليك هاشم العطا عشان تكتب الخطاب فقال له الشفيع خطاب شنو؟ فرد عليه غازي هاشم العطا عمل انقلاب!! قال ليهو الشفيع شنو!! فرد غازي ايوه هاشم عمل الانقلاب ، هنا سأل الشفيع غازي... انت عسكري؟! فرد لا.. وواصل الشفيع.. طيب دخلت القيادة العامة كيف.. ولا هاشم العطا جاءك؟! أنا ما بكتب خطاب وانا داعي لاجتماع لجنة مركزية وهاشم مدعو عشان يسمع باضانو انو اللجنة المركزية ضد الانقلاب وبعدين قول لهاشم العطا اذا مابعرف يكتب خطاب عامل الانقلاب ليه؟ وبعدين كيف يمقلب اللجنة المركزية والحزب وقول ليه انك ركبتنا فوق ظهر اسد اذا قعدنا فيه ح يأكلنا واذا نزلنا منو برضو حا يأكلنا... وانا ماح اكتب خطاب ولا انا عسكري عندو.. وكان منفعلا جدا وخرج غازي سليمان وجلس صامتا لفترة طويلة وبعدها قال لي يا فاطمة هلا هلا على الجد الجماعة ديل عملوا الانقلاب عشان يمقلبو اللجنة المركزية وده غلط عشان كده انا وانت نتفارق امشي بيتكم في العباسية لانو اذا جاءوا لاعتقالي فانهم سوف يأذوني فيك وفي احمد .. وقاد العربة الهادي وعندما وصلنا الكبرى وجدناه مغلقاً...
الساعة كانت حوالي كم؟!
ـ كانت الساعة الرابعة واجتماع اللجنة المركزية من المفترض ان يكون في الساعة السابعة مساء 19 يوليو وعندما وصلنا بري طلب من الهادي ان يأخذنا الى منزله وعندما طلبت منه ان يأتي معنا رفض.
استاذة فاطمة اذن من الذي خطط للانقلاب هل هاشم وحده ام مع عبدالخالق؟
ـ عبد الخالق... ونقد وسعاد ابراهيم احمد وهاشم هم الذين خططوا للانقلاب.. اما الشفيع فقد عزل لانه كان معترضا على فكرة الانقلاب واللمسات الاخيرة للانقلاب تمت بمنزل صلاح ابراهيم احمد فلم تتم دعوة الشفيع لذلك الاجتماع وعندما تمت دعوة اللجنة المركزية للاجتماع الساعة السابعة من مساء 19 يوليو عجلوا بالانقلاب من الساعة الثالثة ظهراً.. ارجع ليك لمنزل الهادي.. الشفيع قال لي «يا فاطمة ده يوم الامتحان العسير ولازم نتعاهد على عدم افشاء أسرار الحزب وحتى لو قطعونا أرباً اربا..».
ماذا عن يوم 22 يوليو؟
ـ شاهدت نميري في التلفزيون وأخذ يتوعد بالشيوعيين ويحرض على ملاحقتهم وعندها اقترح على الهادي اخذي وابني احمد الى منزل ابن عمهم وعندما دخلت المنزل مازال نميري يتحدث في التلفزيون ، وقال احذر اي انسان من ايواء اي شيوعي واذا حصل هذا فسوف نقوم بمحاكمته وعندها قلت لابن عم الشفيع انا ما ح اقعد معاكم وما ح اجيب ليكم بلية واخذني الهادي الى منزله ووجدت شقيقي صلاح بالمنزل وجاءت شقيقتي نفيسة وركبنا جميعا عربة الهادي وذهبنا الى منزلنا بحي العباسية بامدرمان ، عندما كنت بمنزل الهادي جاء ضابط وهو يشهر مسدسه وقال اي واحد يقترب من الشفيع انا ح اضربه الشفيع قال ليهو ترصصو ليه ما يمكن يكون برئ واخذ منه المسدس، في هذه الاثناء دي جاء محمد عبد الغفار وقال للشفيع لقينا محل نختفي فيه فرد الشفيع بانه لن يختفي وكيف اقابل العمال اذا عاوزين يقابلوني .. اخذ المسدس من الضابط «حريكة» وقال لمحمد عبد الغفار امشوا اخفوا حريكة والمسدس في المكان الكان معد لاخفائي عندما وصلت أمدرمان اخبرني شقيقي صلاح بان احمد سليمان اتصل من الشجرة وطلب مني ان احمل ابني احمد واحضر لمعسكر الشجرة حتى استرحم نميري بان لا يعدم الشفيع .. وقلت لشقيقي صلاح الشفيع لم يرتكب جرما ليقتل وقول لاحمد عشان يقول لنميري اذا قطعت الشفيع اربا اربا قدامي انا ما استجديه ولن اركع امامه وبعد ذلك توجهت الى منزل شقيقي ولحق بي ابي وشقيقي الرشيد وبعد دخولهم سمعت «رجة» وعندما فتحنا الباب وجدنا عربة بها عساكر جيش وضابط يجلس في الامام وفهمت بانهم جاءوا لاعتقالي فاخذت اهتف بسقوط وموت نميري وكان ده في يوم 26 يوليو فقام عسكري بتعمير سلاحه واراد قتلي وهنا قفز احد العساكر ونكس سلاحه وقال ليه الاوامر اعتقالها ما نرصصها ، وجاء ابي وشقيقي وحملاني الى الكومر وسألهم ابي مودينها وين؟ فاخبره الضابط باننا سوف نوديها قسم البوليس». وفعلاً ذهبنا الى قسم البوليس ووجدت نائب مدير البوليس فطلب لي كباية موية واجلسني على كرسي ولم يتحدث معي على الاطلاق بعد شويه طلب مني ان اصطحب احد العساكر لاخذي الى الضابط الذي سوف يحقق معي، فلم يسألني الضابط اي سؤال وكان طوال الوقت منكفئاً على الطاولة يشخبط بقلمه عليها .. وقال لي مفروض ان احقق معك لكن حالتك لا تسمح بذلك لهذا سوف احولك المستشفى وخرج وبعد قليل جاء واخبرني بان الدكتور سوف يأتي بعد قليل الى هناك ، وفعلا جاء الدكتور ولم يفحصني وحتى لم يدخل المكتب ومن الخارج كتب تقريره الذي جاء فيه بان صحتي لا تسمح باستجوابي وامر بتحويلي الى المستشفى.. وهنا تدخل الضابط وقال ان ابو القاسم محمد ابراهيم مصرَّ على مقابلتي بوزارة الداخلية وفعلا اخذوني الى هناك عندما وصلت قابلت احد الضباط وقال لي «البقية في حياتك» وعندها اخذت اهتف يسقط السفاح نميري... يسقط السفاح الصعلوك فلم يعترضني احد.. وبعد ذلك دخلت في غيبوبة وحين فتحت وجدت نفسي طريحة الفراش وفي حالة اعياء شديد، المهم بصعوبة جلست وعندها دخل ضابط واخبرني بأن مدير البوليس يريد مقابلتي وفعلاً ذهبت لمقابلته واستدعى ثلاثة عساكر واخبرهم بانهم سوف يرحلون امرأة عظيمة من هنا الى منزلها .. واخبرني بان وزير الداخلية قبل اقتراحهم بحبسي بالمنزل بدلاً من السجن وقال لي سوف يستمر ذلك الحبس الى عامين ونصف وحين هم العساكر بالخروج اوقفهم وامرهم بان يحسنوا معاملتي وخطب فيهم قائلاً: «هذه المرأة وهبت حياتها لهذا الشعب وعانت ما عانت في سبيل ذلك» حين سمعت هذا الكلام بكيت وقلت للضابط لم أكن اتوقع ممن هو في منصبك ان يقول مثل هذا الكلام وشكرته واخبرته بأنني لست نادمة على فقد زوجي وأعاهدك أمام عساكرك بأنني سوف أواصل السير في نفس الطريق حتى لو كان مصيري مصير زوجي.
http://alsahafa.info/news/index.php?...&id=2147490948
كتب خالد الحاج :
دكتور الهادي أحمد الشيخ
شقيق الشفيع أحمد الشيخ - تكملة لشهادة فاطمة أحمد إبراهيم :
اقتباس:
فنادي على العساكر الذين اشرفوا على عملية الدفن واخذت كل يوم اصطحب واحدا ليريني القبر.. وكانوا ستة.. وعندما تأكدت من القبور.. وكانت قبور عبدالخالق والشفيع وجوزيف قرنق.. وقبل شهور جاءني ابن جوزيف قرنق وصحبته الى قبر والده وسورته بسور ابيض جميل.والثلاثة قبور متجاورة بمقابر بحري...!
اقتباس:
ويروي لي حكمدار سجن كوبر ميرغني وهو من منطقة الدامر فدعوته بعد فترة من احداث يوليو وسجل كل ما حدث للشفيع منذ لحظة وصوله كوبر وحتي اعدامه.. محتفظ بهذا الشريط.. ويقول ميرغني لحظة دخول الشفيع كوبر توجه نحو الميزان فقلت له يا الشفيع لم نقرأ عليك بيان الحكم فرد عليه الشفيع ) ياعم ميرغني من وقفتوني في الميزان يعني الحكم حيكون شنو؟! ويواصل ميرغني والشفيع على الميزان قال (هذه اقدارنا لاننا طيلة الحياة كنا ننادي بالتطور السلمي وسلاحنا هو الكلمة والاقناع) فسأله ميرغني هل لديك أية وصية فقال الشفيع قولو لاخواتي واهلي ان كنت قد اسأت او اخطأت مع احدهم بان يصفحوا عني
اقتباس:
(جاء ابوالقاسم محمد ابراهيم فسأل الشفيع بحده عبدالخالق وين؟! فرد عليه الشفيع بشرفي لا اعرف وهنا قال ابوالقاسم (انت عندك شرف واخذ يضربه وجاءت مجموعة من العساكر وجرو الشفيع لمكان بعيد واخذوا بضربه ضربا مبرحا. وقال مصطفي خوجلي (للامانة نميري خرج من احدي الغرف وتساءل ايه البيحصل فقالوا ليه ده ابوالقاسم بيضرب في الشفيع فالتفت نحو زين العابدين وقال له( روح وقف الحكاية دي) وجري زين العابدين وكأنه في سباق واوقف عملية الضرب
عبدالخالق: أضعنا حياتنا في قراءة الكتب والنظريات.. والسلطة نيلها سهل
وكان د. الهادي احمد الشيخ يستمع الى الاستاذه فاطمة وكثيرا ما سألته ليصحح بعض التواريخ او الاسماء.. وبعد ان انهت حديثها التفتت اليه قائلة ممكن تواصل يا الهادي..
قبل ان يبدأ بالحديث اشار لي بمذكرة صغيرة حمراء وسألني.. لاحظ هذه المذكرة انها تحمل تاريخ يوليو 1971 .. فهل يعقل ان تفوت على حاجه؟!
ـ 19 يوليو... كنت في طريقي لمنزل المرحوم زكي الحاج بحي المطار في تمام الساعة الرابعة بعد الظهر.. فقابلني صف عساكر وباللغة العسكرية يعني عشرة عساكر بقيادة شاويش فانزلوني من العربة وطلبوا مني رفع يدي وانا لا اعرف السبب شنو.. ولكن حضر شخص لابس مدني وسألني مالك يا دكتور فاجبته والله ما عارف الجماعة ديل وقفوني (اسمه صغيرون وقد عملنا سويا بالجنوب عندما كنت بالسلاح الطبي) فامر العساكر باخلاء سبيلي وسألته الحاصل شنو؟ قال (ماعندك راديو بالعربة واذا ما عندك افتح الراديو الساعة الخامسة في حركة على رأسها هاشم العطا.. فغيرت سير طريقي وتوجهت الى منزل شقيقي بالعمارات (منصور) فاخبرته بان هناك عملية انقلاب بقيادة هاشم العطا وهنا صاح منصور (حصل الشفيع) وفعلا بسرعة شديدة جدا ذهبت الى منزل الشفيع ووجدته نائما فايقظته واخبرته بالانقلاب وبدأ منزعجا وبعد قليل بدأت الاذاعة تنوه الى سماع بيان هام من الرائد هاشم العطا..وبعد قليل حضر الشاب الذي تحدثت عنه فاطمة - غازي سليمان - ولم اكن اعرفه وتحدث مع الشفيع قليلا وعندما خرج غازي من المنزل سألته ماذا يريد ، اجابني الشفيع بان هاشم العطا لم يتوصل حتي اللحظة - الساعة السادسة - الى قادة الحزب الشيوعي وتواصل التنويه وبعد الساعة الثامنة جاء غازي سليمان مرة اخري وطلب من الشفيع اصطحابه لهاشم العطا.. هنا تدخلت وقلت للشفيع.. يا اخي هاشم زاملته بالجنوب وقد يبدو انه مزنوق سيبني امشي ليه فرفض الشفيع بحده.. في تمام الساعة التاسعة والنصف تم اذاعة البيان.. وعندما جاءت فقرة (خلال 45 دقيقة كل شئ قد تم وتصحح مسار ثورة مايو) هنا قال لي الشفيع،، شوف ده بقول شنو 45 دقيقة كل شئ قد تم وبعد ذلك يحملونا مسؤولية العمل الطويل والصعب و45 سنه ما بنقدر نحل مشاكل البلد.. واضاف اذا نجح هاشم العطا في حكم البلد فانه سيكون اشد ديكتاتورية من نميري.. فسألته عن رأيه في البيان فقال لي بصراحة بعض التعابير بتاعت عبدالخالق محجوب ومنها تحديدا (القبض على الهواء) وبعد ذلك طلب مني الشفيع ان نخرج عشان نشوف الحاصل في الشارع شنو.. وكانت الساعة بعد العاشرة بعد قليل.. في العربة قال لي.. لقد تحدث معي عبدالخالق ذات مرة وسألني عن رأي في الانقلابات.. وقلت له انت ولا انا ولا اللجنة المركزية نقدر نعمل انقلاب.. ثم واصل الشفيع قائلا انا خائف يكون عبدالخالق حقن هؤلاء الشباب بحقن استعجال.. وعندما وصلنا الى مدرسة الخرطوم الثانوية للبنات اشار الى عامود نور كهرباء وقال في هذا المكان من المفترض انا وجوزيف قرنق نكون في انتظار من يأخذنا الى اجتماع اللجنة المركزية.. بعد ذلك رجعنا الى منزلي بالعمارات ثم جاء حسن قسم السيد وبعد قليل جاء كمال ابراهيم احمد وطلب من الشفيع ان يذهب لمقابلة عبدالخالق بمنزل صلاح ابراهيم احمد..وخرج الشفيع وحسن قسم السيد وحوالى الساعة 12 وشويه رجعوا ومعاهم عبدالخالق وكان مرهقا للغاية وارسلني لاحضار الحاج عبدالرحمن وفعلت وانفرد عبدالخالق بالحاج عبدالرحمن طويلا.
في صبيحة العشرين من يوليو اخبرني الشفيع بان عبدالخالق سوف يحضر ليقابل دكتور روسي شهير ليكشف عليه.. وفعلا وصل الدكتور وكان ضخما للغاية وطلب رسم قلب لعبدالخالق.. واختار عبدالخالق دكتور ابوبكر محمد الامين لانه زميل دراسة..وحددت مواعيد معه الساعة التاسعة مساء بمستشفي الخرطوم..واصطحب عبدالخالق الدكتور وحتي قال لي ياخي انا في الحقيقة طول حياتي كنت بقرأ ولم اعط نفسي فرصة للتأمل، ولكن بحرماني من القراءة وجدت بأننا بنصعب الحكاية على انفسنا جدا في مسألة الحكم.. نظريات وافكار وقوانين ولكن وجدته ابسط مما نتصور فاذا كان عبود (الاهبل) قالها هكذا ، حكم السودان 6 سنوات وكمان نميري (الاكثرهبالة) حكم سنتين ما الذي يمنع ناس هاشم العطا يحكموا ؟! المهم تم رسم القلب وبعد الانتهاء منه سأله دكتور ابوبكر عن الانقلاب فرد عليه عبدالخالق (والله الجماعة ديل حاسبنها طلقه.. طلقه).
في يوم 21 يوليو جاءالشفيع وتناول معنا طعام الغداء بالمنزل وقال بالحرف الواحد (ربي اخلي قلبي من اي حقد او اي روح للتشفي المهم عدم افتراء الشيوعيين وعدم الحاق اي اذي باي شخص خاصة الاخ زين العابدين محمد احمد.. وواصل .. «سوف اشر نفسي على زين العابدين شر لانه على دين».. وفي العام الماضي فقط اخبرني زين العابدين متأثرا جدا. في ذات اليوم لام الشفيع بعض الشيوعيين لوشايتهم بشيوعيين اخرين من جناح احمد سليمان ومعاوية سورج وقال لقد علمت مع الاسف بان شيوعيا قد وشي باخرين من الجناح الاخر وتألمت وبعد الغذاء سأحاول مراجعة الامر، فاذا هم الان يقولون بان الوضع السابق نظام تجسس فانهم الان يتجسسون لابد ان يترك كل فرد على راحته ويقيم الوضع فيعود من يعود للحزب ويبقي خارجه من يبقي. ويعتنق من المبادئ ما يشاء لا يصح محاربة الفكر بالتهديد ولا يقبض على احد الا من يرتكب خيانة ضد البلد.. هذا ماحدث يوم الاربعاء في الحادي والعشرين من يوليو.
22 يوليو ونهاية الانقلاب
عند العصر سمعنا صوت ذخيرة شديدة جدا يأتي من ناحية القصر ( قصر الضيافة) فقال لي الشفيع انا لا اريد البقاء في بري لان كتائب مايو سوف تهرج ضدي.. وكان ذلك يوم الخميس الذي تم فيه حظر التجول منذ الساعة السادسة مساء.. في صبيحة الجمعة طلب مني الشفيع حبوبا منومه وقال دائما عندما يعتقلون الناس يحققوا معهم في ساعات متأخرة من الليل..
في تمام الساعة العاشرة صباحا اذاع نميري بيانا نزع فيه وسام النيلين من الشفيع فايقظته اخبرته بالبيان فطلبت منه تفسير ذلك البيان فقال لي (ده معناه يمكن اعدامي) ويمكن تعذيبي خاصة اذا ما قرروا يقبضوا على عبدالخالق فقلت هذا لا معقول فقال (انك تقول هذا لا معقول يعني هذا انك تستعمل العقل ولكن ينعدم العقل في مثل هذه الحالات، وبعد ذلك اوصاني باحمد وفاطمة واحدي شقيقاتي وقال (فيما عدا ذلك انا مرتاح الضمير، في صبيحة السبت استيقظ الشفيع واخذ حماما وحلق لحيته وقال لي (احسن مكان يعتقلوني منه هو مكتبي باتحاد العمال، فخرج واستقل عربة اجره وعلمت انه اعتقل وهو في طريقه لاتحاد العمال وتم حجزه بالقسم الشرقي قبالة النادي الامريكي.. وبعد سنوات كتب لي حريكه خطابا من سجنه بغرب السودان ذكر فيه بانه كان يجلس بجوار الشفيع بالقسم الشرقي وجاء ضابط اسمه على حسين الىماني وضرب الشفيع كف حتي وقعت عمامته فثرت وامسكني الشفيع وقال اقعد نحن زي ده متعودين عليه، لكن اديني اسمه فاخرج مذكرة صغيرة وكتب علىها اسمه وقال (اذا عشت سأخذ حقي ولكن اذا مت فكلم الاخوان) بعد مده ذهبت الى سعد بحر واخبرته بانني اريد (اشوف الىماني ،، ذهبت اليه في سلاح المدرعات وكان قائدا، ونادي على حسين الىماني، يسكن بحي العرب ويقود حافلة الان) فتعرفت علىه...
وما حكي لي مصطفي خوجلي بانهم كانت المحاكمات تتم بالشجرة في جملونات كل غرفة تلاصقها غرفة فكانت غرفة محاكمة مصطفي خوجلي لصيقة غرفة الشفيع ويواصل مصطفي خوجلي القصة (جاء ابوالقاسم محمد ابراهيم فسأل الشفيع بحده عبدالخالق وين؟! فرد عليه الشفيع بشرفي لا اعرف وهنا قال ابوالقاسم (انت عندك شرف واخذ يضربه وجاءت مجموعة من العساكر وجرو الشفيع لمكان بعيد واخذوا بضربه ضربا مبرحا. وقال مصطفي خوجلي (للامانة نميري خرج من احدي الغرف وتساءل ايه البيحصل فقالوا ليه ده ابوالقاسم بيضرب في الشفيع فالتفت نحو زين العابدين وقال له( روح وقف الحكاية دي) وجري زين العابدين وكأنه في سباق واوقف عملية الضرب ثم اقتيد الى مكان اخر متسع وكان فيهم حامد الانصاري الذي قال لي (جاء الشفيع مليئا بالدماء ووجد المكان متسخا فاخذ في نظافته وقال ليهم يمكن مدتنا تطول.. وفي صبيحة الاحد استيقظ واخذ حماما ولبس جلبابا اخر الا انه امتلأ بالدماء من جديد.. في تمام الساعة الحادية عشرة نقل الى كوبر .. يوم الاحد.
ويروي لي حكمدار سجن كوبر ميرغني وهو من منطقة الدامر فدعوته بعد فترة من احداث يوليو وسجل كل ما حدث للشفيع منذ لحظة وصوله كوبر وحتي اعدامه.. محتفظ بهذا الشريط.. ويقول ميرغني لحظة دخول الشفيع كوبر توجه نحو الميزان فقلت له يا الشفيع لم نقرأ عليك بيان الحكم فرد علىه الشفيع ) ياعم ميرغني من وقفتوني في الميزان يعني الحكم حيكون شنو؟! ويواصل ميرغني والشفيع على الميزان قال (هذه اقدارنا لاننا طيلة الحياة كنا ننادي بالتطور السلمي وسلاحنا هو الكلمة والاقناع) فسأله ميرغني هل لديك أية وصية فقال الشفيع قولو لاخواتي واهلي ان كنت قد اسأت او اخطأت مع احدهم بان يصفحوا عني.. وبعد ذلك اخذ يهتف: عاش نضال الشعب السوداني.. وهنا قال له عم ميرغني يا الشفيع انت تحدثت في السياسة كتير حسع قول حاجة لربك.. فرد الشفيع ياعم ميرغني انا صليت ركعتين قبل ان اجئ هنا.. وبعد ذلك اخذنا في ترديده الشهادة ثلاث مرات ، فسأل الشفيع خلاص ياعم ميرغني خلصت فرد ميرغني ايوه.. فقال الشفيع (طيب مع السلامه.. وانتهي كل شئ في يوم السادس والعشرين من يوليو لعام 1971م.
قبور الشفيع.. عبدالخالق وجوزيف قرنق علمت من مدير سجن كوبر بان الشفيع قد دفن بمقابر بحري، وكان المدير على حماد فاخبرته بانني مسافر غدا الى شندي وارجوك تتبع اثار جثمان الشفيع وعندما رجعت من شندي وذهبت الى كوبر وجدت المدير قد تغير وكان والد حاتم حسين فنادي على العساكر الذين اشرفوا على عملية الدفن واخذت كل يوم اصطحب واحدا ليريني القبر.. وكانوا ستة.. وعندما تأكدت من القبور.. وكانت قبور عبدالخالق والشفيع وجوزيف قرنق.. وقبل شهور جاءني ابن جوزيف قرنق وصحبته الى قبر والده وسورته بسور ابيض جميل.والثلاثة قبور متجاورة بمقابر بحري...!
................
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق