فرج فودة | |
---|---|
فرج فودة
|
|
|
|
ولد | 20 أغسطس 1945 الزرقا، محافظة دمياط، مصر |
توفى | 8 يونيو 1992 (عن عمر ناهز 47 سنة) (اغتيال) مدينة نصر, القاهرة مصر |
المهنة | كاتب ، مفكر ، وعالم مصري |
الجنسية | مصر |
الأعمال المهمة | كتاب الحقيقة الغائبة |
بوابة الأدب | |
تعديل |
فرج فوده كاتب ومفكر مصري علماني. ولد في 20 أغسطس 1945 ببلدة الزرقا بمحافظة دمياط في مصر. وهو حاصل على ماجستير العلوم الزراعية ودكتوراه الفلسفة في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس، و لديه ولدان وابنتان، تم اغتياله على يد الجماعة الإسلامية في 8 يونيو 1992 في القاهرة. كما كانت له كتابات في مجلة أكتوبر وجريدة الأحرار المصريتين.
أثارت كتابات د. فرج فودة جدلا واسعا بين المثقفين والمفكرين ورجال الدين، واختلفت حولها الآراء وتضاربت فقد طالب بفصل الدين عن السياسة و الدولة وليس عن المجتمع.
كانت جبهة علماء الأزهر تشن هجوما كبيرا عليه، وطالبت لجنة شؤون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه، بل وأصدرت تلك الجبهة في 1992 "بجريدة النور" بياناً بكفره.[1]
شارك في تأسيس حزب الوفد الجديد، ثم استقال منه وذلك لرفضه تحالف الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين لخوض انتخابات مجلس الشعب المصري العام 1984.[2] ثم حاول تأسيس حزب باسم "حزب المستقبل" وكان ينتظر الموافقة من لجنة شؤون الأحزاب التابعة لمجلس الشوري المصري
أسس الجمعية المصرية للتنوير في شارع أسماء فهمي بمدينة نصر، وهي التي اغتيل أمامها.
محتويات
- 1 حياته
- 2 مؤلفاته
- 3 آراؤه
- 4 أسلوبه
- 5 المناظرتان
- 6 اغتياله
- 7 مراجع
- 8 وصلات خارجية
- 9 انظر أيضاً
حياته
النشأة الريفية: 1945-1956
ولد فرج فودة في قرية الزرقا بالقرب من مدينة دمياط في 20 أغسطس 1945. وهي نفس بلدة إبراهيم عبد الهادي (1896-1981)، رئيس وزراء مصر (1948-1949)، الذى قاد حملة أمنية عنيفة ضد جماعة الإخوان المسلمين واغتيل في عهده الشيخ حسن البنا (1906-1949). والزرقا أيضا هي بلدة الدكتور رفعت المحجوب (1926-1990)، رئيس مجلس الشعب المصري (1984-1990)، والذي اغتيل على يد إسلاميين مسلحين .عصر الرئيس عبد الناصر: 1956-1970
التحق فرج فودة في الستينيات بكلية الزراعة وحصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد الزراعي في يونيو 1967.[3] وفي الشهر نفسه، استشهد شقيقه الملازم محيي الدين فودة - والذي كان يصغره بعام واحد - في حرب 5 يونيو 1967، وذلك بعد ثلاثة أيام فقط من تخرجه من الكلية الحربية، ولم يتم العثور على جثمانه.[4] وشارك فرج فودة في مظاهرات الطلبة الغاضبة عام 1968 واعتقل لعدة أيام في عهد الرئيس جمال عبد الناصر.[5]عصر الرئيس السادات: 1970-1981
عمل فرج فودة معيدا بكلية الزراعة في جامعة عين شمس، وحصل على درجة الماجستير في الاقتصاد الزراعي عام 1975، ثم على درجة دكتوراه الفلسفة في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس في ديسمبر 1981، وكان عنوان رسالته : "اقتصاديات ترشيد استخدام مياه الري في مصر.”[3] عمل مدرسا بجامعة بغداد في العراق، ثم خبيرا اقتصاديا في بعض بيوت الخبرة العالمية، ثم أسس "مجموعة فودا الاستشارية” المتخصصة في دراسات تقييم المشروعات.[3]إحتراف الكتابة
ويكتب فرج فودة عن دراسته فيقول : "وهيئ لي وأنا أحصل على الدكتوراه، أنني مقبل على البحث في شئون التنمية الزراعية، وأن قصارى ما أتمناه أن أكتب مؤلفا أو مؤلفين في مجال تخصصي العام أو الدقيق... ومنصرفا إلى المهنة التي عشقتها بكل جوارحي وهي التدريس."[6] غير أن الاضطرابات السياسية التي شهدتها تلك الفترة، و نمو الجماعات الإسلامية خلال السبعينيات، والذي انتهى باغتيال الرئيس محمد أنور السادات في 6 أكتوبر 1981 على المستوى الداخلي، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران في 1979 على المستوى الخارجي، خرجت به من مهنة التدريس الجامعي إلى العمل السياسي العام. وإن ظل يؤكد أثر الدراسة الأكاديمية على أسلوب كتابته ومنهجه الفكري، إذ يقول : "دراستي الأولية للحصول على الدكتوراه أضافت إليّ المنطق والحجة، لا أستطيع أن أخون عقلي. الناحية الثانية أن دراسة العلوم الزراعية هي دراسة لعلوم الحياة، وما أكتبه هو دفاع عن حق الحياة الكريمة والإنسانية والحضارية.""[7]فودة و سياسات السادات
الانفتاح
بصورة عامة، اتفقت سياسات السادات الاقتصادية مع منهج فرج فودة العلمي المؤمن بتفوق الأنظمة الليبرالية، حيث أن "التخطيط الشامل الذي يتحكم في العرض والطلب ... كان محض عبث أو انعطافة تاريخ."[5] وقد أشاد بالآثار الإيجابية لسياسة الانفتاح على الاقتصاد المصري.[5]نشأة التنظيمات الإسلامية
كذلك فقد أيد إعادة السادات للحياة الحزبية[8]. على الرغم من ذلك، فلقد آمن فرج فودة بمسؤولية السادات عن نمو التيارات الدينية و أسماه "بالانتحار الساداتي"،[9] إذ يدعي أن الجماعات الإسلامية في الجامعات، قد تكونت على يد مباحث أمن الدولة، لمواجهة الناصريين واليساريين وبتوجيه من السادات. واعتبر أن اكتساحها للانتخابات الطلابية في نهاية حياته، بعد أن فقد السيطرة عليها، كان كابوسا يؤرق منامه.”[9]تقبل فودة تضمن دستور 1971 ضمن نصوصه، لأول مرة، "أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع". بدعوى أن أغلب القوانين المدنية مستقاة من أحكام الشريعة الإسلامية. لكنه عارض السادات عند طرح استفتاء عام قبل وفاته في عام 1981، ضمنه مجموعة من البنود والتي على الناخب أن يجيب عليها جملة واحدة بالإيجاب أو النفي. ومنها تعديل المادة السابقة بالنص على أن الشريعة الإسلامية هي "المصدر" الرئيسي للتشريع، بإضافة حرفي الألف واللام."[9] وقد اعتبر فرج فودة إضافة هذه المادة تمهيداً لقيام الدولة الدينية، المقوضة بالضرورة للدولة المصرية المدنية.
عند عودة التعددية الحزبية في عهد الرئيس السادات عام 1978، اعتبر فرج فودة أن "الحزب السياسي المنظم، والقوي الوحيد في الساحة المصرية الآن هو الحزب الديني الإسلامي بكافة اتجاهاته، وهي اتجاهات قد تتنافر في الأساليب، لكن يمكنها بسهولة شديدة أن تتجمع في إطار واحد يشمل الإخوان المسلمين (باتجاهاتهم) والجهاديين.[8] و دعى لأن يواجهه تجمع سياسي له جذور في الشارع المصري، يؤمن بالديمقراطية، ويكون قادرا على اجتذاب جميع الاتجاهات الليبرالية في مصر، ويرفع شعار الوحدة الوطنية ليس فقط كفكر مجرد، بل كتراث سياسي عظيم، ويمثل تجمعا شعبيا أكثر منه أيديولوجية سياسية، حيث تلتقي تحت لافتة العدل الاجتماعي كافة التيارات السياسية في ظله، أو على الأقل تناصره."[8] وقد شارك فرج فودة في تأسيس حزب الوفد الجديد، لاعتقاده بالتقاء الخصائص السابقة فيه وفي تراثه التاريخي، واعتبر أنه "سوف يكون الصراع حتى نهاية هذا القرن [=العشرين] في مصر، بين الوفد والاتجاه السياسي الديني المتطرف. وسوف تكون لكل منهما قواعده الشعبية. وسوف يلتف حول الوفد جميع المؤمنين بالديمقراطية والوحدة الوطنية، أفرادا وأحزابا. وعلى ضوء هذا الصراع سوف يتحدد المستقبل: الانتماء للمستقبل أم للماضي، الديمقراطية أم الإرهاب، الليبرالية أم القهر، الانتماء للعصر أم للتاريخ، مصر أولا أو للعقيدة أولا."[8]
6 أكتوبر
أيد فودة استعادة السادات لسيناء عن طريق معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في حين إعتقد فودة أن حرب 6 أكتوبر 1973 لم يتم معالجتها بصورة عقلانية تسمح بإدراك أهم دروسها، بل صبت المعالجة في صالح التفكير غير العقلاني : "إن أحدا ما لم ينتبه حين اندفعت الأقلام بعد حرب 1973، مصورة ما حدث وكأنه انتصار أتى من السماء على مؤمنين صادقين. هتفوا بأن الله أكبر. فأمدهم الله بجنده، وأعزهم بنصره. بل وأقسم البعض بأنه رأى الملائكة محاربين معه في الصفوف. ونسى المروجون لهذه القصص، أن الإسلام الحقيقي يتمثل فيما فعله المصريون خلال سنوات ما قبل الحرب، من تعلم وتدريب واستعداد بأحدث العلوم، وأساليب العصر وأنه لو كان الأمر صيحة أو بركة تحل، لهان الأمر. لكنه تيار دعائي ساد، ولم يواجهه أحد. فأصبح مؤشرا حقيقيا وخطيرا لتراجع العقل أمام المزايدة، والعمل أمام الغيبيات."[9]الصراع مع إيران و حرب المياه
آمن فرج فودة بأن "الصراع العربي الإسرائيلي في طريقه للتآكل بعد معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر[5]، وبأن صراع مصر في الشرق الأوسط سيتحول إلى الجمهورية الإيرانية الإسلامية، أما الصراع المسلح فسوف يتجه إلى الجنوب حيث مصادر المياه ودعى لتأمين منابع مياه النيل ومساره[5] ولعل تخصص فرج فودة العلمي في اقتصاديات مياه الري هو ما جعله يتلفت إلى ضرورة الاهتمام بمصادر المياه، ونبه إلى أن قيام النظام الإسلامي في السودان في عام 1983 يمثل خطرا استراتيجيا على أمن مصر القومي.رئاسة مبارك الأولى: 1981-1987
عرف فرج فودة خلال المعارك الحزبية التي اتسمت بها الفترة الرئاسية الأولى للرئيس محمد حسني مبارك (1981-1987). ولقد كانت أولى معاركه داخل حزب الوفد الجديد نفسه، خاضها [6] لمنع تحالف الحزب مع الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية في عام 1984. أورد فرج فودة أفكاره السياسية خلال هذا الصراع في كتابه الأول "الوفد والمستقبل" (1983)، وفشل فرج فودة في منع ذلك التحالف، والذي قاده داخل الحزب الشيخ صلاح أبو إسماعيل (1927-1990)، ونجح بفضله الوفد في الحصول على 58 مقعدا (15% من مجلس الشعب)،[10] واستقال فرج فودة من الحزب في 26 يناير 1984.[3]ألّف فرج فودة عددا من كتبه الهامة خلال تلك الفترة، هي "قبل السقوط" (1984)، و"الحقيقة الغائبة" (1984)، و"الملعوب" (1985)، و"الطائفية إلى أين؟" (1985) بالاشتراك مع يونان لبيب رزق (1933-2008) وخليل عبد الكريم (1930-2007)، و"حوار حول العلمانية" (1987). ولقت الكتب اهتماما، فطبع بعضها أكثر من مرة ودرس بعضها في الجامعات والمعاهد الأجنبية.[6]
كما كتب عددا من المقالات في جرائد المعارضة، مثل "الأهالي" التابعة لحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي و"الأحرار" التابعة لحزب الأحرار الاشتراكيين، وعددا أقل في الجرائد القومية، خاض فيها العديد من المعارك الفكرية دفاعا عن مبادئ الدولة المدنية من علمانية ووحدة وطنية وحقوق إنسان.
حاول تأسيس حزب سياسي أسماه "المستقبل" غير أن لجنة شئون الأحزاب في مجلس الشورى رفضته مرتين، فخاض انتخابات برلمان 1987 مستقلا عن دائرة شبرا وخسر، حيث حصل على 2396 صوتا، بينما وصل مرشحا الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم وحزب الوفد الجديد إلى جولة الإعادة بعد حصول مرشح الوفد على نحو 3000 صوت. [11] واعتقد فرج فودة بوقوع تزوير في الانتخابات أبخسه "ما لا يقل عن خمسة آلاف صوت."[11] كما تعرض إبان المعارك الانتخابية إلى حملة شرسة استهدفت شخصه وعقيدته، من مثل ادعاء الشيخ صلاح أبو إسماعيل أن فرج فودة قد دعا في كتابه "قبل السقوط" إلى إباحة الزنا طالبا منه أن يأتي له بزوجته وأهله، فإذا فعل فلا كرامة له، وإذا لم يفعل فهو أناني، وهو ما لم يرد عليه فرج فودة.[3] كذلك أشاع بعض أنصار التيار الإسلامي أن ابنته متزوجة من السفير الإسرائيلي، وأنه يقيم حفلات جنس جماعي أثناء ندواته في جمعية تضامن المرأة العربية، وهاجمته إحدى الصحف القومية بأن برنامجه السياسي يتلخص في "حماية الزناة والسكارى"، وادعت صحف الوفد والأحرار والشعب بأنه غير حاصل على شهادة الدكتوراه مما دفعه لنشر تكذيب في مجلة آخر ساعة موثقا بصورة شهادة الدكتوراه.[3] ولقد شبه فودة خسارته في الانتخابات لدفاعه عن العلمانية، بخسارة أحمد لطفي السيد (1872-1963)، أبي الليبرالية المصرية، في العشرينيات بسبب دفاعه عن الديمقراطية مما عد مخالفا للإسلام آنذاك، موقنا بأن العلمانية ستصبح مقبولة في العالم الإسلامي في المستقبل كما أصبحت الديمقراطية مقبولة في العالم الإسلامي المعاصر.[3]
انتهت الانتخابات البرلمانية لعام 1987 بحصول أحزاب "التحالف الإسلامي" المكون من حزب العمل الاشتراكي وحزب الأحرار الاشتراكيين وجماعة الإخوان المسلمين على نسبة 17% من مقاعد مجلس الشعب، بينما لم يحصل حزب الوفد الجديد إلا على 10% فقط من المقاعد بعد تخلي الإخوان عنه،[12] ولم يحقق الوفد الجديد أي نتيجة أفضل بعد ذلك.
رأى فرج فودة انتصار التحالف الإسلامي ونجاح الإخوان المسلمين[11] خطرا حقيقيا على الدولة، لا يقل عن إرهاب الجماعات الإسلامية في السبعينيات الذي انتهى بإسقاط رأس الدولة[9] وأشار فودة إلى أن التيار الإسلامي قد تعلم من خطأه في انتخابات 1984 التي خاضها تياره التقليدي (الإخوان) الساعي في رأيه إلى "تحقيق الإرهاب بالشرعية"[11] بدون تأييد تياره الثوري (جماعات الإرهاب المسلح) الساعي إلى "ضرب الشرعية بالإرهاب"،[11] ليتوحد التياران في انتخابات 1987 : "ويمكننا أن ندرك حجم ما حدث من تغيير في فكر أعضاء تنظيم الجهاد، إذا قارنا ما سبق، بحديث مفتيهم ومنظرهم وإمامهم عمر عبد الرحمن لجريدة الشعب قبيل الانتخابات عن أنه يؤيد التحالف … وأكثر من ذلك فإن أشهر أمراء الجماعات في المنيا قد رشح نفسه على قائمة التحالف ودافع عن شعاراته وراياته، وأصبح عضوا في المجلس بالفعل، وزامل في عضويته أعضاء آخرين، كانوا أمراء للجماعات الإسلامية وقت أن كانوا طلابا، وأصبحوا ممثلين لهذا التيار في نقاباتهم المهنية."[6] كذلك فإن الحملة الانتخابية للتحالف تم تمويلها عن طريق بيوت توظيف الأموال الإسلامية والتي تمثل ما أسماه فرج فودة باسم "التيار الثروي."[9]
كتب فرج فودة كتابه "النذير" (1989) كدراسة لمعالجة الدولة لنمو التيار الإسلامي ما بين عامي 1982 و1987، خلص منها إلى أن التيار الإسلامي "قد نجح بالفعل في تكوين دولة موازية"[11] لها اقتصادها المتمثل في بيوت توظيف الأموال، وجيشها المتمثل في الجماعات الإسلامية المسلحة، وكيانها السياسي المتمثل في مكتب إرشاد الإخوان المسلمين رغم حظر الجماعة قانونيا. كذلك اخترق التيار الإسلامي المؤسسة الدينية الرسمية مثل دعوة شيخ الأزهر الناخبين لإعطاء أصواتهم للمطالبين بتطبيق الشريعة (أي مرشحي التحالف الإسلامي)، ومطالبة جريدة اللواء الإسلامي التي يصدرها الحزب الحاكم (الحزب الوطني الديمقراطي) للمواطنين بعدم التعامل مع البنوك القومية وقصر تعاملاتهم على البنوك الإسلامية. كما اخترق أيضا الإعلام الحكومي حيث زادت الجرعة الدينية فيه من صحف ومسلسلات وخطب تلفزيونية مثل خطب الشيخ محمد متولي الشعراوي (1911-1998) التي عرّض في بعضها بعقيدة المواطنين المسيحيين. ولقد رأى فرج فودة أنه قد "تم هذا التنامي الهائل في ظل الإعلان الدائم عن تصدي الدولة لهذه التيارات، وتحت شعارات ورايات مواجهة التطرف السياسي الديني. وأن ينجح تيار ما في التنامي في ظل الغفلة، فإن ذلك يعتبر نجاحا مبررا. أما أن ينجح في ظل التنبيه وإعلان المواجهة، فإن النجاح هنا يعتبر نجاحا مضاعفا للتيار السياسي الديني، بقدر ما هو فشل مضاعف للدولة."[11] ووجد فرج فودة تشابها بين التيار السياسي الديني في مصر والنازية في ألمانيا من حيث "نظرات الاستعلاء والعنصرية واستخدام العنف والعودة إلى الجذور،" محذرا من أن "ما يحدث في مصر الآن، وما اعتمدته التجربة النازية للوصول إلى الحكم بعد فشل المواجهة، يتمثل في التسلل إلى المؤسسات القائمة، واستخدام الديمقراطية لإسقاطها في النهاية … واستغلال ضعف هيبة الدولة، واستثمار المعاناة من الأزمة الاقتصادية. والجدير بالذكر أن النازية قد وصلت إلى الحكم في ألمانيا دون أن تحصل على الأغلبية التي تؤهلها لذلك، لأن خطوات النظام لإسقاط نفسه، كانت أوسع بكثير من خطوات النازية لإسقاطه."[11]
رئاسة مبارك الثانية: 1987-1992
عادت عمليات عنف الجماعات الإسلامية المسلحة في النصف الثاني من الثمانينيات، مثل محاولات اغتيال وزير الداخلية اللواء حسن أبو باشا (1922-2005) والكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد (1935- ) ووزير الداخلية الأسبق اللواء النبوي إسماعيل (1925-2009) في عام 1987، ومثل قتل الأقباط وتدمير محلات الفيديو وبيع الخمور وأدوار السينما وصيدليات الأقباط في سوهاج. وفي عام 1988 سيطرت الجماعات الإسلامية على منطقة إمبابة ومارست إرهابا ضد أقباطها، وتزايدت أعمال الفتنة الطائفية وإرهاب الأقباط خاصة في الصعيد. وكتب فرج فودة كتابه "الإرهاب" (1988) لدراسة تنامي هذا العنف، ورأى فيه أنه بالرغم من نجاح ردود الأفعال الأمنية العنيفة من قبل الدولة في عهدي إبراهيم عبد الهادي وجمال عبد الناصر في تحجيم عنف الجماعات الإسلامية المتمثلة آنذاك في الإخوان المسلمين، إلا أن مثل هذه النجاحات كانت لفترات محدودة ولم تستطع اجتثاث المشكلة من أساسها ومن ثم فإن حل إرهاب الجماعات الإسلامية يكمن في رأي فرج فودة في ثلاثة سبل هي اتساع ساحة الديمقراطية حتى للتيارات الإسلامية وأن يسود القانون، وأن يكون للإعلام خط ثابت مدافع عن أسس الدولة المدنية.[6]كتب فرج فودة عددا من المقالات في جريدة الأحرار في أواخر عام 1989، أظهر فيها استياءه من الضجة الإعلامية حول جرائم الاغتصاب والتي رأى أنها لا تتناسب فعليا مع البيانات الرسمية لشيوع هذه الجرائم، ومن ثم رأى أن الضجة الإعلامية تهدف في الأساس إلى تهيئة الرأي العام لقبول العقوبات البدنية مثل ما نادى به الكثيرون من تطبيق "الإعدام في مكان عام" كنوع من تطبيق الشريعة الإسلامية.[13] ولقد اعتبر فرج فودة أن شروط حد الزنا الموجودة في الشريعة الإسلامية، خاصة ما يتعلق منها بشهادة الشهود، يكاد يستحيل تحقيقها في المجتمعات الحديثة، كما تناول دراسات فقهية عن رخص لم تعد موجودة كالتسري بالإماء وزواج المتعة أثارت جدلا واسعا بين رجال الدين. وخاض في ذلك مجادلات عديدة، إلى أن انتهى الأمر بطلب المجلس الدائم لحزب الأحرار الاشتراكيين، أحد أحزاب التحالف الإسلامي والذي تصدر عنه جريدة الأحرار، بوقف المقالات، بل وإلى نشوب صراع داخل الحزب بين محمد فريد زكريا الأمين العام المساعد للحزب ووحيد غازي رئيس تحرير الجريدة امتدت إلى المحاكم وانتهت بطلب الحزب إيقاف الجدال حول زواج المتعة.[13] وأورد فرج فودة هذه المقالات والدراسات الفقهية في كتابه "زواج المتعة" (1990).
وفي عام 1990 نشر فرج فودة كتاب "نكون أو لا نكون"، والذي ضم عدة مقالات بعضها رفض نشره. وأمر الأزهر بمصادرة الكتاب بعد طبعه، إذ تضمن نقدا حادا لشيخ الأزهر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق (1917-1996) نتيجة لاتهامه المدافعين عن الدولة المدنية بالخارجين عن الإسلام، وهو ما عده فودة تجاوزا لدور الأزهر الرسمي وقذفا لفريق من خيار المسلمين المجتهدين. وكتب فودة رده في مقال نشر بجريدة الأهالي في مارس 1988 وتضمنه الكتاب جاء فيه : "لشيخ الأزهر أن يحمد الله أيضا لأن أحدا لم يتعرض له، ولم يسأله عن موقع منصبه من صحيح الدين، ذلك الدين القيم الذي لا يعرف كهنوتا، ولا يوسط أحدا بين الله وعباده، ولا يفسح مساحة لرجال الدين، وإنما الساحة فيه واسعة للموعظة بالحسنى، تلك التي لم نجد لها في خطابه تأصيلا، وللعلم قبل الفتوى، ذلك الذي لم نجد عليه في خطابه دليلا … وما ضرنا لو يعلو بك البروتوكول فوق رؤوسنا ورؤوس المسلمين، وما ضرنا أن تسكن في قصر منيف، وما ضرنا أن تحصل على مرتبك من أموال دولة المسلمين، تلك التي تنعتها بأنها ربوية، وتصف بعض مصادر دخلها بأنها آثمة لأنها تأتي من المشروبات الروحية … لكن الضر كل الضر أن تتصور أنك يمكنك أن تخيف وأن بمقدورك أن تمنع كتابا هنا أو تصادر رأيا هناك، وأن تتخيل أن بيدك خزائن الدين، وأن في جعبتك صكوك الغفران، توزعها كما تشاء، فتغفر لمن تشاء، وتكفر من تشاء … وحاشا لله أن يبلغ بك الظن هذا المبلغ من السوء، وحاشا للإسلام أن يصل فهم البعض له إلى هذا الدرك … الإسلام يا شيخ الأزهر بخير طالما دافع عنه من يدافع، لقاء إيمانه وليس مقابل مرتبه، ولوجه الله وليس لوجه السلطة أو المال أو المنصب، وأزهى عصور الإسلام لم تعرف شيخا للأزهر أو لغير الأزهر، وإنما عرفت من عاش بكد يده، وتعلم من أجل العلم."[14]
اعتبر فرج فودة أن "الإرهاب لا يعيش، ولا ينمو، إلا في ظل الديماجوجية، وإلا عندما تفقد العين القدرة على التمييز بين الإرهاب وبين الشرعية، وإلا عندما يتنادى البعض بأن هناك إرهابا مشروعا وإرهابا غير مشروع، وإرهابا مستحبا وإرهابا غير مستحب."[6] ومن ثم فقد أدان احتفاء اليسار المصري بسليمان خاطر (1961-1986) الذي قتل سبعة سياح إسرائيليين (من بينهم أربعة أطفال) وضابط شرطة مصري في عام 1985، واعتبر قتل الدبلوماسيين الإسرائيليين والأمريكان على يد تنظيم "ثورة مصر" إرهابا على الأراضي المصرية.[6] وعندما اندلعت حرب الخليج الأولى في أغسطس 1990، كان فرج فودة من كتاب المعارضة القليلين الذين أيدوا موقف مصر الرسمي لتحرير الكويت. وقد خاض بسبب ذلك العديد من الصراعات السياسية مع كل من الإسلاميين والقوميين المؤيدين لصدام حسين وغزو الكويت.[5]
وفي يونيو 1991 سافر فرج فودة إلى ألمانيا لإلقاء محاضرتين، واحدة في قسم العلوم السياسية في جامعة برلين الحرة في برلين، والأخرى في قسم علوم الاستشراق في جامعة إرلنجن نورنبيرغ في ارلنجن.[15] ومنها سافر في الشهر نفسه إلى كندا وإلى الولايات المتحدة الأمريكية لملاقاة أقباط المهجر والاستماع إلى مشاكلهم المرتبطة بالتمييز الطائفي في مصر. ونجح فرج فودة في إقناعهم بتأسيس "جمعية الوحدة الوطنية" لنزع سمة الطائفية عن مطالبهم، وهو ما رحبوا به وشرعوا في تأسيسه.[15] وعند عودته إلى مصر، تقدم بطلب إلى وزارة الشئون الاجتماعية لتأسيس "جمعية الوحدة الوطنية" في نفس موقع الجمعية المصرية للتنوير التي أسسها من قبل، إلا أن الطلب رفض، وعندما وقعت أحداث إمبابة الطائفية في أكتوبر من نفس العام، كتب فرج فودة محنقا: "رعاع إمبابة هم صدى ضارب الدف وهو الإعلام المصري، وماسك الدف وهو النظام المصري، وصاحب الدف وهو التيار الديني السياسي في مصر. رعاع إمبابة هم التعبير الفج الواضح المعلن الدموي عن الممارسات الطائفية التي تضرب في العمود الفقري للحياة المصرية (العصرية)."[16]
وفي يوليو 1991، دعاه الكاتب الصحفي صلاح منتصر للكتابة في مجلة أكتوبر، واختارا معا عنوانا ثابتا لمقالات فرج فودة أسمياه "كلام في الهواء،"[5]. ولقد زار فرج فودة تونس حيث ناظر أنصار تيار الإسلام السياسي فيها،[5] كما تمت استضافته لثماني حلقات على التلفزيون التونسي،[7] وقد أذاه أن يستضيفه تلفزيون تونس لعرض أفكاره ولا يستضيفه تلفزيون مصر.[5] وفي يناير 1992 دعاه الرئيس مبارك لأول مرة في لقائه السنوي بالمثقفين أثناء فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، وفي المعرض نفسه، شارك في مناظرة أولى حول الدولة المدنية والدولة الدينية، ثم شارك في مناظرة ثانية في الإسكندرية في مارس 1992. وفي 3 يونيو 1992 أصدرت ندوة علماء الأزهر فتوى بتكفيره، وبعد خمسة أيام في 8 يونيو 1992 وقبيل عيد الأضحى، قام مسلحان منتميان للجماعة الإسلامية باغتياله أمام الجمعية المصرية للتنوير التي أسسها.
مؤلفاته
|
|
|
آراؤه
الريف
إنتقد فرج فودة ما اسماه بالفهم السطحي للدين لدى سكان الريف، واستعدادهم للتسليم بالقصص الخرافية.[17] وهو يروي حادثة شهدها وعمره نحو 10 سنوات، وهي جنازة (أبو إسماعين)، وقد حضر جنازته فلم يشهد نعشا يطير، وكل ما شاهدته أن بعضا أخذوا يهتفون دون سبب حول النعش: الله أكبر، الله أكبر! والنبي بلاش، والنبي خلاص، طاوعنا وروح المدفن، سنبني لك مقاما. ومن وقتها وحتى الآن أصبح طيران النعش حقيقة لا يختلف عليها اثنان، والبعض أقسم أن النعش بعد أن طار سار في جميع طرقات البلدة وحده، ثم عاد وحده إلى مدفنه. والآن، يقام سنويا أكبر مولد في البلدة للشيخ أبو إسماعين، الذي أصبح مقامه أكبر المقامات في مدافن البلدة، والذي لا يسأل أحد عن أصله وفصله، ويكتفي الجميع بترديد قصة طيرانه.[17]
ويروي فرج فودة حادثة أخرى عن مولد يقام في بلدته لشيخ يسمى (سيدي الأحباس)، وهو شخصية اختلقها فودة نفسه مع أصدقائه في مرحلة الصبا، وادعى أنها زارته في المنام وأمرته بإقامة مولد لها، فصدقهم رجل ممن يهوون خرافات الأولياء، وبالفعل أصبح لسيدي الأحباس مولد. [17]
ولقد اعتبر فودة فيما بعد أن الهجرة العشوائية غير المخططة لملايين من سكان الريف إلى المدن الكبرى كالقاهرة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وحملهم معهم ثقافة التدين السطحي، مما أسماه "بترييف المدن،"[17] كأحد أسباب انتشار الإرهاب، حيث أصبحت المناطق العشوائية المحيطة بالمدن الكبرى و"هي مناطق توريد التطرف والإرهاب السياسي الديني."[17] وهو ما عده النتيجة العكسية للهدف الرئيسي من التنوير المتمثل في "تمدين الريف،"[17] أي نشر التفكير العلمي العقلاني المعمق لجوهر الدين بين ربوعه، بدلا من التفكير الخرافي المؤدي إلى التدين السطحي.[17]
هزيمة 67
أثرت هزيمة 5 يونيو 1967 في فرج فودة بشدة، حيث يروي: "خيل لي أن مصر، قد ماتت وانتهت."[8] وهو يعتبرها أحد الأسباب الرئيسية لنمو التيارات الدينية في مصر والعالم العربي، إذ يقول عنها إنها "بل كانت هزيمة لأمل عظيم، في اقتحام معترك التقدم، وتحطيما لقيادة وثق بها الشعب كل الوثوق، وتنازل لها طائعا عن كثير من الحقوق”[3] وكان من نتيجتها "أن يبرز اتجاهان فكريان: أولهما يدعو إلى مواجهة العدو الإسرائيلي بمزيد من معرفة المعلومات عنه، وبمزيد من التأقلم مع حضارة العصر. ليس فقط من خلال مظاهر الحضارة، بل بالأخذ بجوهرها، ممثلا في احترام العقل وتقدير العمل وإعلاء قيمة الإنسان. أما الاتجاه الثاني فقد رأى أن الهزيمة لم تكن للإنسان المصري أو القيادة المصرية، بقدر ما كانت هزيمة لتبني المصريين للاختيار الغربي. وقد ساعد على تقوية حجة المساندين لهذا الاتجاه، أن إسرائيل نفسها كيان ديني في الأساس … وأنه من الواجب أن تواجه إسرائيل بنفس السلاح، وهو التوحد (الإسلامي) في مواجهة الغزو (اليهودي). خاصة وأن تاريخ الدولة الإسلامية في عهد الرسول، حافل بالمواجهة مع اليهود، وحافل أيضا بالانتصارات عليهم."[9] ولا شك أن مشروع فرج فودة الثقافي يمثل الاتجاه الأول الناجم عن الهزيمة، فهو يرجع الهزيمة إلى الجهل بلغة الحضارة الحديثة : "وجهل لغة الحضارة قادنا جميعا إلى صراع عسكري استمر نصف قرن، خرجنا منه إلى نقطة البدء، ونحن أسوأ حالا بكثير، وقبلنا بعده، وسنقبل ما لم يكن أحد يتصور أننا سنقبل به في يوم من الأيام.""[6]
وبالرغم من منهجه الفكري المناقض لسياسات الرئيس عبد الناصر، ورفضه لممارسات التعذيب التي اتسم بها عصره، إلا أنه رفض أن يعزى عنف الجماعات الإسلامية المسلحة إلى التعذيب والقمع اللذين نالاها خلال ذلك العصر. فهو يشدد على أن عنف هذه الجماعات الموجه إلى المدنيين المصريين قد نشأ على يد التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين في الأربعينيات قبل عصر عبد الناصر، ودون سابق تعذيب أو قمع، مما جعله يؤمن بأن استخدام العنف نابع من فكر هذه الجماعات في الأساس."[6]
العصر الثاني للتنوير المصري
ينتمي فكر فرج فودة إلى ما يمكن تسميته بالعصر الثاني للتنوير المصري، والذي يختلف عن عصر الرواد - ومنهم من خصهم فرج فودة بالذكر دليلا على تأثره بهم مثل "الطهطاوي وعلي مبارك وأحمد لطفي السيد وسعد زغلول وقاسم أمين وطه حسين وعلي عبد الرازق وأحمد أمين"[6] - في نشوئه في بيئة أكثر عداء وعنفا، وإلى جرأته في معالجة الكثير من القضايا التي تحاشاها جيل الرواد، حيث اعتبر فرج فودة أن "النجاح الحقيقي الذي حققته الاتجاهات الإسلامية المتطرفة ... تمثل أساسا في إشاعة جو من الإرهاب الفكري السياسي. لقد نجحوا في ظل غياب الديمقراطية في أن يسحبوا الفكر المصري معهم إلى ركن مظلم، يفضل أن يلوذ فيه بالصمت. إن عديدا من الأسئلة التي سبق وطرحها المفكرون المصريون في العشرينات لا يجرؤ مفكر على أن يطرحها اليوم."[8] ومن ثم، فإنه يعتبر أن ما كتبه مفكرو عصر التنوير الثاني، والذي يضم في نظره بالإضافة إليه "المستشار سعيد العشماوي، والدكتور فؤاد زكريا، والسفير حسين أمين، والدكتورة نوال السعداوي، والدكتور لويس عوض، والدكتور صبحي منصور، والدكتور عبد العظيم رمضان، والأستاذ خليل عبد الكريم، والدكتور سيد القمني، والدكتور نور فرحات، والأستاذ مكرم محمد أحمد، والأستاذ أحمد بهاء الدين، والأستاذ صلاح حافظ، والأستاذ محمود السعدني، والدكتور رفعت السعيد، والشاعر أحمد عبد المعطي حجازي ... هو أجرأ ما كتب في تاريخ اللغة العربية، وأكثره وعيا واستنارة، والأهم من ذلك أكثره شجاعة ومقدرة."[14] وهو يمهد الطريق كذلك إلى عصر ثالث من التنوير المصري: "ويقينا سوف يكتب البعض من الأجيال القادمة ما هو أجرأ، وأكثر استنارة، لكنه سوف يصدر في مناخ آخر، أكثر حرية وانطلاقا وتفتحا، ولعله من حقنا عليهم أن نذكرهم أنهم مدينون لنا بهذا المناخ، وسوف يكتشفون عندما يقلبون أوراقنا ونحن ذكرى، أننا دفعنا الثمن."[14]يعتمد التنوير المصري في الأساس على معالجة قضية العلاقة بين الإسلام والحداثة، حيث يؤمن فرج فودة "بأن الدين جزء من مكونات الشخصية المصرية، بل هو … ضمير مصر، ونغمة القرار في المعزوفة المصرية، وهي نغمة يمتزج فيها الهدوء بالعمق."[9] وهذه النغمة، المتنوعة بطبعها، تختلف بشدة "عن نغمات الجاز الصاخبة التي يفاجئنا بها المتسرعون والمتشنجون … المكونون لتيار عارم، غذاه فكر أحادي الاتجاه."[9] ومن ثم فإن أولى خطوات التنوير هي أن يدرك أنصار التيار الأخير أنهم "ليسوا وحدهم جماعة المسلمين،"[18] وأن معركة التنوير في مصر تقوم بين فريقين من المسلمين يبغى أحدهم تطبيق الشريعة "على ما تركه السلف دون اجتهاد ومراجعة،" بينما يبغى الفريق الآخر إقامة "قواعد تنظم المجتمع على أساس لا تتناقض مع جوهر الدين في شيء، ولا تصطدم مع معطيات العصر في إطارها العام."[18]
يقوم مشروع فرج فودة التنويري على أربعة محاور رئيسية هي : نقد الإسلام السياسي المعاصر، ونقد الإسلام السياسي التاريخي، وحتمية الاجتهاد وإعمال العقل، والدفاع عن أسس الدولة المدنية الحديثة.
نقد الإسلام السياسي المعاصر
مصر
يرى فرج فودة أن اعتبار تيار الإسلام السياسي المعاصر في مصر تيارا واحدا هو "خطأ شائع،"[9] فهو يقسمه إلى ثلاثة تيارات مختلفة هي:- التيار التقليدي: ويتمثل في جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في العشرينيات والتي – رغم اعتدالها الظاهري – ينبئ تاريخها في مصر بلجوء بعض أجنحتها إلى "اغتيال المعارضين في ظل الأنظمة الديمقراطية أو قلب نظام الحكم في ظل الأنظمة الشمولية."[9] ورغم رفض مؤسسها حسن البنا تحول الجماعة إلى حزب سياسي، إلا أنها الأكثر تنظيما ومشاركة في الحياة السياسية منذ دخولها مجلس الشعب لأول مرة عام 1984.
- التيار الثوري: ويتمثل في الجماعات الإسلامية المسلحة التي نشأت في أواخر الستينيات، وهي تعتقد بجاهلية المجتمع وترفض الدستور والديمقراطية وتؤمن بالعنف كأسلوب وحيد للعمل السياسي.[9]
- التيار الثروي: ويتمثل في أصحاب الثروات المتضخمة التي تكونت نتيجة للعمل في المملكة العربية السعودية أو في مصر بعد الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات.[9]
ومع تزعم أحزاب "التحالف الإسلامي" للمعارضة في برلمان 1987، حاول فرج فودة توثيق تصريحات أعضاء هذا التحالف بحثا عن برنامج سياسي لهم، من مثل رفض إبراهيم شكري (1916-2008) رئيس حزب العمل الاشتراكي لمناقشة الميزانية في البرلمان "لوجود بنود فيها محملة بوزر الفوائد الربوية وموارد المشروبات الروحية،" مما يعني بالضرورة فرار الحكومة من المساءلة، واقتراح مصطفى كامل مراد (1927-1998) حل المشكلة الاقتصادية بالبحث عن كنز قارون في الفيوم، وطلب الحمزة دعبس (1936- ) مرشح التحالف عرض الإسلام على السفير الإسرائيلي فإن رفض فالجزية فإن رفض فالقتل، ودعوة الشيخ يوسف البدري (1938- ) مرشح التحالف إعلان الحرب على بلغاريا وإسبانيا لأنهما من بلاد المسلمين المغصوبة، وهي كلها الآراء التى تنم في رأي فرج فودة عن افتقار التحالف لبرنامج حقيقي.[14]
يرى فرج فودة أن انعدام وجود برنامج سياسي لدى أنصار التيار الإسلامي هو أكبر الأخطار على مستقبل مصر. وهو يعزيه فكريا إلى قصور فكر الاجتهاد لدى أنصار هذا التيار: "هذه الدولة الإسلامية تحتاج إلى برنامج سياسي يعرض تفصيلا وتأصيلا للعموميات والجزئيات، وأنهم أعجز من أن يصيغوا مثل هذا البرنامج أو يتقدموا به، وأنهم يهربون من الرحى برميها فوق رؤوسنا، داعين إيانا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، التي تقودنا بالحتم إلى دولة دينية إسلامية، نتخبط فيها ذات اليمين وذات اليسار، دون منارة من فكر أو اجتهاد مستنير، وليحدث لنا ما يحدث، وليحدث للإسلام ما يحدث، وما علينا إلا أن نمد أجسادنا لكي يسيروا عليها خيلاء، إن أعجزهم الاجتهاد الملائم للعصر رفضوا العصر، وإن أعجزهم حكم مصر هدموا مصر."[18]
إيران
اعتبر فرج فودة أن نمو الإسلام السياسي في مصر هو "جزء من اتجاه عام في جميع البلاد الإسلامية الآن يمكن أن يطلق عليه اسم الثورة الإسلامية،"[8] وأن "هذا الاتجاه العام، بنجاحه في إيران، قد أحدث انقلابا جوهريا في أساليب ووسائل الأحزاب السياسية الإسلامية في العالم الإسلامي، حيث طرح منطق الثورة الشعبية، أو التغيير العنيف، كبديل لأسلوب التعايش مع النظم الديمقراطية والعمل في ظلها، كما أنه أحيا الآمال في نفوس أنصار هذه الاتجاهات في جميع البلدان الإسلامية."[8]رأى فرج فودة أنه باستثناء الاختلاف الفكري بين الشيعة والسنة فيما يتعلق بنظرية الإمامة ومدى اختلاط أمور السياسة بالدين، فإن الظروف الموضوعية الممهدة لإنشاء الدولة الدينية الإسلامية في كل من مصر وإيران تكاد أن تتطابق:[11]
- تمثل إيران مركز القيادة للعالم الشيعي لأسباب تتعلق بالقيادة الفكرية والثقل السكاني، رغم وجود المقدسات الشيعية في العراق. وهو نفس موقع مصر في العالم السني بالمقارنة بالسعودية ولنفس الأسباب. وإذا كان اختراق الحكم الديني للعالم الشيعي لا بد وأن يبدأ بطهران، فإن اختراق العالم السني لا بد وأن يبدأ بالقاهرة.
- نمو الكيان الاقتصادى المستقل للتيار السياسى الديني نتيجة لما يدفعه الشيعة طواعية للقيادات الدينية كنسبة من أرباحهم في إيران، ولنمو التيار الثروي في مصر.
- تمثل الأحياء الفقيرة مرتعا خصبا للتطرف السياسي الديني، وقد لعب سكان هذه الأحياء الدور الرئيسي في الثورة الشعبية التى اجتاحت قلب طهران. وتمثل القاهرة صورة كربونية تتطابق مع طهران.
- ميل الإدارة الأمريكية لسياسة احتواء الثورة الإسلامية في إيران التي قادها وزير الخارجية فانس بدلا من سياسة المواجهة التي دعا إليها بريجينسكي مستشار الأمن القومي. ولقد انتصر تيار الاحتواء وانتهى إلى ما انتهى إليه الحكم المدني في إيران. وتميل الولايات المتحدة إلى سياسة الاحتواء أيضا بالنسبة للتيار السياسي الديني في مصر.
- اعتمدت الثورة الإيرانية على المليشيات الشبابية المسلحة (أقل من 30 عاما) مثل الحرس الثورى، حيث يسهل توجيه طاقات الشباب إلى عنف التغيير، والذى يحقق ذاته من خلال الارتباط بقيم مثالية عليا، والذى تدفعه مشاكله الحياتية المعقدة (أزمة السكان - البطالة - عدم القدرة على الزواج) إلى تدمير الهياكل القائمة المسئولة عن هذا كله، ومحاولة بناء مجتمع جديد تسوده شعارات غير محددة وغير تفصيلية. وتعتمد الجماعات الإسلامية في مصر على الشباب أيضا.
- أجاد التيار السياسي الديني في إيران استخدام منابر المساجد من خلال أئمة المنابر المسيسين، كما أجاد توجيه حرب الكاسيتات. وهو ما حدث في مصر منذ نهاية عصر الرئيس السادات، مثل شرائط الشيخ عبد الحميد كشك (1933-1996) والذي أطلق اسمه على أحد شوارع طهران.
- اعتماد السلطتين، الشاه في إيران والرئاسة في مصر، على الجيش كصمام أمان أخير إذا عجزت الشرطة عن احتواء الخطر. غير أن درس الثورة الإيرانية أوضح أن أقوى الجيوش التى عرفها تاريخ المنطقة، وأرقاها تسليحا، وأكثرها ولاء للحاكم، وأبعدها ارتباطا بالظاهرة الدينية، وأكثرها ارتباطا بالقيم والدول المتحضرة، عجز تماما عن الحركة في مواجهة شارع أعزل حين تعدى نمو التيار حدا معينا، أصبحت بعده تكلفة الاستخدام مع إمكانياته وقدرته أكبر بكثير من نتائجه.
- خطأ اليسار في البلدين، والذى يتصور أنه في خندق واحد مع التيار السياسي الديني في مواجهة الإمبريالية والصهيونية والنظم العميلة، ويمتد نظره إلى مرحلة تقسيم الغنائم بعد سقوط النظام، وهو ما فعله حزب توده الشيوعي وحركة مجاهدي خلق اليسارية في إيران ، وهو نفس ما فعلته بعض القيادات اليسارية المصرية مثل وضع حزب التجمع المطالبة بتطبيق الشريعة على رأس مطالبه.
ولهذا، وبالرغم من معارضة فرج فودة القوية لغزو العراق للكويت، إلا أنه رأى أن "انهيار العراق الشامل ليس في مصلحة أحد، وليس بالتحديد في مصلحة مصر، ولا في مصلحة دول الخليج، بل إن وجود صدام حسين الآن، برغم كل مساوئه وأخطائه، أهون بكثير من البديل المتاح حاليا، وهو قيام حكم شيعي في العراق أو في جنوبه."[5]
السودان
اهتم فرج فودة بتحول السودان إلى دولة إسلامية في سبتمبر 1983 على يد الرئيس النميري كدراسة حالة على الآثار المترتبة على التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية في كتابه "قبل السقوط" (1984). وقارن بين مخاوفه على انفصال السودان طائفيا نتيجة لاندلاع الحرب الأهلية السودانية الثانية بعد تطبيق الشريعة، وبين ابتهاج أنصار تيار الإسلام السياسي خاصة في مصر لتحول السودان إلى دولة دينية من مثل الشيوخ محمد الغزالي، وعبد الحميد كشك ، وعبد اللطيف عبد الغني حمزة (1923-1985) مفتي الجمهورية، وعبد اللطيف مشتهري (1915-1995)، وعمر التلمساني (1904-1986) المرشد العام للإخوان المسلمين، وصلاح أبو إسماعيل، والدكتور يوسف القرضاوي (1926- )، وحتى الملاكم محمد علي كلاي (1942- ).[9] كما اهتم بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي قام بها الحكم الديني في السودان،[9] من مثل إعدام محمود محمد طه (1909-1985) رئيس الحزب الجمهوري السوداني لكتابته منشورا رافضا لقوانين سبتمبر 1983 بصورة متعسفة "تتمثل في المحاكمة لمدة ساعة واحدة، وتنفيذ حكم الإعدام خلال ثلاثة أيام، وعدم مراعاة عمر الرجل الذي بلغ الثمانين، وتنفيذ الحكم أمام هتافات الآلاف، وحضور الأربعة من زملائه المحكوم عليهم بالإعدام للتنفيذ تمهيدا لاستتابتهم،"[3] والأضرار الاقتصادية البالغة التي ترتبت عليه،[9] وأدت إلى المظاهرات الشعبية والانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم النميري عام 1985 وأعاد الحكم المدني إلى السودان، فكتب مخاطبا أنصار الدولة الدينية في السودان: "لا يغني عن ذلك الحديث عن البركة، ذلك الذي ... أثبتت قدرة الله عكسه، حين هلت على السودان بشائر المجاعة، جزاء وفاقا على أفعال من خلت من قلوبهم الرحمة وهي جوهر الإسلام، ... وقادتهم ساديتهم إلى القطع قبل الشبع. ما بالهم صمتوا أمام جفاف السماء بعد أن وعدونا بالسيول؟ وأمام تشقق الأرض بعد أن وعدونا بالجنان؟ وأمام خلع الإمام استجابة لغضبة الشعب بعد أن بايعوه مدى الحياة، وعاهدوه على السمع والطاعة؟ فجازته وجازتهم السماء بالمجاعة."[14]أدان فرج فودة الانقلاب العسكري الإسلامي الذي أطاح بالحكم المدني المنتخب في السودان عام 1989، لبدء الأخير مفاوضات سلام مع الجنوب ولإلغائه قوانين الشريعة وحالة الطوارئ، وأتى الانقلاب بحسن الترابي إلى السلطة والذي أعاد قوانين الشريعة، وحوّل السودان في رأيه "إلى مستقر للأصوليين والإرهابيين، تحت شعارات الثورة الإسلامية."[5] كتب فرج فودة مقالا يهاجم فيه الترابي لإساءته من وجهة نظره "للحضارة، ولحقوق الإنسان، وللوجه الحضاري للسودان، وقبل ذلك كله للإسلام الحنيف، الذي تحول على يديه إلى إسلام عنيف، يعرف القطع قبل الشبع، ويبرر لحاكم مثل النميري أن يعلق معارضيه على أعواد المشانق، وأن يجمع النظارة ليس لمشاهدة فرقة مسرحية، أو الاستماع إلى أوبرا أو أوبريت، وإنما لمشاهدة قطع الأيدي والأرجل في ساحة سجن كوبر."[14]
اعتبر فرج فودة أن انهيار صدام حسين بعد حرب الخليج الأولى "وبخروج العراق من ساحة التوازنات الإقليمية، أصبحت مصر هي حائط الصد الوحيدة، في مواجهة القوة الإيرانية العملاقة بالمقارنة مع الإمارات الخليجية،" وأن "إيران قد تخلت عن منطق الدفاع، وتسلمت زمام المبادرة للهجوم على مصر، واستطاعت أن تخترق نظام البشير في السودان من خلال سيطرة الجبهة الإسلامية عليه، لكي تهدد حدود مصر الجنوبية" على النحو التالي:[5]
- انتقال التعاون الإيراني السوداني إلى مستوى جديد يتمثل في الدعم بالفكر والمال والبترول والسلاح، وليس هناك ما هو أشد جاذبية لأنصار تصدير الثورة الإسلامية في إيران، من سقوط مصر، زعيمة العالم الإسلامي السني، في قبضة أفكارهم المتخلفة.
- تكريس انفصال الجنوب السوداني من خلال دعم معسكر الشمال السوداني بالسلاح، ومن خلال دفع الشمال إلى الإصرار على تطبيق الشريعة، وهو المدخل المؤكد للانفصال. "وانفصال جنوب السودان ليس هما سودانيا صرفا، بل هو هم مصري في الأساس، ففي جنوب السودان يقع مشروع جونجلي … أخطر مشروع تنموي مستقبلي في التاريخ المصري الحديث. والعائد منه وفق أية حسابات يتجاوز أي قطاع إنتاجي أو خدمي في مصر، … والفاقد من تعطيله خلال السنوات العشرين الأخيرة يتجاوز حجم مديونية مصر، واستمرار تصاعد مشكلة الجنوب يهدد باستمرار توقفه، في حين أن انفصال الجنوب يهدد بإلغائه بالكامل،"[5] كما أنه قد يساعد على إنشاء سدود على النيل في أية دولة من دول المنبع "وهو أمر لا يمكن السماح به دون موافقة دول المصب عليه."[5]
تونس والمغرب العربي
اهتم فرج فودة بدراسة نمو الإسلام السياسي في دول المغرب العربي، والتي تمثل "كتلة الهم الإرهابي المتستر بشعارات الدين الإسلامي ... والهم الأول لهذه الدول هو مواجهة هذا الخطر بعد تصاعده في الجزائر والسودان."[5] وصب اهتمامه بصورة خاصة على تونس التي زارها أكثر من مرة، ودرس حركة حزب النهضة فيها، ولاحظ ازدواجية خطابه السياسي، "فما يقوله الزعماء شيء، وما يقوله الشباب المنتمي للحركة شيء آخر،"[5] حيث توجه قيادتاه راشد الغنوشي (1941- ) وعبد الفتاح مورو (1948- ) خطابا "للمثقفين، والليبراليين، والذي يتبنى معك أي شيء، ويوافقك على كل شيء، وينثني معك أينما انثنيت،" بينما يتبنى الشباب خطابا ثوريا. وهو ما يجعل حزب النهضة "خليطا من أنصار (لا بأس) وأنصار البأس الشديد،"[5] فهو يجمع بين نقيضين "رأس مناور بلا قدمين، وقدمان شرسان عنيفان بلا رأس."[5] وهذه الازدواجية تتعلق بخصوصية الثقافة التونسية عند مقارنتها بمصر:[5]- تونس لم تعرف حتى الآن أشباه التنظيمات الدينية المسلحة في مصر، ولم تهب عليها بعد أعاصير الاغتيالات على يد أصحاب الجلاليب البيضاء والقلوب السوداء والأيدي الملطخة بالدم.
- تونس قطر متماسك عقيديا، فالكل مسلمون مالكيون.
- فقهاء الزيتونة يختلفون عن فقهاء الأزهر، ويتسامحون مع كثير مما لا يتسامح معه الأزهريون، مثل موقفهم من تعدد الزوجات حيث يباركون منعه بالقانون الوضعي.
- وجود مجموعة من المفكرين الإسلاميين المعتدلين، الذين يتملكون الوجدان الجميل والأفق المتسع والرغبة في الجمع بين العصر والإسلام.
- حب الشعب التونسي للفن والموسيقى والذي يصعب معه أن يستجيب لهواة النكد الأزلي الذين يحلو لهم الحديث عن حرمة الموسيقى والغناء والفن.
- احترام الشعب التونسي للحريات الشخصية، مثل قبوله دعوة الرئيس زين العابدين بن علي (1936- ) بعدم متابعة شريط الفيديو الذي يعرض ممارسة غير طبيعية وغير أخلاقية لعلي العريض (1955- )، أحد قيادات حزب النهضة، مع بعض أعضاء الحزب، والذي سجله له بعض أعدائه في الحزب، لأن الحياة الخاصة لا يجوز أن تكون مجالا لتصفية حسابات سياسية.
ويرى فرج فودة من دراسة نمو الإسلام السياسي في المنطقة "أن دائرة حصار قوى الردة الحضارية تكاد تطبق على مصر جنوبا وغربا."[5] ومن ثم فإنه "لا مفر أمام السياسة المصرية لأخذ زمام المبادرة في الصراع الجديد، من إغلاق ملف حرب الخليج، وفتح صفحة جديدة، ومن مساندة المعارضة السودانية، ومن توثيق الروابط السياسية والثقافية مع تونس والمغرب."[5]
السعودية ودول الخليج
بالرغم من اعتبار فرج فودة المملكة العربية السعودية "وطنا عربيا كريما، ولقياداته الكثير من المواقف المشرفة بجوار مصر،"[14] إلا أنه اعتبر أنه "من المنطقي بالطبع في منطقة تموج بالتيارات الإسلامية، أن يكون للسعودية رأي، بل وأكثر من ذلك دور."[9] خاصة وأن قضية الإسلام السياسي بالنسبة للسعودية "ليست قضية دين أو اختيار مطروح، بل إنها قضية تتناول أساس وجود النظام الحاكم ذاته،"[9] وهو ما يعكس موقفها من تياراته الثلاثة:- ترفض السعودية التيار الثوري، "لأنه لم ينشأ تحت عباءتها. كما أنه بمثاليته المفرطة، يُسقطها من حساباته كنموذج للتطبيق الإسلامي الصحيح."[9]
- تتراوح علاقة السعودية مع التيار التقليدي بين المودة والحذر، فالإخوان "معتدلون، والبعض منهم لا ينسى أنه وجد في كنفها ملاذا وسندا وقت الاضطهاد الناصري. وهم في نفس الوقت يزدادون تسيسا بمرور الأيام. وهو ما يجعلها على شفا الحذر منهم، فالكلام في السياسة لا بد وأن يقود إلى حديث الشورى ونظم الحكم، وهي دائرة لا يسمح النظام السعودي باختراق حدودها عند الحوار. والخطر كل الخطر عندما يحدث هذا الاختراق تحت مظلة إسلامية."[9]
- تمثل السعودية تيار الإسلام السياسي الثروي، والذي يعد في نظر فرج فودة أقوى تيارات الإسلام السياسي الثلاثة "لكونه غير منظور."[9] ويتزعم التيار الثروي في مصر "بعض أصحاب الثروات الضخمة التي تكونت جميعها (بالمصادفة) في السعودية. وينضم إليهم مجموعة ممن كونوا ثرواتهم في مصر، في ظل الانفتاح الاقتصادي، بمساعدة مباشرة من مهاجري (الصدفة) الأوائل."[9]
- مجموعة الحكم.
- مجموعة أصحاب الثروات.
- قاعدة الشعب.
وفي نفس الوقت يمكن شغل القاعدة الشعبية بقضايا الدين والتدين، ومكافحة الفساد، والنهي عن المنكر، والاتعاظ بمشاهد تطبيق الحدود، والحصول على منح محدودة في المناسبات الدينية، والتركيز على ما ينتظر الفقراء من نعيم في الآخرة."[9]
وينبع خطر هذا التيار الإسلامي الثروي من نجاحه في تكوين وتمويل بعض المشروعات ذات الأهمية الحيوية لأي اتجاه فكري، مثل المطابع ودور النشر والمساهمة في تأسيس الصحف والمجلات المرتبطة بالفكر الإسلامي وحتى دعم مرشحي الاتجاهات الإسلامية في الانتخابات المصرية، واستخدام الدعاية لبيوت توظيف الأموال الإسلامية التي أضرت بالاقتصاد المصري.[9] كذلك فلقد أعرب فرج فودة عن استيائه من عدم احترام مستثمر سعودي لقوانين السياحة في مصر بمنعه تقديم الخمور للأجانب في فندق سافوي الذي استأجره وأداره في الأقصر في مقال بعنوان (حياك الله) منع نشره، ورأى فيه فرج فودة "أن أرض مصر واسعة، وأنه كان يملك بأمواله أن يبني مسجدا، أو يقيم مصحة، أو يساهم في تمويل معهد ديني، أو مصنع للملابس لإنتاج الجلباب القصير، أو مصحة نفسية لعلاج المتطرفين الذين يركبون الناقة ويقضون حاجتهم في الخلاء ... وأنه إذا فضل أن يطبق القانون السعودي في مصر، فأولى به أن يعود إلى بلاده، وسوف يجد الكثير والكثير مما يستوجب الإصلاح، شريطة أن يغوص قليلا خلف الواجهة البراقة، وأن يبتعد قليلا عن الظاهر من الشعارات الرنانة ... لكنا نرجوك أن تمول هذه القصور باجتهاداتك في بلادك بعيدا عنا، وسوف تجد في اجتهادات العدل الاجتماعي على لسان علي بن أبي طالب وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي ما يكفيك وزيادة."[14]
وانتبه فرج فودة إلى اشتعال الصراع على المستوى الإقليمي بين التيار الإسلامي الثوري الذي تمثله إيران والتيار الثروي الذي تمثله السعودية: "ولم تكن مصادفة، أن تحدث أول انتفاضات الاتجاه الثوري في الحرم النبوي الشريف ... وأن ترد السعودية التحية بأفضل منها، فتساند العراق في حربه ضد إيران. فترد إيران بتأليب الشيعة في الشمال الشرقي للمملكة السعودية."[9] واعتبر أن التيارين قد اختارا مصر "ساحة لإدارة صراع، يخشى كل منهما أن يدور في ساحته."[9] وهو ما يجعله يتساءل "عن الدور الغريب والشاذ الذي لعبته وما تزال تلعبه بعض الدول الخليجية في مساندة التيارات السياسية الإرهابية، المتسترة خلف شعارات الدين، برغم مواقف هذه التيارات في أزمة الخليج. وإذا كان القارئ قد لاحظ أنني أتلكأ كثيرا عند عهد محمد علي والخديوي إسماعيل، لاعتقادي بأن في تاريخهم دروسا لا بد من استيعابها لتفسير ما يحدث اليوم. فإنه من المؤكد أن بعض الدول تتلكأ أكثر عند هذه الفترة، ولا تنسى حساباتها معها، وتحاول تصفيتها اليوم بأسلوب مختلف، وهو أمر يبعث على الأسى إن كان صحيحا، وأغلب الظن أنه كذلك."[5]
نقد الإسلام السياسي التاريخي
يعتقد فرج فودة أن عدم وجود برنامج سياسي محدد للإسلام السياسي المعاصر والمقيد باجتهادات السلف مرجعه غياب مثل هذا البرنامج لدى السلف أصلا. وهو ما عكف على إيضاحه في كتابه الهام "الحقيقة الغائبة" (1984) والذي وضعه للرد على أسئلة محددة هي: "هل هناك … نظام حكم واضح المعالم في الإسلام؟ هل هناك قاعدة في القرآن والسنة تحدد كيف يبايع المسلمون حاكمهم وتضع ميقاتا لتجديد البيعة، وتحدد أسلوبا لعزل الحاكم بواسطة الرعية، وتثبت للرعية حقها في سحب البيعة كما تثبت لها حقها في إعلانها ؟"[18] وقد اعتمد فيه على ما ورد في أمهات كتب التاريخ الإسلامي مثل تاريخ الطبري وطبقات ابن سعد ومروج الذهب للمسعودي والبداية والنهاية لابن كثير وتاريخ الخلفاء للسيوطي، حيث أنه: "ليس أبلغ من التاريخ حجة، ومن الوقائع سندا، ومن الأحداث دليلا ... ولو أهملنا معا هذه المراجع، لما بقى من تاريخ الإسلام شيء، ولما بقيت في أيديهم حجة، ولما استقر في كتاباتهم دليل، ولما وجد لمنطقهم سندا أو أصلا أو توثيقا."[18]هل هناك طريقة لتحديد مبايعة الحاكم ؟
الإجابة لا، فمبايعة الخليفة أبي بكر الصديق (632-634) في اجتماع السقيفة مختلفة عن توصيته لعمر بن الخطاب (634-644) بكتاب مغلق، وعن قصر عمر البيعة على ستة فقط من كبار الصحابة اختاروا عثمان بن عفان (644-656)، وعن اختيار علي بن أبي طالب (656-661) ببيعة بعض الأمصار، وعن أخذ معاوية بن أبي سفيان (661-680) البيعة بالسيف، وأخذ يزيد بن معاوية (680-683) ومن تبعه من الأمويين ثم العباسيين إياها بالوراثة: "أنت هنا أمام ستة أساليب مختلفة لاختيار الحاكم، يرفض المتزمتون تجاوزها، ويختلفون في تفضيل أحدها عن الآخر، ويرى المتفتحون أن دلالتها الوحيدة أنه لا قاعدة."[18]ويرى فرج فودة أن حديث "الأئمة من قريش"، والوارد في أمهات كتب الحديث، هو غالبا من الأحاديث الموضوعة في عهد الأمويين أو العباسيين، حيث أنه يتنافي مع روح الإسلام القائمة على المساواة، وإلى أن أحدا من الصحابة أنفسهم لم يحتج بهذا الحديث في اجتماع سقيفة بني ساعدة في المدينة للمفاضلة بين أبي بكر القرشي وسعد بن عبادة الأنصاري، ولقول عمر "لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته."[18]
هل هناك طريقة لعزل الحاكم ؟
الإجابة لا، فلم يحدث أن عزل خليفة واحد بطريقة سلمية، وهو ما يمثله قول عثمان : "فقد كان من قبلي خلفاء تخطئ وتصيب فلم يستقدمن أحد منهم … أما قولكم يرسلون إلى الأجناد وأهل المدينة فيتبرأون من طاعتي فلست عليكم بوكيل ولم أكن استكرهتهم من قبل على السمع والطاعة (الطبري)،" إذ يدل على أن مراجعة الخليفتين السابقين له لم تكن لها قاعدة وإلى أن البيعة في رأي عثمان أبدية. وسوف يصل الأمر في عهد الدولة الأموية إلى أن يعلن الخليفة عبد الملك بن مروان (685-705) حين مبايعته "والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه (السيوطي)،" محددا بذلك عدم قبول الإسلام السياسي التاريخي أي معارضة.هل يحقق تطبيق الشريعة العدل ؟
الإجابة لا، فالشريعة كانت مطبقة في عهد عثمان، وعثمان الحاكم نفسه واحد من خيار المسلمين، والرعية أغلبهم من الصحابة الأقربين للقرآن والسنة. ذلك أن العدل "يتحقق بوجود ما يسمى (نظام حكم) … [أي] الضوابط التي تحاسب الحاكم إن أخطأ، وتمنعه إن تجاوز، وتعزله إن خرج على صالح الجماعة أو أساء لمصالحها."[18] وغياب مثل تلك الضوابط في القرآن والسنة هي نفسها التي سوف تؤدي إلى ظهور أول الجماعات الإسلامية المسلحة المتمثلة في الخوارج، لانتفاء وجود أي وسيلة أخرى للتغيير. ويرى فرج فودة أن الخوارج "على عكس ما تصوره بعض كتب السنة أصوليون، بمعنى أنهم يؤصلون لمنهجهم من خلال القرآن والسنة ومن منطلق تفسير خاص بهم،"[3] وهو تفسير سوف يدفعهم إلى الصدام المسلح مع باقي المسلمين، وإلى اغتيال الإمام علي لاعتقادهم حسب تفسيرهم الخاص بخروجه عن الدين.هل كان نظام الخلافة إسلاميا حقا ؟
الإجابة لا، ويعدد فرج فودة الأمثلة على ذلك :- قتال أبي بكر الصديق للممتنعين عن دفع الزكاة لبيت المال ودفعها للمحتاجين مباشرة.
- رفض عثمان بن عفان القصاص من عبيد الله بن عمر بن الخطاب بعد قتله ثلاثة من الفرس المسلمين انتقاما لمقتل أبيه رغم عدم اشتراكهم فيه، ومن بينهم الهرمزان صاحب المقولة الشهيرة "عدلت فأمنت فنمت يا عمر".
- رفض علي بن أبي طالب القصاص من قتلة الخليفة عثمان.
- قتل معاوية بن أبي سفيان للصحابي حجر بن عدي.
- قتل يزيد بن معاوية للحسين بن علي وآله، واستباحته المدينة ثلاثة أيام بعد موقعة الحرة، مما أدى إلى قتل 4500 من الصحابة الأنصار وأبنائهم وفض بكارة 1000 بكر من بناتهم، وذلك انتقاما لآبائه ممن قتلهم بنو هاشم والأنصار في غزوة بدر في عهد الرسول، حتى تغنى قائلا:
ليت أشياخي ببدر شهدوا | جزع الخزرج من وقع الأسل | |
لعبت هاشم بالملك فلا | ملك جاء ولا وحي نزل |
- قيام عبد الملك بن مروان حين أفضي إليه الأمر والمصحف في حجره، بإطباق المصحف قائلا: "هذا آخر العهد بك (السيوطي)."
- استخراج هشام بن عبد الملك (723-743) جثة زيد بن علي بن الحسين (زين العابدين) وقطع رأسه وصلب جثمانه عريانا ثم حرقه وذره في الرياح.
- انصراف كثير من الخلفاء إلى الشراب والمجون والخلاعة مثل يزيد بن عبد الملك (720-724) وابنه الوليد (743-744) من الأمويين، أو الإفراط في التسري بالإماء كالمهدي (775-785) وولده الرشيد (786-809) والمتوكل (847-861) من العباسيين.
- انتشار اللواط لدى بعض الخلفاء مثل الوليد بن يزيد من الأمويين، والذي راود حتى أخاه عن نفسه، والأمين (809-813) والواثق (842-847) من العباسيين، حتى قال بعض الشعراء:
أضاع الخلافة غش الوزير | وفسق الأمير وجهل المشير | |
لواط الخليفة أعجوبة | وأعجب منه خلاق الوزير |
- ضرب الوليد بن يزيد الأموي المصحف بالسهام وقوله:
أتوعد كل جبار عنيد | فها أنا ذاك جبار عنيد | |
إذا ما جئت ربك يوم حشر | فقل يا رب مزقني الوليد |
تلعب بالخلافة هاشمي | بلا وحي أتاه ولا كتاب |
- نبش السفاح أول خلفاء الدولة العباسية (750-754) قبور خلفاء بني أمية وتمثيله بجثثهم.
- قتل السفاح أمراء بني أمية بعد تأمينهم، وبسط الطعام على أجسامهم المحتضرة وهي تنازع الموت.
- قتل السفاح وزيره أبا سلمة الخلال.
- قتل المنصور (754-775) عمه عبد الله بن علي ثم قائده أبي مسلم الخراساني صاحبي الفضل الأكبر في تأسيس الدولة العباسية وإسقاط دولة بني أمية.
- تحالف المنصور مع شارلمان ملك الفرنجة ضد عبد الرحمن الداخل (756-788) خليفة الأندلس المسلم.
- قتل المنصور لمحمد النفس الزكية وآله بعد تعذيب.
- تعذيب المنصور لأبي حنيفة، وجلده لمالك بن أنس وهو عاري الجسد غير مستور العورة، وقتله لعبد الله بن المقفع الكاتب بتقطيع أطرافه وشيّها وإجباره على أكلها.
- تعذيب المعتصم (833-842) لابن حنبل، وقتل الواثق لأحمد بن نصر الخزاعي أحد كبار رجال الحديث بقطع رأسه بنفسه.
تكمن أهمية إدراك التاريخ الإسلامي بكليته إدراكا علميا قائما على أمهات كتب التراث الإسلامي في أن هذا الإدراك لا بد وأن يحد من ظواهر التطرف الديني، وهو ما سعى فرج فودة لتداركه في كتابه "الحقيقة الغائبة"، إذ يقول : "إن تنامي الجماعات الإسلامية وتيارات التطرف السياسي الديني في مصر، يعكس تأثير التربية والتعليم والإعلام في مجتمعاتنا، حيث التفكير دائما خاضع للتوجيه، والمنهج دائما أحادي التوجه والاتجاه، والوجه الواحد من الحقيقة هو الحقيقة كلها، وما سبق عرضه في هذا الكتاب لا يزيد عن محاولة لعرض الحقيقة المتكاملة، الأمر الذي يدعو إلى التفكير، وهو أمر جد مختلف عما يدفع إليه المنهج السائد إعلاميا، والذي لا يعرض من الحقيقة إلا الجانب المضيء، ولا يعلن من الآراء إلا رأيا واحدا، ولا يدفع المواطنين إلا إلى اتجاه واحد، وهو من خلال ذلك كله يهيئ الوجدان لقبول التطرف، ويغلق الأذهان أمام منطق الحوار."[18]
عمد فرج فودة طوال الكتاب إلى مقارنة أحداث التاريخ الإسلامي بالعصر الحديث، وهي المقارنة التي خلص منها إلى "أننا نعيش مجتمعا أرقى بكل المقاييس، وعلى رأسها مقاييس الأخلاق، وهو مجتمع أكثر تقدما وإنسانية فيما يختص بالعلاقة بين الحاكم والرعية، وأننا مدينون في ذلك كله للثقافة الإنسانية التي لا يرفضها جوهر الدين، ولحقوق الإنسان التي لا تتناقض مع حقوق الإسلام."[18] وأعزى غياب هذه الحقيقة عن الأذهان لسقوطنا "ضحية تزييف التاريخ، حيث نقله إلينا الرواد مصفى من شوائب القهر والاستبداد والانحلال."[14] ولا شك أن إدراك التفوق الحضاري للعصر هو نقطة البدء نحو التقدم إليه تقدما لا ينكره الدين، وهو ما يشكل الشق الثاني من مشروع فرج فودة التنويري.
حتمية الاجتهاد وإعمال العقل
اعتبر فرج فودة أن "الإسلام على مفترق طرق، وطريق منها أن نخوض جميعا في حمامات الدم، نتيجة للجهل وضيق الأفق وقبل ذلك كله نتيجة لانعدام الاجتهاد المستنير، وطريق آخر أن يلتقي العصر والإسلام، وذلك هين يسير، وسبيله الوحيد هو الاجتهاد المستنير، والقياس الشجاع، والأفق المتنور، ولست أشك في أن البديل الثاني هو الوحيد."[18] ومن ثم فقد انصبت أعمال فرج فودة الفقهية على تعريف حدود الاجتهاد، وتطبيقاته المعاصرة، وإن نوه إلى أنه "لست أدعي الفقه ولا التبحر في العلم، فما أنا إلا مسلم يجتهد في دينه لدينه … لكني أدعي الأمانة في عرض الرأي والرأي الآخر، وأدعي القدرة على بذل الجهد في القراءة والاطلاع."[13] ويخلص شأن كل مجتهد إلى أن "الله أعلم أين الحق وهو خير ناصرا إن كان الحق معنا، وخير غافرا إن كنا قد اجتهدنا فأخطأنا الاجتهاد."[13]جواز الاجتهاد في وجود النص
يرى فرج فودة أن قاعدة "لا اجتهاد في وجود نص" الفقهية تخالف واقع التاريخ الإسلامي، وخاصة سيرة الخليفة عمر بن الخطاب، والذي لا يعرف له فرج فودة نظيرا "كرجل دين ورجل دولة على مدى التاريخ الإسلامي كله."[18] ويورد فودة عددا من اجتهادات عمر التي خالف فيها النصوص:[18]- إبطاله في عهد أبي بكر لسهم المؤلفة قلوبهم، مخالفة للنص القرآني وسنة الرسول، بقوله لاثنين منهما هما عيينة بن حصن والأقرع بن حابس: "إن رسول الله كان يتألفكما، والإسلام يومئذ قليل، وإن الله قد أغنى الإسلام. اذهبا فاجهدا جهدكما لا يرعى الله عليكما إن رعيتما".
- تعطيله لحد السرقة إذا كان السارق محتاجا في حادثة سرقة رقيق لحاطب بن أبي بلتعة لناقة بقوله لحاطب: "لولا أنكم تستعملونهم وتجيعونهم، حتى لو وجدوا ما حرم الله لأكلوه، لقطعتهم"، مخالفة للنص القرآني القاطع بقطع اليد في السرقة، وتعيين السنة للنصاب الموجب لإقامة الحد.
- تعطيله لحد السرقة في عام المجاعة (640).
- عدم تقسيمه الأرض على الفاتحين، مخالفة للسنة.
- قتله الجماعة بالواحد في غلام قتله سبعة، مخالفة للنص القرآني بالمساواة في القصاص.
الفرق بين الربا وفوائد البنوك
يرى فرج فودة أن "النظرة الضيقة إلى مفهوم الربا [وفقا لاجتهادات القرن الثاني الهجري] إن طبقت في عالم اليوم، سوف تقود إلى ارتباك هائل في سوق المال، وسوف تلجئ إلى تحايل نرى ملامحه في تجربة البنوك الإسلامية، وربما أدت إلى الخراب بدلا من التنمية، والى الكساد بديلا عن الرواج."[18] ومن ثم فقد عزم على إيضاح الفرق بين الربا وفوائد البنوك خاصة لارتباط ذلك بمجال تخصصه وهو علم الاقتصاد، فيقول: "إن المبتدئين في دراسة الاقتصاد، يعلمون أن هناك فرقا بين القيمة النقدية والقيمة الحقيقية للنقود … والمبتدئون في الاقتصاد أيضا، يعرفون أن الارتفاع المستمر والمتزايد في الأسعار يسمى بالتضخم، وأنه أصبح سمة عصرية في عالمنا الحاضر. معنى هذا أن التضخم الحادث باستمرار، يترتب عليه انخفاض القيمة الحقيقية للنقود باستمرار … وإذا علمنا أن مستوى التضخم السنوي في السنوات العشر السابقة لم يقل عن 20%، وأن مستوى الفائدة البنكية لم يتجاوز إطلاقا 15% سنويا، فإن معنى ذلك أن شيئا من الزيادة لم يصل إلى أيدي المدخرين، وأن شيئا من الربا (لو سلمنا بأن الزيادة ربا، وهو ما لا أسلم به) لم يلوث أيديهم."[19]ويرى فرج فودة أن خلط أنصار الإسلام السياسي بين الربا وفوائد البنوك قد تم بصورة مقصودة للصب في صالح بيوت توظيف الأموال الإسلامية التي يقوم عليها التيار الثروي وتعتمد أساسا على تجارة العملة وليس الاستثمار. وهي تعتمد في ذلك على حديث منسوب إلى الرسول أن "تسعة أعشار الرزق في التجارة،"[19] وهو حديث يرى فرج فودة - إن صحت نسبته إلى الرسول - أنه يرتبط بالحجاز في عصر الرسول أكثر من مصر في القرن العشرين حيث "تسعة أعشار الرزق في الاستثمار، وفي الإنتاج الزراعي والصناعي،"[19] ومن ثم يجب اعتباره شبيها لحديث تأبير البلح "أنتم أعلم بشئون دنياكم،" حتى "يبقى ما للدين للدين، وما للدنيا للدنيا."[19]
القوانين الوضعية ومبادئ الشريعة الإسلامية
رأى فرج فودة أن النص الدستوري بأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع "لا يبرر الاستناد عليه في الدعوة لتغيير القوانين الحالية،"[3] ذلك أن جميع القوانين الوضعية التي تقوم عليها الدولة المصرية المدنية لا تخالف (مبادئ) الشريعة.[3] ولقد اختار فرج فودة لإيضاح الفرق بين الشريعة الإسلامية وفقا لاجتهادات القرون الأربعة الأولى من الهجرة وبين القوانين الوضعية المتسقة مع مبادئ هذه الشريعة، دراسة قضية الزنا في المنهجين، وذلك ردا على ادعاء دعاة الدولة الدينية أن القوانين الوضعية الحالية تبيح الزنا.[13] ويلخص أفكاره كما يلي:[13]- الادعاء بانتشار جريمة الاغتصاب في مصر ظاهرة إعلامية، حيث لم تتعد الحالات الجنائية التي ثبتت فيها جريمة الاغتصاب 15 حالة في شعب تعداده 50 مليون نسمة وفقا لتقارير وزارة الداخلية في عام 1988.
- فتوى المفتي في جريمة اغتصاب فتاة المعادي لم تكن على أساس حد الزنا، وإنما كانت على أساس حد الحرابة، "وهو خطأ فقهي لأن قضية الحرابة تقع في الأموال وليس في الفروج... والشاهد هنا أن فضيلة المفتي لم يجد ضالته بالنسبة لهذه الجريمة في حد الزنا."[13]
- اجتمع الفقهاء على أن إباحة الحلال تسبق العقاب على الضلال، وأن الرخص تسبق العزائم … وفي مجال العلاقات الشرعية بين الرجل والمرأة كانت هناك ثلاث رخص أبيحت في حياة الرسول هي الزواج بأربع، والتسري بالجواري، وزواج المتعة. أما الرخصة الأولى فتمنعها حاليا الأزمة الاقتصادية، وأما الثانية فتمنعها قوانين حقوق الإنسان الحديثة اللاغية للرق، أما المتعة فقد حرمت في عهد الرسول على رأي فقهاء السنة أو في عهد عمر على رأي فقهاء الشيعة. ويؤدي انعدام الرخص إلى ثقل العزائم (أي الحد) مخالفة لأصول الفقه، حيث "رحمة الله تسبق عدله، وتيسيره يسبق حكمه، ورخصه تسبق عقابه."[13]
- أركان إثبات جريمة الزنا في كتب الفقه لا تنطبق على حالات الجنس الشفوي، "والقبلات الساخنة والعناق الحار، ورشف الرضاب، والهمس واللمس، عفيفه وعنيفه، والإيتاء من مكان غير ما أحل الله،"[13] حيث أنها تعتمد على شهادة أربعة رجال على رؤية (المرود في المكحلة)، والتي اعتمد عليها عمر بن الخطاب في جلده لشهود حادثة الصحابي المغيرة بن شعبة مع أم جميل، حيث لم ير الشاهد الرابع زياد بن أبيه المرود في المكحلة.
- لا تثبت جريمة الزنا فقهيا إذا اكتشف الزوج زوجته تخونه في فراش الزوجية ولم يكن معه شهود أربعة، كما هو الحال في حديث سعد بن عبادة، وفي باب الفقه المعروف باسم الملاعنة.
- لا تثبت جريمة الزنا فقهيا بوجود بينة مثل الحمل في غياب الزوج لأكثر من تسعة أشهر نتيجة لنظرية الحمل المستكن والتي يرى الحنابلة أن الحمل قد لا يظهر لمدة عامين وبعض المالكية إلى أنه قد يستمر ثلاثة أعوام، ويرى فرج فودة أن هذه النظرية "ليس لها أصل علمي أو سند فسيولوجي."[13] كما يذهب بعض الحنفية إلى جواز وقوع الحمل إذا كان الزوج من أهل الخطوة.
- يشترط الفقهاء أن يكون اعتراف الزاني باللفظ الصريح الواضح دون كتابة أو إشارة، ويختلف الحنابلة والأحناف في آلية ذلك الاعتراف، كما يختلف الفقهاء في دور القاضي خلاله.
- حد الزنا نفسه محل خلاف فقهي، حيث لم ترد عقوبة الرجم في القرآن الذي نص على الجلد فقط (على الأقل في مصحف عثمان حيث يستشهد عمر بآية يراها الفقهاء قد نسخت نصا)، بينما وردت في السنة، ويختلف الفقهاء في جواز نسخ السنة للقرآن وكذلك في تاريخ تطبيق عقوبة الرجم بالنسبة إلى تاريخ نزول الآية القرآنية.
- في المقابل، تصل القوانين الوضعية في القانون المصري بعقوبة هتك العرض إلى الإعدام، كما تثبت الزنا بوجود الرجل في المكان المخصص للحريم أو المكاتيب أو أي وسيلة من وسائل الإثبات.
زواج المتعة
درس فرج فودة الأساس الفقهي لزواج المتعة في معرض حديثه عن الرخص الشرعية للعلاقات بين الرجل والمرأة. وبالرغم من إعلانه: "لست داعية لزواج المتعة، ولست موافقا عليه، ولست قابلا به لبنات أسرتي وبنات المسلمين،"[13] إلا أن دراسة زواج المتعة دراسة فقهية تستوجبها عدة أمور شرحها في مقدمة كتابه "زواج المتعة" (1990):[13]- اعتراف الأزهر بمذهب الإمامية الاثني عشرية الشيعي والذي يحل المتعة، في فتوى لشيخه الشيخ محمود شلتوت.
- عدم معاقبة فقه السنة على المتعة على أنها زنا، ولا بأية عقوبة لوجود شبهة نتيجة فتوى عبد الله بن عباس، كما ورد في كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق.
- إبانة المأزق الذي يقود إليه تقييم نصوص السنة على أساس السند وليس أساس المتن.
- الأسى لتفرق المسلمين بين سنة وشيعة دون محاولة لرتق الخلاف وتلافي أسبابه.
- مأزق التناقض بين قضية فحواها الإباحة ومضمونها الحرية، وبين اجتهادات أخرى في قضايا تتصل بها فحواها القيد ومضمونها التشدد.
ولا يرى فرج فودة أن كتابه "يبعث على الشك في كتب السنة بقدر ما نراه دافعا إلى إعمال العقل وإلى ترجيح الحجج وموازنتها بالمنطق."[13] "فطرفا الحوار مختلفان أشد الاختلاف، فالسنة ترى أن المتعة حرمت إلى الأبد والشيعة ترى أنها حلال إلى الأبد، والسنة تستند في مراجعها المعتمدة من صحاح وسنن ومسانيد وتفاسير، والشيعة تبالغ في استعراض قوة حججها بالاستناد إلى نفس المصادر والاعتماد على أحاديث واردة فيها أيضا، والطرفان يحتكمان إلى نفس الآيات القرآنية لكنهما يخرجان منها بتفسيرات ودلالات لا تلتقي أبدا ولا تتفق مطلقا، بل يخرج هذا بعكس ما يخرج ذاك ويؤكده، ويخرج ذاك بنقيض تفسير هذا ويسنده."[13] وبعامة فإن منهج الكتاب يدعو إلى "ضرورة أن يتوازى السند والمتن في الحكم على صحة الحديث، وهو منهج يراه البعض إثما ونراه ضرورة."[13]
الحجاب والسفور
يعتقد فرج فودة أن الزي، بما في ذلك الحجاب، حرية شخصية، وهو يرى أن جوهر آيات القرآن الناصة على الحجاب يدعو إلى العفة دون أن تعين الآيات شكلا محددا للحجاب. ويستنكر فرج فودة عدم إبانة الأزهر لضعف حديث "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه"، بعكس ما بينه الشيخ بن باز في كتابه السفور والحجاب، كما يستدل من الخلاف حول زي المرأى في هذا الكتاب، مثل كشف العينين أو العين اليسرى أو نصف العين اليسرى فقط، دليلا على الاختلاف وعدم وجود قاعدة تحدد شكل الحجاب، ومن ثم يخلص إلى فهم جوهر الآيات المرتبطة به بالحض على العفة.[7] كذلك فلقد لاحظ فرج فودة ارتفاع معدل جرائم الاغتصاب مع انتشار الحجاب في مصر: "أننا عاصرنا جميعا في السبعينات، موضة الميكروجيب، ولم نسمع في هذه الفترة إطلاقا عن جريمة اغتصاب بشعة، بينما انتشرت هذه الجرائم مع انتشار الحجاب، وهذه حقيقة واضحة، لا يختلف عليها اثنان."[5]في المقابل، فإنه يرفض هجوم الصحف الدينية على السفور والتبرج، ويرى فيه مدخلا للهجوم على المرأة نفسها.[5] كذلك انتقد فرج فودة مطالبة اللجنة الشرعية في مجلس الشعب بتجريم سفور المرأة والشذوذ الجنسي والزنا بتراضي الطرفين، حيث أنه يساوي بين سفور المرأة والشذوذ والزنا. وعبر عن ذلك متحسرا: "الزمن يستدير بنا دورة كاملة بحيث نترحم على رواد التنوير في بدايات هذا القرن، الذين استحقوا ريادتهم ومكانتهم في تاريخ مصر، بدعوتهم للسفور، الذي يتطوع جهابذة العصر بالمطالبة ليس بتحريمه فقط، بل بتجريمه أيضا … ملايين النساء السافرات في الجامعات وفي أماكن العمل وفي المصانع وفي كل مكان أصبحن مجرمات في عرف أهل التشريع."[5] ويخلص من ذلك إلى أنه إما "في حاجة إلى علاج هرموني، لأن شعر المرأة المسترسل لا يثير لواعجنا ولا يثير كوامننا، ولا يلهب دماءنا، وإما أن السادة المشرعين، في حاجة لمهدئات أو مسكنات، والاحتمال الثاني هو الأقرب للواقع."[5]
الخمر والمخدرات
تساءل فرج فودة في معرض حديثه عن شيوع شرب الخمر لدى بعض خلفاء الدولتين الأموية والعباسية وخلال العصر العباسي الأول: "هل وصل بهم التحلل من قيود الدين، والخروج على قواعد الإسلام، أن يجاهروا بشرب الخمر في مجالسهم، دون أدنى قدر من الحفاظ على المظاهر أمام الرعية ؟"[18] إلا أنه يجد الجواب في إباحة فقهاء العراق من أتباع الصحابي عبد الله بن مسعود والإمام أبي حنيفة بعض أنواع الأنبذة حتى قال أحد الشعراء :منذا يحرم ماء المزن خالطه | في جوف خابية ماء العناقيد؟ | |
إني لأكره تشديد الرواة لنا | فيه، ويعجبني قول ابن مسعود |
أباح العراقي النبيذ وشربه | وقال حرامان المدامة والسكر | |
وقال الحجازي: الشرابان واحد | فحل لنا من بين قوليهما الخمر | |
سآخذ من قوليهما طرفيهما | وأشربها لا فارق الوازر الوزر |
وهو يرفض طلب التيارات الإسلامية منع الخمور في مصر من منطلق المصلحة العامة: "ولقد سبقتنا الولايات المتحدة في 16 يناير عام 1920 بإصدار قانون يحظر صنع الخمور وبيعها واستيرادها، وكانت نتيجته أن ظهرت عصابات المافيا لتهريبها، وانتشرت الخمور بأضعاف ما كان عليه الانتشار قبل صدور القانون، وتوفى الكثيرون نتيجة غش الخمور، ثم في النهاية ألغي القانون في 5 ديسمبر 1933 بعد تجربة مريرة. ويستطيع من عاشوا في السعودية أو ليبيا أن يدركوا أن البشر هم البشر، وأن ردود الفعل في البلدين هي نفس ردود الفعل في الولايات المتحدة. ويسبق ذلك كله أن نؤكد حقيقة واضحة، وهي أننا في مصر في ظل إباحة الخمور، نحقق أقل المعدلات في العالم، وأكررها وأنا دائم السفر والترحال، أقل المعدلات في العالم، في شرب الخمور والإدمان عليها." حيث أن "المنع بسلطة القانون هو السبيل المؤكد إلى الانتشار، والدليل على ذلك يتمثل في انتشار المخدرات، أضعاف أضعاف انتشار شرب الخمر، رغم أن المشرع يصل بعقوبة الاتجار فيها إلى الإعدام."[14]
كذلك انتقد فرج فودة قياس المخدرات على الخمر "لأنه يترتب عليه نتيجة منطقية فحواها أنه إذا كانت علة التحريم واحدة في الحالتين وهي ذهاب العقل، فإن العقوبة لا بد وأن تكون واحدة هي الأخرى، وهي نتيجة مفزعة لأن أقصى ما يصل إليه المتشددون في عقوبة تحريم الخمر هو جلد من يضبط ذاهب العقل (حتى لا يفرق بين الأرض والسماء، أو بين الرجل والمرأة) عددا من الجلدات يتراوح بين أربعين وثمانين جلدة،"[3] ويستشهد بما أعلنه الشيخ صلاح أبو إسماعيل من مناشدة كثيرين ممن يقضون عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بسبب جرائم المخدرات له بالإسراع في تطبيق الشريعة حتى يستعيضوا عن الأشغال الشاقة بالجلد، "وهنا نصل إلى نتيجة يأباها الضمير الديني … وهي أن يصبح تطبيق الشريعة الإسلامية في جانب من جوانبه مطلبا ملحا لفئة من الخارجين على المجتمع، وهي نتيجة لا يقود إليها صحيح الإسلام … بل يقود إليها من يقصرون وظيفة العقل على النقل."[3] ومن ثم فلا بد من الانسياق للقوانين الوضعية المتعلقة بحالات السكر، خاصة مع وجود "الخلاف الفقهي حول كون الخمر محل اجتناب فقط أم محل تحريم، وإذا كانت محل تحريم فهل هي محل عقوبة شرعية واردة بنص قطعي أم محل عقوبة تعزيرية مرجعها لولي الأمر، وبمعنى آخر هل هي أحد الحدود كما يرى بعض الفقهاء أم أنها ليست حدا كما يرى آخرون مثل المرحوم الإمام الأكبر محمود شلتوت."[3]
الشذوذ الجنسي
يرى فرج فودة من شيوع الشذوذ الجنسي لدى بعض الخلفاء وفي العصر العباسي الأول أن "من يرددون دون وعي أو ملل، أن حضارة الغرب قد أباحت الشذوذ الجنسي، يتيهون الآن بأن دورنا لم يقتصر أبدا على النقل من الغرب، لأنه لو صح ما يدعون، وهو غير صحيح، لانعقدت لنا الريادة، وكان لنا قصب السبق دون شك،"[18] وهو أمر "عسير إدراكه على الأنقياء المصدقين للمتنادين بعودة الخلافة، الخالطين بين حلم رائع في خيالهم، بثته عقيدة عظيمة، وبين حقيقة مفزعة تكشفها صفحات التاريخ، وألحاظ مهج [خادم شاذ للخليفة]، وخلاعة الواثق [خليفة عباسي عاشق مهج]، وفقه معاصريه من الجبناء، وجبن معاصريه من الفقهاء."[18]ويعتقد فرج فودة أن الانحلال العباسي قد نقل إلى العصر الحديث مع كثرة النقل دون مراجعة من كتب الفقه المكتوبة في العصر العباسي [14]، إذ يعلق على كتاب "فقه النظر" (1989) لمحمد أديب كلكل فيقول : "وفيه يتحدث عن (نظر الرجل للمرأة) وهو حديث مفهوم، ثم يستدير فجأة ليتحدث عن (نظر الرجل للرجل) وهو حديث غير مفهوم، أو قل هو حديث هموم … ويذكر فيه أن النظر للأمرد إن كان لحاجة كالبيع والشراء وغيره فجائز (كذا) لكن يجب أن يقتصر النظر على قدر الحاجة (كذا) ولا يديم النظر من غير ضرورة (كذا)، لأنه حرام أن ينظر الرجل للأمرد فيلتذ (كذا)، أما اللمس فيحرم مطلقا (كذا)، ويذكر على لسان بعض التابعين ما نصه (… أولاد الأغنياء … أشد فتنة من النساء) (كذا) … ولا يجد حرجا في أن يذكر ما نصه (قال بعض السلف لأن أؤتمن على سبعين عذراء أحب إلى من أن أؤتمن على شاب أمرد)."[20]
ولقد أدى انتشار هذه الأفكار في نظر فرج فودة إلى ظهور ظاهرة الزي الرياضي الإسلامي، الذي يخفي أفخاذ اللاعبين مثل ما ارتداه لاعب كرة السلة مدحت وردة. ولقد رأى فرج فودة أن هذا الزي ليس إسلاميا، وأسماه بالبين بين، حيث أن:[14]
- يرتدي اللاعبون في السعودية الشورتات العادية، رغم أن نظام الحكم فيها لا يجرؤ على المخالفة العلنية لنص شرعي أو فقه مجمع عليه.
- الفخذ ليست عورة في الفقه الإسلامي كما بينه سيد سابق معتمدا على وجود أربعة أحاديث للرسول بأن الفخذ ليست عورة وحديثين بأن الفخذ عورة، وأن البخاري قد أوضح أن حديث ليست عورة أسند.
وبصورة عامة، يعتقد فرج فودة أن الشذوذ الجنسي وإن شاع في الماضي، فإنه لا يعتبر "ظاهرة في مصر، تؤرق المشرعين، إلى الدرجة التي يطالبون فيها بالعلاج التشريعي."[5] ومن ثم فإنه لا يعالجها فقهيا بنفسه، ويعتقد "أننا في هذه القضية تحديدا، في حاجة لسماع رأي فضيلة الشيخ الشعراوي، لأنه أقدر الناس على الإفتاء في هذا الموضوع."[5]
أسس الدولة المدنية الحديثة
يرى فرج فودة أن المتطرفين الدينيين يتمتعون "بمنهج متكامل ومتماسك بصرف النظر عما يحمله من خطأ أو صواب، بينما لا يزيد الأمر بالنسبة للمحاورين لهم عن اجتهادات غير متناسقة تفتقد التكامل، وفي أغلب الأحيان يبدو موقفهم دفاعيا."[3] فالتطرف الديني هو "طرح قضية سياسية شديدة التخلف والغموض من خلال منطق ديني شديد القبول والوضوح."[3] ومن ثم فإنه لا بد وأن يواجه الداعين إلى الدولة الدينية بأفكار محددة عن أسس الدولة المدنية الحديثة، والتي يلخصها فرج فودة في:- العلمانية: نظام الحكم مدني، يستمد شرعيته من الدستور، الذي يساوي بين كل المواطنين، يكفل حرية العقيدة دون محاذير أو قيود.
- المواطنة: هي الأساس في الانتماء، بمعنى أننا جميعا ننتمي إلى مصر بصفتنا مصريين، مسلمين كنا أم أقباطا.
- الالتزام بميثاق حقوق الإنسان بمضمونه الحضاري العام.
- تحقيق العدل من خلال تطبيق القانون حيث تكون المصلحة العامة والخاصة هي أساس التشريع.
العلمانية
يعتبر فرج فودة أن "آفة حياتنا السياسية أننا لا نسمي الأشياء بأسمائها."[9] ولهذا فقد اكتنف تعريف العلمانية في مصر الضباب والغموض، مما ساعد أنصار الدولة الدينية على إشاعة أنها "مفهوم إلحادي دخيل" يتراوح بين الكفر الضمني إلى الردة التي لا شبهة فيها.[3] وفي المقابل، فقد تراجع أنصار الدولة المدنية – من الحزب الحاكم أو المعارضة المدنية - عن إعلان اللفظ أو التمسك به، إما تخوفا أو طمعا في الأصوات الانتخابية مما أدخله فرج فودة في "باب خفة الرأي، وهي لا تختلف كثيرا عن خفة اليد، غاية ما في الأمر، أن المنتشل مختلف، فهو صوت لدى أصحاب الرأي الخفيف، ونقود لدى أصحاب الأيدي الخفيفة."[3] ويتحسر فرج فودة عندما "نجد أقواما يخيرون الشعب بين الإسلام والعلمانية، وكأنهما طرفا نقيض، أو كأن المسلم لا يكون علمانيا، وأن العلماني ليس مسلما."[3]يؤكد فرج فودة أن مفهوم العلمانية يختلف من بيئة إلى أخرى: "فالعلمانية في فرنسا تختلف عنها في المملكة المتحدة، فعلى حين تنفصل الدولة عن الدين بصورة كاملة في فرنسا، فإن رأس الدولة هو نفسه رأس الكنيسة ممثلا في الملك في المملكة المتحدة، وهو فرق وإن كان شكليا إلا أنه فرق،"[3] ثم يعرف العلمانية المصرية، أي تلك التي ارتبطت بنشأة الدولة المصرية الحديثة منذ القرن التاسع عشر، بأنها "تعني في مصر الفصل بين الدين والسياسة ولكنها لا تعني الفصل بين الدين والدولة حيث توجد مساحة لتداخلهما، وقد استقر ذلك وارتقى إلى مرتبة العرف، فالدولة ترعى المؤسسات الدينية، وتختار قياداتها، وتحتفل بصورة رسمية بالأعياد وبالمناسبات الدينية، وتفرد للدين مساحة واسعة في وسائلها الإعلامية وفي مؤسساتها التعليمية، ولكن ذلك كله يتم في إطار محدد ومحدود، لا يخرج بمصر عن العلمانية، ولا يدخلها في إطار الدولة الدينية."[3] فالعلمانية المصرية لا تعني فصل الدين عن المجتمع، حيث أن "الدين مطلوب، لأنه أحد أسس تكوين الضمير في المجتمع."[9]
يرى فرج فودة أن الحفاظ على العلمانية المصرية "إنما يحقق صالح الدين وصالح السياسة معا:"[9]
- تحقيق صالح السياسة: "فنحن إذا اختلفنا في الرأي السياسي انطلاقا من الدين، فسوف يتعصب كل منا لرأيه لاعتقاده أنه لم يعد رأيا، بل صحيحا من الدين بالضرورة … لعل هذا هو مدخل العنف في الحركات الإسلامية قديما وحديثا … بينما الأمر على العكس من ذلك تماما، في ظل ما نعيشه من فصل بين الدين والسياسة. فنحن نختلف، ونقبل بالاختلاف. ونتحاور، ولا نتصارع بالسيف. ونقبل بهزيمة الرأي أمام الأغلبية عن رضى، أو حتى عن سخط لا يتجاوز النقد، وعن أمل في أن تنتصر الأغلبية له ذات يوم."[9] وهو يستشهد على صواب رأيه بأحداث الفتنة الكبرى في التاريخ الإسلامي وبواقع الحروب الأهلية في الدول الإسلامية المعاصرة.
- تحقيق صالح الدين: حيث يشهد التاريخ الإسلامي بأن "أئمة الفقه الأسلامي كانوا أكثر من عانى من الحكم السياسي المتسربل بالدين،"[9] من مثل تعذيب سعيد بن المسيب وأبي حنيفة ومالك وابن حنبل على أيدي الخلفاء أو ولاتهم، ويدعو فرج فودة للمقارنة بين "ما يحصل عليه علماء الدين الكبار اليوم من تكريم وإجلال، ومنابر إعلام مقروء ومسموع ومرئي، في ظل قوانين ينعتها أغلبهم بالوضعية، وبعضهم بالعلمانية، وبين ما حدث لأئمة العظماء، الذين لا يدعي أحد من المعاصرين أنه يطاولهم في علم أو فقه."[9]
ومن ثم، فإن فرج فودة يطالب بعدم "تسييس المنابر:"[5] "فالإمام عندما يعرض قضايا اتفاقية، فإنه لا يبرز شقاقا، ولا يثير نزاعا في النفوس. لكنه عندما يعرض قضايا سياسية، فإنه بالقطع يعرض قضايا خلافية."[9] فلا بد أن "يتخصص المسجد لما هو مخصص له،"[9] أي العبادة والموعظة الحسنة، نتيجة لما فرضه تطور العصر من نشوء مؤسسات سياسية متخصصة في الدولة بما لم يكن معروفا في الصدر الأول من الإسلام. وهو ما يلخصه بقوله "لنذهب إلى المساجد والكنائس لكي نسمع موعظة دينية لا يختلف عليها اثنان. ولنذهب إلى مجلس الشعب لكي نتطاحن ونختلف دون حرج أو قيد. إننا جميعا في حاجة إلى إعادة توزيع الأدوار من جديد. ليتكلم رجال الدين في الدين. وليتكلم رجال السياسة في السياسة. أما أن يرفع رجال الدين شعارات السياسة إرهابا، ويرفع رجال السياسة شعارات الدين استقطابا، فهذا هو الخطر الذي يجب أن ننتبه إليه،"[9] حيث أن النتيجة الحتمية لهذا الخطر هو الفتنة الطائفية وتمزق البلاد.
ويحسب فرج فودة "أنه لو كان مبرر العلمانية في الغرب هو استبداد الحكم في ظل الكنيسة، لكان مبررها في الشرق هو استبداد الحكم في ظل (الخليفة) ... فلولا الإسلام، المظهر لا الجوهر، والرداء لا المضمون، ما فعل السفاح ما فعل، لا هو ولا سابقوه، ولا لاحقوه. فأي ولاء كان يربط المصري مثلا بالسفاح في الأنبار؟ أليس هو الولاء لخليفة المسلمين، وللحاكم باسم الإسلام؟ وأي دافع لهذا الولاء؟ أليس الدافع هو الارتباط بالإسلام، وجيوش الأحاديث النبوية التي وضعها الوضاعون للرسول حول خلافة بني العباس، واجتهادات الفقهاء عن طاعة الخليفة ولو كان غاشما، وفسق الخارج عن الطاعة، وكفر المفارق للجماعة؟"[9]
الديمقراطية الليبرالية
يرى فرج فودة أن "الديمقراطية هي اللفظ الوحيد الذي يتفق عليه الجميع، ويختلف حوله الجميع أيضا، شأنها في ذلك شأن العلمانية،"[3] حيث أن "كل نظام في العالم يدعي أنه نموذج الديمقراطية الصحيحة، ويصل به التأكيد أحيانا أن يضمنها اسم الدولة، فألمانيا الشرقية تسمي نفسها ألمانيا الديمقراطية وألمانيا الغربية تطبق ما يطلق عليه اسم ديمقراطية العالم الحر، وليبيا تطبق ما تسميه الديمقراطية الشعبية أو المباشرة."[3] ومن ثم فإن "من يتحدث عن الديمقراطية لا بد وأن يحدد ما يقصده بها."[3]يؤمن فرج فودة بالديمقراطية الليبرالية، حيث يقول: "إننا نفهم الديمقراطية على أنها حرية الفكر السياسي، ونرى أنها ببساطة تعني (حرية إبداء الرأي وحرية إبداء الرأي المعارض)،"[8] ويرى أن "جناحي الديمقراطية هما حرية التعبير وإمكانية التغيير، وإطلاق الأولى هو مدخل الثانية."[5] ومن ثم فإنه يختلف عن مفهوم الديمقراطيتين الشعبية والدينية حيث يركز المؤمنون بهما "على حق الأغلبية، في الوصول إلى الحكم، ويغمضون أعينهم أو ينظرون بنصف عين إلى حقوق الأقليات التي أتصور أنها المحك الحقيقي للتجربة الديمقراطية."[5]
يرفض فرج فودة "أن يخضع المجلس النيابي لأي تقسيم طائفي أو فئوي،"[8] حيث يؤمن "أن الفرد هو أساس المجتمع، وأن حرية الوطن هي مجموع حريات المواطنين، وأن المناخ السياسي الصحي هو أساس الحرية."[8] ولقد اعتبر أن مثل هذا المناخ الديمقراطي المرتبط بالحريات معدوم في مصر وخلال تجربتها الديمقراطية الثانية في عهد الرئيسين السادات ومبارك، واشتق بدلا منه تعبير "السماح الديمقراطي"[8] كتعبير أدق لوصف تلك الفترة: "فالسماح يأتي من الحاكم بإرادته، والمناخ يلزم الحاكم ويحدد حجم إرادته."[9] وهو يعلق على تزوير الانتخابات البرلمانية لصالح حزب الرئيس في ظل هذا السماح قائلا: "أنت حر، ومن حقك أن تنتخب الحزب الوطني وسيصل صوتك إليه، ومن حقك أن تنتخب حزبا آخر وسيصل صوتك إلى الحزب الوطني، ومن حقك ألا تذهب أصلا إلى الانتخابات وسيصل صوتك إلى الحزب الوطني أيضا، ولن يتدخل أحد لإجبارك على الذهاب للانتخابات أو لإجبارك على التصويت لأحد الأحزاب، فمثل هذه الوسائل لا تليق بمواطن في بلد حر."[21]
واعتبر فرج فودة أن قيام مثل هذا السماح بدلا من المناخ كان عاملا أساسيا في انتشار وتنامي تيار الإسلام السياسي. فهو من ناحية قد ساعد على انتشار "العزبية الحزبية،"[3] أي قيام الأحزاب حول رؤساء ثابتين لا يتغيرون بالانتخاب مما يحول دون تحقيق الديمقراطية، لأن فاقد الشىء لا يعطيه. ومن ناحية أخرى، اعتبر فودة أن عدم السماح بنشأة أحزاب سياسية على أساس ديني يدفع إلى تغلغل أنصار الإسلام السياسي داخل الأحزاب الناشئة سواء أكانت ليبرالية مثل حزب الوفد الجديد أو يسارية مثل حزب العمل الاشتراكي، وإلى تكوين جماعات ضغط (لوبي) داخل هذه الأحزاب، أي أنها تلتهمها من الداخل وتعمل على توحدها رغم اختلافاتها الأيديولوجية.[6] ومن ثم فلقد نادى بالسماح بقيام أحزاب على أسس دينية، حيث أن هذا سوف يجبر تيار الإسلام السياسي على تقديم برنامج سياسي متكامل لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المحددة بدلا من التستر خلف شعارات من نوعية "الإسلام هو الحل."[6] ونتيجة لغياب مثل هذا البرنامج، فإن الأمر لا بد وأن ينتهي بالاختلاف بين أنصار الأحزاب الدينية حول معظم القضايا،[9] مؤكدا بذلك للناخبين عدم وجود برنامج متكامل لدى تيار الإسلام السياسي: "هم موجودون إذن، … وإنكار تواجدهم إخفاء للرؤوس في الرمال، والسماح لهم ولغيرهم من التيارات السياسية الدينية بتشكيل أحزابهم له من المزايا ما لا يستهان به، فسوف يلزمون بوضع برامج سياسية، وسوف يدور الحوار معهم على أرض الواقع السياسى، وسوف يكون حوار دنيا لا حوار دين، وسوف يكون هدفهم كراسى الحكم لا قصور الجنة، وسوف يحجم أئمة المساجد عن المزايدة على مقولاتهم لدخولهم آنذاك في دائرة العمل السياسى الصريح، وسوف تتحول الأحزاب السياسية إلى معارضتهم بدلا من المزايدة عليهم، وسوف يختلفون فيما بينهم بأكثر من اختلافهم مع الآخرين، وسوف يتحاورون في ساحة ليست ساحتهم، ويتكلمون لغة تصعب عليهم مفرداتها، ناهيك عن قواعدها، وفى كل هذا رحمة من الله أى رحمة، ولطف بالوطن أى لطف."[18]
يرى فرج فودة أن تنامي الإسلام السياسي كان نتيجة لأزمة الديمقراطية التي تعيشها المنطقة منذ منتصف القرن العشرين، حيث "تسلم زمام كثير من بلدان المنطقة إلى دائرة مفرغة، تبدأ بالانقلابات العسكرية التي تفشل في حل المشكلات، وتنجح في تفريغ المجتمع من القيادات المدنية المؤمنة بالشرعية، وتنجح أيضا وهذا هو الأهم، في ترسيخ مفاهيم إهدار الشرعية الدستورية تحت شعارات فضفاضة من نوع (الشرعية الثورية)، و(الحرية للشعب ولا حرية لأعداء الشعب) … هذا النمط من الحكم هو السبب في نمو وتعاظم التيارات السياسية الدينية."[5] وتقود هذه الدائرة المفرغة إلى "دورة مفزعة، ففي غياب المعارضة المدنية، سوف يؤدي الحكم العسكري إلى السلطة الدينية، ولن ينتزع السلطة الدينية من مواقعها إلا الانقلاب العسكري، الذي يسلم الأمور بدوره، بعد زمن يطول أو يقصر إلى سلة دينية جديدة وهكذا، وأحيانا يختصر البعض الطريق فيضعون العمامة فوق الزي العسكري، كما حدث ويحدث في السودان. الخروج من هذه الدائرة المفرغة ضرورة. والتواصل مع الشرعية الدستورية مسألة حياة أو موت. والشرعية الدستورية لا تتسع لهذا أو لذاك فكلاهما خطر عليها، ومدمر لها، والذي يفضل أحد البديلين على الآخر يستجير من الرمضاء بالنار."[5] ولا يحدث مثل هذا التواصل مع الشرعية الدستورية إلا عبر "تحديد الأدوار:"[8]
- لا دور لأفراد الجيش خارج ثكناتهم.
- لا دور للجيش خارج حدود الوطن.
- لا مكان للسياسة أو السياسيين داخل صفوف الجيش.
- لا لتسييس الدين.
- لا لتديين السياسة.
العدالة الاجتماعية
يعرّف فرج فودة مفهوم العدالة الاجتماعية بأنه "الحرص على أن تكون القرارات الاقتصادية في مصلحة الأغلبية مع حفظ التوازن بين مصلحة المجموع من ناحية، والحد الأدنى الواجب توافره من الحرية الاقتصادية."[8] ويرتبط هذا الحد الأدنى بصورة مباشرة بمفاهيم الحرية السياسية، ويتمثل في:[8]- حرية اختيار العمل.
- حرية انتقال عناصر الإنتاج.
- حرية التملك.
- عدم استغلال الطبقات العاملة عن طريق استقلالية النقابات العمالية.
- عدم الاحتكار عن طريق القوانين الصارمة التي تمنع الاتفاقيات الاحتكارية.
- ضرورة أداء حقوق الدولة عن طريق كفاءة أجهزتها في تحصيل الضرائب، وفرضها احترام النظم النقدية.
- كفالة حد أدنى مرتفع من التأمينات الاجتماعية، حيث يعطي المجتمع إعانات بطالة، ويكفل العلاج المجاني، ويمنح التعليم المجاني لغير القادرين، ويكفل الرعاية الصحية للأيتام والعجزة وكبار السن.
في المقابل، فإنه يربط مفهوم العدالة الاجتماعية بالأمن القومي: "أخشى أن نسقط جميعا في كارثة حرب أهلية لا يعلم إلا الله مداها أو نتائجها. حرب بين الأغنياء، شديدي الغنى، والفقراء، شديدي الفقر. وقد كانت أحداث 18 و19 يناير نذيرا."[8] فلقد "اختل ميزان العدل الاجتماعي في مصر" بسبب ترنح الاقتصاد المصري "نتيجة الانقلابات (الثورية) التي دفعت به إلى أقصى اليسار، ثم إلى أقصى اليمين، دون تمهيد أو دراسة متأنية."[8] ويرى فرج فودة أن الدفاع عن العدالة الاجتماعية ليس هجوما على الأغنياء، بل على العكس دفاع عنهم: "إن الحقيقة المرة أن الكثيرين من أغنيائنا أغبياء، لأنهم لا يتصورون أن للفقراء حقا في أموالهم، وأن الدولة هي أداة تحصيل هذا الحق، وبدون هذا الميزان سوف يختل توازن المجتمع كله، وسوف يصبح الأغنياء أول ضحايا هذا الاختلال،"[8] حيث أن "أكثر الدول رأسمالية لا تفعل ما نفعله في مصر."[8]
ويرى فرج فودة ضرورة "قياس مدى نجاح السياسات الاقتصادية من خلال مدى تحقيقها لهدف زيادة عدالة توزيع الدخول داخل البنيان الاقتصادي"[8] من أجل تماسك المجتمع وحفظه، حيث يؤدي اختلال ميزان العدالة الاجتماعية، الذي يزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا، إلى زيادة "السخط الاجتماعي. والأخطر من ذلك أن ينعكس هذا السخط في صورة عدم انتماء حقيقي من المواطن للدولة، لأن الدولة بصورتها الحالية فقدت انتماءها الحقيقي للمواطنين."[8] ويعدد فرج فودة بعض الأمثلة عن أبسط حقوق المواطنة:[8]
- أن يتوافر للمواطن علاج حقيقي في المستشفيات العامة، لا يقل عما يقدم في أرقى المستشفيات الخاصة.
- وأن تتوافر له خدمات الإسعاف السريعة في الحوادث.
- وأن يجد مساحة خضراء للتنزه.
- وأن يحصل على خدمة حقيقية مقابل كل قرش يدفعه.
- وأن يجد بساطة في الإجراءات.
- وأن يجد شاطئا يستروح فيه.
- وأن يجد سفارة أو قنصلية في الخارج تبحث عنه، وتدافع عن مصالحه.
- وأن يعامل مواطنو الدول الأخرى بالمثل (مثل التأشيرات أو إيجاد كفيل).
- وأن يشعر كل مواطن أن الدولة مسؤولة عنه إذا أصابه العجز أو الشيخوخة أو المرض.
- وأن يستشعر المواطن أن الدولة تجيد العطاء قدر إجادتها للأخذ، وأن القواعد التي تحفظ للشرطة هيبتها، وللجيش حرمته وصلابته، لا تتعارض مع قواعد المحافظة على الكرامة والرجولة.
- عثمان بن عفان: 30,500,000 درهم و350,000 دينار و1,000 بعير.
- الزبير بن العوام: 51,000,000-52,000,000 درهم وخطط بمصر والإسكندرية والكوفة والبصرة وغلات من المدينة.
- سعد بن أبي وقاص: 250,000 درهم وقصر بالعتيق.
- طلحة بن عبيد الله: 30,000,000 درهم و220,000 دينار.
- عبد الرحمن بن عوف: 1,000 بعير و3,000 شاة و100 فرس وذهب "قطع بالفؤوس حتى مجلت أيدي الرجال منه" وكان ثُمن إحدى زوجاته الأربع 80,000 درهم.
الهوية الجغرافية
يحرص فرج فودة على أن يوضح ضرورة استناد الانتماء الوطني إلى بعد الجغرافيا الملموس، وليس إلى بعد التاريخ النظري.[5] وهو بذلك يختلف بشدة عن التيارين الفكريين الرئيسيين اللذين سادا الحياة الثقافية المصرية منذ ثورة 1952، وهما تيار الوحدة العربية من الناصريين ثم تيار الوحدة الإسلامية من الإسلاميين، واللذين يتحدثان "عن الوحدة من خلال معطيات التاريخ، وننسى أن معطيات الجغرافيا هي العامل الحاسم … وما أتعس الوطن الذي لا يعرف سوى التاريخ، ويعز عليه أن يعيش الحاضر أو أن يتعامل معه، فيصبح مثل التاريخ تماما، أثرا بعد عين،"[5] حيث أن "ربما تستطيع أن تفسر التاريخ بالجغرافيا أو بغيرها، لكنك لا تستطيع أن تغير الواقع إلا بالجغرافيا."[3]وإذا كان التاريخ الوسيط يظهر تهافت الوحدة الإسلامية لما اكتنفه من حروب أهلية ودينية منذ عهد الصحابة وفي الأنظمة الإسلامية المعاصرة، فإن التاريخ المعاصر يظهر كذلك تهافت الوحدة العربية "الحقائق تقول إن جميع الدول العربية بلا استثناء لها مشاكلها الحدودية مع جيرانها من الدول العربية الشقيقة، وأنه خلال ربع القرن الأخير، وهو أكثر ربع قرن في التاريخ الحديث تغنى فيه العرب بالوحدة، حدثت نزاعات (مسلحة) عديدة، أطرافها عربية، منها نزاع مسلح بين المغرب والجزائر، وآخر بين مصر وليبيا، وثالث بين ليبيا وتشاد، ورابع بين البحرين وقطر، وخامس بين مصر واليمن، وسادس هو أكثرها إثارة، وتمثل في (غزو) العراق للكويت، هذا إذا استبعدنا مأساة أيلول الأسود وحوار الأطراف العربية على الأرض اللبنانية، بالرصاص، والحروب الأهلية الدائرة في لبنان، وجنوب السودان، والمغرب."[5]
ويعتبر فرج فودة علاقة مصر بالقضية الفلسطينية – والتي تعد في القلب من الوحدتين العربية والإسلامية – مثالا على ضرر الانصياع لشعارات التاريخ النظرية بدلا من حقائق الجغرافيا، حيث كان إعلان قيام (الدولة) الفلسطينية "مطلبا للرئيس السادات، …، ووقتها اتهموه بالخيانة – وبمحاولة ضرب النضال الفلسطيني بتحويله من ثورة إلى دولة، ورد هو عليهم بأنهم يخافون من وجود (وزير للخزانة) حتى لا يكشف ثروات المناضلين، … ولم يكن السادات غبيا حين طالبهم بذلك، فقد كان يعلم أن أرض فلسطين لم تشهد قيام دولة فلسطينية في تاريخها كله، فقد كانت على مدى التاريخ جزءا من الشام، وكان يحاول أن يلعب على ورقة قيام هذه الدولة حتى يكسب لها المؤيدين والمعترفين بها رسميا، ويخلق واقعا جديدا يضيف رصيدا للقضية الفلسطينية … بعد سنوات طويلة قبل الفلسطينيون ما رفضوه من قبل، بيد أن التوقيت كان متأخرا."[5] وتكمن أهمية القضية الفلسطينية في أنها كانت سبب "ضياع نصف قرن بأكمله" سدى، و"هو الزمن نفسه الذي انتقلت فيه أوروبا من مستوى الخرائب، إلى مستوى العمران الذي لا سابقة له في التاريخ … عندما بدأنا الصراع العربي الإسرائيلي... كانت المسافة بيننا وبينهم [يقصد الأوروبيين] قريبة، وممكنة، وخلال فترة الصراع التي ضاعت فيها مواردنا، وسقط فيها شبابنا، وانهار فيها اقتصادنا، كانوا ينعمون بالسلام، ويشيدون المدن والطرق، ويعيشون الديمقراطية، ويتفننون في إعلاء قيمة المواطن ورفع كرامة الإنسان وتحسين الخدمات المقدمة له. خلال نصف القرن نفسه، رتعت الديكتاتورية في عالمنا العربي كله تحت شعارات الحرب والتحرير ومواجهة العدو، وحتى القدر المحدود من الليبرالية السياسية والحرية الاقتصادية أهدرناه تحت شعارات شتى … الذين قادونا إلى هذا المأزق (وأقصد بالمأزق هنا ضياع الموارد في سبيل تحقيق المستحيل) استندوا في هذا السعي إلى شعارات التاريخ وانطلقوا من معطفه. رفعوا رايات صلاح الدين، وشعارات القومية العربية، ونسوا أن التاريخ لا يصنع حاضرا ولا مستقبلا."[5] ومن ثم فإنه لا يرى في الثقافة العربية إلا "رافدا حديثا من روافد الثقافة تأثرنا به، وأثرنا فيه. بل كان تأثيرنا فيه أعمق من أي تأثير آخر."[8]
في المقابل، فلقد آمن فرج فودة بأن الوحدة الأهم بالنسبة لمصر هي وحدة وادي النيل القائمة على أساس وطيد من الجغرافيا: "عبقرية المكان هي أعظم معطيات مصر، … والتجارب الحديثة في التنمية المصرية، تتمثل في تجربتين مذهلتين، إحداهما في عهد محمد علي، والثانية في عهد الخديو إسماعيل، وفي كلتا التجربتين، اتسعت حدود التكامل خارج الوادي الضيق، وانعكس هذا على التنمية والتقدم والانطلاق الحضاري داخل الوادي."[5] ولهذا كان "للسودان الحبيب مكانة في نفسي لا تقل عن مكانة مصر،"[5] و"عشق لا يعترف بالحدود."[14] وهو يعرف حزبه بأنه "حزب مصري، ينتمي إلى وادي النيل، بتراثه وتاريخه، بحضارته الضاربة في أغوار التاريخ، لا نعترف بحدود مصطنعة بين شمال الوادي وجنوبه، شاءت إرادة المستعمر أن تطابقها على أحد خطوط العرض، بعد أن فشلت في أن تجد حاجزا طبيعيا أو بشريا أو تاريخيا،"[8] ويرى أن "أقسى ألم مر بشعب وادي النيل هو انفصال شطريه شمالا وجنوبا. وأقصى أمل لهذا الشعب هو أن يتحد شطراه من جديد. إننا نتجاوز حين نسمي هذا أملا. إنه ضرورة فوق كونه واقعا ... لقد أرادوا أن تضيق موارد الشمال، وقد كان. وأن تعجز موارد الجنوب عن أن تجد من يستغلها من السكان، وقد كان. وأن نتجاوز واقع وحدة وادي النيل إلى أحلام الوحدة العربية، أو وحدة العالم الإسلامي، وقد كان."[8]
الوحدة الوطنية
يؤمن فرج فودة أن "التسامح الديني ... مفهوم حضاري أكثر منه مفهوما دينيا، فالتوراة ترى في اليهود شعب الله المختار، والإنجيل حافل بلوم اليهود وتوبيخهم وتقريعهم، والقرآن صريح في اتهام من يزعمون أن المسيح ابن الله أو إن الله ثالث ثلاثة بالكفر الصريح، وحين تصبح الدولة دينية، فإنها بسلطانها لا تتسامح أبدا مع الكفرة إلا في ظروف النشأة والفتح، تحسبا لردود فعل الأغلبية."[3] ويؤكد فرج فودة على دعواه بسرد أحداث الاضطهاد الديني التاريخية التي تعرض لها غير المسلمين في مصر بعد استتباب الدولة الإسلامية وتحول غير المسلمين تدريجيا إلى أقلية من مثل ما جرى في أزمنة المتوكل العباسي (847-861) والظاهر بيبرس (1260-1277) وعباس الأول (1848-1854): "كان هذا في زمن وغد، يحلم بعض الجهلاء باستعادته، وهو زمن الزنار العسلي، وتحريم ركوب الدواب على غير المسلمين، وتعليق الأجراس في الرقاب، ووضع تماثيل الشياطين على الأبواب. وقد ولى الزمن حقا بيد أن ذكراه ناقوس يدق في العقول اليباب والنفوس الخراب والوجدان الشرير."[16]ولعل فرج فودة هو أكثر الكتاب المصريين الذين اتخذوا من الوحدة الوطنية بين المسلمين وغير المسلمين موضوعا رئيسيا لكتاباته، وأفرد له كتابين هما "الفتنة الطائفية إلى أين ؟” (1985) مع آخرين و"الأقليات وحقوق الإنسان في مصر" والذي طبع بعد وفاته. وهو يحرص على التوضيح بأن: "معاذ الله أن يتصور أحد أنني أدافع عن أقباط مصر. فأنا أكره أن يقسم المصريون إلى مسلمين وأقباط، … إنني عندما أدافع، إنما أدافع عن مصر، وإنما أرفض أن يضام مصري، وأرفض أن يكون لمواطن حق الشهادة، لأنه مصري مسلم، ولا يكون لمواطن آخر هذا الحق، لأنه ذمي. وأرفض أيضا أن يكون حق الحكم لفريق من المصريين دون فريق. أو أن يكون حق التشريع لفريق دون فريق، أو أن يكون حق ولاية القضاء في أي أمر، لفريق دون فريق، أو أن يكون حق الدفاع عن الأرض. وأكره أن أرى مجموعة من المصريين، بأن لا يبدؤوا مجموعة أخرى بالسلام، وأن يضطروهم إلى أضيق الطريق، إذا لقوهم في طريق، مستندا إلى أحاديث مختلفة، سندها واه، ومتنها أوهن من خيوط العنكبوت. وأرفض أن يدعي أحد أن حرب أكتوبر كانت حربا دينية، وأنها كانت بين مسلمين ويهود، وأقبل فقط أنها كانت بين مصريين وإسرائيليين."[9]
وينبه فرج فودة إلى أن "الأقلية القبطية في مصر على عكس كثير من الأقليات في أغلب دول العالم ليست أقلية وافدة بل هي أقلية أصيلة، الأمر الذي يصعب معه النظر إليهم على أنهم دخلاء أو مجموعة قابلة للنزوح إلى موطنها الأصلي أو أو ولاءها خارجي، كما أنه من ناحية أخرى لا يمكن الشك في أن ولاءها لمصر الأرض والوطن والتاريخ، وهذه كلها عوامل تحجم كثيرا من مبررات الصراع الطائفي."[3] ومن ثم فإن "تبني الأقلية القبطية لبعض المطالب السياسية لا ينطلق من عقيدة دينية بقدر ما ينطلق من مفهوم حقوق الإنسان في العالم المعاصر، وبمعنى آخر فإن موقفهم ينطلق من أرضية سياسية وليس من أرضية دينية."[3]
وتتلخص مطالب الأقباط السياسية في:
- إلغاء الخط الهمايوني وقرارات العزبي باشا (وكيل وزارة الداخلية في عام 1932) التي تحظر بناء الكنائس وترميمها إلا بقرار جمهوري.
- إلغاء التمييز الوظيفي والذي أصبح أقرب إلى العرف الذي "يحرض على (كوتة) أو نسبة ضئيلة للمقبولين منهم في كليات الشرطة والحربية والبحرية والطيران."[16]
- إلغاء التمييز التعليمي والذي "يغمض عينيه عن ممارسات طائفية أوضح من الشمس في أغلب أقسام الجامعات،[16] كما يقصر الالتحاق في الكليات غير الدينية في جامعة الأزهر على المسلمين فقط : "والعجيب أن جامعة الأزهر هذه يتم تمويلها من حصيلة الضرائب التي يدفعها المسلمون وغير المسلمين، وبمعنى آخر فإن المسيحيين في مصر والبهائيين كذلك يمولون جامعة لا يستفيد أبناؤهم منها، وهو وضع فيه خلل هائل."[15]
- الحد من "القول العنيف والتلميح غير العفيف لبعض المشايخ في مصر، الذين لا يحلو لهم إلا تفسير سورتي مريم وآل عمران، والذين يرمون المسيحيين بالكفر آناء الليل وأطراف النهار."[16] ومن أمثلة ذلك ما رواه عن "شرائط شيخ شهير جهير، … يدعو المسلمين إلى قتل الأقباط. هكذا بلا مواربة أو حياء أو خجل، ويتوسل إلى ذلك بقصص مختلفة عن شاب مسلم صادق شابا قبطيا ثم وجده في الفراش مع أمه فأطلق عليه (سبعا وعشرين رصاصة)، أو عن ادعاءات مختلفة عن دروس في الكنائس تدعو الأقباط إلى دراسة الطب (لكشف عورات نساء المسلمين وتحديد نسلهم)."[15]
ويحرص فرج فودة على توضيح أن الدولة الدينية لا تميز فقط بين المسلمين وغير المسلمين، وإنما تميز أيضا بين المسلمين أنفسهم حسب آرائهم الدينية، فيقول: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، شهادة من يدفعه مناخ رديء، إلى رفع شعار الديانة بديلا أو سابقا لشعار المواطنة، إثباتا لما لا يتطلب برهانا أو تأكيدا، ومقدمة لا بد منها في مواجهة تيار أهون ما يفعله أن يكفر مسلما، أو يرمي من يختلف معه سهام الارتداد عن الدين."[9] ولهذا فهو يرى أن "علمانية مصر أو مدنية الحكم فيها هي التي حفظت الوحدة الوطنية متماسكة فيها خلال القرن الأخير رغم كل المشكلات، و... أن الدعوة لتحويل مصر إلى دولة دينية هي السبب الحقيقي في توتر المشكلات الطائفية وتتابعها خلال ربع القرن الأخير وهي الكفيلة باستمرارها في نسف هذه الوحدة نسفا، وإدخال مصر في مسلسل من الفتن يسهل أن تتحول إلى حروب أهلية حقيقية لن يكون طرفاها المسلمون والمسيحيون، بل سيكون أحد طرفيها المسلمون المتعصبون وسيكون الطرف الآخر شاملا للمسلمين المتنورين وللمؤمنين بحرية الاعتقاد كما يجب أن تكون."[15]
حقوق الإنسان
يرى فرج فودة أن "وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تمثل … أرقى ما توصل إليه الفكر الإنساني الحضاري المعاصر."[15] ومن ثم فإن الحكم على صحة أو مدى تحضر فكر ما يتم بمقارنته بها، وهو ما يطبقه على فكر دعاة الدولة الدينية، ويخلص منه إلى وجود "تعارض واضح بين معتقدات الجماعات الإسلامية وإعلان حقوق الإنسان … فمنهج الإعلان هو التعبير عن حضارة العصر، ومنهج الجماعات هو الرفض لهذه الحضارة وتطويع العصر لما يمكن أن يسمى بالردة الحضارية، بعد إلباس هذه الردة ثوبا دينيا براقا من خلال رؤية متعسفة أحادية الاتجاه."[15]ويحرص فرج فودة على التنويه بوجود "فرق بين موقف الجماعات الإسلامية من حقوق الإنسان وبين موقف الإسلام من حقوق الإنسان انطلاقا من رؤية بعض المسلمين، حتى وإن وثقوها ببعض النصوص لا تلزم الإسلام ذاته، ولا تزيد من كونها رؤية ولا تؤثر في إمكانية وجود رؤى أخرى بعضها عكسي تماما … وأوضح مثال … على ذلك … يتمثل في موقف الإسلام من الرق، حيث لا خلاف على أنه أحله، ولا خلاف أيضا على أنه شجع على العتق."[15] ويرى فرج فودة في موقف الإسلام من الرق أنه "كان يفتح الباب واسعا أمام عصور قادمة، يجد المسلمون فيها تناسقا بين جوهر الإسلام وروحه وبين جوهر عصور الحضارة وروحها،"[15] وهو مثال "لإمكانية تطويع النصوص لرأي أو الرؤية فيما يتعلق بشئون الدنيا ومجريات أمور الحياة."[15]
تبتعد رؤية الجماعات الإسلامية للأقليات (مادة 1 من الإعلان) وعنفهم ضد مخالفيهم في الآراء (مادة 3) ورفضهم لقاعدة المساواة بين الرجل والمرأة (مادة 2) وتدخلهم التعسفي في الحياة الخاصة للأفراد بدعوى تغيير المنكر باليد (مادة 12) ورفضهم لحرية تغيير الديانة والعقيدة (مادة 18) أو لتولي غير المسلمين أو المرأة لبعض المناصب العامة المهمة (مادة 21) ورفضهم للفنون (مادة 27) أو ازدرائهم للقانون الوضعي واستبداله برؤيتهم الخاصة لنصوص القرآن والسنة وانتقائهم من هذه النصوص (مادة 29) [17]. وبعض آراء الجماعات الإسلامية لا يزال يمثل إشكالية لدى جمهور الفقهاء، مثل "رفضهم الزواج عند اختلاف الدين والحقوق المتساوية أثناء قيام الزواج وعند انحلاله (مادة 16)."[15]
وبصورة عامة يواجه فكر دعاة الدولة الدينية ثلاث عقبات حقوقية:[15]
- موقف ميثاق حقوق الإنسان من العقوبات البدنية، وهو ما يتعارض مع الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية.
- موقف ميثاق حقوق الإنسان من المرأة، وهو ما يتعارض مع الفهم الخاص بالإسلام لدور المرأة وطبيعة وإطار نشاطها داخل المجتمع.
- موقف ميثاق حقوق الإنسان من إطلاق حرية الاعتقاد، وهو ما يتعارض مع حد الردة. ويشير فرج فودة إلى "اختلاف بعض الفقهاء حول حد الردة، ورؤية بعضهم أنه ليس حدا وإنما هو اجتهاد لأبي بكر، ورأي البعض الآخر أنه مرتبط بنشأة الدولة الإسلامية وبداياتها وأنه لا يوجد ما يبرره حاليا."[15]
وينادي فرج فودة بضرورة مراجعة النصوص الدستورية التي تحول دون فهم حرية الاعتقاد فهما حضاريا حديثا، وتضفي على الدولة المدنية ظلالا دينية، مثل:
- نص (الإسلام هو دين الدولة)، "وهو نص مقبول في إطار كونه نصا (إحصائيا) يفيد أن الأغلبية في مصر من المسلمين، إما أن يتحول إلى نص له دلالته التشريعية والدينية فالأولى هنا بوضوح شديد أن يرفع من الدستور المصري،"[15] حيث أن "الدين الإسلامي شأنه في ذلك شأن كل الأديان له كل الاحترام والتوقير، لكنه في النهاية ملزم للأشخاص المقتنعين به حين يعتقدون أنه على اتباعهم لأوامره ونواهيه يثابون. أما الدولة فهي شخص معنوي لا عقيدة له ولا ثواب ولا عقاب."[15]
- نص (حرية الاعتقاد مطلقة) الموروث من دستور 1923 بعد حذف كلمة (الديني)، والأفضل "أن يعود النص إلى أصله وهو (حرية الاعتقاد الديني مطلقة) مع توضيح لا يخرج عن إطار ميثاق حقوق الإنسان."[15]
العلم والثقافة
يرتبط مفهوم الدولة المدنية الحديثة بالعلم ارتباطا وثيقا، حيث أن "إنكار العلمانية جهل بالحضارة الحديثة، وإطلاق صفة الكفر على العلمانية جهل بالعلمانية، والدعوة للدولة الدينية جهل بحقوق الإنسان، والمناداة بعودة الخلافة الإسلامية جهل بالتاريخ."[3]ويرى فرج فودة "أن نقطة البدء كامنة في مناهجنا التعليمية التي يتلقاها النشء"،[15] حيث "لا بد من مراجعة برامج التعليم الحالية، لأنها أحد أسباب ظهور جيل يستنكف استعمال العقل ويحجم عن إعماله، ويستهين بالحضارة الإنسانية ويحمل لها خالص الاحتقار، ويجهل تواصل تاريخه وتنوعه وتعدد انتماءاته ولا يرى منه إلا جانبا واحدا، وحتى هذا الجانب لا يرى منه إلا وجها واحدا هو الوجه المضيء، بينما جوانبه الأخرى شتى، شأنها شأن أي تاريخ … ولو نجحنا في [أن] … يكون الهدف الأول للتعليم هو إعمال العقل واستخدام المنطق والأسلوب العلمي والمنطقي في التفكير، لقضينا على جانب كبير من جوانب مشكلة الإرهاب التي نواجهها الآن."[6] ويختلف منهج إعمال العقل الذي ينادي به فرج فودة عن منهج الجماعات الإسلامية في جذب الشباب إلى التطرف، والمستمد "من مجموعة من الأسئلة المختارة بذكاء بحيث تقود إلى مجموعة من الإجابات الحاسمة، التي لا تحتمل إلا (نعم) أو (لا)، ولا تترك فرصة لرأي بينهما، فإذا تم استدراج العضو بهذا المنطق أمكن تلقينه في مرحلة تالية تنويعات فكرية تدور في نفس الإطار. والأسئلة المطروحة تكون عادة من النوع التالي : هل تؤمن بالله ؟ هل تؤمن بالقرآن ؟ يقول القرآن (كذا) هل تطيعه أم تعصيه ؟ يقول الرسول (كذا) هل تنفذ أمره أم تأبى ؟ إلى آخر هذا التضليل الذي يتم فيه اختيار الآيات والأحاديث بصورة موجهة ومقصودة لخدمة أهداف محددة."[15]
ويحرص فرج فودة على إيضاح الفرق بين التخصص العلمي والثقافة الشاملة، وهو الفرق الذي يؤدي في رأيه إلى ارتفاع نسبة أعضاء الجماعات الإسلامية من شباب "الكليات العملية التي تقبل أصحاب المجاميع المرتفعة (الطب والهندسة)، وربما كان التخصص العلمي الدقيق مع افتقاد ما يتمتع به طلبة كليات الدراسات الإنسانية من منهج الموازنة بين الآراء المختلفة والترجيح بينها وما يترتب على ذلك من نسبية الصواب والخطأ سببا في اعتناق هذا الفكر الأحادي الاتجاه في الكليات العملية."[15]
كذلك يرى فرج فودة أن مناهج التربية الدينية الإسلامية تنقل صورة خاطئة عن الإسلام حيث أن "ثلاثة أرباع المنهج منحصر في غزوات الرسول،"[15] وهو ما يحول الدين الإسلامي "في ذهن الفتى … إلى دين حرب،"[15] ويدفع بعض الكتاب إلى الدعوة إلى تدريس فنون الكر والفر في الغزوات في الكليات العسكرية. "وقد ينذهل الجميع حين يعلمون أن مجموع قتلى المسلمين والمشركين … في جميع الغزوات التي تمت في عهد الرسول … من واقع سيرة ابن هشام يبلغ 251 قتيلا … منهم 139 شهيدا (بنسبة 55%) يمثلون شهداء المسلمين و112 قتيلا (بنسبة 45%) يمثلون قتلى المشركين … وواضح أيضا أن المسلمين قد انتصروا في غزوتين (بدر وبنو المصطلق)، وانهزموا في غزوتين (أحد ومؤتة)، وأفشلوا حصارا (الخندق)، ونجحوا في حصار (خيبر)، وفشلوا في حصارين (حنين والطائف)، وأن الغزوات قد بدأت بانتصار في بدر وانتهت بهزيمة في مؤتة، وأن عظمة الرسول لم تكن في انتصاراته المستمرة، فهذا لم يحدث، وإنما تمثلت في تحويله لسجل ختلطت في الانتصارات بالهزائم حتى كادا يتعادلان إلى انتصار نهائي،"[15] وهو ما يؤكد ضآلة أهمية الغزوات في نشر الإسلام وأفكاره.
انتقد فرج فودة تسمية دعاة الدولة الدينية لما حدث للثقافة في العالم الإسلامي منذ السبعينيات بالصحوة: "الاعتداء على الفرق المسرحية والمسارح صحوة! الإفتاء بأن عبد الوهاب مرتد بسبب غنائه (من غير ليه) صحوة! الإفتاء بإعدام مرضى الإيدز صحوة! الإفتاء بحرمة نقل الأعضاء وحرمة نقل المرضى لغرف الإنعاش صحوة! … الدعوة لزيادة النسل وهجر العلم (الوضعي) في بلاد تطحنها الأزمة الاقتصادية والتخلف العلمي صحوة! الدعوة بهجر الطب (المستورد) واستبداله بالكي والحجامة والتعاويذ ومعالجة المرضى في مقرات الأحزاب بتحضير الجن وآخرها جن عربيد ثائر سكن بدن إحدى المسلمات واعترف بأن اسمه (شنودة) كما ورد في جريدة النور، صحوة! الادعاء بأن هناك طبا إسلاميا وكيمياء إسلامية وفيزياء إسلامية وجيولوجيا إسلامية، لمجرد التعسف في تاريخ نص قرآني أو حديث نبوي صحوة !"[23]
وكان من نتائج ذلك ظهور شعار (الغزو الثقافي) الذي "يحمل ضمنا مفهوم الرفض للثقافة على أساس المصدر أو العقيدة."[15] ولهذا انتقد فرج فودة نقد الحضارة الحديثة لمجرد كونها غربية أو غير إسلامية المصدر، حيث أنه من المؤكد في ظل الدولة الدينية "أن كتب ماركس سوف تمنع من التداول. وأن نظريات فرويد سوف تحظر على الدارسين لعلوم النفس. وأن نظرية داروين سوف تستأصل من مناهج التدريس،"[9] وهو ما يستنكره فرج فودة ردا على مقالة للدكتور عبد الغني الراجحي في جريدة اللواء الإسلامي التابعة للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم التي قال فيها إن "السوءات الثلاثة في الفكر الإنساني مصدرها يهودي" (ويحرص فودة على توضيح أن داروين مسيحي وليس يهوديا لإبانة جهل الدكتور الراجحي).[9] ويناقض هذا الموقف من الحضارة الغربية موقف علماء الحضارة الإسلامية في القرون الوسطى ممن بدأوا نهضتهم العلمية بالنقل عن العلوم الغربية في عهد الخليفة المأمون (813-833).[7]
ويساعد قصور وسائل الإعلام الرسمية على انتشار هذا الموقف المعادي للحضارة الحديثة والذي يصب في صالح دعاة الدولة الدينية: "هم يهاجمون الحضارة الحديثة باستمرار، ويصورون الحضارة الغربية على أنها حضارة الدعارة والشذوذ الجنسي والإيدز. وفي المقابل لا توجد برامج عن جذور الحضارة الإنسانية، وانتقالها من منطقة لأخرى، وتراكمها في جذور الحضارة الحديثة ومنجزات المدنية الحديثة. إن احترام حضارة العصر يفقدهم سلاحا ماضيا في أيديهم. ومن حق الأجيال المعاصرة أن تعرف كيف تطورت الحضارة من نيوتن حتى غزو الفضاء في برامج شديدة الجاذبية. وكيف تطور الفكر الإنساني منذ أرسطو حتى وصل إلى الديمقراطية وميثاق حقوق الإنسان. وكيف تطورت أسلحة الحرب من السيوف إلى حرب الكواكب. وكيف تطور الطب حتى تم القضاء على الكثير من الأوبئة التي كانت تحصد الملايين."[11]
وبعامة فلا بد من إدراج مبادئ الثقافة الحديثة في مناهج الجامعات وخاصة الجامعات الإقليمية، حتى "تصبح هذه الجامعات منارة إشعاع فكري وحضاري وإنساني في المحافظة كلها،"[17] وهو الهدف السامي الذي لم تنجح سياسات التعليم السابقة في تحقيقه، بل على العكس أدى خلو هذه السياسات من البعد الثقافي إلى: "بدلا من أن تصبح الجامعات الإقليمية مصدر إشعاع فكري وتنوير حضاري، أصبحت مصدرا للتعصب الديني، والتمييز الطائفي، وموردا لا ينضب للجماعات الظلامية، ووصل المرض إلى أعضاء هيئة التدريس، فأصبحت نوادي أعضاء هيئة التدريس بها مصدر كل ما هو متعصب، ومتخلف حضاريا، ومقلق سياسيا ودينيا."[17]
أسلوبه
الإيمان
يؤمن فرج فودة بوجود "حكمة علوية تهيئ الأفراد لأداء دور، ربما دفعوا حياتهم من أجله، وربما أسعدهم الحظ بحصاد النتائج خلال حياتهم … وليس عليهم إلا أن يدركوا أنهم موجودون لأداء دور، تفرضه عليهم معطيات الواقع ومتطلبات المستقبل، ويدفعهم إليه إيمانهم بأوطانهم وبمستقبل الأجيال القادمة، وأن وجودهم مرتبط بأداء هذا الدور، وبأنهم بقدر هذا الأداء سوف يكونون، وبقدر التضحية سوف تنتصر دعوتهم، وبقدر قوة مناوئيهم وعنفهم وجبروتهم، بقدر ما يكون لأدائهم معنى، ولدورهم تأثير، وبقدر إيمانهم بأن رحلة العمر قصيرة، وأن الجميع إلى نهاية طال العمر أو قصر، وأن النهاية ثمن ضئيل لبداية الآخرين على طريق صحيح، بقدر ما تأتي البداية بأسرع مما يظن الجميع، وبقدر ما ترتفع الراية إلى أعلى مما يتصور الكل."[6]ويؤمن فرج فودة أن دوره ككاتب هو إيصال رسالة التنوير: "إن علينا جميعا واجبا أساسيا وتاريخيا، وهو أن نترك لأبنائنا مناخا فكريا أفضل. وهو أمر لا يتأتى إلا بمواجهة الإرهاب الفكري بكل الشجاعة والوضوح والحسم."[9] ومن ثم لا تخيفه تهديدات دعاة الدولة الدينية له وإرهابهم: "لا أبالي إن كنت في جانب والجميع في جانب آخر. ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم. ولا أجزع إن خانني من يؤمن بما أقول. ولا أفزع إن هاجمني من يفزع لما أقول. وإنما يؤرقني أشد الأرق، أن لا تصل هذه الرسالة إلى من قصدت. فأنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح، وأنصار المبدأ لا محترفي المزايدة، وقصاد الحق لا طالبي السلطان، وأنصار الحكمة لا محبي الحكم. وأتوجه إلى المستقبل قبل الحاضر، وألتصق بوجدان مصر لا بأعصابها … وحسبي إيماني بما أكتب، وبضرورة أن أكتب ما أكتب، وبخطر أن لا أكتب ما أكتب،"[9] حيث أن "الكلمة أحيانا قد تمنع رصاصة. لأنها بالطبع أقوى، وبالقطع أبقى،"[9] و"إن الحرف يقتل، وإن الكلمة كانت هي البدء، ويقينا هي الختام، والفكر يحييه الاضطهاد، والمنطق ينشره منع النشر، وصاحب هذا القلم يعرف قدر نفسه وحجم تأثيره، والهامة المرتفعة بالحق لا تنحني أبدا، والقلم المعبر بصدق لا ينكسر أبدا، والنفس المؤمنة بالله لا تراعي أبدا."[13]
ويستمد فرج فودة إيمانه من مصدرين رئيسيين:
- المنطق: "ليس في الأمر شجاعة منا بقدر ما فيه من منطق، فالموت أهنأ كثيرا من العيش في ظل فكرهم العيي، وحكمهم العتي، ومنطقهم الغبي، وأن يفقد الواحد منا حياته وهو يدافع عن وحدة الوطن، أشرف كثيرا من أن يعيش في وطن ممزق، وأن يضحي الواحد بالسنوات الباقية من عمره أشرف كثيرا من أن يقضيها تحت حكم من يفضلون ركوب الناقة على ركوب السيارة لأن الثانية (لتركبوها) بينما الأولى (لتركبوها وزينة). المقبرة أهون، والاستشهاد أفضل، والجهاد ضدهم حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا هو الاختيار الصحيح والمريح."[6]
- الثقافة الواسعة المدركة لحركة التاريخ: "على مدى التاريخ الإنساني كله، كان السائرون خلفا يحرزون انتصارا مؤقتا لا يلبث أن يخلي الساحة لهزيمة دائمة ونهائية. قديما أعدموا سقراط وحكموا على جاليليو بالإعدام وطاردوا الرسول الكريم وقتلوا الحسين الشهيد، وهيئ لهم في كل مرة أنهم انتصروا فماذا كانت النتيجة؟"[13] و"واجه أثناسيوس اضطهاد الرومان في مصر، وحاول أحد مريديه أن يثنيه قائلا: العالم كله ضدك يا أثناسيوس، فكان رده البليغ: وأنا ضد العالم."[14] ومن ثم فإن ما تمر به مصر لا يعدو أكثر من أن يكون "غمة ستنزاح. وهو مأزق تاريخي سوف نعبره بإذن الله. وهي ردة حضارية سوف نتجاوزها دون شك. وهو اختبار لشجاعة الشرفاء وانتهازية الجبناء. وهو قدر البعض أن يتحدى الجميع من أجل الجميع. وهكذا كان. وهكذا – في تقديري – ما يجب أن يكون."[3]
- ثمن الحضارة: حيث "أننا نقلنا عن الغير ولم ندفع الثمن، فلكل شىء ثمنه، للديمقراطية ثمنها، وللعلمانية ثمنها، وللحضارة ثمنها، ولحقوق الإنسان ثمنها، وقد دفع العالم المتحضر ثمن ذلك كله من دماء أبنائه، ووصل إلى ما وصل إليه عابرا بحورا من دم، وسائرا فوق أجساد الآلاف من الضحايا، ولهذا يعض على ذلك كله بالنواجذ، ويتمسك به تمسك من حصل على الشيء بجهده وجده، وعرقه ودمه، بينما تلقينا نحن كل ما سبق دون جهد، نقله الرواد إلينا فعز علينا أن نتمسك به وصعب أن ندافع عنه، وما همنا في كثير أو قليل أن نفقد جزءا منه أو كلا، وأجزم أننا سوف ندفع الثمن عن قريب، إلا إذا استيقظ كل صاحب ضمير حر، وكل مخلص لوطنه حريص على تقدمه وأعلن بأعلى صوته لا، لا للدولة الدينية، ولا لإنكار العلمانية، ولا لخلط أوراق السياسة بالدين، وكلها مترادفات."[3]
الوطنية
وهي العاطفة السائدة في كل كتابات فرج فودة "وأعد قراءة ما كتبت إن أردت، فلن تجد فيه خروجا أو مروقا. وإنما سوف تجد فيه كثيرا من الصدق مع النفس. وقدرا من حب الوطن عظيم."[9] فمصر هي "ذلك الوطن العظيم، الذي لا أعرف معنى لوجودي إلا به، ولا أعرف شيئا يسبقه لدي بدءا أو يعلوه انتماء."[9] وربما كان لاستشهاد أخيه الأصغر دفاعا عن تراب مصر في حرب 1967 دور في نمو تلك الوطنية المميزة لأدب فرج فودة، وفي دفعه هو إلى الاستشهاد دفاعا عن وحدتها ومستقبلها : "ويا مصر.. يعلم الله أنني أحبك بلا حدود، وأتعشقك حتى آخر قطرة من دمي، وأتعبد في محرابك بكل ذرة من كياني، وأدفع حياتي كلها ثمنا لبقائك متماسكة."[9] وهو ما يجعله يعتقد أن الله والوطن لن يغفران "لأحد إن تقاعس أو تراجع أو جبن، فما بالك إن زايد أو تملق أو تحالف. وقى الله شر هؤلاء وأولئك، وحماها من ردة حضارية تأخذ بتلابيبها، وأبقاها منارة للحضارة والتقدم والاستنارة."[6]وتبلغ عاطفة فرج فودة الوطنية مصاف العاطفة الدينية الروحانية: "نحن أول حضارة في التاريخ. ليست الحضارة المادية فقط، وشواهدها قائمة وعديدة، بل الحضارة غير المادية أيضا. على كل من يتوجه إلى الله، وكل من يؤمن بالروح وباليوم الآخر، وبالثواب والعقاب في حياة أخرى، أن يتذكر أننا أول من وضع يده على هذه الحقيقة، وأنه تابع لنا في إدراكنا لأسرار الوجود."[8] ولهذه الحضارة غير المادية تأثيرها على تشكيل وتواصل المعمار الديني للمصريين: "في عهد الفراعنة كانت المسلة الفرعونية، أجمل إنجاز معماري في التاريخ. عندما دخلت المسيحية مصر، لم يكن المسيحيون يعرفون برج الكنيسة، وبعد أن استقرت المسيحية في مصر، ظهرت المسلة الفرعونية من جديد. فقد كانت فيها فتحة يظهر منها جرس الكنيسة. ظهرت أبراج الكنائس وانتشرت في أنحاء الكون كله. عندما دخل الإسلام مصر، لم يكن للمسجد مئذنة. وعندما استقر الإسلام في مصر، ظهرت المسلة الفرعونية، وحولها شرفة تسمح للمؤذن بالدعوة للصلاة. ظهرت مآذن المساجد. من المسلة الفرعونية إلى برج الكنيسة إلى مئذنة المسجد، تظهر روح مصر الرائعة، وهي روح متصلة، متواصلة … فقط تذكروا المسلة وبرج الكنيسة ومئذنة المسجد. تذكروا مصر، وأصالة مصر، وتواصل مصر."[5] ويقي هذا التواصل الروحاني مصر من سقوط فريسة للفتنة الطائفية، فهو يرد على الشيخ صلاح أبو إسماعيل قائلا: "مصر السماحة والوحدة الوطنية، لا تحني هامتها بالفرقة، أمام صوت منغوم أو بيان منظوم. ومصر الفكر والثقافة، لن تسمح لنفسها بالتراجع أمام دعاوي التمزيق الطائفي، مهما ارتفعت سيوف التكفير وسهام الارتداد عن الدين. ومصر الحضارة والتاريخ، لن تنكمش على نفسها مهما ارتفعت أصوات أنصار الشيخ من سرادقات دعايته الانتخابية، صارخة وا إسلاماه، وكأن الإسلام في محنة، هاتفة إسلامية إسلامية، وكأن مصر لم تكن ولا تزال، مسلمة قبطية، عربية فرعونية، إفريقية بحر أوسطية، وهي في كل الأحوال مسيرة تاريخ عظيم، صنعه أبناء وطن كان الإيمان العميق أبرز ملامحه، والوطنية (السمحة) أروع إنجازاته."[9] قوة مصر إذن "لا تنبع من عدد أفراد جيشها، أو من عتاد الجيش، أو من مثقفيها. قوة مصر تنبع من روحها، وهي شيء غير ملموس، لكنه موجود بالقطع."[8] ويناجيها فرج فودة قائلا: "إيه يا روح مصر، كم أتخيلك تبعثين من جديد، عظيمة ومنطلقة، قوية وصامدة، قادرة وحية، معطاءة كعهدك للخير والحضارة، قوية كعهدنا بك بالعدل والضمير."[8]
الدقة العلمية والتوثيق
يعلن فرج فودة أنه "لا يستطيع أن يمد قلمه إلا حيث يمتد عقله،"[18] ومن ثم فإن حديثه "قد يخطئ عن غير قصد، وقد يصيب عن عمد، وقد يؤرق عن تعمد، وقد يفتح بابا أغلقناه كثيرا وهو حقائق التاريخ، وقد يحيي عضوا أهملناه كثيرا وهو العقل، وقد يستعمل أداة أهملناها كثيرا وهي المنطق."[18] وهو يظهر الفرق بين منهجه العلمي الاستقرائي حيث "يبدأ من الجزء وينتهي إلى الكل"[5] أو ما يبسطه بمبدأ "(هات من الأول)،"[5] ومنهج دعاة الدولة الدينية الاستنباطي الذي يبدأ بالكل ثم ينتقل إلى الجزئيات، ويهوى المطلق ثم ينصرف إلى التفصيلات، وهو ما بسطه بمبدأ "(هات من الآخر)."[5] وينعكس هذا الفرق المنهجي سياسيا على عجز أنصار الإسلام السياسي المعاصر عن وضع برنامج سياسي تفصيلي والاكتفاء بعموميات فضفاضة من نوع (الإسلام هو الحل) كمثال.[3]ويظهر أسلوب فرج فودة العلمي في كتاباته في نقطتين رئيسيتين، أولاهما هي حرصه على تلخيص أفكاره في صورة نقاط محددة مرقمة في الكثير من دراساته، وثانيهما هي موضوعية العرض والتي تعني "عدم إغفال بعض جوانب الرأي ترجيحا لجوانب أخرى."[15] غير أن الموضوعية لا تعني الحياد أو عدم الانحياز لموقف فكري أو سياسي، وإنما تعني "أن لا يكون البحث في مجمله تبريرا لموقف محدد سلفا، أو تفسيرا لرأي مضمر، يحبث يصبح الموقف أو الرأي نتيجة لمقدمات منطقية وليس وسيلة لتطويع هذه المقدمات، وبحيث يتسع البحث لعرض كافة الآراء والاجتهادات والرؤى … مع استعداد كامل خلال البحث لتقبل أي نتائج تصل إليها هذه المقدمات حتى لو تعارضت مع أي موقف مسبق ومعلن لمقدم البحث."[15]
ولا شك أن نتائج الأبحاث العلمية قد تأتي على عكس هوى القاريء مما قد يؤدي إلى إزعاجه، غير أن فرج فودة يؤكد "ما على القاريء بأس لو انزعج، فالانزعاج للحق مكرمة، وأن تنزعج للحق خير من أن تنبهر بالباطل. وجزء من هذا الانزعاج مرجعه … أن النفس تهوى أن تقرأ ما تحب أن يكتب لها، وتتعشق أن تسمع ما تحب أن يقال لها، بصرف النظر عن موقعه من الحق أو موقفه من الحقيقة، أما الحق فهو أن الإسلام … كما شاء له الله دين وعقيدة، وليس حكما وسيفا، وأما الحقيقة فهي أن البشر هم البشر في كل العصور، يستوي في ذلك عصر الراشدين أو الأمويين أو العباسيين أو عصرنا الحديث، وأن الحديث عن جنة الأرض هراء لا قيمة له، وغثاء لا نفع فيه، وباطل لا جدوى منه."[18]
وينعكس اهتمام فرج فودة بالجزئيات والموضوعية في البحث عن الحقيقة على دقته العلمية وحرصه على التوثيق، "ولم يأت ذلك كله من فراغ، وإنما كان حصيلة جهد هائل ومرتب في القراءة والبحث،"[6] وهو ما يفسر حرصه على تصحيح الأخطاء التي قد يقع فيها الكتاب الإسلاميون.
في اللغة
حيث أن التمكن من اللغة العربية شرط أساسي من شروط الفقه، ولهذا عتب فرج فودة على شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق "أن نسمعك تقرأ في المناسبات الدينية خطبا مكتوبة يملؤها نطقك بالأخطاء النحوية،"[14] ويناشده أن يراجع كتابا أصدرته اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر بسبب "حجم الأخطاء الواردة في الكتاب … تاريخا وفقها ولغة وتوثيقا، وسوف يعز عليه، كما يعز علينا، أن تصدر مثل هذه الكتب تحت مظلة هذا الصرح العلمي العتيد الشامخ، صاحب التاريخ المشرف … وإذا كان جهد الأزهر قد توجه في الفترة الأخيرة إلى مصادرة بعض الكتب" فما أحراه "أن يصرف جهده لمراجعة ما يصدر عنه، وإلى سحبه من الأسواق لتصحيحه وإعادة طبعه خاليا من الأخطاء الجسيمة، حرصا على سمعته العلمية."[5] حيث يرى فرج فودة أن الابتسار مخالف للإسلام "دين العقل والعلم وأمانة النقل ونزاهة النقد وشرف الكلمة وموضوعية التناول."[5]في الفقه
من مثل سجاله مع الدكتور محمد القيعي أستاذ التفسير بكلية أصول الدين حول زواج المتعة في نهاية عام 1989، ذلك السجال الذي أظهر فيه فرج فودة تمكنا من كتب الصحاح والأسانيد ومراجع الفقه،[13] كما جعلته يرفض منطق ألا يكتب في الدين غير المتخصصين والذي اعتبره مهربا للإسلاميين حين يعوزهم المنطق في الرد عليه،[13] وكثيرا ما كان يصحح فرج فودة أخطاء نقل بعض الآيات القرآنية والأحاديث في كتابات الإسلاميين واضعا بعد اسمه (الزراعي) إمعانا في تأكيد منطقه.[14]في التاريخ
حيث يصف فرج فودة كتاباته التاريخية بأنها "حديث تاريخ لا يزعم صاحبه أنه متخصص فيه، أو فارس في ميدانه، لكنه يزعم أنه قارئ له في أناة، محلل له في صبر"[18] ومن ثم فإنه ينتقد من لا يراعون وهم يفعلون ذلك حرمة لتاريخ أو لعقل أو حتى لنقل،"[18] من مثل إنتقاده لكتاب الدكتور يحيى هاشم فرغلي عميد إحدى كليات أصول الدين والدعوة بالأزهر (حقيقة العلمانية بين الخرافة والتخريب) و رده على مقالة للكاتب الإسلامي فهمي هويدي (1937- ).[3]في السياسة
من مثل:- وصف الإخوان المسلمين للشيخ حسن البنا بالإمام الشهيد، وهو ما تردد أيضا على الصحف القومية: "أما كونه إماما فمسألة فيها نظر، وأما كونه توفى شهيدا، أو قتل قصاصا فعلمه عند ربي، ولعلي أقرب إلى الاقتناع بأنه قتل قصاصا لقتل النقراشي، خاصة وأن شبهة قتله معلقة برقبة فاروق، وهو ولي الأمر بمنطقهم."[14] وهو يعتب في ذلك على وسائل الإعلام عدم عرضها "برامج عن تاريخنا المعاصر تعرض بالصورة والتسجيلات تاريخهم في الاغتيالات وممارساتهم الإرهابية على مدى نصف القرن الماضي، دون إضافة أو تزيد أو تملق."[11] مستمرئا أن يجرى الحديث عن الإمام الشهيد حسن البنا، بينما "لا حديث عن اغتيال (الزعيم الوطني الشهيد محمود فهمي النقراشي)، أو (القاضي الشريف الشهيد الخازندار)،"[14] أو الحديث عن بطولات الإخوان في فلسطين، والحقيقة "أنها كانت فرصة لجمع الأسلحة وتدريب كتائب التنظيم السري وتجنيد بعض الضباط."[14]
- ادعاء الوفد الجديد والإخوان إبان انتخابات 1984 بأنهما كانا يدا واحدة قبل ثورة 1952، "ويعلم الاثنان أنهما طوال تاريخهما السياسي كانا على ألد الخصام."[14]
- ادعاء حزب العمل الاشتراكي – وريث جماعة مصر الفتاة – بتحالف مصر الفتاة والإخوان "وبين يدي أحد أعداد مصر الفتاة بتاريخ 5/4/1948 وفيه مقال بقلم أحمد حسين عنوانه (لن يمضي عامان منذ الآن حتى يكون هذا الشيخ المشعوذ المنافق قد فقد كل أنصاره المحترمين ولم يبق معه سوى حثالة الناس)، أما الشيخ المشعوذ المنافق فالمقصود به حسن البنا، الذي يصفه المقال بعد ذلك بأنه (وثن ما في ذلك شك أو ريب، وقد بدأ الوثن يتداعى ويترنح وبدأ أتباعه يكفرون به)، وهو أيضا (صنم سوف ينقلب عليه الذين أقاموه وعبدوه فيركلوه بالأقدام بل ويتبولوا عليه كما يتبول كل عابدي الأوثان على أوثانهم) … وانتهى بدعاء (فلعنة الله عليك أيها الشيخ الدجال المنافق، إننا نرفع أكف الضراعة إلى الله الذي تلوذ به أن يهتك سترك أكثر وأكثر، وأن يظهرك على حقيقتك ذات يوم)."[14]
توثيق المعارك الفكرية
ويظهر اهتمام فرج فودة بالتوثيق في اعتنائه بكتبه واعتبارها وثائق فكرية "إن ما أسجله في هذا الكتاب شديد الأهمية في تقديري، لأنه يعكس واقع المعارك الفكرية التي نعيشها، وهو سجل هام للأجيال القادمة، أكثر بكثير من أهميته لجيلنا، لأنه وثيقة شرف لجيل آبائهم … وسوف يكتشفون عندما يقلبون أوراقنا ونحن ذكرى، أننا دفعنا الثمن."[14] ولهذا حرص فرج فودة على جمع تلك المعارك في كتب، وذكر أسماء من جادلهم من الكتاب ممن "يركبون مد الإرهاب، استجابة لتصفيق صفيق، ومجاراة لريح السموم التي هبت على مصرنا في غفلة من التاريخ، وسعيا وراء عيش هنيء، وطعام مريء، ولو تأملوا قليلا لأدركوا أنهم لا يتجاوزون في رؤيتهم أرنبة أنوفهم، وأنهم يسعون بأنفسهم إلى حتوفهم، وأن لفعالهم مكانا خالدا في مزبلة التاريخ، وأن أولادهم وأحفادهم سوف يحصدون نتائج مزايداتهم عيشا وغدا مقابل عيشهم الرغد، وسما ناقعا مقابل طعامهم المريء."[6] وكثيرا ما يذكر عن المقالات التي منع نشرها، "أرسل إلى جريدة (كذا) ولم ينشر"، تأريخا لموقف الإعلام الرسمي من الفكر التنويري في الثمانينيات ومطلع التسعينيات.البلاغة
رغم إعلان فرج فودة أن "للحضارة لغة، لا تعرف المحسنات البديعية، وتخلو من الجناس والطباق، وهي لغة علمية موضوعية،"[5] إلا أنه كثيرا ما يستخدم أدوات البلاغة لتبسيط أفكاره والحقائق المنطقية الجافة، وبخاصة المقابلة بين فكر أنصار الدولة المدنية وفكر أنصار الدولة الدينية، من مثل قوله "لهم عقول ولنا عقول، ولهم ماض يهربون إليه ونهرب نحن منه، ولهم مستقبل يهربون منه، ونسعى نحن إليه، وليس بيننا وبينهم إلا وطن نحلم به متماسكا ويحلمون به ممزقا بل ينكرون حتى وجوده … نحن كثرة وهم قلة، ونحن مستقبل وهم ماض."[3]السجع
ويظهر أثر ثقافة فرج فودة الإسلامية الواسعة في تمثله بأسلوب القرآن عند رده على الكتاب الإسلاميين، وذلك بالإكثار من استخدام السجع، من مثل رده على الذين أعلنوا أن الحكم الإسلامي قد أحل البركة على السودان "أيحسب هؤلاء أن البركة تحل سدى، وأن بيدهم مفاتيح المأوى، وأن إفكهم هدى، وأن عبثهم سيبقى، ثم يرتفع سامقا، وأن لهم الآخرة والأولى، واليد الطولى، وإننا لأوهامهم تبع، وأنهم يلقون إلهامهم من فوق سماوات سبع، سبحانه وتعالى حين قدر، وأعلى قوما لأنهم أقدر."[5]أو وصفه لأعضاء الجماعات الإرهابية في أسيوط "السائرون خلفا، الحاملون سيفا، المتكبرون صلفا، المتحدثون خرفا، القارئون حرفا، التاركون حرفا، المتسربلون بجلد الشياه، الأسود إن غاب الرعاة، الساعون إذا أزفت الآزفة للنجاة، الهائمون في كل واد، المقتحمون في مواجهة الارتداد، المنكسرون المرتكسون في ظل الاستبداد، الخارجون على القوانين المرعية، لا يردعهم إلا توعية الرعية، ولا يعيدهم إلى مكانهم إلا سيف الشرعية، ولا يحمينا منهم إلا حزم السلطة وسلطة الحزم، لا يغني عن ذلك حوار أو كلام، وإلا فقل على مصر السلام،"[3] حيث تتأثر مقدمة الوصف بداية سورة العاديات.
التورية
ويستخدم فرج فودة التورية عند التوجه إلى الكتاب المعاصرين، من مثل رده على الكاتب محمد الحيوان ، فقال له "دعنا نرفع الكلفة فيما بيننا، فتناديني يا فودة وأناديك يا (حيوان)."[14] ومن مثل رده على الكاتب الناصري مصباح قطب لرفضه حديث فرج فودة عن أن السلام حقيقة واقعية، وهو الرفض الذي أسماه فرج فودة (بالاستمناء الفكري) .[14]تحريف الأمثال
ويكثر فرج فودة من تحريف الأمثال المشهورة باستبدال كلمة أو جملة منها، مثل:- "أبشر بطول سلامة يا برتا:"[14] والبرتا نوع من المسدسات استخدمه الإخوان المسلمون في حوادث الاغتيال في الأربعينيات. والعبارة تحريف لبيت شعر لجرير هو "أبشر بطول سلامة يا مربع" تظهر كذب تهديد الفرزدق بقتل شخص اسمه مربع، ويستخدمها فرج فودة لإظهار عدم صدق دعوى الإخوان المسلمين في رأيه إلى الديمقراطية، لما ورد في مذكرات حامد أبو النصر (1913-1996) – المرشد الرابع للإخوان المسلمين – عن مبايعته لحسن البنا على المصحف والمسدس، "والمبايعة على المصحف مفهومة، أما المبايعة على المسدس فلا معنى لها في الدين، ولا منطق لها في السياسة، ولا وجود لها إلا في عصابات المافيا وجماعات الإخوان."[14]
- "همت به فهم بها، لولا أن رأى برهان شعبه:""[14] والأصل في القرآن "لولا أن رأى برهان ربه،" وذلك في قصة النبي يوسف عندما كاد أن يقع في علاقة غير شرعية. ويستخدمها فرج فودة في وصف محاولة حسن البنا الترشح للانتخابات البرلمانية في سنة 1945، مرشحا عن الإسماعيلية مسقط رأس جماعته، وهي الانتخابات التي قاطعها الوفد حزب الأغلبية، وبالرغم من ذلك فلقد خسر ولم يصوت المواطنون له. والعبارة أيضا توحي باعتبار فرج فودة دخول الإخوان المسلمين البرلمان رغم عدم إيمانهم بالديمقراطية الدستورية بمثابة العلاقة الجنسية غير الشرعية.
- "حالف تعرف:"[14] والأصل المثل الشعبي "خالف تعرف." ويصف به فرج فودة حزب العمل الاشتراكي وحزب الأحرار اللذين لجآ للتحالف مع الإخوان المسلمين لكسب الأصوات في انتخابات عام 1987
الاشتقاق اللغوي
اهتم فرج فودة بالاشتقاق اللغوي، من مثل اشتقاقه باستخدام الجناس الناقص للفظ "التيار الثروي" في مقابل "التيار الثوري."[9] كذلك نحت فرج فودة ألفاظا جديدة من مثل نحته للفظ (فنخذ) خلال رده على مقالة للدكتور عبد الصبور شاهين (1929-2010) يلوم فيه "التليفزيون المصري لأنه عرض باليه بحيرة البجع لتشايكوفسكي، ذلك الباليه المليء حسب نص عنوان مقاله (بالأفخاذ الفنية)،"[20] فيقول فرج فودة: "ولعل اسم (فنخذ) هو الأدق وهو الأحق بالتسمية والوصف والاستعمال."[20] ونحت فرج فودة أيضا لفظ (أردسطيني) لوصف الوفد الأردني والفلسطيني المختلط المشارك في مؤتمرالسلام عام 1991، مقارنة برفض الفلسطينيين دعوة الرئيس السادات للمشاركة المستقلة في مفاوضات كامب ديفيد قبلها بأكثر من عشر سنوات.[5]التصوير
وهو سمة أساسية لأدب فرج فودة يتوسل به إلى تقريب المعاني إلى خيال القارئ، لا يخلو منه محور من محاور فكره، وإن حرص في تصويره على ألا "يمد خياله متجاوزا الحقيقة بالإضافة أو منتقصا منها بالإهمال."[18]التصوير التاريخي
ويستخدمه فرج فودة لتوضيح "الفرق بين استبداد الحكم الديني في العصور الوسطى، عصور التعذيب والاستبداد والجبروت، وعلمانية العصر الحديث، عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام الآدمية."[18] من مثل توضيح فكرة أن تطبيق الشريعة أو التقوى الدينية وحدهما لا يحققان الاستقرار والعدل بقدر ما يحققه نظام الحكم الديمقراطي، مثل تصويره ثورة كبار الصحابة على الخليفة عثمان بن عفان : "أما عن المحكومين، فهم صحابة الرسول وأهله وعشيرته، لا تحدث واقعة إلا وتمثلوا أمامهم للرسول فيها موقف أو حديث، ولا يمرون بمكان إلا وتداعت إلى خيالهم ذكرى حدث به أو قول فيه، ولا تغمض أعينهم أمام المنبر إلا وتمثلوا الرسول عليه قائما، ولا يتراصون للصلاة خلف الخليفة إلا وتذكروا الرسول أمامهم إماما، وهم في قراءتهم للقرآن يعلمون متى نزلت الآية، وأين، ولماذا إن كان هناك سبب للتنزيل … هذا خليفة المسلمين الثالث، يقتله المسلمون، لا يستطيع أهله دفنه ليلتين ويدفنونه في الثالثة، يرفض المسلمون الصلاة عليه، يقسم البعض ألا يدفن في مقابر المسلمين أبدا، يحصب جثمانه بالحجارة، ويعتدي مسلم على جثمانه فيكسر ضلعا من أضلاعه، ثم يدفن في النهاية في مقابر اليهود."[18]أو تصويره المذبحة التي أعدها السفاح أول خلفاء العباسيين لأمراء بني أمية بعد تأمينهم لتوضيح ابتعاد نظام الخلافة الإسلامية عن جوهر الإسلام: "فقد أمر السفاح بضرب رؤوسهم بأعمدة حديدية، بحيث تتلف بعض مراكز المخ، ويبقى الجسد حيا، مصطرعا بين الحياة والموت، وما أن يرى السفاح أمامه تسعين جسدا منتفضا، تقترب مسرعة من الموت، وترتفع أصواتها بالأنين، حتى يأمر بوضع مفارش المائدة فوقهم، ثم يجلس فوق هذه المفارش، ويأمر بالطعام فيوضع أمامه فوق الأجساد، ويبدأ في تناول عشائه بينما البساط يهمد هنا ويهمد هناك، وبين همود وهمود، يزدرد هو لقمة من هذا الطبق، ولقمة من ذاك، حتى همد البساط كله، ففرغ من طعامه، وتوجه إلى الله بالحمد، وإلى حراسه بالشكر، وإلى خاصته بالتهنئة … ما لا نفهمه، أن يجلس الخليفة فوق الضحايا، وأن يهنأ له طعام فوق بركة من الدماء، وعلى بساط يترجرج مع اصطراع الأجساد، وعلى أنغام من صراخ الضحايا حين يواجهون الموت، بل ربما وهم يسعون إليه هربا من الألم والعذاب."[18]
أو تصويره لانحراف بعض الخلفاء الذي ساعد عليه تأكيد كبار الفقهاء مثل أبي يوسف أشهر تلاميذ أبي حنيفة أن (ولاة الأمر هم خلفاء الله على أرضه)، وذلك لتوضيح التناقض بين الحكم الديني وجوهر الدين: "أما الواثق، وهو آخر خلفاء العصر العباسي الأول، فلا أحسب أنني أستطيع مع سيرته صبرا … فقد فتح بابا جديدا من أبواب الخلافة (الإسلامية)، وسلك مسلكا فريدا من مسالك الخلفاء وأمراء المؤمنين، وخلد سيرته نثرا وشعرا، وحكم قرابة الست سنوات متنقلا من غلام إلى غلام، ونعيدها حتى لا يشك القارئ في صحة ما ذكرناه أو يتصوره خطأ مطبعيا نقول : من غلام إلى غلام، فقد كان عاشقا صبا للغلمان، ملكوا عليه وجدانه، وأذابوا مشاعره تولها وصبابة، وكان منهم غلام (مصري للأسف) اسمه (مهج)، لعب بعواطف الواثق كما شاء، وتملك مشاعره وتلاعب بوجدانه كما يريد، إن رضى عنه استقامت أحوال الدولة واستقر شأن الحكم، وإن تدلل عليه أو صده فالويل كل الويل للمسلمين، والثبور وعظائم الأمور لمن يشاء حظه العاثر أن يلقى الواثق وأن يقف أمامه أو يحتكم إليه … ويعرف مهج قدر نفسه عند الخليفة الواثق، فيبتدره يوما في الصباح، وهو جالس بين حاشيته،ويمضي إليه متثنيا، منكسر النظرة، مترنح الخطوة، مترجرج الأعطاف، ويناوله وردا ونرجسا، وتصور أنت أيها القارئ حال الواثق أمام كل هذا الهول، واعذره إن استخف به الطرب فنسى الحاشية والمجلس، وأنشد وعيناه ترنوان إلى مهج."[18]
التصوير المعاصر
ويستخدمه فرج فودة لإظهار بعد الشقة بين فكر أنصار الدولة الدينية وروح المدنية الحديثة، من مثل اعتبار جريدة (النور) الإسلامية في عدد 19/11/1986 (المرحاض الغربي – التواليت – خطر صحي وشرعي) ودعوة الجماعة الإسلامية في المنيا إلى (قضاء الحاجة في الخلاء)، فيحول فرج فودة ذلك إلى تصور سينمائي : "كلاكيت. المشهد الأول : محطة السكة الحديد، تقترب الكاميرا من لافتة المحطة، يظهر اسم المحطة بعرض الشاشة (المنيا). المشهد الثاني : شاب من الملتحين يرتدي جلبابا أبيض أمامه صحيفة يومية ملقاة على الأرض تقترب الكاميرا من يده وهو يشير إلى الصحيفة حيث يظهر العنوان الرئيسي بعرض الشاشة (ألف مليون جنيه للإنفاق على المجاري)، وتعود الكاميرا إلى وجه الشاب، وتقترب منه فتظهر على وجهه ملامح الضيق والاشمئزاز. المشهد الثالث : جماعة من الملتحين بثيابهم البيضاء يسيرون صوب الصحراء في تثاقل بخطوات شديدة البطء وأيديهم متشابكة، تقترب الكاميرا من ظهورهم التي تبدو منحنية ومن بعيد تظهر الشمس وهي في سبيلها للغروب. صوت المذيع ينطلق : ها هم يذهبون لقضاء الحاجة في الخلاء مصداقا لبيانهم الشهير (سلوك الجهلاء وآداب قضاء الحاجة في الخلاء)، ما أروع القصد، وما أرشد السبيل. المشهد الرابع : إضاءة قوية، نفس المجموعة تعود وهي مسرعة الخطو وأفرادها يتقافزون في خفة وسعادة. تقترب الكاميرا من وجوههم، فتبدو عليها مشاعر الراحة والصحة وملامح الغبطة والابتسام يربت كل منهم على كتف زميله في سرور وحبور مرددا : شفيتم.. شفيتم.. ستوب."[14]أو من مثل إعلان جريدة (النور) الإسلامية أيضا في عدد 379 عن عدد من المعالجين بالقرآن "يمارسون العلاج في عيادات متخصصة.” على أساس "أن أمراض الشلل والأمراض العصبية التي يصاب بها الكثيرون يكون سببها الجن الذي يدخل جسد ابن آدم فيشله ويصيبه بالوهن،"[14] فيكتب فرج فودة : "لماذا لا نسلط الأضواء على أنسي والدايداموني والبيومي، وننشغل بالأطباء الظهورات أمثال خيري السمرة وهاشم فؤاد وأحمد شفيق، الذين لا يعرفون الفرق بين الجن البلدي والجن الرومي، ويجهلون تماما أفاعيل الجن الفيومي؟ ولماذا لا نستعين بهؤلاء الخبراء في مفاوضاتنا مع صندوق النقد الدولي؟ إن الأمر لن يكلفنا أكثر من قرموط سمك، نكتب على بطنه عملا بالسفلى، وكلما تلعبط القرموط، كلما تلوى مدير الصندوق وتلعبط عاريا فوق مكتبه، مرددا : الحقني يا شيخ بيومي، الحقني لبسني هدومي."[14]
ويستخدم فرج فودة التصوير كذلك لإيضاح ازدواجية المواطنين الثقافية :"فأنت لو سألت في برنامج لاستطلاع الرأي أي مواطن عن رأيه في البرامج، لأجابك على الفور بدون تفكير، لا بد من زيادة البرامج الدينية، وفي أغلب الأحيان تجد هذا المواطن نفسه، أحرص المشاهدين على رؤية الفوازير، وأكثرهم استمتاعا بسماع الأغاني، وأقلهم متابعة للمسلسلات الدينية، التي ترتفع فيها السيوف، وتذرف فيها الدموع، وينادي فيها بلتعة، حي على الجهاد، فيرد عليه عنبسة والساعة تلمع في يده، لبيك بلتعة، وتنطق فيها بريرة بالشهادة، فتسيل دموع الزبرقان."[6]
أو انتقاء الداعين إلى الالتزام بكتب السنة ما يحلو لهم وتركهم ما لايعجبهم، من مثل ما ورد عن (رضاع الكبير)، فيكتب: "ألا تخجلون من نسبة هذا إلى رسولكم الكريم وإلى زوجته رضي الله عنها، وإذا كنتم تقرون ذلك لزوجة الرسول باعتباره واردا في قدس الأقداس لديكم، وهي كتب السنة المعتمدة منكم (سنن أبي داود وسنن النسائي وسنن ابن ماجه وسنن الدارمي وموطأ مالك ومسند ابن حنبل)، نقول إذا كنتم تعتقدون في هذا حقا، فلماذا لا تمارسونه ؟ … هل إذا دخل الرجل منكم على زوجته ووجدها ترضع رجلا، يلتقم ثديها التقام الجائع النهم للطعام، ويسيل لبن ثديها على شاربه ويتخلل لحيته، هل تقبلون حجتها في أنها تتأسى – حسب قول كتب السنة المعتمدة لديكم – بالسيدة عائشة، وأنها رخصة تأخذ بها زوجاتكم لإدخاله عليها بعد ذلك دون حرج ؟ نستغفر الله لنا ولكم."[13]
وبالرغم مما قد تشي به هذه التصاوير من فكاهة أو سخرية، إلا أن فرج فودة يعتبر أنها "هزل هو الجد، وابتسامة مغموسة بالكدر، وفكاهة هي النكد بعينه،"[14] حيث أنها تعكس المناخ الثقافي في مصر.
التصوير الوطني
لجأ إليه فرج فودة لتجسيد مظاهر الوطنية، من مثل تصويره لنشوء الفكر التنويري في البيئات المناهضة له وانتصاره التاريخي متمثلا بسيرة سعد زغلول[6] أو تجسيده لروح الوطنية في التاريخ المصري : "يا إلهي، كم تردى المناخ … أحكي لكم عن قصة لا أتذكرها إلا ويطفر الدمع، ويهتز الوجدان، وهي قصة حدثت منذ سنوات قريبة، يوم تشييع جنازة عريان سعد، وعريان سعد قبطي مصري، تطوع لقتل يوسف وهبة رئيس وزراء مصر، القبطي الديانة، والذي قبل رئاسة الوزراء في مصر حين امتنع الوطنيون، حتى لا يكون القتل على يد مسلم فتثور الفتنة، وقد نجا يوسف وهبة، وسجن عريان سعد، وعندما دق ناقوس الكنيسة لحظة تشييع جثمانه، تصادف أن علا صوت مئذنة مجاورة بالأذان، وهنا أجهش الجميع بالبكاء، وشعر الجميع أن هكذا يكون وداع عريان."[18]الشعر
لجأ فرج فودة أحيانا إلى الشعر في مقالاته، مثل كتابته لموال شعبي للرد على الكاتب خيري فايد الذي نشر في جريدة الوفد مقالا بعنوان (ليس للعلمانية مكان في دولة الإسلام)، وهو المقال الذي قارنه فرج فودة بما هو مأثور عن دعوة مصطفى النحاس الزعيم التاريخي للوفد الرئيس جمال عبد الناصر إلى جعل مصر علمانية.[24] ولفرج فودة أيضا تجربة خلط فيها بين قصيدة النثر والمقال السياسي نشرها في مجلة (أكتوبر) بعنوان (اللهم لا حسد) عن العلاقة بين التطرف الديني والكبت الجنسي.[5]المناظرتان
مناظرة معرض القاهرة الدولي للكتاب: 7 يناير 1992
العنوان: مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية.أنصار الدولة الدينية: الشيخ محمد الغزالي، والمستشار مأمون الهضيبي (1921-2004) مرشد جماعة الإخوان المسلمين، والدكتور محمد عمارة (1931- ) الكاتب الإسلامي.
أنصار الدولة المدنية: الدكتور محمد أحمد خلف الله، والدكتور فرج علي فودة.
مدير المناظرة: الدكتور سمير سرحان، رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب.
الحضور: أكثر من 20000.
المدة: 3 ساعات.
الوقت: الثانية مساء.
بدأ فرج فودة حديثه بقوله: "لا أحد يختلف على الإسلام الدين، لكن المناظرة اليوم حول الدولة الدينية. وبين الإسلام الدين والإسلام الدولة رؤية واجتهاد، فالإسلام الدين في أعلى عليين، أما الإسلام الدولة فهو كيان سياسي وكيان اقتصادي وكيان اجتماعي يلزمه برنامج تفصيلي يحدد أسلوب الحكم."[15] ثم لخص حججه في الدفاع عن الدولة المدنية في سبع نقاط:[15]
- من ينادون بالدولة الدينية لا يقدمون برنامجا سياسيا للحكم … أما الأقوال العامة والحكم والشعارات فهي لا تغني.
- تجربة الدولة الدينية استمرت 1300 سنة، 1% منهم (خلافة الراشدين 30 سنة، وعمر بن عبد العزيز الأموي 2.5 سنة، والمهتدي العباسي 9 شهور) يناصر الدعوة للدولة الدينية و99% تناصر ما ندعو له وهو الدولة المدنية.
- الدولة الدينية ليست وهما ولا حلما، هناك دول جنبنا (السعودية – إيران – السودان) تحاول أن تجرب هذا.. أعطونا المثال وأفحمونا.
- ما نشهده من أنصار الدولة الدينية ونحن على البر قبل أن يقيموا دولتهم … لم نر إلا إسالة الدماء وتمزيق الأشلاء والسطو على المحلات العامة وتهديد القانون وتمزيق الوطن بالفتن … إذا كانت هذه هي البدايات فبئس الخواتيم.
- هذه المناظرة ذاتها هي إحدى ثمار الدولة المدنية التي تسمح لكم بأن تناظرونا هنا ثم تخرجون ورؤوسكم فوق أعناقكم. أعطونا نموذجا لدولة دينية تسمح بمثل هذه المناظرة.
- الوحدة الوطنية وحضارة الإنسان تأبى الدولة الدينية، لأن هذا الوطن مهما قلتم في النسب 95% أو 90% لا يقبل منا أحد أن ينقسم وأن يشعر فريق من المواطنين قل أو كثر بالخوف من أن يحكم بعقيدة الآخرين ويشعر فريق آخر بالزهو بحكمه لعقيدته.
- ينزه أنصار الدولة المدنية الإسلام عن ممارسات السياسة، من مثل إعلان الشيوخ المجتمعين في مؤتمر بجدة أن صدام حسين في أسفل سافلين بالإسلام، وإعلان شيوخ آخرين مجتمعين في مؤتمر بغداد أنه في أعلى عليين بالإسلام أيضا، وكذلك اختلاف آراء الشيوخ حول تأييد السلام أو المطالبة بقتل السادات.. "الإسلام أعز. الإسلام أكرم، والإسلام أعظم، وأنزه من هذا."[15]
واعتبر فرج فودة المناظرة "تجربة رائعة أثبتت أن الحوار هو الحل،"[15] وأنها "تمثل نقطة تحول في المناخ السياسي المصري."[15] كما أنها بلغت أوجها بطلب مأمون الهضيبي من فرج فودة أن يضع برنامجا سياسيا للإخوان المسلمين، وهو ما أعلن فرج فودة ممتنا أنه سوف يقوم به على صفحات جريدة (الأحرار)، واعتبره تشريفا وتكليفا، وقال: "والتشريف يمثل نقطة تحول في أفكار الجماعة، بل هو نقطة بدء جديدة لمسارها في الطريق الصحيح، وبديهيات العمل السياسي تؤكد أن كل واجب يقابله حق، فمن حقي عليهم الطاعة ولزوم الجماعة والتماسك حول آرائي كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، ولست أشك أنهم يدركون ذلك، ولهذا أعترف لهم بأنهم طوقوا عنقي بفضل لا ينسى، ووضعوا على صدري وساما سوف أحتفظ به وسأزهو إلى آخر العمر. ويا لها من تعاسة أصابت السذج الذين تصوروا أن العداء بيننا لا نهاية له، ويا لها من سعادة ألهبت مشاعري ودفعتني إلى البدء فورا في صياغة البرنامج السياسي الجديد لجماعة الإخوان المسلمين، الذي سيفتح لهم وبهم تاريخا جديدا، يخلو من تلك الصفحات السوداء، وأقصد بها صفحات الإرهاب والاغتيال السياسي، ويصحح مسارهم بعيدا عن الغوغائية والمزايدات السياسية التي لا معنى لها ولا سبب، وينقلهم من مرحلة الشعارات الجوفاء إلى مرحلة التفاعل الموضوعي مع مشاكل المجتمع الحقيقية."[15]
كذلك قارن فرج فودة بين سخونة جماهير أنصار الدولة الدينية في بداية المناظرة، "الذين تنادوا وتداعوا وتدفقوا على معرض الكتاب، وأشعلوا المشاعر بهتافات ساخنة،"[5] وبين سكون المناخ عند نهاية المناظرة، "فقد انعدم الهتاف، وذابت الحدة، وسيطر الهدوء على الحاضرين، وانصرف الجميع وهم يدركون ما لم يدركه البعض في البداية، وهو أن أحدا لا يمتلك الصواب المطلق، ولا الحق المطلق، وأن لكل طرف حججه ومنطقه، وأن مساحة الالتقاء أكبر بكثير من مساحة الخلف، وأن الإسلام ليس طرفا في الحوار، فهو لدى الفريقين في أعلى عليين، بيد أن الرؤى التي تنطلق منه، ولا تصطدم به، تختلف وتتباين وتتعدد وتتحاور وتؤكد ما اقتنع به الجميع، مناظرين وحاضرين، وهو أن الحوار هو الحل."[5]
واستنكر فرج فودة تجاهل التليفزيون المصري للمناظرة، معلنا أن "الحقيقة قد تتأخر ولكنها لا تموت، والحق قد يختفي لكنه يظهر في النهاية، دليلي على ذلك أن شرائط الفيديو أرسلت إلى المهاجرين في أستراليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية."[15] ويوجد فيديو المناظرة حاليا على موقع اليوتيوب.[25]
مناظرة نادي نقابة المهندسين بالإسكندرية: 27 يناير 1992
العنوان: مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية.أنصار الدولة الدينية: الدكتور محمد عمارة، والدكتور محمد سليم العوا (1942- ).
أنصار الدولة المدنية: الدكتور فؤاد زكريا (1927-2010)، والدكتور فرج علي فودة.
مدير المناظرة: الدكتور الشافعي بشير رئيس قسم القانون الدولي بجامعة المنصورة.
الحضور: 4000.
المدة: أكثر من أربع ساعات.
الوقت: السادسة مساء.
اختلفت هذه المناظرة عن المناظرة الأولى التي انصبت على نظام الحكم، بأن المناظرة الثانية انصبت في مجملها على آليات تطبيق الشريعة. وقد اتسمت بالحدة خاصة من الدكتور محمد عمارة في أكثر من موقع:
- اقتطاع فقرات من تاريخ الرواد يعاكس توجهاتهم التنويرية المعروفة، مثل اقتطاعه ردا من سعد زغلول ضد كتاب (الإسلام وأصول الحكم) للشيخ على عبد الرازق المنتمي إلى حزب الأحرار الدستوريين المعارض للوفد. واعتبر فرج فودة الاقتطاع حديث "في مجال تصفية حساب سياسي بين الوفد والأحرار الدستوريين،"[15] ثم أضاف "الزعيم العظيم سعد زغلول يا د. محمد عمارة هو صاحب الراية العظيمة التي تلهب أعصاب التيار الإسلامي وهي (الدين لله والوطن للجميع). الزعيم العظيم سعد زغلول يا د. عمارة الذي نفيت عنه العلمانية هو أول من نزع الحجاب عن وجه زوجته صفية زغلول حين عاد من منفاه وتبعتها المصريات. الزعيم العظيم خالد الذكر سعد زغلول يا د. عمارة هو الذي وضع ويصا واصف المصري القبطي رئيسا للمجلس التشريعي في مصر. أدعو الله أن تحذو حذوه أنت وفريقك وأن تلزم خطاه وأن تسير معه على الجادة والصواب."[15]
- صياغة أسئلة التشكيك في العقيدة مثل: هل تعارضان تطبيق الحرام والحلال حسب الشريعة الإسلامية ؟ وجاء رد فرج فودة بسؤال مضاد: "هل كل حلال ملزم وواجب الاتباع ؟"[15] حيث اعتبر أن الحلال يتغير مع أعراف المجتمع مع تغيرات العصر، مثل الرق وزواج القاصرات وشرب أبوال الإبل أو وجود ذبابة في الطعام تلوثه، وتطور الحلال "كله إسلام في إسلام … لا تؤخذ الأمور أبدا بهذه الخفة. حديث عمر التلمساني قبل وفاته أن الديمقراطية حرام. إذن الحرام والحلال يمكن أن يتخذ تكأة. مافيش داعي أن نضع الأسئلة قبل أن نفكر فيها لأنها ترتد إلينا مرة أخرى."[15]
- اتهامه فرج فودة بأنه يستمد معلوماته التاريخية من شهرزاد وألف ليلة وليلة، ورد فرج فودة قائلا: "يا د. عمارة يمكن أن يكون الرد وأنت تستقي معلوماتك من رجوع الشيخ إلى.. لا لا. ماذا يستفيد الناس؟ ماذا يستفيد الجالسين إذا تراشقنا ونحن في جلسة فكر وآراء؟ هذا خارج الحوار وأخلاق الإسلام تأباه."[15]
- اتهامه فرج فودة بقول إن "تاريخنا من الصراع العربي الإسرائيلي كنا على باطل وإسرائيل على حق حتى ليجعل من شهدائنا قتلى ومن قتلى إسرائيل شهداء.[15] فرد فرج فودة : "لم أكن أود أن ينزلق الدكتور عمارة إلى هذا المنزلق لأنني شقيق الشهيد محيي الدين علي فودة الذي استشهد بلا ثمن في 5 يونية 1967، وأنا لا أستطيع أن أطعن لا شهداء الوطن ولا أخي الشقيق، وأتحدى د. عمارة أن يذكر أين وجد هذه العبارة قتلانا قتلى وقتلى إسرائيل شهداء، بل أزيد فأقول لو أثبت أنني كتبت ذلك لاعتزلت الكتابة والخطابة واسترحت وأرحت."[15]
واستنكر فرج فودة أن تلقى هذه المناظرة من الإعلام اهتماما أقل من المناظرة الأولى بالرغم من أهميتها واتساعها.[5] وهي موجودة حاليا على موقع اليوتيوب.[27]
وفي ندوة بنادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة في يوم 27 مايو 1992، علق الشيخ محمد الغزالي على مناظرة نقابة المهندسين بالإسكندرية، قاصدا الدكتورين فؤاد زكريا وفرج فودة: "الاتنين بيرددوا كلام أعداء الإسلام في الخارج، ربنا يهديهم، وإن ما هداهمش، ربنا ياخدهم."[13]
اغتياله
فتوى التكفير
في 3 يونيو 1992، نشرت جريدة (النور) الإسلامية – والتي كان بينها وبين فرج فودة قضية قذف بعد اتهامه بأنه يعرض أفلاما إباحية ويدير حفلات للجنس الجماعي في جمعية (تضامن المرأة العربية)، وهي القضية التي كانت في طريقها لخسارتها[28] – نشرت جريدة (النور) بيانا من ندوة علماء الأزهر يكفر فرج فودة ويدعو لجنة شؤون الأحزاب لعدم الموافقة على إنشاء حزبه (المستقبل).[29]عملية الاغتيال
وفي 8 يونيو قبيل أيام من عيد الأضحى، انتظر شابان من الجماعة الإسلامية، هما أشرف سعيد إبراهيم وعبد الشافي أحمد رمضان، على دراجة بخارية أمام (الجمعية المصرية للتنوير) بشارع أسماء فهمي بمصر الجديدة حيث مكتب فرج فودة. وفي الساعة السادسة والنصف مساء، وعند خروجه من الجمعية بصحبة ابنه أحمد وصديق، وفي أثناء توجههم لركوب سيارة فرج فودة، انطلق أشرف إبراهيم بالدراجة البخارية وأطلق عبد الشافي رمضان الرصاص من رشاش آلي فأصاب فرج فودة إصابات بالغة في الكبد والأمعاء، بينما أصاب صديقه وابنه إصابات طفيفة، وانطلقا هاربين. غير أن سائق سيارة فرج فودة انطلق خلفهما وأصاب الدراجة البخارية وأسقطها قبل محاولة فرارها إلى شارع جانبي، وسقط عبد الشافي رمضان وارتطمت رأسه بالأرض وفقد وعيه فحمله السائق وأمين شرطة كان متواجدا بالمكان إلى المستشفى حيث ألقت الشرطة القبض عليه، أما أشرف إبراهيم فقد تمكن من الهرب.[30]حملت سيارة إسعاف فرج فودة إلى المستشفى، حيث قال وهو يحتضر "يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطني."[22] وحاول جراح القلب د. حمدي السيد نقيب الأطباء إنقاذ حياة فرج فودة، لمدة ست ساعات، لفظ بعدها أنفاسه الأخيرة. كما حمل ابنه أيضا إلى المستشفى حيث تعافى من إصاباته.[22]
المحاكمة
بالتحقيق مع عبد الشافي رمضان، أعلن أنه قتل فرج فودة بسبب فتوى الدكتور عمر عبد الرحمن مفتي الجماعة الإسلامية بقتل المرتد في عام 1986. فلما سؤل من أي كتبه عرف أنه مرتد، أجاب بأنه لا يقرأ ولا يكتب،[31] ولما سؤل لماذا اختار موعد الاغتيال قبيل عيد الأضحى، أجاب : لنحرق قلب أهله عليه أكثر.[32]ومع استمرار التحقيقات، اعترف عبد الشافي رمضان بأنه تلقى تكليفا من صفوت عبد الغني، القيادي بالجماعة الإسلامية والمحبوس في السجن في قضية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب منذ 1990، وذلك عن طريق محاميه منصور أحمد منصور. وبأنه حصل على الرشاش الآلي من محمد أبو العلا، وتلقى تدريبات رياضية عنيفة على يد محمد إبراهيم، وحصل مع شريكه الهارب أشرف إبراهيم على الدراجة البخارية من جلال عزازي، وبأنهما اختبآ عند وليد سعيد وحسن علي محمود وأشرف عبد الرحيم حتى وقت العملية، بينما قام محمد عبد الرحمن وعلي حسن برصد تحركات فودة لاختيار أفضل مكان مناسب لتنفيذ عملية الاغتيال. وألقت الشرطة القبض على كافة المتهمين وقدمتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ.[30]
وفي أبريل 1993، تم القبض على أشرف إبراهيم في المنصورة أثناء مشاركته في محاولة اغتيال وزير الإعلام صفوت الشريف، وحكمت عليه محكمة عسكرية بالإعدام، ونفذ الحكم بينما لا تزال قضية فرج فودة منظورة أمام المحكمة.[30]
وعقدت المحكمة 34 جلسة استمعت فيها إلى أقوال 30 شاهدا. وطلب المحامون شهادة الدكتور محمود مزروعة – رئيس قسم العقائد والأديان بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر – والذي ترأس ندوة علماء الأزهر بعد سفر الدكتور عبد الغفار عزيز إلى المملكة العربية السعودية. وفي يوم شهادة الدكتور مزروعة تطوع للشهادة الشيخ محمد الغزالي، واستمرت شهادته لمدة نصف ساعة، وقال فيها : "إن فرج فودة بما قاله وفعله كان في حكم المرتد، والمرتد مهدور الدم، وولي الأمر هو المسئول عن تطبيق الحد، وأن التهمة التي ينبغي أن يحاسب عليها الشباب الواقفون في القفص ليست هي القتل، وإنما هي الافتئات على السلطة في تطبيق الحد."[33] ثم شهد الدكتور مزروعة لمدة ثلاث ساعات قال فيه "إن فرج فودة كان يحارب الإسلام في جبهتين … وزعم أن التمسك بنصوص القرآن الواضحة قد يؤدي إلى الفساد إلا بالخروج على هذه النصوص وتعطيلها. أعلن هذا في كتابه (الحقيقة الغائبة)، وأعلن رفضه لتطبيق الشريعة الإسلامية، ووضع نفسه وجندها داعية ومدافعا ضد الحكم بما أنزل الله. وكان يقول: لن أترك الشريعة تطبق ما دام فيّ عرق ينبض. وكان يقول: على جثتي. ومثل هذا مرتد بإجماع المسلمين. ولا يحتاج الأمر إلى هيئة تحكم بارتداده."[33] وأكد المتهمون أن شهادة الشيخ الغزالي والدكتور مزروعة تكفيهم ولو وصل الأمر لإعدامهم بعد ذلك.[33]
حكمت المحكمة بإعدام عبد الشافي رمضان ونفذ فيه الحكم، كما حكمت بسجن محمد أبو العلا لتوفيره السلاح، وبرأت باقي المتهمين، غير أن وزارة الداخلية اعتقلتهم، ونقلتهم إلى سجن الوادي الجديد، وتردد أنه كان يتم تعذيبهم يوميا،[30] وبعد 6 أشهر تفرقوا في مختلف السجون، ولكن أحدهم وهو علي حسن المتهم برصد تحركات فرج فودة توفي في سجن الوادي الجديد عقب تعرضه للتعذيب على يد أحد المخبرين السريين.[30]
وأفرجت وزارة الداخلية عام 1993 عن عدد من المتهمين هم وليد سعيد ومحمد عبد الرحمن وحسن علي محمود. وفي عام 2003 أفرجت عن جلال عزازي وأشرف عبد الرحيم وباقي المتهمين عدا محمد إبراهيم، الذي تم الإفراج عنه عام 2005، ثم أفرجت عن صبحي أحمد منصور وصفوت عبد الغني في عام 2006 في عهد الرئيس حسني مبارك.[30] ثم أفرج الرئيس محمد مرسي عن أبو العلا محمد في عام 2013، والذي أعلن في أكثر من مقابلة تليفزيونية بعدها عدم ندمه على قتل فرج فودة لأنه كافر.[34]
تداعيات الإغتيال
وأعلن المستشار مأمون الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين عن ترحيبه وتبريره لاغتيال فرج فودة في اليوم التالي في جريدة (الأخبار) وإذاعة (صوت الكويت).[13] وبعد أسابيع من الاغتيال، ألّف الدكتور عبد الغفار عزيز (1937-1998) رئيس ندوة علماء الأزهر كتابا أسماه "من قتل فرج فودة ؟" (1992) ختمه بقوله: "إن فرج فودة هو الذي قتل فرج فودة، وإن الدولة قد سهلت له عملية الانتحار، وشجعه عليها المشرفون على مجلة أكتوبر وجريدة الأحرار، وساعده أيضا من نفخ فيه، وقال له أنت أجرأ الكتاب وأقدرهم على التنوير والإصلاح."[33]وهو ما علق عليه الكاتب علي سالم (1936- ) في حفل تأبين فرج فودة الذي أقامته الجمعية المصرية لحقوق الإنسان في نقابة الصحفيين في 25 نوفمبر 1992 قائلا: "إنها المرة الأولى التي يظهر فيها المصريون الفرح لموت إنسان وينشرون ذلك في كتاب."[13]
ثم عرض الشيخ الغزالي على الدكتور مزروعة أن يصدر مجموعة من العلماء بيانا تضامنيا معه ومع ندوة العلماء، يتيح لهم أن يبدوا ما شاءوا من الآراء دون أن تكون هذه الآراء مدعاة لاتهمامهم بالتحريض على القتل، وكان ممن وقعوا على البيان مع الشيخ محمد الغزالي الدكتور محمد عمارة والشيخ الشعراوي. وأعد الدكتور عبد العظيم المطعني الأستاذ بجامعة الأزهر دراسة بعنوان "عقوبة الارتداد عن الدين بين الأدلة الشرعية وشبهات المنكرين"، كما وضع الدكتور مزروعة كتابا بعنوان "أحكام الردة والمرتدين من خلال شهادتي الغزالي ومزروعة."[33] وصرح الشيخ الغزالي في حوار تليفزيوني فيما بعد "فرج فودة جاء في أيام عصيبة، أنا أقبل لو إن واحد يقول ما يأتي: أنا ما بحبش الإسلام. طيب خليك في بيتك أو خليك في نفسك، وما تجيش يم الإسلام، وما تهاجمش تعاليم الإسلام، وافضل كافر لوحدك، ما لناش صلة بك، ما لناش عليك سبيل، لكن إذا جئت عند المسجد وقلت إيه الأذان الصاعد ده ؟ دعوا هذه الصيحات المجنونة. لا لزوم لها. لا خير فيها. لا لا لا. أنظر إليك نظرة أخرى. إن أنت تريد هدم هذه الأمة لحساب إسرائيل التي أعادت صحائف التلمود وما فيها من خرافات وأعادت صحائف التوراة وما فيها من أطماع في هذه البلاد، فأقامت دولة باسم إسرائيل، وأنت لا تريد دولة باسم محمد ولكن دولة باسم الله لا تريدها أن تقوم … أنا لا أقبل إن واحد ييجي يقول لي دعوا الصلاة، دعوا الحج، دعوا الصيام، دعوا هذا وذاك، لا لا أقبل هذا … فإذا جاء إنسان وحاول نقلي بالسخرية أو بالقوة إلى هذه الحضارة الجديدة [الأوروبية] هو خد جانبها القذر ويريد أن يطبقها عندنا ولا يعرف عن جانبها العلمي شيئا."[35]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق