- سمير القنطار يروي قصّة ثلاثين عاماً: لستُ نيرونtd style="PADDING-LEFT: 7px" vAlign=top> مراسم إستقبال سمير القنطار ورفقائه في الناقورة
جميعنا، مَن يتّفق مع سمير القنطار ومَن يختلف معه، لا يعرف قصّته، فقائد عمليّة جمال عبد الناصر في نهاريا، وقع فتىً في السادسة عشرة من العمر في أسر الصورة التي صاغتها الآلة الدعائية الاستخبارية الإسرائيلية. كتاب «سمير القنطار: قصّتي» لحسّان الزين، الصادر قريباً عن دار الساقي، يحاول تقديم رواية عميد الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية، منذ ودّعه أبو العبّاس حتى استقبله حسن نصر الله، وما بين هاتين المحطتين حكايات وأسرار كثيرة وتفاصيل حياة يُستغرَب أن تلتقي خيوطها وتتكثّف خلف القضبان. هنا أجزاء من الفصل الأول
حسّان الزين *
سجن هداريم، 12 تموز/يوليو 2006.
استيقظتُ باكراً قبل بدء جولة العدّ اليوميّة. ذهني صاف وكأنّه لا كوكبَ ولا شيء فيه. قمتُ بحركاتي الآليّة الصباحيّة. نزلتُ من سريري الموجود كطبقة ثانية فوق سرير زميلي في الزنزانة، محمد أبو جاموس. أحبّ أن يكون سريري عالياً كأنه طائرٌ مرتفع عن أرض الزنزانة والسجن. يتيح لي ذلك توفير عالم خاصّ بي. أفكّر بهدوء وأقرأ وأستمعُ إلى الراديو وأشاهد التلفزيون.
شرعتُ أغسل وجهي وأسناني فوق المغسلة المكشوفة قرب الحمام في الزنزانة. اقتربَ مني أبو جاموس ليخبرني أنه مكتوب، في شريط الأخبار على التلفزيون، أنَّ ثمّة اشتباكات على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. لم آخذ أو أعط معه. سمعتُ ولم أقل كلمة أو أُظهر أيّ ردّة فعل. قلتُ في نفسي إنها عملية في مزارع شبعا رداً على ما يحصل في قطاع غزّة. فالوضع هناك صعب، وإسرائيل تقوم بأعمال انتقامية منذ أُسر الجندي جلعاد شاليط قبل 19 يوماً (في 25 حزيران/يونيو 2006)، والمقاومة الإسلاميّة في لبنان تتضامن مع الفلسطينيين وربّما تقوم بعمل عسكري لتخفيف الضغط عنهم وتشتيت الجبهة الإسرائيلية.
جلستُ على كرسي صغير في زنزانتي أحتسي قهوتي، وأتابع التلفزيون. لا جديد على ما قاله أبو جاموس. بعد قليل وصلني مرسال من رفيق لي في السجن، عبد الناصر عيسى، من قادة «حماس»، نزيل زنزانة مجاورة، يخبرني أنَّه سمع بتنفيذ حزب الله عملية أسر.
كهرباء عبرت جسدي، كما لو أني استيقظتُ الآن لا قبل ساعات. نقلت محطة التلفزيون إلى القناة الإسرائيلية «العاشرة». وجدتُ في أسفل الشاشة عبارة: «اشتباكات على طول الحدود اللبنانية، ويبدو أن حزب الله يخطط للقيام بأمر ما». جملةٌ ملغّزة ملغومة كالعادة، تقول ولا تقول الحقيقة كاملة. بدأ الفأر يلعب في عبّي. انتقلتُ، لأجمع الخبر، إلى القناة الإسرائيلية «الثانية». الأمر نفسه: «اشتباكات على طول الحدود مع لبنان ويبدو أن حزب الله يريد أن يقوم بعمل ما». هنا أيضاً جملة ناقصة. شعرتُ بأنها تخفي أكثر ممّا تبوح، وفي الوقت نفسه تمهّد لقول أمور أخرى وإبراز أجزاء من البازل. تفاؤل خافت لم أقمعه بل رحتُ أبحث عن خبر يغذّيه أو يطابقه ويترجمه. وزاد من شعوري هذا تفسيري لعبارة «يبدو أن حزب الله يخطط لأمر ما». هل مِنْ أحد يكتب في الأخبار مثل هذا؟ هذا يعني أن أمراً ما قد حصل وإسرائيل تمهّد لإعلانه، لكن القرار في صدده لم يؤخذ بعد. فالتقليد في إسرائيل يفرض على الإعلام الالتزام بالبيانات الرسمية الصادرة عن الجيش.
أغرتني فكرة أن أتصل بأحد في بيروت، شقيقي بسام، أو المنسّق بيني وبين السيّد حسن نصر الله، لكن ذلك مستحيل في هذا الوضع. الخطوط قد تكون مراقبة فيُكشف أمر هاتفي السرّي. وأصلاً، يصعب عليّ سحبه من مخبئه الآن مع احتمال دهم السجن وتفتيشه. كبحتُ هذه الرغبة.
ماذا أفعل؟ لا شكّ في أن أمراً ما قد حصل! ازداد اقتناعي بذلك. وأنا أنقّل التلفزيون بين القنوات الإسرائيلية، ثَبَّتُّ قليلاً على «العاشرة»، أوقفتني صورة المراسل ألون بن دافيد، يقدّم تقريراً عمّا يجري على الحدود اللبنانية. لفتتني عبارة قالها: «يبدو أن حزب الله نفّذ عملية استراتيجية».
دَفْقٌ من الماء البارد غمر روحي. شعرتُ بأنني غطستُ في بحر صور. ورحتُ أعوم. قلتُ لنفسي:
«خلص. وقعوا! فالشباب، في المقاومة، لا ينفّذون إلّا عملية أسر، ولا شيءَ آخر».
كرّرتُ:
«أكلوها». واطمأننت.تحميلي ذنب الحرب أشبه بتحميل إسرائيل الجنديين الأسيرين مسؤوليتها. لكن إسرائيل لا تفعل هذا
عملية استراتيجية؟ عبارة ترنّ في رأسي. عملية استراتيجية. أدرينالين يعبر حواسي كلّها. أريد أن أعرف بعد. أريد أن أفهم ماذا يجري. لكن يقيناً حطّ في قلبي. وضعتُ يديّ في جيبيْ بنطلون الجينز، كأني أمسكُ بكفّي شيئاً ما ثميناً، أو سريّاً، كي لا يأخذه أو يعرف به أحد. باتت كفّاي قبضتين، وكلما شددتُ أصابعي القصيرة تحرّكت قسمات وجهي كما لو أنها مربوطة بخيوط موصولة بالأصابع وتحاول أن ترسم ابتسامة، أو تمهّد لذلك. وما زلتُ مشدوداً إلى التلفزيون. روني دانييل على القناة «الثانية» يقول:
ـــــ «بدأ حزب الله عمليات استفزازية على الحدود، واضطرّ الجيش إلى الرد».
يمهّدون للإخبار عن العملية... يفرشون الطريق للصدمة. حتى الآن لا بيانَ رسمياً عن الجيش. وما دام الأمر كذلك، ممنوعٌ على الإعلام أن يستند إلى مصادر خارجية. فكّرتُ في هذا، وأنا أراوغ انتظاري.
خبط قويّ على الحائط من الزنزانة الملاصقة أعادني إلى الواقع. اقتربتُ من الحائط لجهة الباب ورددتُ عليه، فطلب إليّ أحدهم أن أشاهد قناة «الجزيرة». نقلتُ التلفزيون إليها فوجدتُ مكتوباً في أسفل الشاشة خبراً عاجلاً:
ـــــ «حزب الله يأسر جنديين إسرائيليين».
ـــــ «خلص، مشي الحال!»، فرحت. رفعت يديّ وشكرت الله. أعدتُ يديّ إلى جيبيْ بنطلوني: «صار الموضوع في يدي». خرجتُ من الزنزانة إلى الممر. رآني شرطي سعيداً، يبدو أنني لم أخفِ ابتهاجي، أو هو الشرطي الذي بادر إلى سؤالي عمّا يحصل جعلني أفرح وأظهر ذلك بقولي له:
ـــــ «شبابنا سحبوا لكم اثنين». وضحكت.
ردّ:
ـــــ «ماذا؟».
كرّرت:
ـــــ «شبابنا في المقاومة سحبوا لكم اثنين».
سأل:
ـــــ «من المقاومة؟».
قلت:
ـــــ «المقاومة الإسلامية، حزب الله في لبنان، سحب لكم جنديين، الآن، ليخرجني من هنا».
لم يصدّق، لم يأخذ الموضوع جديّاً. انسحب إلى مكاتب إدارة السجن. هناك عندهم محطة إخبارية مشفّرة اسمها «YES»، قويّة، تأتي بأخبار دقيقة. أعرف من اللحظة الأولى أنه سينسحب ليشاهد تلك المحطة ويتأكّد. لعلّي حرّضته ليفعل ذلك، وإذا لم يعد يتأكد لي الأمر، فيما يعود إذا لم يكن الخبر صحيحاً ويريد أن يغيظني وينفي ما قلته له.
وغاب.
صار الشباب، السجناء معي، يهنئونني ويقبّلونني علناً أمام الحراس الإسرائيليين، في الممر وفي الزنزانة.
لم يكبح الإسرائيليون هذه الفرحة عندما قطعوا بثّ المحطات العربية التي تصل إلينا. تركوا العبرية فقط. فقطع بث تلك القنوات يعني لنا أن أمراً ما خطيراً واستراتيجياً قد حصل ويريدون أن يمنعوا عنّا أخباره.
لكن القناة «العاشرة» التي نشاهدها راحت تنقل عن قناة «المنار». نقلت بيان المقاومة وصوراً لي. سمعتُ أن اسم العملية إطلاق سراح سمير القنطار ورفاقه من السجون الإسرائيلية.
ارتحت.
صوت شقيقي بسّام وأمّي عبر إذاعة «النور» جذبني إلى سريري لأسمع قرب الراديو. استلقيتُ كأني في بيتنا، في عبيه. أخذتني الإذاعة إلى ألفة قديمة، بعيدة. فرحُ تلك الأصوات لفّني.
الآن، وسط هذا اليوم التموزي، ثمّة دفءٌ وثمّة هواءٌ أتنشّقه. هواءٌ جبلي مع نسمات بحرية، وأصواتٌ ووجوهٌ كثيرة.
«شكراً سماحة السيّد. شكراً أيها المقاومون الأبطال». رحتُ أكرّر وأنا أنظر إلى سقف زنزانتي القريب من وجهي، وأرى السماء. كانت صافية، وزادها وضوحاً اعتراف الجيش الإسرائيلي بالعملية وأسر الجنديين.
وما نفع أن يقطعوا عنّا بثّ القنوات العربية، وها هم يتجرّعون السمّ وينقلون المؤتمر الصحافي للسيّد حسن نصر الله، ويترجمونه مباشرة إلى العبرية! بل توجّه إليّ وإلى رفاقي السجناء. صوته وهو يحدّثني سمعته يخترق السجن وإسرائيل كلها. قال:
«إنكم أصبحتم عند خط الحريّة. هذا يوم سمير القنطار ويحيى سكاف ونسيم نسر». واختصر اسم العملية (إطلاق سراح سمير القنطار ورفاقه من السجون الإسرائيلية) في كلمتين: الوعد الصادق.
استفزّهم السيّد. جنّنهم.
آثرتُ في هذه اللحظة متابعةَ برنامج «مساء جديد» مع مقدّمه البارز في إسرائيل دان مرغريت، على القناة «الأولى». أحسستُ أنه يوضح توجّهات الرأي العام. فقد استضاف أشخاصاً منفعلين راحوا يحرّضون الحكومة على الحرب، واتفقوا على أنه إذا لم نقم بحرب من أجل الجنديين يجب أن نقوم بها رداً على كلام حسن نصر الله:
«إذا أردتم حرباً فسنذهب إلى النهاية، وإذا أتى العالم كلّه فلن يأخذ الجنديين من دون إطلاق سراح سمير القنطار ورفاقه».
وتقرّر أن تجتمع الحكومة الإسرائيليّة عند الثامنة مساءً. سيطر عليّ الحذر والترقّب. كرةُ ثلج ردّة الفعل بدأت تكبر وتتدحرج. صرتُ أفكّر بالخطوة التالية التي ستقوم بها إسرائيل. وبقيتُ أستبعد الحرب لكون إسرائيل غير مستعدّة لها وحكومتها الحالية ليس فيها عسكريون، ومسألة الجنديين يمكن حلّها بالتفاوض والتبادل، كما حصل مع عمليّة أسر الجنود الإسرائيليين الثلاثة، في تشرين الأول 2000. لكن ردّة الفعل لا محالة ستحصل، وتوقّعتها موضعيّة، قصفاً هنا، واغتيالاً وخطفاً هناك.
إلى أن انتهى اجتماع الحكومة الإسرائيلية وأعلنت الحرب على لبنان وحزب الله في إطار «المواجهة الكبرى» لتحقيق هدفين: الأول ضربة مؤلمة لحزب الله والبنى التحتيّة اللبنانيّة في الساعات والأيّام القريبة. والثاني إبعاد حزب الله عن الحدود بجهد عسكري ودبلوماسي على الصعيد الدولي. وأطلقت إسرائيل على حربها هذه تسمية «الجزاء المناسب».
بدأت أجواء الحرب ترتسم. توجّستُ شرّاً، وكذلك السجناء الآخرون. كلّهم عبّروا لي عن ذلك. تشاءموا. وتحدّثوا عن حقد إسرائيل وممارساتها في فلسطين ولبنان. شخصياً، لم أخف. كنتُ مطمئناً، وقلتُ لا حكومةَ في العالم تأخذ قراراً بالحرب في ساعة أو ساعتين إلاّ تكون غافلة عن نتائج الحرب. لا حربَ تُتّخذ بهذا النحو تحت ضغط التحريض الإعلامي.
ألقيتُ نظرة عبر باب الزنزانة على الممر لأعرف حركة الحراس. وانسحبتُ إلى سريري أحرسُ ما أفكّر فيه وما سأقوم به. ورحتُ أُنصتُ لأي حركة للشرطة في الممر. استلقيتُ كأنني نائم. أسهم ذلك في هدوء الزنزانة. واختفت الأصوات من الخارج. اكتفيتُ بصوت خافت، همس، من الراديو، أسمع إذاعة النور. حافظتُ على هذا الوضع بعض الوقت، لأتأكد من حركة الشرطة. الدهم والتفتيش قد يحصلان في أيّ لحظة، خصوصاً في مثل هذه الظروف.
عند الحادية عشرة، سحبتُ الهاتف من مخبئه واتصلتُ بالمنسّق بيني وبين السيّد حسن نصر الله. دعوته إلى الحذر والتنبّه.
رد مطمئناً:
ـــــ «لا يهمّك، الجميع محتاط وكل شيء تمام».
لم أنم. بقيت ساهراً مع إذاعة النور. أسمع الأناشيد الحماسيّة والدينيّة. أقرأ القرآن وأدعو الله أن يحمي لبنان والمقاومة ويفك أسر كلّ معتقل. وتخلل هذه الأمسية أخبار عن الحرب وبيانات للمقاومة تعلن فيها تدميرها ثلاث دبابات وقصفها مرابض مدفعيّة إسرائيليّة في الجولان السوري المحتل. سمعت تحيّة المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر محمد مهدي عاكف للمقاومة الإسلاميّة.
وسط انهماكي في متابعة الأخبار العسكريّة الحربيّة فاجأني وليد جنبلاط. أوعز إلى المسؤولين في حزبه ومنطقة الجبل وجوب توفير الأمكنة اللازمة للعائلات النازحة من الجنوب والضاحية الجنوبيّة لبيروت. لم أستسغ هذا الموقف الإنساني في ظاهره. فكّرت أنه للفصل بين المقاومة وجمهورها. فأنا لا أستطيع أن أنسى مواقف جنبلاط تجاه المقاومة و«سلاح الغدر»، بحسب تعبيره. وهو في الحلف المناهض للمقاومة. وسيّدته السعودية حمّلت اليوم المقاومة «المسؤوليّة الكاملة» عن تصرّفاتها «غير المسؤولة» ودعتها إلى إنهاء الأزمة التي أحدثتها، مطالبة بالتفرقة بين «المقاومة الشرعيّة والمغامرات غير المحسوبة».
حرّضني موقف جنبلاط هذا لأتصل بشقيقي بسام وأستوضح الأمر وأعرف ماذا يجري في الجبل. خطّه مقفل. قلقت. عاودت الاتصال، فتكرّر الصوتُ الذي يعلن أن الرقم المطلوب خارج الخدمة.
... وأخيراً، بسّام على السمع. ردَّ. أخبرني أن خطّه كان مقفلاً لأنه كان مشاركاً في برنامج «بالعربي» مع جيزيل خوري. لم أعرف ذلك لأن قناة «العربيّة» من ضمن القنوات التي قطع بثّها إلينا أمس.
كما تأخر بسام في الرد عليّ، كذلك حصل معه في الحلقة، تأخر في الانضمام إليها لأسباب تتعلق بالحذر في الانتقال إلى الاستديو أثناء الحرب. قالت جيزيل إنني كنتُ أراسلها، والحقيقة أنني راسلتها مرة واحدة معزّياً بزوجها سمير قصير. مهّدت بالتذكير بهذه الحالة الإنسانيّة لتصوّرني لا أقبل بالحرب من أجل حرّيتي. كأنني أنا مقتنع بأن الحرب بسببي. وبدأت أسئلتها لبسام عن شعور عائلة القنطار التي نُفّذت العملية لتحرير ابنها، كما قالت. فقلَب بسام السؤال داعياً إلى النظر في الخسائر التي تقع في إسرائيل لا الاكتفاء بالتدمير والقتل اللذين تمارسهما إسرائيل في لبنان. وعند استفسارها عن المدّة التي أمضيتها في السجن، تحدّث سمير فرنجية عن المفقودين اللبنانيين في السجون السورية. تدخّل بسام وقال إن بين القوى التي يتحدث باسمها فرنجية جهات تتحمّل مسؤولية مباشرة عن عشرات المفقودين، وهم أهلنا وناسنا. وتوجّه إلى سمير فرنجية:
ـــــ «لو كنتَ نائباً في البرلمان الإسرائيلي وأنا مواطن إسرائيلي أو شقيقي رون أراد، لا أعتقد أنه كان يمكنك أن تتحدث بهذه الطريقة».
وعادت جيزيل وسألت بسّام:
ـــــ «لو عرف سمير القنطار أن تحريره سيكون بهذه الكلفة الغالية، فهل كان وافق على العملية؟».
أجاب بسام:
ـــــ «يجب عدم ربط الأثمان التي يضطر لبنان حالياً إلى دفعها بقضية الأسرى. إسرائيل استغلّت هذه الحالة». وذكّر بما حصل في موضوع الأسرى الإسرائيليين الثلاثة عام 2000، ومعهم اقتيد عقيد في الاحتياط، ولم تقم إسرائيل بهذه الحملة. واستند إلى تقرير صحافي فرنسي يكشف أن الهجمة الإسرائيلية هذه مخطّطة سابقاً وتحصل بإشارة أميركية واضحة لإعادة خلط الأوراق في إيران وسوريا ولبنان والمنطقة.
كأن سمير فرنجية تراجع، أو هو سيَّس الموضوع وتجاوز المسألة الشخصية التي ركّزت عليها جيزيل. قال:
ـــــ «مسألة الأسرى تخطّاها حجم الرد الإسرائيلي على لبنان ودخلنا مرحلة جديدة ليس لها علاقة بالتفاوض، وبما يقال عن السياسة الإسرائيلية العدوانية». واستغرب القول إن الرد الإسرائيلي لم يكن متوقّعاً.
كان هذا ردّاً على بسام ومنطق المدافعين عن المقاومة. لكن سرعان ما وقع فرنجية ومَن ينطق باسمهم في التناقض. فقد قال إن عملية المقاومة مرتبطة بالملف النووي الإيراني.
قال بسّام لي، وهو يتذكّر وقائع الحلقة والحوار:
ـــــ «هذا تناقض، فساعةً يحكون عن أن العملية لتحرير سمير القنطار ورفاقه، ولبنان لا ينبغي أن يدفع ثمن حرية شخص، وساعةً يتحدثون عن أن حزب الله قصد من خلال العملية استدراج الحرب وردّة الفعل الإسرائيلية لتخفيف الضغط عن إيران المحاصَرة بسبب ملفّها النووي».
ابتسمتُ كي لا أضحكَ بصوت عال مع بسام. الفرح بيننا متعادل، لكني، في هذه اللحظة، شعرتُ بأن سعادتي مجروحة بتحميلي ذنب الحرب الإسرائيلية على لبنان. لم أستطع نسيان هذا. غرقتُ في تفكير أسود. آلمتني شخصنة الموضوع تارةً وتسييسه تارة أخرى. كيف يطالبون بالمفقودين والأسرى اللبنانيين ويستغنون عني؟ أحياتي وحياة أيّ مقاوم لبناني ضد إسرائيل رخيصة إلى هذا الحد؟ والأهم، أنهم يفعلون هذا في لعبة بهلوانية بائسة تبرّئ إسرائيل وترتعب أمامها. فتحميلي ذنب الحرب أشبه بتحميل إسرائيل الجنديين الأسيرين مسؤوليتها. لكن إسرائيل لا تفعل هذا. لا تفكّر فيه، بل تقول إنها تخوض حرباً لأجل تحريرهما. وأنا أسير منذ 28 سنة، لا من يومين، وأسرتُ من أجل قضية. لم أُسجن لأني سرقتُ أو ارتكبتُ جريمة. أُسرتُ وأنا أنفّذ مهمتي في الصراع مع العدو.
آلمني الوضع. أساءتني تلك الرغبة في رميي وإهمالي.
انسحبت إلى سريري لأخلو بنفسي. حاولت الاسترخاء ورغبت في بعض النوم لأطرد تلك الأفكار وأصفّي ذهني، لكنّي لم أستطع التحرّر من الاستنفار العصبي الذي يسيطر عليّ.
ضاقت بيَ الدنيا. أمسكتُ بقميصي فوق صدري وشددته لأمزّقه. كان قطنيّاً فمطّ في يدي. أحسستُ أن هذا القميص الهزيل الذي رغبتُ في تمزيقه مثل المقاومة، صمد وعاد فوق صدري وجسدي. هدأت.
في اليوم الثالث للحرب، ما زلتُ أتألّم رغم اطمئناني إلى أن المقاومة ستصمد وتواجه وترد. إسرائيل تراجعت قليلاً، وأعادت القيادة العسكرية صوغ أهداف أكثر تواضعاً مما أعلنته في بداية حربها. صار هدفها إجبار الحكومة اللبنانيّة على تنفيذ القرار 1559. أين الأسيران اللذان قالت إن حربها هي من أجل إعادتهما؟ سألت نفسي.
مساءً، توجّهتُ إلى إدارة السجن لأحلّ مشكلة عالقة لا يمكن الشباب القيام بها. فرغم انهماكي بمتابعة أخبار الحرب، لم أترك هموم السجن، لا يمكنني ذلك، وإن كان الشباب خفّفوا من مراجعتي في كل صغيرة وكبيرة. هناك، في مكاتب الإدارة، قال لي شرطي إن منزل حسن نصر الله قد دُمّر نهائياً ويُعتقد أنه كان فيه. لم أُظهر أيّ ردّ فعل، كبحتُ مشاعر القلق التي اعتملت في داخلي. حافظتُ على رباطة جأشي ورغبتُ في أن أهزأ به بالقول إن السيّد حسن غيّر عنوانه واستأجر شقّة أخرى لكنه لم يخبركم. عدلتُ عن فكرتي كي لا أدخل معه في سجال. طلبتُ منه ألّا يغيّر الموضوع بهدف عدم حلّ المشكلة. اختصرتُ الأمر إلى أقصى الدرجات وانسحبتُ لأشاهد التلفزيون في زنزانتي. ولم يتأخّر الردّ: أطلَّ السيّد حسن عبر قناة «المنار» وإذاعة «النور» مبدّداً الشك في أمر إصابته. أنا تابعته عبر إذاعة «النور». والذروة كانت حين دعا إلى النظر إلى عرض البحر. استجبت له واندفعتُ في حركة عفوية نحو باب الزنزانة كأني أرى تلك البارجة، «حانيت»، التي استُهدفت مباشرة في تلك اللحظة أمام شواطئ بيروت. وقفزتُ في الزنزانة مبتهجاً. نظرت عبر الباب بحثاً عن ذاك الشرطي، لأنظر إليه وينظر إليّ وحسب. لا كلام أقوله له الآن. نظرة فقط، كفيلة بأن تكون كذاك الصاروخ الذي أشعل «حانيت».
ضجّ السجنُ ابتهاجاً.
ـــــ «مبروك».
«مبروك»، صرخة تتعالى من أبواب الزنازين.
انتعش الشباب في السجن، وقلت: بدأ النصر وعلى كل المستويات. سقطت أسطورة الجيش الذي يكذّب ويقول ما يشاء. صار مرغماً على الاعتراف تحت ضغط الصورة.جوزف سماحة ضاحكاً ضحكته الهازئة: سيطلبون منك أن تكتب بيان اعتذار عن الحرب
ولأن إسرائيل تتنصّت على الكثير من الخطوط، صرتُ أختصر في الاتصال، لكني لم أشأ أن أوقف الاتصالات نهائياً، فمنها أعرف بعض التفاصيل والأخبار. واليوم، تحدثتُ إلى جوزف سماحة. أخبرني أين وصل الإعداد لجريدة «الأخبار». سألته عن رأيه في ما يجري. قدّم لي قراءة سياسية للحرب والمنطقة، قال إنها محطة أخرى لفشل المشروع الأميركي ـــــ الإسرائيلي للشرق الأوسط الجديد. وأكّد ثقته بالمقاومة. أضاف إن إسرائيل شنّت الحرب باستسهال هزيمة حزب الله، وبشعور خفيّ بالاستعلاء على المحيط العربي، لكن النتائج خلاف ذلك. فإسرائيل الجاهزة لمواجهة الدول العربية مجتمعة تتخبّط بحثاً عن سبيل للانتصار على جزء صغير من قوّة مستعدّة للقتال. وهذا ما خلق المفارقة في فهم معنى الانتصار. إسرائيل ترى في أيّ شيء دون النصر الحاسم على حزب الله هزيمة لها، لأنها ترفض مبدأ التعادل. وحزب الله يرى في منع إسرائيل من تحقيق النصر انتصاراً لا مثيل له. وختم كلامه كعادته بمزحة ساخراً ممّن يقولون إن الحرب بسببي وإن حريّتي لا تستحق تدمير لبنان. قال:
ـــــ «سيطلبون منك أن تكتب بيان اعتذار عن الحرب». وضحك ضحكته المبحوحة الهازئة المفتوحة على العقل.
بعد أسبوع، عند الخامسة من صباح اليوم الثامن للحرب، اقتحمت قوّة خاصّة غرفتي. أيقظونا. استفسرتُ عمّا يجري، فردّ الضابط:
ـــــ «تفتيش».
يحملون معهم عدّة شغل كاملة لفكّ كل شيء. لم أفكر إلّا في الهاتف، فأنا أخبّئه في مكان داخل الزنزانة بسيط جداً ولا يحتاج إلى عدّة. اخترتُ هذا المخبأ لبساطته. فالأماكن الصعبة يُبحث عنها وهي أكثر خطراً. وقد سبق أن اكتشفوا مرات عدّة مخابئ بُذلت جهودٌ لبنائها. لذا، فكّرتُ أن أضعه تحت عيونهم ومع ذلك لا يرونه. كما يختبئ السارق قرب مركز الشرطة، أو فيه حتى. قطعة بلاستيك صغيرة، إذا ما رفعوها، وربما يضعون أيديهم عليها، يجدونه. قلت في نفسي مع بدء التفتيش:
«خلص، وجدوه. وسأُعْزَل عقاباً، والآن أنا في أمسّ الحاجة إلى التواصل مع العالم».
رفضت الشرطة أن أبقى أنا ممثلاً لزنزانتنا أثناء تفتيشها. فبعد نضال وإضرابات توصّلنا معهم إلى اتفاق على أن يبقى ممثّل لكل زنزانة يراقب أثناء التفتيش كي لا يُسرق شيءٌ. رفضوا بقائي لاعتقادهم أنني سأعترض على همجيّتهم في التفتيش، وربما لاعتقادهم أن لديّ هاتفاً وقد أشوّش عليهم أثناء البحث.
أخرجوني من الزنزانة فوجدتُ أنهم اختاروا، إلى زنزانتنا، أربع زنازين أخرى هي زنازين قيادات السجن. التقيتُ في الممر بمروان البرغوثي وعبد الناصر عيسى وتوفيق أبو نعيم.
عندما اجتمعنا، سأل بعضنا بعضاً عمّا يبحثون عنه. شككنا في احتمال وصول خبر إليهم بوجود هواتف لدينا.
توجّهت، في الساحة، إلى حيث نضع حراماً لنجلس عليه أثناء الفورة. جلستُ أدعو ونمت. أحلى شيء النوم في هذه الظروف. وزميلي في الزنزانة، جاد الله كنعان، استغرب ذلك. قال لي:
ـــــ «ألا تعرف أن في زنزانتنا هاتفاً، وفي أي لحظة يمكن أن يكتشفوه؟».
المهم، تركني في حالي، رغم توتره. وبعد ساعة تقريباً، استدعى أحد الحراس مروان ورفيقه في الزنزانة، إذ انتهت عملية تفتيشها. ثم نادوا على عبد الناصر ورفيقه، وبعدهما على توفيق ورفيقه. بقيت زنزانتنا، ما زال التفتيش فيها جارياً. أَخْ! اكتشفوا الهاتف، قلنا، لكني بقيتُ هادئاً مستلقياً، أغفو أحياناً.
طلع النهار، وبعد ساعات دعونا إلى الدخول. ورحتُ أنظر في وجوه الضباط، أتفرّسها، أريد أن أعرف هل اكتشفوا الهاتف أم لا.
قال أحدهم:
ـــــ «صباح الخير سمير». نطقها ببرودة وبلهجة عادية. قلت في نفسي: «الظاهر أنهم لم يجدوه». وواصلتُ المشي حتى باب زنزانتي. دخلت فكاد زميلي، أبو جاموس، الذي بقي يمثّلنا، يضحك لأنهم لم يكتشفوا الهاتف رغم بساطة مخبئه. عاجلته بإيماءة التزام الصمت. الضباط ما زالوا في الممر قرب الزنزانة، وأيّ حركة، ولو ضحكة صغيرة، قد تلفت الانتباه وتفضحنا. ولمّا ابتعدوا، وفرغ القسم منهم، روى أبو جاموس لي ما جرى. قال إنه في اللحظة التي وصل فيه الجندي إلى سريري وشرع في فك قطع البلاستيك الموجودة في أعلى أعمدته الأربعة، أمره ضابط بالخروج إلى الممر وفك اللمبات هناك. ففي أحد تلك الأعمدة أخبّئ التلفون، بعدما حشوته بإسفنج جمعته من الفرش والمخدات. حينذاك، حسِبَ أبو جاموس أن ساعة الحقيقة قد حلّت، ولا سيما أنه في عمليات التفتيش الكبيرة يفكّون قطع البلاستيك تلك. وعلمتُ أنهم فتحوها في الزنازين الأخرى، إلّا في زنزانتي.
عدنا إلى أجواء الحرب.
شعرت بحماسة وثقة غريبتين وأنا أقرأ، صباح يوم الجمعة الثاني من الحرب، أي في اليوم العاشر منها، مقالة ناحوم برنيع في «يديعوت أحرنوت». حملت الجريدة وتوجّهت إلى زنزانة مروان البرغوثي. وقفتُ خارجها. تبادلنا عبر الشبّاك ابتسامة التواطؤ على سرّ لم يُكشَف. ورفعت في وجهه الجريدة كمن يشهر وثيقة في وجه شخص يخالفه الرأي، رغم أن موقف مروان مع المقاومة لكنه متخوّف من هزيمتها وألّا تنتهي الأمور لمصلحتها. سبق أن تحدّثنا حديثاً عابراً في زحمة متابعتنا الأخبار الميدانيّة للحرب. قلت له:
ـــــ «خذ اقرأ ناحوم برنيع. يقول «اهرب أولمرت، اهرب!» من لبنان والحرب عليه. لقد جال مع الجنود الإسرائيليين على الحدود ودخل إلى حيث أمكن جيش الاحتلال أن يتوغّل في الأراضي اللبنانية، ورأى ما رآه».
قرأ مروان المقالة بسرعة. وأنا أقرأ في وجهه ردّ فعله. كان بين الصدمة والتوقّع، كمن يقول إنني أعرف هذا ويفرحني لكن العبرة في النهاية والنتائج، ولا ينبغي أن يغرينا أو ينيّمنا على حرير.
سألته:
ـــــ «أنت كقائد عسكري ماذا تفسّر صمود المقاومة في الميدان وتصاعد ردّها وارتفاع عدد الصواريخ وقدرتها على تحديد الأهداف وإصابتها؟».
ردَّ:
ـــــ «ممتاز، دليل سيطرة وقدرة تحكّم، وحفاظ على القوّة الأساسية في أماكنها».
ـــــ «كُسر التابو، وما عاد في إمكانهم إخفاء الخسارة أو صعوبة سحق المقاومة والانتصار عليها».
لم يكن همّي في الحوار أن أؤكد أن حزب الله انتصر. كان همّي أن أقول إن المقاومة عموماً لا تُهزم إلا إذا أرادت هي ذلك. فلا احتلال الأراضي يعني أن المقاومة هُزمت ولا التدمير يعني الانتصار. المقاومة ليست جيشاً نظاميّاً، المهم أن تتخفى وتحافظ على قدراتها وتباغت وتهاجم وتكبّد العدو الخسائر وتربكه. كنت أحدّثه شخصيّاً، وأوجّه الرسائل له تحديداً. وهو جاملني من دون أن يتراجع عن مخاوفه.
في منتصف الحرب تقريباً استُدعينا أنا ومروان البرغوثي وتوفيق أبو نعيم إلى مكتب إدارة السجن. كانت في انتظارنا مسؤولة الاستخبارات في مديرية السجون، اسمها بيتي، قصيرة ونحيفة وترتدي بنطلوناً وقميصاً مدنيين. تحدّثت عن الوضع الفلسطيني وحركة حماس التي «تعرّض الفلسطينيين للخطر ولا يمكن أن تخفي شاليط أكثر من ذلك». وشرعت تتكلّم عن الحرب على لبنان. تركتها تعرض تصوّرها منطلقةً من أن المسألة مسألة أيّام وينتهي حزب الله، ودخلت عليها. قلت:
ـــــ «ستفشلون في حربكم وتُهزمون ولن تنهوا حزب الله أو تدمّروا قدراته الدفاعية، وستنسحبون من لبنان مهزومين ومذلولين».
وأخرجتُ لها سيناريوهات المستنقع اللبناني:
ـــــ «لن تستطيعوا دخول بلدة والحفاظ عليها. الميركافا ستتبهدل وسلاح الطيران سيفقد الكثير من فاعليته، إلا القدرة على التدمير وقتل المدنيين كما تفعلون الآن».
اغتاظت وردّت موحيةً أنها مستغربة موقفي:
ـــــ «أنت تقول هذا؟ أنت تعرفنا، وتعرف أننا لا نُهزم!».
أغمضت عينيّ ثم فتحتهما وتركتهما ناعستين، ورحت أخفض رأسي وأرجعه، وأنا أجيبها:
ـــــ «أعرفكم وأعرف جماعتنا، نحن لا نُهزم».
ومروان ينظر إليَّ فرحاً، وذروة ما ابتهج به عبارتي: «سيلعب المقاومون بكم أتاري». ضحك بقدر ما كانت هي مغتاظة، إلى درجة أنها أنهت الحديث بسرعة.
أثناء عودتنا إلى القسم قال لي مروان:
ـــــ «أسمعتَها كلاماً لن تسمعه في حياتها».
بعد الحرب التي انتهت بمجزرة الميركافا في سهل الخيام - مرجعيون ووادي الحجير، أكثر من خمسين منها دُمّرت، مرّت «بيتي» في القسم وكنتُ مع مجموعة من الشباب نتحدث، أشاحت بنظرها عني، بالتأكيد متذكّرةً كل ما قلته لها. ناديت عليها:
ـــــ «بيتي».
استدارت نحوي:
ـــــ «ماذا؟».
سألتها:
ـــــ «كيف الأتاري؟».
وأكملَتْ طريقها من دون أيّ كلمة، على وقع ضحكاتنا.
* سكرتير التحرير في «الأخبار»
عدد الاثنين ٢٩ تشرين الثاني ٢٠١٠ |
...........................
من أين يبدأ رجل مثل سمير القنطار قصته؟ وكيف يحكي ثلاثين سنة من حياة في السجن؟ ربما يبدأ من هنا، من سرد أسماء السجون التي عاش فيها الفدائي اللبناني وكبر. 22 انتقالاً من معتقل إلى آخر في رزنامة قاسية احتاجت جدولتها إلى صفحة ونصف صفحة من «سمير القنطار: قصتي»، «الرواية الوثائقية» التي كتبها الزميل حسان الزين عن أشهر أسير عربي والصادرة عن دار الساقي.
تبدأ الحكاية من 12 تموز 2006، اليوم الذي سينطلق فيه المحكوم بأكثر من خمسمئة وأربعين سنة من السجن، بالعد التنازلي، وستنتهي في ملعب الراية في الصفير في الضاحية الجنوبية، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يعانقه. بين يومين، ستمر في نحو 500 صفحة السنوات الثلاثون للفتى شاهداً على نفسه، على العملية التي تروى ثانية بثانية، يسردها الزين كمن يعرض مشهداً سينمائياً طويلاً متصلاً يقطع النفس. يخبر فيه القنطار، لمرة واحدة وأخيرة ما حدث مع المراهق ورفاقه في ذاك الليل البعيد، وبنت عليه دولة كاملة صورة الشيطان ذي العينين المتقدتين ناراً، يسحق جمجمة طفلة على صخرة ويرمى في سجن صورته هذه إلى الأبد.
في كتابه، سيجد القنطار متسعاً ليقول عمن يكون. ليتذكر ما لا يُنسى، هو الذي يقول لـ«السفير» إن «ذاكرة الاسير تختلف، لأن وقته أبطأ، ولأن لديه ما يحتاجه من الوقت مع نفسه، لذا تترسخ الافكار والذكريات والاحداث وتواريخها».
إن تذكر سمير، ففي سياق وترتيب يجعل مهمة الكاتب أسهل. وما يسميه الزين «الذاكرة الحاضرة والقوية» عند القنطار، قابله عند الثاني إعجاب بقاصٍ ذي حرفة عالية جعلته يؤخذ تماماً بصفحات هو الذي حكاها، قبل ان تعود إليه بلغة الكاتب الذي إذا اضاف إلى ما لم يقله الاسير، اصاب في نقل المشاعر، حتى ظن القنطار أنه أخبره بذلك حقاً.
هذه الصناعة المشتركة بين الصحافي وبين القنطار، كانت مشروع الأخير المؤجل منذ أيام الاسر، وقد ظل يؤجله إلى أن طلب منه العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله ألاّ تتبخر مثل هذه التجربة في الهواء. حينها بدأ يفكر بالامر جدياً. وحين اقترح شقيقه الزميل بسام ان يكون الزين هو الكاتب، احتاج الرجلان إلى جلسة واحدة ليتفقا مبدئياً، والى أن يقرأ القنطار مسودة الفصل الاول، لينطلق العمل الذي استمر نحو تسعة أشهر.
والتجربة التي يوثقها القنطار تنطلق من الخاص إلى العام، من الأسير إلى «الحركة الأسيرة»، والقنطار كان واحداً من روادها، ويبدو، من حماسته الشديدة للحديث عنها، بل وتقديمها على أي عنوان آخر، حتى في إهدائه الكتاب، يبدو واحداً من رسلها. هذه الحركة التي «انضوى» في سجونها عشرات الآلاف من العرب، غالبيتهم الساحقة من الفلسطينيين بالطبع، ما زال تاريخها وحاضرها شبه مجهول عند عامة يظن بعضها، لأسف القنطار، أن المعتقلات الإسرائيلية فنادق بنجوم كثيرة.
والحركة الأسيرة، للمفارقة، لم تكن يوماً جزيرة معزولة، بل كانت تعيش الحراك نفسه للصراع العربي الإسرائيلي، كما تعيش هبوط افكار وصعود اخرى، ونهاية دول وأيديولوجيات وتعيش انكسارات وانتصارات واتفاقات وزعماء وأعداء وجولات دم لا تنتهي. ولنا أن نتخيل الشخصية الرئيسية للنص، شاباً لم يمر عليه يوم في حياته إلا وفكر لمرة واحدة على الاقل بمفردة «فلسطين». هذا الشاب، وإن كان بطل قصته، فسيكون حتماً إلى جانب القضية التي أبحر من أجلها عام 1979، والتي يرتدي من اجلها ثياباً عسكرية في صورة غلاف ملتقطة له، في السنتين الاخيرتين من حياته، اثناء مناورة مع المقاومة الاسلامية، وقد صار واحداً من جنودها المؤمنين.
هذا المشوار الهائل، من جبهة التحرير الفلسطينية إلى حزب الله، لم يمضه الاسير واقفاً في مكانه. راقب الخارج وتأثر بكل متغيراته، كما عايش الداخل حتى بات فلسطينياً لهجة ووالدةً فلسطينية هي أم جبر تتبنى اللبناني وتقدمه على ابنها جبر، رفيق اسر القنطار ونضاله. هكذا، يتسع السرد ويتشعب، من سيرة أسير إلى سيرة قضية، ومن اسم لبناني إلى مئات الأسماء من كل جنسيات العالم.
ومن عبيه إلى الصفير، ستذهب هذه السيرة إلى فلسطين، وتعود، مراراً وتكراراً. تحكي عن سمير القنطار، الرجل الذي له أقدار كثيرة.. حيث يمكن له رواية قصته بدءاً من أي قدر شاءه لنفسه، أو كُتب له. ستظل قصته تحلق فوق فلسطين، كما فكر حين كان كان ممدداً في الطائرة التي تمدد على ارضها مضرجاً بدمائه، وقد حملته بعدما أسر لتوه.
[ يوقع سمير القنطار وحسان الزين «سمير القنطار: قصتي» بين الخامسة والثامنة من مساء السبت المقبل في جناح دار الساقي في معرض بيروت الدولي للكتاب في بيال
.....................
td style="PADDING-LEFT: 7px" vAlign=top> حفل زفاف البطل سمير القنطار مليون مبروك 03 03 2009
2 دقيقة/دقائق - 2 آذار (مارس) 2009
تم التحديث بواسطة Lubnani2009
youtube.com
.........................................
5 دقيقة/دقائق - 16 تموز (يوليو) 2008
تم التحديث بواسطة ShiaVedio
youtube.com - ..................................
- td vAlign=top width=290><TABLE class=ts style="WIDTH: auto"><TR><td style="PADDING-LEFT: 7px" vAlign=top></TR></TABLE><td vAlign=top width=290><TABLE class=ts style="WIDTH: auto"><TR>
رحلة التحرير الأخ سمير القنطار
5 دقيقة/دقائق - 19 تموز (يوليو) 2008
تم التحديث بواسطة italianolb
youtube.com
<td style="PADDING-LEFT: 10px" vAlign=top>سمير القنطار
8 دقيقة/دقائق - 17 تموز (يوليو) 2008
تم التحديث بواسطة alsejraj
youtube.com</TD></TR></TABLE> الشيخة سهام تتحدث لـ «النهار»
ثلاثون عاماً لم تذبل أثناءها الورود والشتول في باحة ذلك البيت الجبلي العتيق الذي قدت حجارته من مقالع بلدة عبية وصخورها في منطقة الشحار الغربي في جبل لبنان، بل ظلت تنمو وتكبر بانتظار الافراج عن سمير، تعتني بها يدا الوالدة سهام، التي أبت أن تفقد الأمل بعودة ابنها الغالي. والواقع أن «الشيخة» سهام ليست أم سمير بل هي زوجة أبيه، إلا أن للتربية حقها، فكيف بأم ربت واعتنت وسهرت على مدى سنوات طوال، منتظرة مرور «يومين» وعدها سمير بالعودة بعدها الى حضنها والمنزل؟
«يومان تحولا الى ثلاثين عاماً»، تقول سهام. لكن بعد الاعوام الثلاثين، بقيت أياماً معدودة يخرج بعدها سمير القنطار ليعود الى المنزل، الى كنف الاهل والاصدقاء والاحبة... لن يقدّر لسمير أن يرى والده سامي، الذي قضي إثر نوبة قلبية سنة 1986، ولن يقدر له أن يرى أيضاً شقيقته الكبرى سناء التي قضت إثر نزف حاد في الدماغ سنة 1982. أما شقيقاه عبدالله وبسام فيترقبان تفاصيل مرتبطة بالعملية التفاوضية. فيما الشقيقات سميرة، حنان، رائدة ولميس يتشوقن لرؤية الأخ وضمه والتملي من النظر في تفاصيل تغضن معها الوجه ليصبح أكثر شموخاً وإباء.
في المنزل المتواضع، كان ثمة فرح عارم، وفي عيون الاخوة والأخوات بريق من أمل استثنائي، ولهفة مستعجلة للقاء الأخ والشقيق... أما «الوالدة» فوجهها يشع ألقا رغم ثقل الساعات الأخيرة، وهو أشد وطأة من سنوات الانتظار الطويل.
جلست في زاوية الدار تحيط بها شتولها المزدانة بالخضرة والمزهرة ألواناً توحي بالفرح والحرية، لتتحدث لـ «النهار» بلغة القلب، وسط استغراب من سؤال يطرحه الصحافيون حول شعورها، وتأكيد بأن «ثمة شعوراً بالفرح يغمر المنزل بكل من فيه، وسببه هذا التفاؤل الكبير الذي لم نعشه من قبل، والشعور بأن الفرج يقرع الأبواب وبأن الحرية ستكون حليف سمير بعد ثلاثين عاماً من الاسر».
الحديث مع والدة سمير القنطار لم يكن «صحافياً» بامتياز... فاستقبالها المتواضع الحافل بالمحبة فرض جوّاً من الألفة، استحالت معه المقابلة الى دردشة عائلية، حملتنا أثناءها الى ثلاثين عاماً خلت، لتسرد تفاصيل عائلية وسياسية كثيرة تتعلّق بسمير ومراحل حياته خلف القضبان وعلاقته بأخوته وأفراد الأسرة. وبـ «غمضة» عين متمعّنة سارحة في تفاصيل الماضي، أعادتنا إلى آخر مرة رأت فيها سمير، لترويها لحظة بلحظة «عاد الى المنزل في تمام التاسعة تلك الليلة، بعد غياب دام أياماً. وكانت المرة الاولى التي أراه فيها يقود سيارة، ولم أكن اعلم انه يجيد القيادة. دخل الى المنزل، فتفاجأ برؤية والده، الذي كان عائداً من السفر. عانقه وبدا على عجلة من أمره، سأله والده الى اين هو ذاهب، وأنّبه لانه كان، طيلة فترة قضت، يغادر المنزل دون ان يحدد وجهته وكنا نقلق بشأنه كثيراً ولا نعلم الى اين يذهب أو ماذا يفعل أو اية معلومات عنه. عندها قال لوالده «انا اليوم مع جبهة التحرير الفلسطينية برتبة ملازم، وتواجهنا مشاكل عدة مع العدو الاسرائيلي المتوحش، ولا يمكن ان أبقى في المنزل». وعد والده بأن يغيب لأيام ويعود بعدها لتمضية فترة اجازة برفقته. غاب لأيام معدودة، اضطر خلالها والده للسفر. وبعد أيام عدة، عاد الى المنزل ليلاً كالعادة. سألني عن والده، وبدا شديد التأثر عندما قلت له انه سافر. سأل عن اخوته عبدالله (12 عاماً) لميس (عامين ونصف)، وبسام (اقل من عام ونصف)، وقد كانوا أولاداً صغار في حينه. دخل الى غرفة نومهم، قبلهم وأمعن النظر اليهم، وخاطبني قائلاً «أنا مضطر للذهاب الآن وبعد يومين أعود». حينها قلت له بنوع من الملامة والعتب «لا تحدد موعداً لعودتك كما تفعل في كل مرة، لأنك غير قادر على الوفاء بوعودك». ابتسم وهز رأسه وقال لي «سأعود، سأعود بعد يومين».
«تحول اليومان الى ثلاثين عاماً»، أضافت الشيخة سهام والدمع يترقرق في عينيها. وتابعت «لم يخطر ببالنا يوماً ان يكون بصدد المشاركة في عملية فدائية في اسرائيل. علمنا بعد وقوع العملية عن طريق الصحف. وكانت الصدمة أكبر من ان نستوعبها، لاننا للوهلة الاولى لم نعلم اذا كان حياً أو ميتاً. وما لبثنا ان تأكدنا من كونه على قيد الحياة. بعد أيام من وقوع العملية، زارنا بعض المسؤولين في الجبهة ممن كانوا يراقبون العملية، وزودونا بصور لما قبل العملية وللحظة اعتقال سمير، ومعلومات حول العملية وتفاصيلها. وبعد أقل من شهرين على اعتقاله، وردتنا أول رسالة منه، قال فيها: أنا بخير، صحتي جدية، لا تغضبوا ولا يعتريكم الهم والقلق. هذه طريقي اخترتها بارادتي وانا أتحمل نتيجة عملي».
وأردفت «لقد تعذب سمير كثيراً، ولم نعلم الا بعد فترة أنه تلقى اصابة أثناء العملية، وأصيب بسبعة رصاصات في جسمه. وأثناء التحقيق، وبسبب اصابته، انهار تماماً، فحقنه «الصهاينة» بالدم وأجبروه على تمثيل الجريمة».
ولكي نوفر على الأم دموعا ظهرت بلا تردد، عند كل محطة من محطات الحديث الطويل، حولنا الحديث الى شيء من الحميمية، لنستبدل صورة الأسير المعذب بصورة الانسان المثالي. وهنا، روت والدة سمير الكثير عن علاقته المؤثرة مع اخوته، عن طريق الرسائل التي كانت تردهم بتواتر من خلف قضبان سجنه، والتي حفرت في قلوبهم صورة رائعة لهذا الأخ والخال والعم القدوة. وتواصله معهم أتى ليجذر حبا عائلياً لا تقوى على خرقه مسافات الزمان والمكان المتباعدة.. «كان يتواصل مع الكل عبر الرسائل، ويسهم في تربيتهم من بعيد من داخل سجنه»، قالت وهي تحمل بين يديها صورة معبّرة، ظهرت فيها يدا سمير تحملان كل منهما طائر «أطلق على كل منهما اسم احدى ابنتا اخته فرح ودانا»، كما شرحت «الشيخة سهام» متأثّرة. وأضافت: «لطالما راسل أخوته، وتحديداً بسّام الصغير، رغم أنه كان في سن صغيرة جداً عندما اعتقل سمير، كان عمره سنة ونصف السنة. وأول رسالة كتبها بسام كانت لشقيقه سمير، يوم خاطبه الاخير في رسالة، فأجابه برسالة خطية، وهكذا شارك سمير في تربية بسام، وكان ينصحه بأن يكون مهذباً ونشيطا ويحثه على متابعة دراسته باجتهاد». وأضافت «كان هذا التواصل كافياً لتنشأ بين الشقيقين علاقة مميزة، ترجمها بسام يوم بدأ يناضل في سبيل تحرير سمير، من على مقاعد الدراسة في الجامعة اللبنانية مروراً بتصدره الاعتصامات كافة التي كانت تنظم من أجل المطالبة بتحرير الاسرى وصولاً الى مشاركته المتواصلة في مؤتمر جنيف لمحكمة العفو الدولية، ومطالبته بالعفو عن أخيه والافراج عنه.
لا يحتفظ بسام الشقيق الأصغر بصورة سمير، فهو ولد في اكتوبر سنة 1977، فيما اعتقل سمير في نيسان 1979. وفي حديث مع «النهار»، قال «كان عمري سنة وستة أشهر عندما اعتقل شقيقي»، وأضاف «شعوري اليوم هو شعور أخ ينتظر لقاء أخ له لا يعرفه إلا من خلال الصورة والرسائل. وحان الوقت لأن تتوّج رحلة التعارف الطويلة هذه في لحظة تحرير سمير».
وحول الدور الذي لعبه في قضية أخيه، قال بسام «الدور الاكبر الذي لعبناه تمثل بفضح الانتهاكات الاسرائيلية عبر احتفاظها بسمير أسيراً الى جانب الاسرى الآخرين. وبما أننا لم ننجح في تحريره عن طريق الدبلوماسية، فقد أثبتنا عدم جدوى السبل الدبلوماسية في تحرير الاسرى، وأكدنا حق المقاومة بأسر جنود اسرائيليين والاحتفاظ بسلاحها الشرعي الى حين تحرير جميع الاسرى». ودعا بسّام «كل اللبنانيين للمشاركة في هذا العرس الوطني الكبير»، مشدداً على «ضرورة ان يكون هذا اليوم عاملا اساسياً لوحدة لبنان واللبنانيين»، وأكد أن «سمير في رحاب الحرية سيكون هو نفسه سمير خلف قضبان الأسر ولا يظنن أحداً أن شيئاً سيغيره».- ...........................
- ٢١/٠٧/٢٠٠٨
عملية تحرير سمير القنطار..دلالات ومعاني
عملية تحرير الأسرى وعلى رأسهم سمير القنطار تعتبر أكبر نصر للمقاومة أمام العدو الصهيوني، فالعدو أدرك أن عليه أن يتفاوض ويقدم تنازلات من أجل تحقيق ما يريد وليس كما عوده الرؤساء والحكومات الخانعة الذين كانوا يتنازلون من أجل الحفاظ على المناصب، عملية تحرير الأسرى أثبتت أن لا حل سوى في المقاومة التفاوض والمباحثات والدبلوماسية ليست ذات قيمة، المقاومة وحدها وتوازن الرعب مع العدو هما العامل الأساسي، عملية التحرير هي فرض لإرادة المقاومة على الكيان الصهيوني، هي التي فعلت ما عجزت عن فعله الحكومات العربية وجامعة الدول العربية والمعاهدات والاتفاقيات والاجتماعات والمفاوضات و..و..لقد اكتسب حزب الله مصداقية عالية لدى الشعوب العربية التي تفتقد المصداقية لدى زعمائها المزعومين وكذلك لدى الصهاينة الذي باتوا يثقون في خطاب حسن نصر الله أكثر من ثقتهم في مسئوليهم
إن جملة زمن الهزائم قد ولى قد تجلت في أوضح معانيها عندما يقوم بضعة مئات من المقاتلين بفرض إرادتهم بكيان يفخر دوما بتفوقه العسكري النوعي والكمي على الدول العربية مجتمعة، كذلك عندما نجحت الصواريخ الفلسطينية في فرض توازن الرعب مع الكيان الصهيوني
ومن هنا نؤكد أنه يجب أن يكون مشروع جميع حركات المقاومة هو مشروع الأمة وليس مشروعا قطريا أو طائفيا أو حزبيا، ويجب أن ينظر جميع المقاومين على أنهم جزء من المشروع الأكبر وليس تحرير جنوب لبنان أو تحرير الصومال أو حتى تحرير فلسطين
كان من أهم ما جاء في خطاب حسن نصر الله التأكيد على تكامل حركات المقاومة وهو يعكس اعتراف حزب الله ضمنيا باستعداده للتعاون مع كافة حركات المقاومة ومع كل صوت مقاوم في لبنان وفلسطين خاصة برغم اختلاف مرجعياتهم وأيدلوجياتهم، وهنا اقتبس بعض الفقرات من خطاب نصر الله:
"عندما ذهب سمير قبل ثلاثين عاما لم يكن حزب الله قد وجد وعندما قامت دلال بعمليتها البطلة لم يكن حزب الله قد وجد"
"مشروع المقاومة هو مشروع واحد وحركة المقاومة هي واحدة ومصيرها وهدفها واحد وإن تعددت أحزابها وفصائلها وعقائدها واتجاهاتها الفكرية والسياسية"."ثانياً للتأكيد على أن حركات المقاومة في لبنان وفلسطين تحديداً، هي حركات متكاملة تتراكم جهودها لتحقيق نفس الأهداف لتحرير الأرض والإنسان. أيها الإخوة نحن من هذا الموقع مع هذا الحشد من الشهداء نستحضر كل تضحيات المقاومين في لبنان وفلسطين وبلاد العرب من إسلاميين وقوميين وعروبيين وإلى أي اتجاه فكري انتموا. نحن نقدر كل المقاومين والشهداء الذين سبقونا إلى ساحات المقاومة، نحفظ لهم مكانتهم في ماضي وحاضر ومستقبل المقاومة. أود التأكيد أن الهوية الحقيقية لشعوب منطقتنا الأصيلة الثابتة هي هوية المقاومة وإرادتها وثقافتها ورفض الذل والهوان أيا كان المحتلون. على مدى عقود من الزمن تجدون بأن راية المقاومة لا تسقط بل تنتقل من حزب إلى حزب من عنوان إلى عنوان ولكن تبقى الأحزاب والفصائل والعناوين مجرد مظهر خارجي. قد يتعب بعضنا أو يبدل بعضنا خياره ولكن دائما كان هناك من يستلم الراية ويواصل الطريق. لذلك المقاومات والفصائل تقدم النموذج لتستفيد منها الشعوب والأجيال، ومقاومتنا من خلال ما أنجزت تحاول أن تقدم النموذج ليتكامل مع ما سبقه وليكون مثلاً يحتذى"
الوعد الصادق هو اسم عملية أسر الجنديين إشارة لوعد حزب الله بتحرير القنطار وكل الأسرى اللبنانيين عام 2004 عندما رفض العدو الصهيوني الإفراج عن القنطار، فأعلن نصر الله أن القنطار سيتحرر قريبا وأن العدو سيندم على عدم الإفراج عنه، لم يكن هذا الكلام من قبيل الصدفة أو تهديدا أجوفا بل كان نتاج استراتيجية وتخطيطا للخطوات القادمة بحرص وتحديدا للأهداف والغايات، وتسمية العملية بالوعد الصادق هي أكبر دليل على صدق نية حزب الله في هدفه من هذه العملية
أيضا هناك نقطة هامة وهي أن الخطاب الإعلامي للمقاومة هام جدا في الحرب النفسية مع العدو الصهيوني، وأن له تأثيرا كبيرا في ظل غياب المصداقية لدى القادة الصهاينة
أيضا أحد مصادر القوة هو عدم كشف مصير الجنديين الأسيرين حتى آخر لحظة، وقد كان الصهاينة يخططون لكلا الاحتمالين فإذا كانا حيين سيتم نقلهما بطريقة ما وإذا كانا قتيلين سيكون نقل جثتيهما بطريقة مختلفة
ولاشك أن هذه العملية ستؤثر على مفاوضات حماس مع الكيان الصهيوني –هذا من منظور تكامل حركات المقومة وتراكم مجهوداتها- وربما نسمع قريبا عن عملية تحرير جديدة
كذلك ارتداء الأسرى للملابس العسكرية أثناء الاحتفال بهم للتأكيد على إصرارهم على خيار المقاومة وأن سنوات الأسر لم تفلح في تغيير أهدافهم
سمير القنطار"لم أعد من فلسطين إلا لأعود إلى فلسطين" بهذه الكلمة افتتح الأسير المحرر سمير القنطار خطابه أمام الجماهير
"إن تركتهم فهم لن يتركوك"
"إن القضية لن تنتهي لو استعدنا مزارع شبعا وما بعد مزارع شبعا القضية سوف تنتهي بنهاية الكيان الصهيوني" وهو بذلك يؤكد على مفهوم الصراع بين الأمة والكيان الصهيوني أنه صراع وجود
سمير ذلك الشاب في السابعة عشرة اعتقل في تنفيذ عملية فدائية وظل أسيرا في سجون الاحتلال ما يقارب الثلاثين عاما، سمير الذي لم تفلح سنوات الاحتلال في إضعاف عزيمته، سمير اثبت أن هناك مقاومة من نوع آخر داخل سجون الاحتلال، مقاومة للحفظ على الهوية والكرامة، يحكي القنطار أن العدو الصهيوني لم يكن يسمح لهم في البداية بأية صحف أو محطات إذاعية إلا بصحيفة تصدر عن المخابرات الصهيونية وإذاعة "صوت إسرائيل" الموجهة باللغة العربية فكانوا يشكلون فريقا يجلس أمام المذياع المهرب ويقوم بكتابة نشرة أخبار خاصة بالأسرى وذلك حتى لا ينهزموا بالحرب النفسية التي يشنها العدو عليهم حتى وهم في الأسر
سمير القنطار سيلعب دورا هاما جدا في دعم المقاومة وإدخال الفئران إلى جحورها، إن لم تكن قد دخلت بالفعل، فهاهو وليد جنبلاط يتلون كالحرباء كعادته، وهاهو الحريري لم يتحمل البقاء في لبنان وذهب إلى العراق يتباحث مع حكومته العميلة فأين أنتم الآن
أقول إن الأيام القادمة ستشكل تغييرا كبيرا في لبنان وفي الأمة العربية..............................
ثمة غصة في ذلك البيت العتيق المتواضع الذي قدت حجارته من مقالع عبيه وصخورها في منطقة الشحار الغربي. فمعالم الفرح بدت عصية على الوجوه، وإنما كانت "ضرورية" كي لا تؤثر على المشهد المفتوح على أحلام مئات العائلات التي أزهرت مستبقة ربيع سمير القنطار في سجن نفحة الصحراوي، بعد ربع قرن أمضاها خلف القضبان ولم تفتّ من عضده.
في المنزل المتواضع، كان ثمة توجس وترقب، الكل يحمل هواجسه ويخاف أن تضيع اللحظة المرتجاة مرة أخرى في مسلسل المفاوضات. لكن هذه المرة بدا في عيون الاخوة والأخوات بريق من أمل، وأما الوالدة فكان وجهها يشع ألقاً رغم مظاهر الخوف البادية المشوبة بشيء من الترقب الضاغط والثقيل، وهو أشد وطأة من سنوات الانتظار الطويل.
الوالدة سهام القنطار تحدثت بلغة القلب، وسط تأكيد بأن "ثمة شعوراً بأن اللقاء قريب وسط تفاؤل لم نعشه من قبل بمثل ما نعيشه الآن، بالرغم من أن سمير لن يكون بين المفرج عنهم في عملية التبادل هذه". وتؤكد أن مصدر ارتياحها "ليس القلب وشعور الأم وحسب بل إن "هذا الارتياح مصدره المقاومة، لأن لنا ملء الثقة بها، فالمقاومة هي التي حررت الأرض وهي قادرة على تحرير جميع الأسرى".
لن يقدر لسمير القنطار إذا أفرج عنه بعد ثلاثة أشهر أن يرى الوالد الذي قضى إثر نوبة قلبية سنة 1986، ولن يقدر له أن يرى أيضاً شقيقته الكبرى سناء التي قضت إثر نزف حاد في الدماغ سنة 1982، أما شقيقاه عبد الله وبسام فيترقبان تفاصيل مرتبطة بالعملية التفاوضية. أما الشقيقات سميرة، حنان، رائدة ولميس فيتشوقن لرؤية الأخ وضمه والتملي من النظر في تفاصيل تغضن معها الوجه ليصبح أكثر شموخاً وإباءً.
بسام الشقيق الأصغر يقول انه لا يحتفظ بصورة سمير، فهو ولد في تشرين الأول سنة 1977، فيما اعتقل سمير في نيسان 1979. ويقول: "كان عمري سنة وستة أشهر عندما اعتقل شقيقي"، ويضيف: "إننا ننتظر ما ستؤول إليه المفاوضات في مرحلتها الثانية قبل اتخاذ أي تدابير".
كان الأهل يتابعون وقائع المؤتمر الصحافي للأمين العام ل"حزب الله" حسن نصر الله، ومن حولهم حشد الإعلام المحلي والعربي. كان على شقيق سمير، بسام القنطار الرد على سؤال إحدى الفضائيات عن شعور العائلة بأن عملية التبادل لن تشمل سمير قبل شهرين أو ثلاثة، فقال: " نجدِّد ما قاله سمير في رسالته التي وجهها إلى الأمين العام ل"حزب الله"، وأعلن فيها ثقته الكاملة بأن "حزب الله" لن يتخلى عنه، وبأن الحزب وفي لالتزاماته التي قطعها له ولكل الاخوة الأسرى، وبالتالي لسان حالنا هو لسان حال سمير، ونحن نؤكد ثقتنا بالمقاومة ونتمنى أن تكون قضية الإفراج عن سمير قريبة، أي في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر كما تم الحديث في سياق قضية التبادل". وأشار إلى أنه "إذا انقضت هذه المهلة ولم يفرج عن سمير فسيكون لنا تعليق في حينه، لأن لكل حادث حديثا".
وعما إذا كانت ثمة مخاوف من تراجع الجانب الإسرائيلي عن وعوده برغم الضمانات التي قدمها الجانب الألماني، قال: "في الواقع لا نعرف ما سيكون عليه موقف المقاومة في هذه الحالة، ولا موقف الدولة الألمانية، باعتبار أن هذا الاتفاق تم التوقيع عليه في رسالة رسمية من قبل الحكومة الألمانية، سيكون لنا موقف في حينه". وأضاف: "مسألة الوقت لا تدخل كثيراً في حساباتنا، ومن انتظر ربع قرن يستطيع أن ينتظر شهرين أو ثلاثة أشهر، وهذا أمر تفصيلي، ونحن نثق بالعهد والوعد الذي قطعه الأمين العام حسن نصر الله لنا ولسمير وعلى نفسه بالدرجة الأولى".
أما والدة سمير، سهام القنطار، فقالت: "أهنئ قبل كل شيء المقاومة على إنجازها تجاه هؤلاء الأسرى اللبنانين والفلسطينيين والعرب عموماً في السجون الإسرائيلية، وهذا إنجاز مهم، وإن شاء الله تستكمل المفاوضات وصولاً إلى نهايتها الأخيرة والإفراج عن سمير". وعما إذا كانت ستشارك في احتفال استقبال الأسرى، قالت: "إن شاء الله، الله يقدرنا ونشارك".
وزار وفد من قيادة الحزب التقدمي منزل آل القنطار، امس، مكلفاً من رئيس الحزب النائب وليد جنبلاط، لنقل تحياته إلى العائلة، وضم الوفد وزير الثقافة غازي العريضي، النائب أكرم شهيب وعضو مجلس قيادة الحزب وائل أبو فاعور. وألقى العريضي كلمة، قال فيها: "لن تطول الفترة الزمنية التي تفصلنا عن تحرير سمير واستقباله، وما نريد تأكيده هو أهمية هذا الإنجاز وهذه الخطوة التي لسمير دور أساسي فيها". وقال شهيب: "قدرنا وقدركم ان يكون سمير أول الأسرى وآخر المحررين".
ورد شقيق بسام القنطار بكلمة، قال فيها: "ثقتنا كاملة بأن المقاومة اليوم بحاجة إلى كل دعم وتأييد في مسيرتها من أجل إطلاق سمير، ونتمنى أن تصل الأمور إلى خواتيمها السعيدة"............................جنرالات اسرائيل :تحرير سمير القنطار يمس بردعناالتاريخ: 2008-06-30
حذر عدد من القيادات الأمنية والنخب الإعلامية الإسرائيلية من التداعيات الخطيرة لصفقة تبادل الأسرى مع حزب الله التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية امس الأحد. ونقلت الإذاعة الإسرائيلية صباح اليوم الإثنين عن رئيس جهاز الموساد مئير دجان قوله أن صفقة تبادل الأسرى سيكون لها تداعيات بالغة الخطورة على الوضع الإستراتيجي لإسرائيل وسيزيد من قدرة اعدائها على ابتزازها. واضاف دجان الذي كان أكثر معارضي الصفقة حدة أن الصفقة ستساهم في تعزيز قوة ونفوذ حزب الله في لبنان بشكل كبير، معتبراً أن نتائج الصفقة تدلل على أن حرب لبنان الثانية اسفرت عن عكس النتائج التي رغبت اسرائيل في ان تسفر عنها، سيما اضعاف حزب الله عسكرياً وسياسياً. واشار دجان الى أنه بعدما تبين أن حزب الله ضاعف عدة مرات مخزوه من السلاح وتحديداً الصواريخ بمختلف انواعها، فأن الصفقة تمنح مواقف الحزب وشعاراته صدقية هائلة ليس فقط في لبنان بل في العالمين العربي والإسلامي. واضاف دجان " في الوقت الذي سيختبئ فيه حلفاء أمريكا والغرب في لبنان في غرفهم، فأن حزب الله وحلفائه سيملأون الدنيا صخباً احتفاءاً بما حققوه، وهذا أمر بالغ الخطورة "، مؤكداً أن هذا الواقع سيدفع المزيد من اللبنانيين لتأييد حزب الله، كما أنه سيضعف القوى المعتدلة في العالمين العربي والإسلامي. من ناحيته قال روعي نحمياس المعلق في موقع " ynet "، الاخباري أن نتائج الصفقة التي توصل اليها حزب الله ستجد ترجمتها في نتائج الانتخابات التشريعية اللبنانية القادمة، مؤكداً أن هذه الصفقة ستضمن لحزب الله وحلفائه نصراً كبيراً في هذه الانتخابات.
تآكل قوة الردع
من ناحيته اعتبر وزير الدفاع الاسرائيلي الاسبق موشيه ارنس أن احد أخطر تداعيات صفقة تبادل الاسرى مع حزب الله ستكون الحاق مزيد من التآكل في قوة الردع الإسرائيلية. وفي تصريحات نقلتها صحيفة " هارتس " في عددها الصادر اليوم الاثنين اعتبر ارنس أن الصفقة أدت الى تآكل قوة الردع التي عملت اسرائيل على مراكمتها منذ انتهاء حرب لبنان الثانية، معتبراً أن هذه الصفقة تحمل رسالة لاعداء اسرائيل مفادها أن " هذه الدولة بالإمكان ابتزازها وتركيعها ". من ناحيته اعتبر عاموس هارئيل المعلق العسكري في صحيفة " هارتس " أن الصفة ستمس بصدقية الخطاب الصادر عن قادة الحكومات الاسرائيلية، بحيث لا يمكن لإعداء اسرائيل التعامل بجدية مع هذا الخطاب. وفي مقال نشره اليوم في الصحيفة أعاد هارئيل للأذهان التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت في الثاني عشر من تموز عند اندلاع حرب لبنان الثانية والتي وعد فيها الجمهور الاسرائيلي بأن إسرائيل " لن تخضع لقوى الارهاب ولن توافق على اجراء مفاوضات معها بشأن استعادة الجنديين الاسرائيليين الذين اختطفهما حزب الله عشية الحرب ". واشار هارئيل الى ان الصفقة تؤكد للعالم العربي أن قوة اسرائيل محدودة رغم تفوقها النوعي والعسكري. وفي المقابل أكد هارئيل أن الصفقة تؤكد صدقية الخطاب الذي يتبناه زعيم حزب الله الشيخ حسن نصر الله، مشيراً الى أن نصر الله نظر في أعين اللبنانيين اكثر من مرة وقال بصوت واثق وجلي " اعدكم بتحرير سمير قنطار وكان له ما وعد .
تهديد لحياة الاسرى
من ناحيته اعتبر وزير القضاء الإسرائيلي الاسبق يوسي بيلين أن الصفقة خطيرة جداً لأنها تهدد حياة أي جندي إسرائيلي يقع في الأسر. وفي مقال نشرته صحيفة " يديعوت أحرنوت " اليوم قال بيلين " عندما " يعلم اعداؤنا أن اسرائيل ستدفع نفس الثمن لقاء الجنود الاسرى سواءاً كانوا احياءاً أو أموات، فأن هذا سيشجعهم على قتلهم وبعد ذلك مبادلة جثثهم بمعتقلين فلسطينيين وعرب احياء ". - المساعد الشخصي الرقمي............................
مشاهدة النسخة كاملة : عزيمة البطل سمير القنطار لن تلين أو تستك
سليم حجار
08-21-2008, 09:12
عزيمة البطل سمير القنطار لن تلين أو تستكين
ما يفعله الصقور والمحافظين الجدد وحكام إسرائيل دليل على أنهم عصابات إجرام وإرهاب وقتل وتدمير.
وأكثر ما يحز في النفس, رؤية أحدهم رجلا كان أم امرأة, أن يكون له قرينة أو قرين يجمعهما أسرة أو بيت. فالحياة مع أمثال هؤلاء انتحار, وأشبه بمن يهجر حياة الكرامة والشرف والعز ليحيا حياة قوامها الذل والمهانة.
فحديثهم مقيت, وكلامهم ثرثرة, وابتسامتهم صفراء تقزز النفس, ومنطقهم أعوج, وأفعالهم يخجل من أن يقترفها طفل وليد, لصغر سنه, مازال غير بقادر على التمييز بين قطعة الجمر الملتهبة وبلح أشجار النخيل.
وكم هؤلاء الرموز مجرمين وتافهين, حين حكموا على الفتى سمير القنطار وهو بعمر الورود,وسنه لم تكمل السادسة عشر عاما, ولم يبلغ بعد سن الحلم, بالسجن بمدد تصل لخمسة قرون, ونظموا له إضبارة أو ملف برقم 578/79 سري للغاية.وهو لصغر سنه لا يدرك معانيها, وتركوه حبيس الزنزانة , يملئون نهاره وليله بكافة صنوف القهر والجور والتعذيب. و تركوا أسرته نهبا للحزن والغم, وهي لا تعرف شيئا مما يعانيه فتاها الصغير.
وكم هؤلاء وحوش ضارية, حين لا يروي غليلهم إلا أن يسجنوا مئات الألوف من العرب والفلسطينيين والمسلمين, ويشبعون نهمهم العدواني والوحشي بإذاقة المعتقلين كل صنوف التعذيب التي يندى لها الجبين. وكم هم حمقى وأغبياء, حين تناسوا أو جهلوا وفاتهم, أنهم بمثل هذه الأفعال الإرهابية القبيحة والآثمة والخسيسة, دفعوا فتية وأطفال عرب وغير عرب ومسلمين ومسيحيين بعمر الورود, كالشهيدة دلال المغربي والشهيدة ثناء محيدلي, والبطل سمير القنطار وغيرهم الكثير, وكثير منهم لم يبلغ بعد سن الحلم أو سن الرشد,لأن يتطوعوا دفاعا عن وطنهم لبنان أو فلسطين أو العراق. بعد أن احتلت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978م, وأتبعته بعدوانها عامي 1982م وعام 2006م, وراح جنودها يتفننون بقتلهم اللبنانيين والفلسطينيين. ثم باصطيادها الآباء والأبناء والأمهات بقنابل وصواريخ الطائرات. وبحصارها للضفة وقطاع غزة. بحيث لم تبقى أسرة فلسطينية إلا وفيها شهيد وأسير أو معوق.وكذلك ما تمارسه القوات الأمريكية وحلفائها من إجرام وإرهاب , ومنهمكين في تطويره ليكون أكثر إجراما وإرهابا وإذلالا لم يتوصل إليه احد من بعد. وحتى أنهم راحوا يتحالفون مع عصابات المرتزقة والإجرام والإرهاب, لزهق أرواح أكثر من أبنائه ونسائه و كبار السن الأبرياء والعزل من السلاح. مما تسبب بقتل وموت أكثر من مليوني طفل عراقي, وأكثر من مليون ونصف عراقي. ناهيك عن ملايين المهجرين والمشردين من الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين. إضافة لمئات الآلاف من أسر يتموا أطفالها, بقتلهم الآباء أو الأمهات, أو الإثنان معا, وحتى الأوصياء. أو زجهم بسجون ومعتقلات موزعة في كل أرجاء المعمورة.
وكم هو مؤسف ومحزن ومخجل, حين نرى الشرعية الدولية والأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني ولجان حقوق الإنسان, لا تحرك ساكنا. وتهمل حقوق هؤلاء, و يغضون الطرف عن ما هو مسطر في مواثيقهم. أو لا يجرؤن حتى على محاسبة مثل هؤلاء الأوغاد على جرائمهم الإرهابية والإجرامية. فالشرعية وهذه المنظمات مطالبون بتكريم هؤلاء الفتية والصبايا والأطفال أولا.ومن ثم محاسبة هؤلاء الرموز الإجرامية رسميين وغير رسميين ومؤسسات وأفراد. لأنهم هم من يتحملون كامل المسئولية,عن اندفاع هؤلاء الأبطال بصدق وبراءة وإخلاص,لمقاومة هذا العدوان والإرهاب والإجرام, دفاعا عن الإنسانية جمعاء, وزودا عن حمى الأهل والأسرة والأوطان. ولو أن هذه المنظمات الدولية والإقليمية, ومعهم الأنظمة والحكومات, الذين يتشدقون بالتمسك والدفاع عن الشرعية والديمقراطية والحرية والعدالة والتحضر كما يدعون. لسارعوا إلى تكريم هؤلاء الشهداء والأبطال , ولمنحوهم شهادات تقدير,وأسمى النياشين والأوسمة على تضحيتهم بالنفس, والجود بالروح والدم, أو بشبابهم ليحظوا بالشهادة, أو ليقضوا جل حياتهم الدنيا في الأسر. يكتوون بنار السجون, وسعير المعتقلات دفاعا عن الإنسانية. ولو أنهم كما يدعون يدافعون عن حقوق الإنسان وحق الطفل والحرية والديمقراطية. لرفعوا الصوت عاليا , واتخذوا الإجراءات القانونية لزج المجرمين والقتلة والإرهابيين في السجون, وجرجوهم للمثول أمام محكم جرائم الإنسانية وجرائم الحروب , أو المحكمة الدولية على أقل تقدير. لأنهم بأعمالهم الإجرامية, هم من حرضوا ودفعوا بهؤلاء الشباب من فتيان وفتيات وأطفال لسلوك دروب المقاومة والجهاد والعمليات الإستشهادية. فهؤلاء الشهداء والأسرى والمعتقلون الأبطال الذين ضحوا بالغالي والنفيس دفاعا عن الأوطان هم من يستحقون التكريم, ويستحقون أن تزين صورهم وأحاديثهم محطات المذياع وشاشات التلفزة, ويمنحوا الشهادات الفخرية من الجامعات, ويقلدوا كل نيشان وسام ووشاح. لأنهم سطروا ملاحم الشرف والبطولة والكرامة والعز, غير آبهين بجاه أو سلطة أو مال. وكل همهم إرضاء الله رب العباد,وأن تحيا أوطانهم وشعوبهم بحرية وكرامة وعز وفخار, وأن تبقى الإنسانية بأمان. ولا يسعنا في هذا المجال إلا أن نتوجه بالشكر للبنان الشعبي والرسمي, وللرئيس ميشال سليمان وحزب الله, ولسوريا قيادة ومواطنين, على حسن استقبالهم للأسرى وجثامين الشهداء. مع شكرنا لكل عربي وغير عربي وطني وحر في شتى أرجاء المعمورة على فرحته الغامرة بهذا التحرير والانتصار. مع تقديرنا لسماحة السيد حسن نصر الله على جهوده في تحرير الأسرى,وعلى رأسهم عميد الأسرى سمير القنطار, وإعادته لجثامين الشهداء إلى ذويهم بعد طول غياب. فهو من أحيا آمال الشعوب التي تعاني القهر والاضطهاد, وذكرهم بأن نصر الله قريب . وهذا ما وعدهم به الله العلي العظيم, والله لا يخلف الميعاد.فتحرير الأسرى يحمل من المعاني ما يعجز عن وصفها القلم واللسان. ومنها على سبيل المثال:
قهر إرادة الغاصب والمحتل: فعقب عملية أسر الجنديين الإسرائيليين, عقد السيد حسن نصر الله مؤتمرا صحفيا بتاريخ 13/7/2006م قال فيه, الأسرى الموجودين لدينا لن يعودوا إلى الديار إلا بوسيلة وحيدة تفاوض غير مباشر وتبادل. ولا يمكن لأحد في هذا الكون أن يردهم إلى ديارهم إلا بالتفاوض غير المباشر والتبادل, وإذا فكر الإسرائيلي بأي عمل عسكري هدفه إستعادة الأسيرين فهو واهم واهم واهم حتى ينقطع النفس. وجرب أولمرت وجنرالاته إسترادهم بعدوان وحرب 2006م, فحاقت بهم الهزيمة والخزي والعار, وتبين للإسرائيليين ولأنفسهم بأنهم كانوا واهمين. ورضخوا لكل كلمة قالها السيد حسن نصر الله في مؤتمره الصحفي, وأنصاعوا لجميع شروطه مرغمين.
عزم حزب الله والمقاومة اللبنانية على فل عزيمة أعدائه ولو كانت بقساوة الحديد: فلم تفلح تهديداتالادارة الأميركية والأنظمة الحليفة لها. ولا صبيانية بعض أعضاء مجلس الأمن الدولي في إجبار حزب الله على إطلاق سراح الجنديين, واضطرت حكومة أولمرت أن تقلع شوكها بيديها, والقناعة لديها أن الوقت تغيير وسيتغير أكثر وأكثر, ولن يعد بعد اليوم في صالحها. وأن دعم حلفائها و الادارة الأميركية, لن يكون بعد الآن أكثر من صخب وضجيج أطفال الشارع حين يمارسون لهوهم في الأزقة.
وتحرير سمير القنطار جاء صفعة لكل من عقد معاهدات سلام مع إسرائيل: فلبنان حرر أسراه وطوى هذه الصفحة مع العدو الصهيوني , بينما لم تفلح هذه الأنظمة في حل هذا الموضوع مع إسرائيل. رغم ما وقع فيما بينهم من معاهدات واتفاقيات ,وإقامة علاقات دبلوماسية وتبادل سفراء وتطبيع وزيارات.
ويوم الرضوان دحض كل إتهام يفبركه الخونة والعملاء ضد حزب الله: فحزب الله حرر أسرى عرب وغير عرب مع أسراه من اللبنانيين. ومعظمهم من أحزاب وتنظيمات أخرى لا علاقة لها بحزب الله.
وفي يوم الرضوان هرولت الموالاة لتسبق المعارضة في استقبال الأسرى المحررون. وبذلك اجتمعت قوى الموالاة والمعارضة وتلاقت وتبادلت أطراف الحديث بعد قطيعة دامت أكثر من ثلاثة أعوام. وهذا إقرار ممن يعادي قوى المقاومة بأنه خاطئ في فهمه ونهجه وسلوكه, وعاق لوطنه, وضال أو مضلل على ما سار أو يسير عليه. فالمقاومة وسلاحها عامل قوة وحوار, وشرط للحفاظ على الهوية الوطنية.
وفي يوم الرضوان سقطت كثير من المقولات : حيث ثبت أن قوة لبنان في مقاومته لا في ضعفه, وضمان استقلال لبنان بالحفاظ على مقاومته لا بالتحالف مع القوى الكبرى والتكتلات الدولية والإقليمية. وتحرير الأسرى وتراب الوطن, يتم بجهود فصائل المقاومة, لا بانتظار صدور قرارات دولية لن تسمح الإدارات الأمريكية وقوى الاستعمار لها أن ترى النور, والعلاقات المميزة مع سوريا إنما هي تعبيرا عن أواصر القربى ووشائج الرحم بين المواطنين في كل من البلدين. ودور ومستقبل لبنان إنما يتحدد من خلال انصهار لبنان في محيطه, والتفاف بنيه حول فصائل المقاومة الوطنية, لا إلى ما يلجأ إليه البعض, من جثوا على أقدام المستعمرين والغزاة بذل ما بعده ذل. فالنفس البشرية طبعت على احترام وتقدير الرجال والأبطال والشجعان, والاستهزاء بالجبناء وأنصاف الرجال.واحترام دولة ما يكون بمدى عزيمة ونضال جماهيرها على صون وحدتها الوطنية واستقلال وطنها, وتنمية روح النضال والمقاومة والصمود في نفوس الأبناء لا على تسول المنح والقروض والمساعدات.
وفي يوم الرضوان ترسخت قناعة بأن المقاومة هي الأمل والخلاص: ففي هذا اليوم ثبت بأن ما حققته المقاومة عجزت عن تحقيقه الأنظمة والحكومات وأمول النفط وجامعة عمرو موسى, والعلاقات الحميمية لبعض الدول العربية والإسلامية مع الادارة الأمريكية,وعلاقتهم العلنية والخفية مع إسرائيل.
وفي هذا اليوم دخل العدو الصهيوني بمجتمعه وحكومته ومؤسساته وحتى مع حلفائه بمهاترات: حيث بات المراقب يلحظ بوضوح حجم الشروخ والتصدعات التي سببتها هزيمة إسرائيل عام 2006م للمجتمع الإسرائيلي, ولكافة بنى ومؤسسات الكيان الصهيوني, وحجم الشقاق والخلاف بين إسرائيل وحلفائها, بما فيهم حليفتها الإستراتيجية. والتي جهد العدو الصهيوني وحلفائه على إخفائها والتستر عليها. والتي راحت تكشفها التصريحات .والتي يلقي كل منهم فيها باللوم على الآخر.وباتوا كمجانين في حمام قطع عنه الماء. فهذا يعتبر إطلاق سراح سمير القنطار خطأ وجريمة, وذاك يعتبرها هزيمة, و آخر يرى فيه انتصار. وكلهم يصبون جام غضبهم على حزب الله وسمير القنطار. وهذا بعض منها:
فالرئيس شمعون بيريز يقول: أن الانتصار المعنوي الكبير هو لإسرائيل. في حين يكذبه الآخرون ومنهم أريئيل أتياس حين قال: أنه يوم حزين وقاس للأمة الإسرائيلية. ويؤيده في ذلك تساحي هانفبي رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست حين قال: ليس من بلد في العالم يجيز استبدال الإرهابيين بالجثث,إنه نذير ضعف من جهتنا, وكشفت عن ضعف القيادات الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي.
والناطق الرسمي لأولمرت مارك ريغيف يقول: سمير القنطار قاتل أطفال همجي وكل من يحتفل به كبطل يدوس الأخلاقيات الإنسانية الأساسية. بينما يتجاهل عشرات الألوف من أطفال فلسطين ولبنان وسوريا ومصر, والذين سحقتهم طائرات وقنابل وصواريخ بلاده وقنابلها العنقودية, ناهيك عن مجازر آبائه وأقرانه في فلسطين من عام 1948م وحتى الآن. ومنها مجازر دير ياسين وقانا 1 وقانا 2 ومدن الضفة وغزة ومخيم جنين, والقائمة نطول.
وأسحق هرتزوغ وزير الشؤون الاجتماعية يقول :احتفالات لبنان بعودة قاتل حقير سحق جمجمة فتاة في الرابعة ,يكشف الفارق في القيم بين إسرائيل ولبنان. بينما يتجاهل أن إسرائيل هي من تكرم القتلة والمجرمين وتنصبهم وزراء ورؤساء دولة وحكومة, كبيرس وشامير ودايان وشارون وباراك وموفاز. وأن الحقراء هم حكام إسرائيل الملطخ تاريخهم بالدماء.
وجدعون عزرا وزير البيئة يقول: آمل أن يدرك العالم طبيعة العدو الذي نتعامل معه,إنه عدو وحشي يعذب عائلات جنودنا , ولكن علينا إعادتهم إلى الوطن أيا يكن الثمن, وهذا ما فعلناه. وهذا الإرهابي يتجاهل كم خربت بلاده بيئة الأراضي العربية باعتداءاتها الهمجية والتي استخدمت فيها الأسلحة المحرمة, وكم عانت الأسر العربية من همجية كيانه الصهيوني والتي جميعها جرائم حرب وأعمال إرهابية.
وبنيامين نتنياهو يدلي بدلوه ويقول: ويل لشعب تحتفل عصابات فيه بإطلاق سراح قاتل. وهذا الإرهابي يتجاهل ما فعلته عصابة أرسلها بأمر منه لاغتيال خالد مشعل في عمان.
وحاخام كريات موتسكين ديفيد دور كمان بعدما التقى أسرة وذوي ريغيف في منزلهم قال: أنه اليوم الأكثر سواد, لا أتمنى ذلك لألد أعدائي,إنها نهاية مأسوية.وكم هو هذا الحاخام منافق وكذاب ودجال ,وهو يعلم أن ما تقوم به حكومته من إجرام وإرهاب بات على كل شفة ولسان.
وعامي أيالون وزير دولة في حكومة أولمرت يقول: أنه يوم حزين لكل البلاد ,لكن استعادة رفات الجنديين تثير ارتياحا لدينا,إنها مسؤوليتنا الأخلاقية حيال الجنود الذين نرسلهم للقتال.
ووزير الحرب باراك, قال في تشييع الجنديين إيهود غولد فاسر والدادا ريغيف: إسرائيل تشعر بحسرة بالغة ودفعت ثمنا فادحا بإفراجها عن خمسة مقاتلين شاركوا في هجمات قاتلة على إسرائيليين في مقابل جثتين أعيدتا في نعشين أسودين . وقال أيضا : هذا هو الزمان والمكان للقول إننا لم ولن نتوقف في المستقبل أيضا عن بذل جهود من أجل إعادة جلعاد شاليط سالما معافى إلى البلاد. وهذا المجرم يتباهى بأنه قتل من العرب أكثر من غيره.
وعاموس جلعاد رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع يقول: الاستخبارات الإسرائيلية قامت بعمل رائع ,ولكن توجب إقرار الصفقة لإقناع عائلتي الجنديين الأسيرين بأنهما ميتان. ويتجاهل هذا الأحمق والمجرم أن عشرات الآلاف من العائلات العربية, مازالت تجهل مصير أبنائها المعتقلين أو المختطفين من قبل جنوده وأجهزة أمنه المجرمون.
وفي هذا اليوم افتضح الدور المشبوه لليبراليين وبعض الأنظمة وفصائل المعارضة والموالاة: وخاصة حين تعمدوا عدم تغطية عملية إطلاق الأسرى في وسائط الإعلام. كي لا يجرحوا مشاعر الإسرائيليين والمحافظين الجدد وإدارة الرئيس جورج بوش وصقورها. أو حين استمروا في عهرهم بمهاجمة سلاح حزب الله وفصائل المقاومة. أو حين يؤولون الحدث على انه صفقة مشبوهة مع إيران. وكم هو مكر وخديعة ونفاق حين يحصرون دفاعهم عن الخونة والعملاء, بعد أن يلحقوا معهم من هو معتقل من سلطات بلاده للتمويه والخداع, ولا يشملون من تعتقلهم إسرائيل والإدارة الأمريكية وقوى الاستعمار.
وهذا اليوم المجيد هو من أجبر إسرائيل على إطلاق سراح بعض الأسرى والمعتقلين : فإسرائيل باتت هي ومحمود عباس والأنظمة التي وقعت معها اتفاقيات سلام في حرج كبير. وخاصة حين أهملت هذه الأنظمة وأبو مازن موضوع الأسرى والمعتقلين وجثامين الشهداء. ولحفظ ماء وجه هؤلاء, قررت إسرائيل أن تطلق سراح عدد ضئيل. والفضل حتى في ذلك للسيد حسن نصر الله حفظه الله ورعاه.عندما ألتحق البطل سمير القنطار عميد الأسرى بمنظمة فدائية فلسطينية كان عمره لا يتجاوز الرابعة عشر من عمره. وحين قرر أن يشارك بعملية أسمها جمال عبد الناصر للإنتقام من عدو صهيوني داس كل المحرمات, لم يكن سمير قد أتم السادسة عشرة من عمره, وكان قد مر على وفاة الرئيس جمل عبد الناصر ثماني سنوات. وحين استشهدت عروس الجنوب سناء محيدلي بتاريخ 9/5/1985م لم تكن قد تجاوزت السابعة عشر ربيعا من العمر, فولادتها كما هو مدون في السجلات الرسمية ,صيدا 14/8/1985م. لكن هؤلاء الأبطال اكتووا بنار العدوان الإسرائيلي, والعهر الأميركي , وازدواجية المعايير, والإرهاب المبرمج لآلتي الحرب الأميركية والإسرائيلية. ثم الأسير هاني بدوي جابر الذي اعتقلته إسرائيل عام 1985م وعمره 22 عام وزوجته حامل, وحكمت عليه بالمؤبد بجرم انتمائه لحركة الجهاد الإسلامي . وولدت زوجته بنتا , وتزوجت البنت وهي لا تعرف أباها إلا من خلال الصورة فقط. ثم من ينسى الشهيدة دلال المغربي وغالية فرحات , والأسير يحيى سكاف؟ ولا حاجة لذكر باقي المعتقلين الذين يربوا عددهم حاليا عن ال12000 أسير ومعتقل وبعض منهم أطفال رضع وخدج. ناهيك عن مئات الألوف من المعتقلين في العراق, وأكثر من مليون عراقي قتلوا على أيدي قوات الاحتلال الأمريكي.
حين نفذ المقاومون الأبطال كسمير القنطار ورفاقه عملياتهم الفدائية, كان لبنان منقسم إلى قسمان يتناحران ويتحاوران بالسلاح والنار. قسم يعتبر الوجود الفلسطيني وسلاحه خطر عليه, وأنه سلاح غير لبناني .وقسم يصر على عروبة لبنان ويقف مع المقاومة الفلسطينية لتحرير فلسطين والمسجد الأقصى ثاني القبلتين.
وحين حررا من أسرهما وجدا لبنان منقسم أيضا إلى قسمان: معارضة وموالاة. قسم يعيد تكرار وتقمص دور الانعزاليين الأول وعلى نحو أسوأ, حين راح يعتبر حتى سلاح المقاومة اللبنانية و حزب الله خطر عليه, ويطالب بتفكيكها ونزع سلاحها, وهذا القسم يضم زعماء ورموز نفس القسم الأول الذي أشعل الحرب الأهلية وراح يقتل على الهوية ويخرب ويدمر لبنان بحجة حماية أستقلال لبنان ووحدة أراضيه. وقسم يعتبر المقاومة ضرورية لحماية لبنان والحفاظ على عروبة واستقلال لبنان وحمايته من مطامع الأعداء. مع فارق واحد في الحالة الثانية, أن القسمين اتفقا وشاركا معا وتوحدا على استقبال وتكريم الأسرى وأستقبال الجثامين الطاهرة واحترام وطنيتهم بحفاوة قل لها نظير. ليشاركوا العرب واللبنانيين والأحرار فرحة هذا العرس الكبير. وتكريم الجميع وخاصة البطل عميد الأسرى سمير القنطار وصحبه الكرام الميامين. وهذه إدانة لفريق الموالاة من نفس فريق الموالاةحين صفق مع العالم والعرب مسيحيين ومسلمين ومختلف الأعراق والجنسيات والقوميات. لقوى المقاومة ولحزب الله, على تحريرهم جنوب لبنان وهزيمة إسرائيل, وتحرير الأسرى وجثامين الشهداء الأبرار والأطهار.
مهما قيل وسيقال عن هذا اليوم المجيد فإننا نلخص باختصار ما بدا جليا لكل عين لم تصاب بالعمى أو الرمد:
استطاعت قوى المقاومة الوطنية المدعومة من سوريا بفضل نضال نصف قرن, أن تفكك إسرائيل, وتدحر جيشها , وتدفع بالمجتمع الإسرائيلي إلى أزمة عميقة ومستعصية الحل.
واستطاعت قوى المقاومة أن تستنهض الشعب العربي وبقية الشعوب والوطنيين والأحرار لرفع وتيرة النضال, والاستمرار بالمقاومة, وأعتبارها الطريق والحل لما تعانيه الشعوب.
ويلاحظ التفاف الأحرار والوطنيين والعرب حول المقاومة بوتيرة أكبر بكثير من ذي قبل.
وافتضح الدور المشبوه لبعض الأنظمة والقوى, والتي تصر على نزع سلاح المقاومة.
وأن صمود سوريا وفصائل المقاومة, أسقط المشروع الأمريكي , وسقط معه بوش وأولمرت. وكم هو سمير القنطار بطل ومناضل كبير. وهو يصر رغم ما عاناه من بطش العدو الصهيوني, على أن يستمر في النضال والمقاومة ضد العدو الصهيوني حتى تحرير كامل التراب اللبناني, وإحقاق الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.أو أن يظفر بالشهادة وهو راض عن نهجه, وربه عنه راض. فثلاثون عاما من السجن والتعذيب, لم تهن في عزيمته, ولم تزحزحه قيد أنملة عن إيمانه بسلوك درب المقاومة والنضال, حتى تحرير كامل الأرض المغتصبة والانتصار لبني جلدته الذين سامهم العدو سوء العذاب. ويؤكد على أن سوريا بشعبها وقيادتها كانت ومازالت الحاضن والحامي لقوى المقاومة الوطنية, والملاذ لكل الأحرار والوطنيين.فالعدو لا يفهم سوى لغة القوة. وتحرير الأرض والحفاظ على الوحدة الوطنية والاستقلال لا يكون إلا بالمقاومة. وأن من يقول غير ذلك, فهو إما مخطأ وضال, أو خائن وعميل. والرئيس جمال عبد الناصر الذي ودعنا وودعناه. لكن أرثه الغني باق وسوف يبقى. وأنه لن ينسى كيف أن سجانيه دفنوا قطة وهي حية, وكل جريمتها أن الأسرى العرب في السجن كانوا يتبادلون الرسائل من خلالها.فالمقاومة ليست مهنة, ولاهي ترف, ولا هي فلسفة موت وأنتحار. وإنما هي مناعة شعب ضد مختلف الأخطار, كما هي المناعة التي حباها الله لجسم الإنسان ضد مختلف الأوبئة والأمراض. وكم هو غبي وأحمق ذاك الذي يسعى لهتك هذه المناعة أو إلغائها ,لأنه يراها خطرا عليه!!!!!
وكم هو مبدع وفيلسوف ومؤمن البطل سمير القنطار حين ودعنا وهو مازال على مقاعد الدراسة في مدرسة بلدته, ليلتحق بالمقاومة ولم يكمل دراسته بعد. وعاد إلينا بعد غياب ثلاثون عاما, وقد أتم تحصيله الجامعي في مدارس ومعاهد وجامعات العدو, وهو أكثر إيمانا وعزما على سلوك نهج المقاومة رغم كل الأخطار.
الخميس: 21/ 8/2008م العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
بريد الإلكتروني: burhank45@yahoo.com
bkburhan@maktoob.com
bkriem@gmail.com - نظمت جبهة التحرير
الفلسطينية والجمعية اللبنانية للاسرى والمحررين احتفال تضامني مع الأسرى ،
لمناسبة يوم الأسير الفلسطيني والعربي والذكرى الثلاثين لاعتقال عميد
الاسرى العرب في منتدى الفكر والادب في صور .
وشارك في الاحتفال، رئيس اتحاد بلديات صور الاستاذ ابو ظافر الحسيني ، رئيس منتدى الفكر والادب الدكتور غسان فران ، رئيس الجمعية اللبنانية للاسرى والمحررين الشيخ عطالله حمود ، عضو اللجنة المركزية لجبهة التحرير الفلسطينية ابو اسامة ، عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني ابو فراس ايوب ، عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ابو العبد الراشدي ، فقضلية الشيخ سعيد قاسم رئيس الهيئة الاسلامية الفلسطينية للرعاية والارشاد ،وفد من قيادة حزب الله، وممثلي عن الجبهة الديمقراطية وجبهة التحرير العربية وجبهة النضال الشعبي وحزب الشعب وحركة فتح وجمعية المشاريع الخيرية الاسلامية والحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي اللبناني وحشد من الشخصيات والفعاليات اللبنانية والفلسطينية ، وبعد الوقوف دقيقة صمت اجلالا واكبارا على ارواح الشهداء .
ـ وقد رحبت بالحضور امينة سر المكتب الطلابي نيفين جمعة ، حيث اشادت بصمود الاسرى والنعتقلين الابطال في سجون الاحتلال الصهيوني وعلى رأسهم عميد الاسرى قائد عملية جمال عبد الناصر سمير القنطار ، واكدت على اهمية المناسبة كونها تأتي متزامنة مع ذكرى انطلاقة جبهة التحرير الفلسطينية التي قادها المؤسس الشهيد القائد ابو العباس، وقالت كان هناك كلمة الاحزاب لعضو المجلس الوطني للحزب الشيوعي اللبناني كامل حيدر ولكن اثر حادث مؤسف تعرض له وادخل الى المستشفى فاننا نتمنى له الشفاء العاجل ، حيث حيا في كلمته التي ارسلها عميد الاسرى العرب سمير القنطار وكافة الاسرى وتوجه بالتحية لجبهة التحرير الفلسطينية وامينها العام الدكتور واصل ابو يوسف وقيادة الجبهة بمناسبة اليوم الوطني .
ـ والقى كلمة منتدى الفكر والادب امين سره الاستاذ عدنان يعقوب فرحب باسم المنتدى بالحضور مشيدا بتضحيات الشعب الفلسطيني ونضاله وحيا صمود الاسرى والمعتقلين وفي طليعتهم عميد الاسرى سمير القنطار ، مطالبا المجتمع الدولي وكل الاحرار والشرفاء بالتحرك من اجل اطلاق سراحهم ، وقال يجب ان نتوجه الى اجيالنا لتعميم ثقلفة المقاومة ، واشاد بدور الجمعية اللبنانية للاسرى والمحررين وهنأ جبهة التحرير الفلسطينية بذكرى انطلاقتها .
ـ كذلك القى فضيلة الشيخ سعيد قاسم كلمة الهيئة الاسلامية الفلسطينية للرعايا والارشاد فتحدث عن علاقته بسمير القنطار ، وتمنى للاسرى الفرج القريب ، وقال ان الاسرى يحملون هموم الوطن والامة العربية والاسلامية ، فألاسر رسالة نضالية وثورية يستمد منها حقنا باستمرار النضال حتى تحرير ارض فلسطين ، واشار الى ان العدو الصهيوني يحاول دائما تشويه صورة النضال الوطني الفلسطيني .
ـ كما القى كلمة منظمة التحرير الفلسطينية ابو العبد الراشدي عضو اللجنة المركزية لفرع لبنان للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، استهلها بتوجيه التحية لعميد الاسرى العرب سمير القنطار ورفيق دربه الامين العام للجبهة الشعبية احمد سعدات وكل الاسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني ، واضاف هنالك احدى عشر الف اسير في المعتقلات وجوه تضيئ سماء الوطن ، واشار ان الشعب الفلسطيني يشكل اسطورة تاريخية ، وشدد على الوحدة الوطنية الفلسطينية وهي الضمانة الوحيدة للحفاظ على انجازات شعبنا ، وقال ان الشعب الفلسطيني في لبنان لا ولن يقبل التوطين بل متمسكا بحق العودة ، واضاف لن نراهن على احد بل على شعوبنا التي تتحدى وتواجه كافة المشاريع ، وهنأ جبهة التحرير الفلسطينية في ذكرى انطلاقتها المجيدة كفصيلا وطنيا مكافحا .
ـ والقى رئيس الجمعية اللبنانية للاسرى والمحررين "الشيخ عطالله حمود "قال فيها بداية لا بد ان احي كل المناضلين والشهداء وعلى رأسهم الشهيد القائد الاخ ابو العباس ، كما يسعدني ان انقل لكم جميعا وللاخوة في جبهة التحرير الفلسطينية في الداخل والخارج تحيات قيادة حزب الله والمقاومين وعوائل الاسرى ، واشار ان العدو المتغطرس لم يتعلم بعد .. وبأن الشعب الفلسطيني لن يركع وان الاسرى قد عرفوا هذا العدو وعلموه ان مجاهدينا واسرانا هم الاحرار لانهم اصحاب حق وارداة ، وقال في هذا اليوم نقف امام احدى عشرة الف اسير فلسطيني وعربي حيث نرى مجاهدون يربطون بطونهم الخاوية ، يعضون على الجراح ، ينتفضون بوجه الجلاد ، يصرخون بوجه الطاغية ، بوجه الغاصب للارض والكرامات ، يتحدون بإرادتهم الموت والمحتل ، ودعا الى صيانة الوحدة الوطنية الفلسطينية ، وعاهد في ختام كلمته الاسرى بان تبقة قضيتهم من الاولويات عن المقاومة حتى تحريرهم .
ـ وفي ختام الاحتفال القى كلمة جبهة التحرير الفلسطينية عضو قيادتها في لبنان ابو نزار معتوق فنقل تحيات الامين العام للجبهة الدكتور واصل ابو يوسف ونائب الامين العام ا ناظم اليوسف واللجنة المركزية وتقدم بالشكر للحضور على تلبية الدعوة لاحياء حفل التضامن مع اسرى الحرية والمقاومة في سجون الاحتلال الصهيوني وعلى رأسهم الرفيق المناضل القائد سمير القنطار عضو اللجنة المركزية لجبهتنا على شرف مناسبة اليوم الوطني لجبهة التحرير الفلسطينية ، وقال إننا في جبهة التحرير الفلسطينية نؤكد للأسرى أنهم في قلوبنا هذه وقفة وفاء للأسرى والشهداء الذين ضحوا بكل شيء وصمدوا وكانوا عنواناً للصمود الذين تخلوا عن الحرية بمحض اختيارهم ، هؤلاء يستحقون منا الوفاء والتضامن، وقال ان انطلاقة جبهة التحرير الفلسطينية حملت العديد من المعاني وراكمت عبر مسيرتها تجارب غنية فيها العديد من المزايا وهي كانت وما زالت حارسة الوحدة الوطنية الفلسطينية والداعية إلى التمسك بالثوابت مهما اشتدت المؤامرات والعواصف ومهما كان حجم الهجمة الصهيونية الأمريكية على المنطقة ذلك لقناعتنا بأن صمود شعبنا أقوى من كل المؤامرات ، فرهاننا على المقاومة وقد علمتنا التجارب على مدى التاريخ أن المقاومة وكفاحها المشروع لا بد أن يحقق أهدافها في إنهاء الاحتلال ، واضاف نؤكد تمسكنا بالوحدة الوطنية وندعو الأخوة في حماس لتجاوز كل الإشكاليات التي ترسخ الانقسام وذلك من خلال التعاطي مع المبادرات الفلسطينية والعربية وانهاء الانقلاب والبدء في الحوار والعودة إلى ثوابتنا الوطنية وتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها لتضم كل القوى الوطنية والإسلامية ، واشار الى اهمية تعزيز العلاقات الفلسطينية اللبنانية وقال لا بد ان اتوقف امام النداء الذي وجهه أربع وأربعون شخصية مسيحية لبنانية تحت عنوان (نداء إلى الإخوة الفلسطينيين)، الذي يتضمن اعتذارا من هذه الشخصيات باسم قطاعات مسيحية لبنانية واسعة عما حصل لأبناء الشعب العربي الفلسطيني المقيمين في لبنان ،هذا موقف ايجابي رائع يعكس روح التسامح والإخوة المشتركة الفلسطينية - اللبنانية، ويؤكد أصالة الروابط العميقة بين الشعبين الشقيقين ، لا سيما وان العدو واحد للشعبين ولكل الشعوب العربية، فضلا عن أن النداء يرتقي إلى مستوى المسؤولية الوطنية والقومية ، ويفتح صفحة جديدة لعلاقات أخوية أعمق وأكثر رسوخا بين أبناء الشعبين،ونحن نعاهد الاشقاء في لبنان باننا سنبقى على مسافة واحدة من الجميع وما يهمنا هو وحدة واستقرار لبنان والخروج من محنته لاننا نعتبره سندا حقيقيا لفلسطين ، واكد على رفض الشعب الفلسطيني للتوطين وتمسكه بحق العودة ، كما اكد وقوف الجبهة الى جانب المقاومة المجاهدة بقيادة حزب الله هذه المقاومة التي حققت الانتصارات على ارض لبنان بمواجهة العدو الصهيوني وهزمت جيشه الذي لا يقهر - .......................
- موقع همسات حيفا* يسخر سمير القنطار من التحليلات التي رشحته ليلعب دورا سياسيا، ويقول انا مرشح لدور مقاوم ولا اكثر ولا اقل
* "اعلنت انني لم اخرج من سجون العدو في فلسطين المحتلة الا لأعود إليها، والعودة تعني الالتحـاق بالعمل المقاوم"
* لن أتأخر في مواجهتهم.. ويلمح انه بعد الانتهاء من استقبال المهنئين بعودته لن يعاود الظهور
أكد «عميد الأسرى المحررين» سمير القنطار انه ليس مرشحاً لدور سياسي بل لعمل مقاوم «لا اكثر ولا أقل»، واشار الى انه «بعد الانتهاء من استقبال المهنئين والاطلالات الاعلامية، «سأختفي عن الظهور».
واعتبر القنطار ان فلسطين هي القضية المركزية التي في رأيه تخلى عنها العرب، ويحاولون نسيانها ولا بد من ان تبقى ليس في الذاكرة فقط بل بالجهاد والنضال والمقاومة.
القنطار لا يرى الثلاثين عاما التي قضاها في سجون الاحتلال، انها سنوات نضال، بالرغم من مقارعته للسجان الاسرائيلي، فهو يعتبر اسره محطة من محطات النضال وليست النهاية.
القنطار أكد انـه اصبـح يعـي خطر المشروع الاسرائيلي اكثر من خلال السنوات التي قضاها في السجن، ومن اتصاله بضباط العدو ومعرفة ماذا يفكر الاسرائيلي، اضافة الى مطالعاته التي زادته ثقافة لأهمية مواجهة الخطر الصهيوني، وهو خرج من السجن اكثر واعمق ثقافة بالمقاومة، ويشدد، في كل المواقف والاراء التي طرحها، على هذا الموضوع.
فسمير الذي اصبح محاطا بحراس وليس بمرافقين من امن المقاومة، يشعر احيانا بتضييق حركته وتحركه، فهو خرج الى الحرية ويريد ان تفتح ابوابها امامه، لكن هذا العدو لا يؤتمن له، ويقدر سمير انه سيكون هدفا لاغتياله من قبل اسرائيل، التي لم تترك له فسحة من الوقت، فأرسلت فورا تهديدا له، وهو كان مدركا منذ خروجه من المعتقل، انه تسلم كتابا اسرائيليا باغتياله، فجاءت الاحتياطات الامنية من قبل المقاومة، لحفظ احد رموزها وعدم تركه لقمة سائغة امـام اسرائـيل وعملائـها لتصفيتـه.
لذلك فإن سمير الذي يبدو عليه الانزعاج احيانا من التدقيق الأمني، وهو يريد مخالطة الناس والتقرب منهم، واكثرهم يريد اخذ صورة معه، فإنه يعرف ان هذه الاجراءات هي من ضمن اعمال المقاومة ضد اسرائيل، التي اغتالت العديد من المناضلين.
ويسخر سمير القنطار من التحليلات التي رشحته ليلعب دورا سياسيا، ويقول انا مرشح لدور مقاوم ولا اكثر ولا اقل.
فأنا اعلنت انني لم اخرج من سجون العدو في فلسطين المحتلة الا لأعود إليها، والعودة تعني الالتحـاق بالعمل المقاوم.
هذا ما يشعرك به سمير عندما يتحدث عن انه ازداد اشتياقا لملاقاة العدو في معركة جديدة، ويعتبر ان قادة العدو بتهديداتهم فتحوا المعركة باكرا.
وانا لن أتأخر في مواجهتهم، يقول سمير، الذي يلمح انه بعد الانتهاء من استقبال المهنئين بعودته، وحفـلات التكـريم لـه، واطلالاته الاعلامية، لن يعود يظهر، دون ان يشيـر الى ماذا سيفعل، فهذه من أسرار المقاوم........................الشهيد القائد الحاج عماد مغنية (رضوان) كان له الدور الهام في عملية التفاوض غير المباشر مع العدو الاسرائيلي والتي أفضت إلى
التبادل الأخير للأسرى بين حزب الله والجانب الإسرائيلي.
حكاية تموز/يوليو 2006 بدأت بانجاز نوعي وانتهت بانتصار تاريخي، وبين الاثنين كان الحاج عماد يتنقل بعقله وجسده، ولباسه المموه. حركة أتقن مهندس العمليات العسكرية للمقاومة تحويلها إلى شبح خفي.
ويقول في هذا الاطار سمير القنطار، عميد الأسرى المحررين من السجون الإسرائيلية: "اول ما كنت اسمع عن الحاج عماد مغنية كان عبر ادبيات العدو الصهيوني ومما كتبه وما رواه وما تناولته الصحف هناك، لكن شخصياً وصلت الى قناعة في مراحل معينة ان الحاج عماد غير موجود، لانه لا يعقل ان يكون انسان بهذا الحجم وبهذا الوصف وهو لا يظهر، ولا احد يسمع عنه، وليست هناك من حركة واحدة تم رصدها بخصوصه".
باشر الوسيط الألماني غيرهارد كونراد إدارة التفاوض غير المباشر. لكنه لم يعلم أبداً أن بعض الجمل التي كان يتلقاها من قيادة حزب الله كانت تصاغ بيد الحاج عماد مغنية.
وفي هذا السياق يقول وفيق صفا، مسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق في حزب الله لقناة المنار: "الشهيد الحاج عماد كان واحداً اساسياً من المجموعة التي كانت تدير المفاوضات من اولها الى اخرها، من حيث المتابعة ومن حيث الملاحقة ومن حيث التصور في النقاشات وفي الافكار التي توصل الى الغاية".
يوم الرابع عشر من شهر شباط/فبراير عام 2008، سار مئات الآلاف خلف جثمان الشهيد مغنية في الضاحية الجنوبية لبيروت، ثلة قليلة فقط كانت تدرك حجم الميراث الذي خلفه الشهيد.
وقال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الاحتفال التأبيني الذي اقيم للحاج عماد مغنية قبيل ساعات من تشييعه: "لقد ترك لكم عماد مغنية خلفه عشرات الالاف من المقاتلين المدربين المجهزين الحاضرين للشهادة".
الرفاق اكملوا عملية التفاوض، وبعد خمسة أشهر من الشهادة كانت عملية الوعد الصادق تلاقي عميلة الرضوان، ومرة أخرى إنتصر الحاج عماد.
وفي هذا المجال يقول الحاج وفيق صفا للمنار: "عملية التبادل هي ثمرة لعملية الاسر، ومن الطبيعي ان الدور الجهادي للحاج عماد في عملية الاسر في حرب تموز كان واضحاً وجلياً للجميع. ومن الطبيعي ان تسمى هذه العملية بالرضوان نسبة الى اسم الحاج رضوان (رضوان الله عليه)".
من جهته يقول عميد الأسرى المحررين من السجون الإسرائيلية سمير القنطار: "على المستوى الشخصي له دور وفضل كبير وكبير في تحريري لانه وكما علمت بان المخطط والمشرف لعملية الوعد الصادق التي لولاها لما تحررت من الاسر ، وبالتالي فان الحاج عماد مغنية هو بالنسبة لي قائد واسطورة ومثل واتمنى وهذه امنية شخصية لي ان اتمكن من ان افي بعهدي ووعدي له ان اواصل هذا الدرب ، درب المقاومة الاسلامية ان شاء الله".
وهنا لابد من استذكار قول عميد الأسرى المحررين من السجون الإسرائيلية سمير القنطار في اليوم الاول لتحريره وامام الالاف من المحتشدين في ملعب الراية لاستقباله بعد تحريره حيث قال: "اننا يا حاج عماد لن نكون في مستوى دمائك ابداً الا في حالة واحدة ، اذا اجبرنا هذا العدو على الاشتياق الى ايامك".......................الخميس, 17 يوليو, 2008
سمير القنطار.. سوبر ستار المقاومةسمير القنطارسوبر ستار المقاومةإعداد: إياد الرجوبمكثت يوم الأربعاء الخالد في تاريخ المقاومة متسمرا امام شاشة التلفاز منذ الساعة الثامنة والنصف صباحا أترقب لحظات دخول البطل سمير القنطار الأراضي اللبنانية، وما إن أطل سمير ببزته العسكرية مع رفاقه وقد علا صوت الموسيقى المرحبة حتى وجدتني لأول مرة أصاب بقشعريرة فرح وفخر لشدة عظمة الموقف، فهذا بطلٌ حرّره بطلٌ يقودُ جيشا من الأبطال.
ولد سمير القنطار في العشرين من تموز عام 1962 في بلدة عبية الدرزية جنوب شرق بيروت. وفي عام 1980، حكم عليه بالسجن 542 عاما بعد ادانته بتهمة قتل ثلاثة إسرائيليين (شرطي ورجل وابنته) عام 1979 خلال عملية في مدينة نهاريا الفلسطينية المحتلة عام 1948.
ورغم كونه درزيا ولا ينتمي الى حزب الله، اصر التنظيم الشيعي على الافراج عنه محققا بعودته انتصارا اعلاميا وشعبيا يوم الأربعاء السادس عشر من تموز عام 2008 من خلال صفقة تبادل الأسرى التي أطلق عليها اسم "عملية الرضوان"، نسبة إلى القائد البطل الشهيد عماد مغنية الملقب بالحاج رضوان، وشملت الصفقة إطلاق سراح خمسة أسرى لبنانيين على رأسهم عميد الأسرى العرب سمير القنطار مقابل جنديين إسرائيليين أسرهما حزب الله قبل حرب لبنان في تموز 2006. وبموجب الاتفاق وهو الثامن من نوعه بين إسرائيل وحزب الله منذ عام 1991، تسلم إسرائيل أيضا رفات مئتي عربي استشهدوا في الحروب مع إسرائيل، بعد اخراج رفاتهم من"مقبرة المقاتلين".
وأعلن لبنان يوم التبادل عطلة رسمية في جميع أنحاء الجمهورية للترحيب بالأسرى اللبنانيين المحررين. وقال بيان أصدره رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة "تقفل جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة والخاصة والبلديات والمؤسسات التعليمية العامة والخاصة وذلك احتفالا بتحرير الأسرى من سجون العدو الإسرائيلي واستعادة جثامين الشهداء إلى تراب الوطن".
أما الأسرى الأربعة الباقون فهم ينتمون الى حزب الله وقد وقعوا في الاسر خلال الحرب التي شنتها اسرائيل في 12 تموز 2006، وأسماؤهم:
- ماهر كوراني: مواليد عام 1981 في بلدة ياطر في جنوب لبنان متزوج وله ولد في الثالثة تقريبا. اعتقله الجيش الاسرائيلي في 29 تموز/يوليو في بلدة شيحين الجنوبية.
- حسين سليمان: مواليد عام 1985 متحدر من منطقة بنت جبيل، شمال بيروت، أعزب كان يقيم مع والديه في الضاحية الجنوبية معقل حزب الله. اعتقلته القوات الاسرائيلية في الجنوب.
- محمد سرور: مواليد عام 1987. تلميذ أعزب يتحدر من بلدة عيتا الشعب الحدودية حيث دارت معارك شرسة خلال حرب عام 2006.
- خضر زيدان: يتحدر من بلدة المروانية في الجنوب وكان يقيم في الضاحية الجنوبية.وما لفت انتباه العالم أن هؤلاء الأبطال الخمسة، أصروا على ارتداء البزات العسكرية قبل إطلالتهم على الجماهير المحتشدة لاستقبالهم، وكأني بسمير القنطار يقول للإسرائيليين: أردتم أن تعاقبوني على مقاومتي لكم بسجني كل هذه السنين ظانين انكم تلقنونني درسا حتى أتراجع عن خطي المقاوم، وها أنا الذي ألقنكم الدرس وأقول إن عشرات السنين التي كبلتموني فيها لم تهز ذرة من إرادتي في المقاومة، وها أنا أرتدي لباس المقاومة لأواصل ما بدأته قبل ثلاثين عاما. وهذا ما عبر عنه قوله في ختام كلمته، إذ قال: "لن أقول المزيد، فقد خرجت لأعمل".وكان من ضمن الصفقة تحرير رفات الشهيدة الفلسطينية البطلة دلال المغربي التي قادت عام 1978 عملية كوماندوز داخل اسرائيل أسفرت عن قتل 36 إسرائيليا أغلبهم من العسكريين. ودلال هي الابنة الثانية في اسرة من سبعة ابناء، ولدت عام 1958 في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت وانتسبت الى حركة "فتح".
دلال المغربي في بزتها العسكرية قبيل تنفيذها عمليتها الفدائية في قلب الكيان الصهيوني
أيهود باراك وزير الحرب الإسرائيلي الحالي يتحقق من وفاة الشهيدة البطلة دلال بعد العملية الفدائية
يمكن أن نقول اليوم إن التاريخ سجل خروج لبنان كلها لاستقبال سمير قنطار ورفاقه، وشهد العالم كله على أبلغ الكلمات والجمل التي قيلت في هذا اليوم، وقد صدرت عن شخصيات اقترنت أقوالها بأفعالها، فقد قال هؤلاء:[img(370,259):d21f]http://www.news.gov.kw/files/images/hassannassrullah[1].jpg[/img:d21f]الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله: "لقد ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات".
والدة سمير القنطار: "دقيقة تختصر ثلاثين سنة من الانتظار، لم أفقد الأمل يوما".
[center]
والدة سمير القنطار بالتبني (أم جبر وشاح التي استقبلت المهنئين في بيتها بغزة): "فرحتي اليوم اكبر من فرحتي بالافراج عن ابني جبر رفيق درب البطل سمير القنطار"، وأضافت: "انه ابني مثله مثل جبر".
وهذه صورتها وهي تحمل صورة ابنها بالتبني سمير القنطار وتستقبل المهنئين في بيتها بغزة، ودرجت أمهات الاسرى الفلسطينيين على تبني رفاقهم العرب خاصة اللبنانيين وزيارتهم بشكل مستمر في السجن بسبب منع اسرائيل ذويهم من زيارتهم.
أما سمير القنطار نفسه فقد كانت كلمته كلها لافتة، وعندما كنت أسمع إليه ظننت في البداية أنني سأجهد نفسي حتى أستخلص منها عنوانا صحفيا تزدان به صفحة الجريدة التي أعمل فيها، لكنني تفاجأت بأن كلمته كانت عناوين، وكل عنوان كان أبلغ من الآخر، فقد قال:
"المقاومة أصبحت قوة نوعية لا تهزم أبدا".
وقال: "عدتُ اليوم من فلسطين، لكن صدقوني انني لم أعد اليوم إلا لكي أعود لفلسطين".
وقال: "لا عودة لزمن الهزائم أبدا".
وقال مخاطبا روح الشهيد الحاج عماد مغنية: "يا حاج عماد لن نكون في مستوى دمائك ابدا الا اذا اجبرنا العدو على ان يشتاق الى ايامك".وقال ردا على الضابط الإسرائيلي التافه الذي قال له في سجنه إنه لم ولن يُخلق الرجل الذي يمكن أن يحرره من السجن: "الله خلق آلاف الرجال الذين إن قالوا فعلوا وإن وعدوا صدقوا وعلى رأس هؤلاء السيد حسن نصرالله".
صورتان في الميزان:[center]
الشيخ حسن نصر الله يظهر بصورة علنية لاستقبال القنطار ورفاقه في مساء يوم التبادل
رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت ووزير حربه باراك يلقيان نظرة مساء يوم التبادل على تابوت أحد الجنديين اللذين سلمهما حزب الله في صفقة التبادل.
ماذا قال الإسرائيليون عن الصفقة:
الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس: "هذا ليس يوما سعيدا بالنسبة الى اي منا".
وزير الخارجية الإسرائيلية الاسبق سلفان شالوم: "اذا كانت اسرائيل وافقت على عملية التبادل فلماذا اذاً قامت بالحرب على لبنان".
نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي ايلي يشاي: "ما جرى هو ثمن أقل كلفة مما دفعناه في السابق".
رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكنيست الإسرائيلي تساحي هنغبي: "ليس من بلد في العالم يجيز استبدال الارهابيين (حسب قوله) بالجثث، انه نذير ضعف من جهتنا".
صحيفة "معاريف" العبرية: ان اسرائيل أهينت لأن امين عام حزب الله حسن نصر الله "سيرسخ صورته على انه القائد العربي الأول الذي حارب اسرائيل وهزمها". وأضافت: "لا أحد باستثنائه، لا الحكومة اللبنانية ولا الجامعة العربية ولا الأمم المتحدة ولا الصليب الأحمر، لا أحد اعاد مواطنا لبنانيا فخورا، كان يهترئ في سجن اسرائيلي منذ 29 عاما".
صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية: ان الافراج عن القنطار سيشد من عزيمة حماس في مطالبة اسرائيل بالتخلي عن رفضها الدائم للافراج عن فلسطينيين "ايديهم ملطخة بالدماء اليهودية" حسب قولها. وقالت "الآن امسى من الواضح للطرف الآخر ان شرط (اليدين الملطخة بالدماء) ضعف ايضا، هذا ان لم يسقط بالكامل".
صحيفة "هآرتس" العبرية: "ان حزب الله سيزداد قوة في لبنان".
صحيفة"جيروزالم بوست" الإسرائيلية الناطقة بالانجليزية: "في نظر العالم العربي، احرز حزب الله انتصارا كبيرا"...................ماذا لنا وماذا لهم ..لنا الارز والسنديان والزيتون والبرتقال وهم لم يورثهم اجدادهم شجره واحده يتفيئون في ظلالها.. لنا صنين وثلجه ناصع البياض.. ولهم دخانهم الاسود المنبعث من فوهات مدافعهم..لنابسمه الاطفال الذاهبون الي مدارسهم .. ولهم لعنه زهره الحنون النابت من دماء اطفال قانا .. لنا البحر وقرص الشمس الاحمر ..ولهم لعنات الامواج كلما لامست رمال الشاطيء.. لنا فيروز واسواره العروس ولنا وديع الصافي وعنزه بوطنوس .. لنا مرسيل خليفه واجمل الامهات .. ولهم قرع طبول العدوان و الكراهيه ..لنا ملائكه الحريه سناء محيدلي ولولا عبود وانعام حمزه.. ولهم شياطين جرائمهم جولدشتاين الذي قتل المصلين في الخليل ومالينكي الذي حصد المزارعين في كفر قاسم وبيجن الذي زبح المسالمين في دير ياسين.. لنا جنه اسمها لبنان ..
الاسيرالبطل الدكتور
سمير القنطار
منفذ عمليه " جمال عبد الناصر"الفدائيه في فلسطين المحتله عام 1979
تقرير>> رسائل سمير القنطار الى حسن نصر الله !!علي الموقع الإخباري لجريدة 'يديعوت أحرونوت' الإسرائيلية برز ظهيرة خبر وصفه محرره بالعاجل ووضعه في تلك الخانة الموجودة علي الموقع نظرا لأهميته وسط صمت مصري وأمريكي..
الخبر يؤكد رفض الرئيس مبارك تدخلا أمريكيا سافرا للإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام مقابل الإفراج عن الأسير اللبناني سمير القنطار.
العرض الأمريكي جاء بطريقة خبيثة تهدف إلي توريط مصر في قضية تبادل الأسري بين حزب الله وتل أبيب بشكل يجعلها إما 'مقصرة' قوميا حينما رفضت العرض بمبادلة عزام بالقنطار بشكل قد يوحي عند بعض الساذجين ببخل القاهرة بورقة في يديها علي تحرير رمز من رموز المقاومة اللبنانية متناسين بذلك مخاطر ذلك الطرح الأمريكي وإما ستبدو القاهرة إذا قبلت بصورة المتساهل أمام الرغبات الأمريكية فتصدع بالأمر الأمريكي الذي سيخرج شارون من مأزقه وستكون تلك سابقة خطيرة لتدخل الرئيس في أحكام القضاء وإذا كانت قد وقعت لكان الباب قد انفتح علي مصراعيه أمام 'عزازيم' كثيرين صدرت الأحكام بحبسهم بعد محاكمة شرعية قانونية..
وحسب الأنباء فقد أغلق الرئيس مبارك هذا الباب معتذرا للأمريكيين بأن القضاء المصري يتمتع باستقلالية تجعل التدخل في أحكامه أمرا مستحيلا كما أن الرأي العام المصري لن يسمح.. ولكن كيف استقبل اللبنانيون الخبر؟!
هم يعرفون أن سمير القنطار أرسل أكثر من مرة للسيد حسن نصر الله يرجوه ألا يفرط في أية ثوابت من أجل الإفراج عنه وأنه يفضل أن يبقي في محبسه طيلة عمره علي أن يحصل الصهاينة علي أي مكسب.. هذا أولا.. أما ثانيا: فإن التبادل عادة يكون بين أسير وأسير.. ولا يكون بين أسير ومجرم.
فالقنطار تم أسره في ميدان القتال بينما تم إلقاء القبض علي عزام عزام في ميدان 'التحرير' يتجسس علي دولة تدعي بلاده أنها أبرمت معها اتفاقية سلام!!
ولكن كل ذلك يؤكد حقيقة واحدة.. هي أن القنطار سيخرج من سجن 'نفحة' في النقب أقرب مما نتخيل.. فالتنازل الصهيوني في الثمن المدفوع مقابل القنطار واضح فمن 'رون أراد' إلي 'عزام عزام' إلي ما هو أدني منه.. وحتي الإفراج بلا قيد أو شرط.. ولكن من هو الأسير البطل الذي يشغل الآن أمريكا وإسرائيل وألمانيا ولبنان ونفرا غير قليل من المراقبين السياسيين في العالم؟!
سمير القنطار ترفض حكومة شارون الافراج عنه بينما لا يقبل حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله اتمام التبادل المتعثر منذ فترة دونما اطلاق سراح كل لبناني في سجون الاحتلال إلي جانب نفر غير قليل من الأسري العرب. وفي الأيام القليلة الماضية اعلنت مصادر اسرائيلية عن استعدادها لمبادلة سمير القنطار بعزام عزام الأمر الذي لم يصدر بشأنه أي تعليق من القاهرة.
وقد ارسل سمير القنطار المناضل القومي الناصري عدة رسائل للسيد حسن نصر الله يحدثه فيها عن المقاومة وعن تحرير الأرض والأسري وقد حصلت 'الأسبوع' علي هذه الرسائل التي تعكس شخصية ذلك المناضل الصلب والمقاتل المخلص والمثقف الوطني المنتمي إلي طراز من البشر ما أحوجنا إليه.
يقول سمير القنطار في إحدي رسائله إلي نصر الله: 'من هنا من زنزانتي رقم (60) في سجن نفحة الشهداء الصحراوي أوجه شكري واحترامي لما بذلتموه من جهود متواصلة من أجل تحرري بعد هذه السنوات الطويلة وأقول إن تعنت العدو يزيدني اصرارا وعزيمة ويعزز ثقتي بالمقاومة'هذه الكلمات كتبها القنطار يوم التاسع والعشرين من يونيو عام 1998 عشية تسلم حزب الله جثمان الشهيد هادي نجل السيد حسن نصر الله وجثامين رفاقه.. وعندما طالب البعض بأن يكون مقابل رفات الصهاينة..رفات شهداء حزب الله والافراج عن الأسير اللبناني سمير القنطار.. هنا ثارت ثائرة الصهاينة بينما تسلل الأمل إلي نفوس المهتمين بقضية القنطار الذي شعر في محبسه بامكانية الافراج عنه بشرف.. ولم يتم ذلك.
وفي رسالة أخري يقول القنطار لنصر الله: في البداية لا يسعني يا سيدنا الجليل سيد المقاومين والشرفاء والمتلاحمين مع وطنهم إلا أن أبعث بعميق احترامي وتقديري واعتزازي بكم وبوقفاتكم المعبرة عن اصرار لبنان علي دحر الاحتلال وطرد المحتل من جنوبنا الباسل.. إنني اكتب لكم لأنني أشعر بالحاجة إلي تواصلي معكم بين الفينة والأخري.... إن الحديث معكم يبعث في نفسي الراحة والأمل بالمستقبل.. إننا هنا مصرون علي الصمود والمقاومة وعدم المساومة ورفض التنازل مهما غلت التضحيات وواثقون أن المقاومة تبذل أقصي الجهود في سبيل حريتنا وحرية أرضنا وإنني أقول لكم بإن كافة محاولات العدو لبث الاحباط في صفوفنا وكافة المساومات التي تندرج في سياسة السلطة الفلسطينية والتي عبرت عن نفسها بالتنازل عن قضية الأسري لن تثني عزيمتنا ولن تكون إلا حافزا لنا للوقوف برجولة وشرف وعزيمة لا تلين، إنني أدرك جيدا حجم الجهود التي تبذلها المقاومة من أجل تأمين تحريرنا من الأسر ولا يسعني إلا التأكيد علي اصرارنا ألا نتحول إلي ورقة يضغط بها العدو علي المقاومة الباسلة لدفعها إلي التسرع والعشوائية في نشاطها من أجل تأمين تحررنا فنحن نعلم أننا في وجدان كل مقاوم وكل شريف ينتمي لوطننا الغالي وقضيته المركزية تحرير الجنوب.
وقد رأيت من الضروري التأكيد علي أهمية استمرار التركيز علي العمل من أجل تحرير كافة الأسري مع الحرص علي أن يكون ثمن حريتنا بالحد الأدني الممكن وهذا يثمنه رفضنا ورفضكم أن تشكل قضيتنا ومعاناتنا ورقة ضغط علي المقاومة.. من داخل معتقل نفحة الصحراوي كان يسميه نفحة الشهداء النقب فلسطين 24/2/.1999
كانت تلك الرسالة وسط استعار المقاومة في الجنوب وغياب أي أفق سياسي لحل قضية الأسري.. ورغم ذلك أرسل القنطار إلي نصر الله يرجوه ألا يقدم علي أي تنازل في سبيل تحرير الأسري.. وبذلك يعبر عميد الأسري اللبنانيين عن حس عالي بخطورة التنازل حتي ولو كان الثمن تحريره شخصيا.
إنه بذلك ينسجم مع ما تربي عليه في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية والتي كانت تسطر بالمقاومة أعظم الصفحات قبل ظهور حزب الله في ساحة المقاومة والعمل الفدائي في الجنوب اللبناني والتي قال في ذكري تأسيسها في سبتمبر عام 1998 عبر رسالة منه تم تهريبها من معتقل نفحة في صحراء النقب: 'لقد ضحينا بأغلي ما نملك في سبيل حرية الوطن ولن نقبل أن تكون حريتنا علي حساب الوطن.. من هنا اؤكد رفضنا القاطع لأية محاولة قد يلجأ إليها العدو الصهيوني لاستخدام قضية الأسري ورقة مساومة وابتزاز.. ولو خيرت ما بين البقاء هنا مقابل عدم اجراء لبنان أي مفاوضات مع العدو الصهيوني وبين أن نتحرر مقابل هذه المفاوضات لاخترت وبكل قناعة البقاء هنا مع كل ما يحمله الأسر من معاناة قاسية طالت سنواتها، ومع اشتياقي الإنساني الكبير للحرية وللقاء الأحباب من الأهل والأصدقاء ومعانقة الوطن'.. كما يشرح هو في رسالة منه لأهله عام 1985 يقول فيها: 'صلبت عاريا علي حائط وبدأ جنود الاحتلال يتدربون علي فن القتال علي جسدي وبقيت تحت الشمس أياما طويلة ورأسي مغطي بكيس من القماش الأسود الذي تنبعث منه رائحة نتنة.. بعد حفلة التعذيب.. كبلوا جسدي بالجنازير والصقوا بأذني مكبرات صوت ومنها تدوي صافرة في الرأس حتي فقدت الشعور والاحساس بالوجود'.. ويذكر سمير بشاعة التعذيب الذي قام به حتي الاطباء في المعتقل حينما كان يدخل الطبيب أصبعه في الجراح الناتجة عن الرصاصات بحجة التأكد من عيار الطلقات التي أردته جريحا وسجائر تطفأ في جسده.. والنوم في زنزانة طولها نصف متر وعرضها نصف متر وسط الظلمة التامة.
كل ذلك كان نتيجة لفداحة الخسائر الصهيونية في العملية التي قادها أسيرنا البطل في نهاريا في 22 ابريل 1979 تحت اسم الزعيم جمال عبدالناصر حينما اخترق هو ورفاقه عبد المجيد أصلان ومهنا المؤيد وأحمد الأبرص رادارات العدو وترسانة أسلحته علي طول الساحل المحتل بواسطة زورق مطاطي 'زودياك' تم تعديله ليكون سريعا جدا وتم يومها التسلل إلي مستوطنة نهاريا وتمكن الابطال من اختطاف رهائن من الجيش الصهيوني بغية مبادلتهم بمقاومين معتقلين في سجون العدو وفي البناية 61 في شارع جابوتنسكي بالمستوطنة قتل القنطار الرقيب الياهو شاهار وتم أسر عالم الذرة الإسرائيلي داني هاران واقتادوه إلي الشاطئ.. وهناك حاصرتهم القوات الاسرائيلية ونجح يومها في جرح قائد قطاع الساحل الشمالي في الجيش الاسرائيلي الجنرال يوسف تساحور وكانت حصيلة العملية ستة قتلي من بينهم عالم الذرة داني هاران و12 جريحا واستشهد عبدالمجيد أصلان ومهنا المؤيد واعتقل سمير القنطار وأحمد الأبرص..في تلك الأوقات كان من المنتظر اعدام القنطار والأبرص.. إلا أن قرارا جاء صدفة في ذلك التوقيت من مجلس وزراء العدو بعدم فرض عقوبة الإعدام علي أي فدائي عربي يتم اعتقاله.. وأثناء تشييع جنازة القتلي الصهاينة تأسف بيجين لصدور هذا القرار وقال: لا يهم.. لن نعدمه ولكن سأفكر له في انتقام لم يخترعه الشيطان. إلا أن السجن والتعذيب لم يفلحا مع البطل القنطار.. بل استطاع اتمام دراسته بالمراسلة مع جامعة تل أبيب المفتوحة وحصل علي اجازة في العلوم الانسانية عام 1997 وهو الآن يتابع الدراسة للحصول علي ماجستير في موضوع 'تناقض الأمن والديمقراطية في إسرائيل' وفي السجن أيضا طلب الأسير البطل الارتباط بالصحفية الفلسطينية كفاح كيال التي كانت تزوره في معتقله دائما.. ولكن حملة كبيرة من ذوي قتلي عملية نهاريا أفشلت السماح بالارتباط..
إنه سمير القنطار الذي سيظل الرقم الصعب في مفاوضات الأسري بين حزب الله وشارون.
في ظل كلماته الأخيرة التي ارسلها لحسن نصر الله والتي تحولت إلي شعار للمفاوض اللبناني 'نستطيع أن نعيش بدون كهرباء وماء وطرقات.. لكننا لا نستطيع أن نعيش للحظة واحدة.. بدون كرامة'.
البطل سمير القنطار.. عميد الأسري اللبنانيين
مقال >> لا قنطار .. لا صفقه
صفقة التبادل التي وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية قد تكون غير الصفقة التي كان يجري التفاوض بشأنها.
لقد كان في الحسبان، في مرحلة مبكرة، ان الأسرى غير الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية قد أطلقوا جميعاً، وان التفاوض محصور، جانبياً، ب<<معلومات أو وعود معلومات>> عن رون أراد، وأساساً بلائحة أسماء الأسرى الفلسطينيين.
لذا، جاء إخراج الموافقة الحكومية الإسرائيلية أشبه ما يكون بمناورة، سواء لجهة تأمين <<شبكة أمان>> من صوت واحد، أو لجهة <<التسريب>> المتعمد عن استثناء سمير القنطار. فالقصد من ذلك الايحاء، أولاً، ان أرييل شارون محشور، وثانياً، ان حسن نصر الله، بإصراره على القنطار، بات هو المسؤول عن وجود مئات في السجون كان، ولا يزال، في وسعه <<الافراج>> عنهم. يراد لهذا <<اللغم>>، ببساطة، السماح لشارون بتحديد الخسائر إذا تمت الصفقة (وهي لن تتم بهذه الشروط)، أو برمي المسؤولية على <<حزب الله>> جراء وجود فلسطينيين ولبنانيين وعرب من جنسيات مختلفة في المعتقلات.
وفي انتظار تبيّن الموقف الإسرائيلي الرسمي يجدر القول ان هذه المناورة لا تملك حظاً بالنجاح. إن <<لا قنطار، لا صفقة>> شعار مفهوم إذا تمسك به الأمين العام لحزب الله. انه مفهوم لبنانياً وعربياً خاصة إذا لعب الجانب الالماني دور الوسيط النزيه الذي يمكن التعويل عليه لتحديد الجهة المتراجعة عن تعهدات سابقة.
لن تنجح المناورة لأسباب كثيرة. لا مشكلة في لبنان بين آل الديراني وياسين وعبيد من جهة وآل القنطار من جهة ثانية. أي اننا لسنا أمام الحالة الإسرائيلية التي انتظمت في لوبيات متصارعة ينتصر بعضها لرون أراد وبعضها الآخر للحنان تننباوم. وليس هذا هو الوضع بسبب ضعف الحساسية حيال الأسرى والشعور بالواجب حيال استعادتهم. كلا. بل لأن الاختلاف كبير بين جنود أرسلوا إلى القتال وبين متطوعين منتمين إلى مقاومة، وبين دولة مسؤولة عن افراد جيشها وتنظيم (أو تنظيمات) يمارس اقصى ما يستطيع للوفاء بموجبات تعاقد بين مناضليه.
ولن تنجح المناورة لأنه، منذ بدأت المفاوضات، وشارون هو الذي يتصرف وكأنه خاضع لضغط. ان مبدأ التفاوض مع <<حزب الله>> مطعون به من بعض الجهات في إسرائيل. وكذلك التوقيت حين الحجر على <<الإرهاب>> شعار المرحلة. والموافقة على الفصل بين الديراني وأراد مطعون بها. واشتمال الصفقة غير لبنانيين مرفوض من إسرائيليين بحجة انه يوفر للحزب بعداً اقليمياً غير مستحب ولا هو ضروري بعد تجربة الأسرى مع حكومة محمود عباس، وبعد التعالي في التعاطي مع الحكومة الأردنية. وإذا كانت قوى يمينية تشكك في جدوى الأمر لسبب فإن قوى يسارية تشكك لسبب آخر وتستغرب كيف تحصل <<المقاومة الإسلامية>> على ما لم يحصل عليه... مروان المعشر.
إن محاولة قلب اتجاه الضغط، منظوار إليها من لبنان، فاشلة. ربما وُجد في إسرائيل من يعتبرها <<ضربة معلم>> (عثر المعلق في <<هآرتس>> تسيفي بارئيل على صحافي لبناني يؤكد له ذلك)، غير ان ذلك لن يكون سوى خطأ إضافي يُرتكب عند التعاطي مع لبنان. ان هذه المحاولة مبنية على سوء تقدير فاضح. سمير القنطار أكثر من مجرد سجين أو رقم في هذه الصفقة. انه كذلك بحكم الاقدمية والرمزية وبحكم تعقيدات خاصة بالوضع اللبناني يطول شرحها وتجعل نصر الله أكثر حرصاً على تحريره. ثم ان قائد <<حزب الله>> لا يمكنه إلا التصرف وكأنه مسؤول عن كل مراحل المقاومة في لبنان بكل تنويعاتها. أي انه، من موقعه الحزبي، مدفوع إلى موقع عام لا يستقيم أمر من دون الدفاع عنه بحكم خصوصية العلاقة بين المقاومة والدولة. ولقد نجح في ذلك سابقاً بحيث بات أي انتقاد للدور الملتبس الذي يلعبه
موضع تساؤل واستغراب. ويعني ذلك، ببساطة، ان أي انتقاص من هذا الدور العام يفتح باب المساءلة عن <<مشروعية>> ادعاء الحزب تحرير باقي الأرض الوطنية، ناهيك بطموحاته لما هو أكثر.
ولعل المفارقة، هنا، ان <<الحزبي>> نصر الله أرغم رئيس الحكومة الإسرائيلية على الظهور كمن يلهث وراء مصلحة حزبية أو حتى شخصية. وتجسد هذا النجاح في الاشتباكات التي خاضها شارون مع مخابرات، وعائلات، وطيارين، وضباط، وبعض الرأي العام، فهل يمكن لمن انتج هذه المفارقة وهو يدرك كامل معانيها، ان يضع نفسه في حفرة حفرها لخصمه؟
ان موافقة الحكومة الإسرائيلية على الإطار العام للصفقة محطة مهمة. ولقد لوحظ ان البيان الرسمي تجنب ذكر سمير القنطار بالاسم. ولذا، فإن المحطة التالية لا يمكنها ان تكون سوى ذكر سمير القنطار بالاسم في قائمة المنوي اطلاق سراحهم. عدا ذلك لا محطة ثانية.
إذا حصل ذلك وتغلب الاحتمال الثاني فهذا يعني ان إسرائيل تريد تحديد الارباح التي حققها <<حزب الله>>. وهذه الارباح ليست قليلة وان كانت لا تنتقص من الحسرة على عدم اتمام الانجاز لقد أدى التفاوض أغراضا كثيرة، منها إحداث تصدعات في إسرائيل، ومنها التأشير على نجاعة اسلوب محدد في التعاطي معها يقوم على الأهمية الحاسمة لامتلاك وسائل ضغط بدل الاكتفاء بإظهار النوايا الطيبة، ومنها الامكانية المتاحة لعزل صفقة عن العلاقة الاجمالية بحيث لا يضيع أبدا ان التفاوض، ولو غير المباشر، مع عدو، هو شكل من اشكال الصراع لا يفترض أي مودة ولا يمنع من إصدار تعهدات بأن المواجهة مستمرة ليس بعد الأسرى فحسب، بل، أيضاً، بعد أي انسحاب محتمل من المزارع.
وإذا حصل وتغلب الاحتمال الثاني، أي فشل الصفقة، فإن إسرائيل ستجد نفسها مضطرة إلى تحديد خسائرها المتحققة أثناء التفاوض والتي قد تستجد بعد توقفه.
ولعل وزير الدفاع شاوول موفاز قدم نموذجاً عن <<الحشرة>> الإسرائيلية. لقد تكلم مثل كثيرين منا. قال كلاماً كبيراً من النوع الذي اعتدنا، بواسطته، التعويض عن عجزنا.
مقابله>> جريده السفير تلتقي القنطار في سجن نفحه
السفير (الإثنين، 22 نيسان / أبريل 2002)
عبير جابر
تخبئ لنا الذاكرة في زواياها، وفي ثناياها الكثير من الوجوه والحكايات والمحطات المصيرية. تروي لنا أنه في يوم من الأيام سمعنا باسم هذا الشخص، لكن مشاغل الحياة جعلتنا نتجاوز ذكراه، ننساه في غمرة المشاغل اليومية. وننعش ذاكرتنا كل عام لنقول “مرت سنة على إعتقاله” وبعد عام نقول مرت سنتان وهكذا. نتذكره بجهد لكنه قابع في زنزانته يراجع الحسابات عنا وعنه.
اليوم الثاني والعشرون من نيسان، ذكرى اعتقال مناضل ذاب في هم القضية الفلسطينية. شاب جسيم، ذو عينين حذقتين، تعرف عليه الجميع عبر تلك الصور التي كانت تصل من فترة لأخرى فتحتل الملصقات، كما تحتل مكاناً هاماً في قلب وعقل والدته وعائلته التي لم تره منذ إعتقاله في مثل هذا التاريخ قبل أربعة وعشرين عاماً. إنها الصور التي تحمل في ما تحمل نظرات الاشتياق والحنين، الرغبة بالحرية وبالسير تحت سماء لا يظللها إلا الغيم، ولا يسيجها إلا المطر ولا يحدها إلا النسيم.
في زنزانة إسمنتية، داخل سجن نفحة الصحراوي. في أرض فلسطين، معتقل لبناني يأبى أن تصيبه رطوبة الأسر بالعفونة. فها هو سمير القنطار بعد مرور أربع وعشرين سنة على إعتقاله متمسكاً بقناعاته، وإيمانه يزداد رسوخاً بالقضية الفلسطينية. هو المؤمن بفكر كمال جنبلاط وروحية جمال عبد الناصر، المقتنع بحتمية التغيير “لأن أمة عبد الناصر وجنبلاط لا يمكن أن تبقى متخلفة خائفة لا حول لها ولا قوة”، يقول ل”السفير” مؤكداً انتماءه إلى مدرسة فكرية وعقلية رائدة.
يطلقون عليه لقب عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، نظراً لأنه أقدم المعتقلين اللبنانيين والعرب ربما في سجون الإحتلال. هذا الرجل الذي انتقل من الطفولة إلى مرحلة الشباب فالرجولة، وهو يتنقل من سجن لآخر، وبين زنزانة إنفرادية وأخرى جماعية، يبدو بعد سني الأسر الطويلة صلبا، قوىا وصامدا.
هو هناك في مكان لا ينتمي إليه، مجبر على تمضية فترة الحكم عليه. 745 سنة، هي مجموع خمسة أحكام بالسجن المؤبد وأضيف إليها سبعة وأربعون عاماً. إذن هو لا يستعجل الرحيل، فالوقت طويل أمامه، لكنه بالطبع لا يريد البقاء. مرت السنوات الأربع والعشرون الأولى والباقي جزء “يسير” في حسابات المستقبل.
وكما يحدث في مخيلة مخرج سينمائي في فيلم بوليسي، تصل إليه الأسئلة عبر “رسول”، وبعد فترة تصلنا الردود، مع “إعتذار عن التأخير في وصول رسالتي التي تحتوي ردوداً على أسئلتكم، فهي وصلتني متأخرة قليلاً بسبب انقطاع زيارات الأسرى، نتيجة الأوضاع التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة”. قبلنا الاعتذار من سمير، وفي مرحلة ثانية وجهنا إليه مجموعة أسئلة واستيضاحاً لمعلومات جديدة. فجاءتنا الإجابة سريعة. طبعاً يستحيل فعل أمر مغاير، لكن الأمر تم بسلام، على أمل إجراء مقابلة وجهاً لوجه مع عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية بعد تحرره.
عندما ترك سمير أسرته ليقوم بعملية “نهاريا”، كان في ريعان شبابه. ودع أمه وإخوته على أنه عائد بعد حين، وطال الوقت ليبلغ السنين. “طبعاً أفكر كثيراً بأسرتي”، وأكثر ما يحزنه هو ذكرى شقيقته “التي توفيت بعد اعتقالي مباشرة، ووالدي الذي توفي بعد اعتقالي بسنوات عدة”. ومنذ يوم إعتقاله لم يستطع سمير رؤية عائلته، لأنه مسجون داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكبرت أسرته في غيابه على أمل عودته. بالطبع لسمير أحلام كأي إنسان “بأن أكوّن أسرة وأتذوق طعم الحياة الطبيعية ولو في حدها الأدنى” فهل يتحقق حلمه؟.
بين الجدران الإسمنتية الرمادية اللون، يفتقد سمير للخصوصية “فهي هنا مصادرة بالمطلق، فلا تستطيع أن تقرأ أو تتحدث أو تسمع الأخبار أو تمشي أو تأكل أو تنام من دون أن تراعي الآخرين الموجودين معك في الغرفة”. لكن الحياة المشتركة أعطته المزيد من التفهم للآخرين “كنت في الماضي لا أطيق من يخالفني الرأي، سياسياً، من الأسرى، واليوم أنا أكثر انفتاحاً وأصغي إلى الآخرين”، وهذا لم يمنعه من تفهم وجهات النظر المخالفة له “أتفهم أحياناً وأقتنع أحياناً أخرى وأتمسك بموقفي في الغالب لكن بهدوء وإبتسامة”. وغيّر الأسر الكثير من عادات سمير، فهدوء الزنزانة انعكس عليه “كنت في السابق أكثر صخباً وبتّ اليوم أكثر هدوءاً وسكوناً”.
الإحساس المرهف سمة أساسية تركها الأسر في شخصية سمير. “الأسر يجعل الإنسان أكثر تحسساً لمشاعر الآخرين ومشاكلهم ومعاناتهم الإجتماعية والصحية”. والشيء الذي يستدر دمع سمير هو مشاهدة “أم فلسطينية استشهد ابنها، تخرج لتقول أنها مستعدة للتضحية ببقية أبنائها من أجل فلسطين”.وعندما يقبع المرء فترة طويلة في السجن “تزداد مهمته صعوبة، فيتوجب عليه أن يكون القدوة للأسرى الجدد”، وهذا ما كان يقوم به مع الوافدين الجدد فيشد من أزرهم ويحاول قدر إستطاعته الإصغاء لهم والتخفيف عنهم. “وخصوصاً عندما تصلنا أخبار عن وفاة أحد أفراد أسرة الأسير”، وفي الأشهر الأخيرة ازدادت هذه الأخبار “فلا يكاد أسبوع يمضي إلا وتصلنا أخبار استشهاد أخوة وأبناء لأسرى هنا”.
ثمة حرب إندلعت في قلب فلسطين منذ سنوات طوال عجاف. ثمة حرب إبادة ترتكب بحق الفلسطينيين العزل اليوم على مرأى من العالم، يشاهدها سمير ورفاقه فتشد الخناق عليهم، تخنقهم، تعيق حلمهم تجعله أسود قاتما. “كنا نضحك للمشاهد الحياتية في السجن، لكن الآن الموقف صعب داخل السجن نظراً لأجواء الحزن التي تلف الأسرى بسبب الإنتفاضة وسقوط عدد كبير جداً من أقربائهم شهداء” يقول عميد الأسرى.
ما ينقص سمير الإنسان في أسره، “أن أسير تحت السماء دون أن تفصلني عنها قضبان الحديد. ينقصني أن أتمشى على الشاطئ وأطلق العنان لنظري دون أن تصده الجدران. ينقصني أن أفتح عيني صباحاً دون أن أجد السجان واقفاً أمامي يقوم بإحصاء الأسرى. ينقصني أن أنام ليلاً دون أن أسمع نباح كلاب الحراسة التي تحيط بالسجن. ينقصني أن أحلم مرة واحدة دون أن تتدخل مشاهد السجن في حلمي”.
“الأخبار وتطور الأحداث في فلسطين ولبنان” هي أول ما يفتح القنطار عينيه عليها. فقد استطاع هو ورفاقه المعتقلين “من خلال التحركات الإحتجاجية الحصول على أجهزة تلفزيونية وإذاعية” في غرفهم. وكونه عضوا في اللجنة الوطنية ولجنة الحوار (سيتحدث عنهما في سياق المقابلة)، يعقد سمير و”الرفاق” في اللجنتين لقاءً، “نناقش فيه ما يتوجب علينا متابعته في اليوم نفسه من قضايا داخلية تتعلق بالأسرى وقضايا تتطلب تحركاً حوارياً مع إدارة العدو أو التحرك بخطوات نضالية”.
أما إذا كان جدول أعمال اللجنتين مختصراً ولا يشغل حيزاً كبيراً من نشاطه اليومي، فيمضي “العميد” ما تبقى من الوقت “في مناقشة أمور عامة وسياسية وشخصية أحياناً، مع أصدقائي في الأسر”. هذه الأمور الشخصية تطال “حياة كل أسير كإنسان ووضع أهله، وتطور حياته المستقبلية ورؤيته للمستقبل”، يوضح سمير.
ويختتم القنطار يومه بمشاهدة “الأخبار والبرامج السياسية وأحياناً الترفيهية، وأقوم بكتابة بعض ما يخطر في بالي، وقد أقرأ كتاباً أو مقالاً”. وتبقى اللحظات التي تسبق خلوده للنوم “حيث تمر على بالي المشاهد التي رأيتها خلال اليوم بأكمله” وتكون المحطة الأبرز فيها “أخبار ومشاهد الهمجية الإسرائيلية بحق أطفال وشعب فلسطين”.
من يستمع إلى كلماته يلاحظ هذا المخزون العاطفي الذي يطفو إلى السطح. يغادر الروح ليظهر من خلال الكلمات، على الرغم من أن الرجل صلب وعنيد. إنها حالة إنسانية فريدة من نوعها، وتجربة غنية لإنسان يسترجع من الذاكرة المثقلة بالهمّ، يومياته وسط الجدران الإسمنتية العالية والأسلاك الشائكة المحيطة بالمكان في طوق حديدي يحاصر الجسد والروح.
النضال في نفحة
في سجن نفحة الصحراوي لا يستطيع السجان خنق الروح. هذا السجن الذي يعود بناؤه “إلى أواخر السبعينات، وفق توصية خاصة من لجنة أمنية صهيونية، وأشرف معهد الهندسة التطبيقية “التخنيون” في حيفا على تصميم هذا السجن”، كما يشير سمير. كانت الغاية من وجود هكذا سجن معتقل “إحضار “الأسرى الكوادر” من السجون المركزية، مثل عسقلان وبئر السبع، وممارسة أقصى أشكال الضغط الجسدي والنفسي عليهم لتحطيمهم وإعادتهم إلى السجون التي أحضروا منها ليكونوا عبرة لباقي الأسرى”.
ويرى القنطار أن “قرار إنشاء سجن نفحة كان رداً صهيونياً على انتظام الأسرى في السجون ورفضهم سياسة تحويلهم إلى كمّ مهمل وعالة على مجتمعهم بعد تحررهم. بالإضافة لإصرار الأسرى على تحويل السجون إلى قلاع مواجهة مع العدو، ومدارس لصقل شخصية المناضل وتصليب عوده وتجهيزه لمواصلة مشوار الكفاح ضد العدو”. هذه كانت الأرضية التي بنى سمير شخصيته على أساساتها.
بعد اعتقاله وُضع سمير في عدة سجون منها “عتليت” و”بئر السبع” و”كفاريونا كمود” و”عسقلان”. وحل عميد الأسرى معتقلاً في سجن نفحة الصحراوي منذ العام 1984. وذلك بعد أن “أحضرت أول دفعة من المناضلين إليه في الأول من أيار العام 1980. وبدل أن يحطم الصهاينة الأسرى، تحول نفحة إلى قلعة مواجهة أساسية كانت وما زالت تشكل رأس الحربة”. وهذا يعود طبعاً إلى المعارك النضالية التي خاضها الأسرى “في نفحة والسجون الأخرى، وأهمها الإضراب المفتوح عن الطعام الذي بدأ في 14/7/1980 واستمر ثلاثة وثلاثين يوماً، وسقط من جرائه أربعة شهداء هم: راسم حلاوة وعلي الجعفري وأنيس دولة وإسحق موراغة” يقول سمير.
من قلب صحراء النقب وعلى بعد ثمانين كيلومتراً من مدينة بئر السبع، أقرب المدن إليه، يقع سجن نفحة. وهو يتسع لحوالى ستمئة أسير موزعين على سبعة أقسام. منذ سنتين ونصف يقبع سمير في الزنزانة ذاتها وهو يصفها بأنها “عبارة عن علب إسمنتية من حيث مساحتها الضيقة وانخفاض سقفها كثيراً، منها ما يتسع لعشرة أسرى ومنها يتسع لثمانية”. ونظراً لوجود غالبية المناضلين ذوي الأحكام العالية فيه “يخضع نفحة لحراسة مشددة ولإجراءات أمنية خاصة، بدءا بنظام التحكم الكهربائي في حركة أبواب السجن الداخلية والخارجية وإنتشار كاميرات المراقبة في كل زاوية منه، بالإضافة للكلاب المفترسة والدوريات المسلحة”. وزيادة في الحيطة والحذر “يحيط بالسجن جدار إلكتروني، ويوجد بالقرب من السجن معسكرات وثكنات ومدارس الضباط في جيش العدو”.
السجان وقواعد اللعبة
إستطاع سمير ورفاقه الأسرى خلال سنوات النضال الطويل فرض “ما نسميه قواعد اللعبة مع السجانين”، وهو يوضح أسس هذه اللعبة بأن “كل سجان يحاول المس معنوياً أو مادياً بأي أسير، يعرض بذلك حياته للخطر، وبالفعل تصرفنا في الماضي على هذا الأساس”. وعندما أدرك السجانون “أن تطاولهم يشكل خطراً على حياتهم التزموا بقواعد اللعبة هذه، وخففوا كثيراً من إحتكاكهم بالأسرى”. ويشير سمير إلى أنهم “أدركوا أن الأسير على عكس السجان، ليس لديه ما يخسره سوى القيد، من هنا باتوا يحسبون لنا ألف حساب”. لكن هذا لم يمنع السجانين من مضايقة الأسرى “فهم يعتمدون سياسة التنكيل عبر قوانين تعسفية، بدل السلوك الفردي من قبل السجان”.
وحفاظاً على روحية العمل النضالي المشترك للأسرى في نفحة، جاءت “القوانين الداخلية لتمنع العلاقة المباشرة بين السجان والأسير” يؤكد القنطار. فقد استطاع المناضلون تشكيل لجنة وطنية عامة اختاروها من فصائلهم السياسية وتضم أصحاب التجربة والوعي منهم. ويشير سمير، العضو في هذه اللجنة إلى أنها “مسؤولة عن إدارة شؤون الأسرى ونشاطاتهم الثقافية والرياضية والنضالية، وهي التي تقرر الخطوات الإجرائية ضد إدارة السجن”. وتنبثق عن هذه اللجنة لجنة أخرى هي “لجنة الحوار” ومهمتها “إجراء المفاوضات مع إدارة العدو في ما يتعلق بتحسين شروط الحياة والتغلب على المشاكل اليومية التي تنغص حياة الأسير”. وسمير عضو في هذه اللجنة أيضاً، وهو يشير إلى أنها “الجهة الوحيدة المخولة من قبل الأسرى بالتحدث باسمهم أمام إدارة العدو، والوفود التي تزور السجن كالمحامين والصليب الأحمر الدولي”.
وينتدب من هذه اللجنة ممثل للمعتقل، مهمته “متابعة المشاكل الفردية للأسرى مع إدارة السجن، والعمل على حلها ومتابعة تنفيذ ما تم الإتفاق عليه بين لجنة الحوار وإدارة السجن من حل لمشاكل حياتية جماعية وتحسين شروط الإعتقال”. ويسمح للجنة الوطنية بالتحرك في أوقات محددة يومياً داخل أقسام السجن و”تحت إشراف السجانين وكاميرات المراقبة” وذلك بعد أن حصل الأسرى على اعتراف شبه رسمي بلجنة الحوار التي تمثلهم.
إقتضت المهام الموكلة لسمير في اللجنتين الاحتكاك أكثر مع السجان والإدارة، خاصة أنه يجيد اللغة العبرية بطلاقة. وهذه المواجهات الحوارية المستمرة جعلته يشعر مع رفاقه “أننا حينما نتفاوض معهم فأساس التفاوض لا يكون وفق معادلة الأسير والسجان بل وفق معادلة مناضلين يمثلون شعباً يضحي من أجل استعادة حقوقه، مقابل عدو زجّ بنا في السجون لأننا ندافع عن كرامة شعبنا وحقنا في أرضنا”.
طبعاً يخضع سمير علاقته بالسجان لهذه القواعد، فالقواعد السلوكية “تفرض علينا تقليص الإحتكاك بالسجان كإجراء وقائي نتخذه كي لا نميّع حالة الصراع القائمة بيننا وبينهم”. ومن وجهة نظره فهذا يمنع “استغلال العلاقات الودية التي قد تنشأ بين الأسير والسجان في إحداث ثغرة لمصلحة السجان، تؤدي إلى الإسقاط الأمني للأسرى الجدد”. ففي السجن يملك “السجان هامشاً مادياً أكبر من وعود بتخفيض الحكم أو بالمساعدة لنيل العفو. بينما نحن نملك الهامش المعنوي الأكبر. والهامش المادي قد يغري الأسرى ضعاف النفوس الذين لم تصقلهم التجربة بعد”.
وبسبب نشاطاته في اللجنة الوطنية وقيادة الأسرى عزل سمير في زنزانة إنفرادية خمس مرات في الأعوام 1985، 1987، 1991، 1992، 1994. والعزل كما يصفه سمير “يكون في سجون أخرى بعيدة عن الأسرى، كي يمنعوا تأثيرنا عليهم. لكن تحرك السجناء في نفحة واحتجاجهم ومطالبتهم بفك عزلنا كانت تسفر عن إعادتنا إلى السجن”.
رفاق الأسر اللبنانيون
في “علبة إسمنتية واحدة، أتقاسم مع رفاق الأسر اللبنانيين الحياة اليومية”، يقول سمير. ففي زنزانته نفسها في نفحة هناك ستة أسرى لبنانيين: مصطفى حمود، علي بلحص، يوسف وزنة، فادي الجزار، حسن عنقوني وجواد قصفي. “علاقتنا أخوية نضالية ونواجه معاً هماً ومعاناة مشتركة، ونحن دائماً معنوياتنا مرتفعة وصامدون”. ويعتبر سمير الرفاق “أخوة أعزاء”. أما باقي الأسرى اللبنانيين فيعرف القنطار أخبارهم “من خلال حركة تنقلات الأسرى بين سجن وآخر”. و”الرفيق أنور ياسين يتواجد في سجن شطة ومعنوياته عالية، والأخ محمد البرزاوي موجود في سجن عسقلان وهو بحالة معنوية جيدة رغم وضعه الصحي السيء”. ولا يسمع الأسرى أخباراً عن الشيخ عبد الكريم عبيد والحاج أبو علي الديراني المتواجدين في سجن الصرفند، “فهذا السجن عبارة عن مركز تحقيق خاضع للجيش وليس لمديرية السجون، أي أنه خاص للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وتديره الشرطة العسكرية، لذا لا نعرف عنهم شيئاً”.
الرفيق جبر الفلسطيني
إكتسب القنطار خلال سنوات الأسر الطويلة الكثير من العلاقات المميزة “هنا في فلسطين لدي المئات من الأصدقاء الذين إلتقيتهم في الأسر وعشنا سنوات طويلة المعاناة المشتركة”. لكنه يحتفظ بعلاقة جد متمايزة تربطه برفيق دربه “جبر مطلق وشاح” من مخيم البريجة في غزة، “أعتز بهذه العلاقة كثيراً” يقول سمير. يتحدث سمير عن “الرفيق جبر” كما يسميه، بشيء من الحنين، فبعد أن أمضيا سوياً خمسة عشر عاماً، تحرر جبر في العام 1999. لكن العلاقة لم تنته هنا. “في العام 1986 تم إحضار الرفيق جبر إلى نفحة بعد محاكمته بتهمة قيادة الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة”. وانتدب جبر ليكون عضواً في “اللجنة الوطنية العامة” و”لجنة الحوار” نظراً “لوعيه الإستثنائي” كما يشير سمير. وبالتالي عملا جنباً إلى جنب في التحركات النضالية، مما قربهما من بعضهما البعض، وبات “الرفيقان” على صلة وثيقة. ومنذ العام 1986 كانت رحلة سمير وجبر “مشتركة بكل معنى الكلمة: من تخطيط وقيادة مواجهات مع العدو، إلى جانب تنظيم وتطوير الواقع الإجتماعي للأسرى”. وقد عزلتهما إدارة السجن “عدة مرات في زنازين انفرادية وفي سجون بعيدة عن نفحة، كعقاب على دورنا الذي نؤديه في إطار تحمل مسؤولياتنا الوطنية من خلال اللجنة الوطنية ولجنة الحوار”، يوضح سمير. وعمل سمير وجبر معاً في هيئة تحرير مجلة شهرية داخلية ناطقة باسم الأسرى، إسمها هيئة “نفحة الثورة”. ويقول سمير “أشرفنا بشكل مشترك مع أخوة آخرين على إصدار نشرة أسبوعية إسمها “الإنتفاضة مستمرة”، صدرت هنا في نفحة وكانت ترصد أخبار الإنتفاضة وتستعرضها بشكل تحليلي. وكانت هذه النشرة تعمم على الأسرى في كافة الأقسام”.
تعلم سمير “الكثير من هذا المناضل، فجبر إنسان حساس ورائع وحكيم”. وهو يسترجع مواقفه بشيء من الإحساس بالزهو “كانت مواقفه رائعة تعطي المثال على أصالته”. ويسرد سمير حادثاً يعود إلى “العام 1994، عندما بدأ العدو بإطلاق سراح دفعات من الأسرى الفلسطينيين، في إطار ما يسمى عملية السلام ووفق معايير حددها العدو واستثنى منها المناضلين الذين نفذوا عمليات أدت إلى قتل صهاينة. وطبعاً كانت هذه المعايير ظالمة ومجحفة ومهينة أيضاً للجانب الفلسطيني المفاوض الذي سلم بهذه المعايير ولم يعطها الأهمية المطلوبة في ذلك الوقت”. ويشير سمير إلى أن “العدو حاول إطلاق سراح الأسيرات الفلسطينيات لكنهن رفضن التحرر إلا إذا أطلق سراحهن جميعهن دون استثناء. فقد كان هناك ثلاث أسيرات لا تنطبق المعايير الصهيونية عليهن، وبالفعل كان لإصرار الأسيرات على هذا الموقف لسنوات نتيجة إيجابية برضوخ العدو وإطلاق سراحهن جميعاً”.
وقد حاول “الرفيق جبر” أن يبلور الموقف نفسه على مستوى الأسرى “كان مرشحاً للتحرر، لكنه أصر في سعيه على تبني موقف جماعي للأسرى شبيه بموقف الأسيرات. وناضل أياماً وشهوراً وهو يحاول إقناع الأسرى المرشحين للتحرر لتبني هذا الموقف، لكنه لم يتوصل لإقناع الجميع بسبب الحالة النفسية السيئة التي كانوا يعيشونها نتيجة حدة إتفاق أوسلو”. تحرر جبر في العام 1999 لكنه على تواصل دائم مع الأسرى ومع سمير.
أم الأسرى العرب..
نتيجة للعلاقة المميزة التي ربطت سمير برفيقه جبر، طلب هذا الأخير من إدارة السجن السماح لوالدته بزيارة سمير. “بعد جهود وافقت إدارة المعتقل على ذلك، لأننا قبل سنتين كنا قد قمنا بإضراب عن الطعام، كانت أحد مطالبه السماح لعائلات الأسرى الفلسطينين زيارة الأسرى العرب الذين لم تتمكن عائلاتهم من الحضور من الدول العربية لزيارتهم”. وكان أن تعرف سمير على عائلة جبر “وعلى والدته التي أصبحت رمزاً للعطاء، وأصبحت تلقب بأم الأسرى العرب لأنها كانت تزورني وتزور جبر في نفحة، ثم كانت تسافر ستمئة كيلومتر، لزيارة أسرى لبنانيين وسوريين وغيرهم من الأسرى العرب في سجون: الجلمة وشعلة وعسقلان وبئر السبع” كانت والدة جبر تمضي أيام الأسبوع في “التنقل من سجن لآخر لزيارة الأسرى وتأمين إحتياجاتهم” يوضح سمير. ولم تكتف أم الأسرى العرب بذلك بل كانت “تضرب عن الطعام في مقر الصليب الأحمر في غزة، عندما نخوض معارك الإضراب عن الطعام”. وبعد تحرر ولدها جبر واصلت نشاطاتها وهي تشارك أسبوعياً في إعتصام الإثنين الذي تنظمه عائلات الأسرى أمام مقر الصليب الأحمر. “لم تتركني لحظة واحدة”، يقول سمير بامتنان، لكنه يأسف لأن الإستخبارات العسكرية للعدو منعت منذ ثلاث سنوات الزيارة عني، بإستثناء المحامين والصليب الأحمر" النضال للحصول على حق الدراسة
في الأسر يشعر المرء بالرغبة في التغلب على عقارب الساعة التي تسير ببطء شديد وقاتل. “الوقت هنا قاتل، إذا لم نسيطر عليه”. لا يتخيل سمير نفسه وهو يمضي هذه السنون “غارقاً في الهم والتفكير، فلقد قررت منذ البداية أن أسخر وقتي لتحصين ذاتي ثقافياً وتصليب إرادتي عبر المشاركة في المعارك النضالية التي يخوضها الأسرى”. وفعلاً ومنذ اللحظات الأولى لاعتقاله وفور انتهاء محاكمته “بدأتُ بقراءة ما تيسر من الكتب في ذلك الوقت. ولم أدع معركة نضالية واحدة تفوتني، ومع الوقت أصبحت أيضاً من المشاركين في قيادة وتخطيط هذه المعارك، وبذلك عززت الثقة بنفسي وبالتالي أصبحت على يقين أنني قادر على التغلب على كافة الصعاب”.
كان الحصول على الحق في التعلم الأكاديمي ثمرة نضال متواصل خاضه سمير ورفاقه في المعتقل “وتوج بالإضراب المفتوح عن الطعام الذي بدأ في 27/9/1992 واستمر تسعة عشر يوماً، سقط خلاله العديد من شهداء الشعب الفلسطيني في حملات التضامن معنا في الخارج، كما سقط أحد الأسرى شهيداً وهو الشهيد حسين عبيدات، لكننا في النهاية انتزعنا منهم هذا الحق”. وفي محصلة الأمر حصوله على الإجازة في العلوم الإجتماعية والإنسانية من جامعة تل أبيب المفتوحة في حزيران العام 1997، معتمداً على أسلوب “التعلم عن بعد” الذي تنتهجه هذه الجامعة. وهو يحضر اليوم لنيل الماجستير في “الديموقراطية”.
ولم يتوقف سمير عن القراءة التي هي إحدى هواياته، ويشير إلى أن آخر كتاب قرأه كان “باللغة العبرية وعنوانه بالعربية “أقرب ما يكون”، للكاتب جلحاد شيستر رئيس طاقم المفاوضات في عهد حكومة باراك. ويتحدث الكتاب عن جولات المفاوضات مع الفلسطينيين وبالتفصيل منذ صعود باراك للحكم وحتى سقوطه. ويكشف عن تفاصيل المفاوضات السرية والعلنية في كامب دايفيد وفي طابا قبل أيام من سقوط باراك، وهو مدعم بالكثير من الوثائق ومحاضر الجلسات”. ويسمح للأسرى في نفحة بتلقي “الكتب المطبوعة داخل إسرائيل، لكننا مع ذلك نحصل عليها بصعوبة نتيجة تعرضها للرقابة المشددة”.
وتسمح إدارة سجن نفحة للمعتقلين بالحصول على صحيفة عربية واحدة “هي صحيفة القدس، التي تصل إلينا بالجملة، مرة واحدة كل عشرة أيام، من هنا لا نستفيد كثيراً منها، لأنها تصل متأخرة”، يوضح سمير. لكن إجادته للعبرية جعلته يستفيد من القانون الذي يسمح للمسجونين “بشراء الصحف العبرية “معاريف” و”يديعوت أحرونوت”، وأنا أقرأ يومياً “معاريف” وأقرأ “أحرونوت” عندما يبلغني أحد الأسرى أنها تضم مقالة أو موضوعاً مهماً”.
أما الإذاعة والتلفزيون فيعتمدهما سمير كمصدر أساسي لتلقي الأخبار، وأحياناً لمشاهدة البرامج الترفيهية، لكن “الأفلام السينمائية التي يعرضها التلفزيون نادراً ما تثير إهتمامي” يقول سمير الذي خاض مع رفاقه إضراباً في العام 1984 للحصول على هذا الحق.
عندما يقف سمير مستذكراً ما مر عليه وعلى رفاقه في المعتقل “أكاد لا أصدق وأجد نفسي خاشعاً أمام إرادة الإنسان”. إنه الخشوع أمام التحول المفاجئ في حياة سمير، بما يشبه الحلم. فقد قضى على الخرافة القائلة بأنه هو الأسير إذن هو الضعيف. فاليوم بات سمير هذا الإنسان المثقف الواعي الذي يتطرق لمختلف المواضيع بمخزون ثقافي مهم، يمسك بدفة النقاش بدقة ووعي سياسي وثقافي وإجتماعي.
وقد وضع سمير نصب عينيه تحديا آخر إلى جانب العلم والثقافة “وما زلت مصراً عليه وهو أن لا أحني رأسي أمام العدو مهما طالت سنين الأسر”. وهو يؤكد أن “عدونا يقف مندهشاً أمام إرادتنا وصمودنا وكبريائنا، وما حققناه من إنجازات على المستوى الشخصي والوطني طوال السنوات الماضية وحتى هذه اللحظة”. وطبعاً حصد سمير ثمار نضاله الدؤوب في مختلف المجالات “من خلال الاحترام الكبير الذي أحظى به وسط مجموع الأسرى هنا ووسط أبناء الشعب الفلسطيني في فلسطين”.
فلسطين والإنتفاضة
يتابع سمير القنطار من زنزانته ما يجري في لبنان وفلسطين والعالم العربي. وهو يرى أن أحلامه “لم تتغير إنما جزء منها لم يعد حلماً واقترب من الواقع أكثر، كتجربة المقاومة في لبنان وملحمة الشعب الفلسطيني اليوم، وحالة الضعف والتفكك المعنوي الذي يشهدها الكيان الصهيوني، وأسباب أخرى هامة ومتعددة، مما يجعل من حلم تحرير كل فلسطين مهمة ليست بعيدة المنال”. إذن بعد أربع وعشرين سنة لم يفقد سمير الأمل ولن يفقده.
لم تتغير نظرة القنطار للقضية الفلسطينية التي تشربها منذ طفولته، فهي “قضيتي الأولى منذ الصغر والثمن الذي دفعته وأدفعه من أجل فلسطين هو شهادة شرف لي على إنتمائي لهذه القضية، ليس قولاً بل فعلاً ملموساً متواصلاً”. ففلسطين كانت وستبقى قضية في ضمير سمير ووجدانه، “وفي ضمير ووجدان كل فلسطيني وعربي يشعر بالانتماء الحقيقي لتاريخه وجغرافيته وتراثه وتقاليده ولغته [color=#636363]أما فلسطين الإنتفاضة اليوم فيعتبرها سمير “درع حماية للأمة العربية والإسلامية، وهذا ليس مجرد تحليل بل حقيقة صعبة”. فالإنتفاضة برأيه “تمكنت من حماية العراق، ومن فرملة المخطط الأميركي الهادف إلى ضرب إيران وسوريا ولبنان”. لكنه بالمقابل يتأسف لأن “الأمة العربية والإسلامية بكافة قواها ودولها لم ترتق حتى الآن إلى الحد الأدنى في مواجهة هذا التحدي الأميركي الصهيوني”. هذه المواجهة يراها سمير في ترجمة الدعم الكامل للإنتفاضة و”فتح الحدود أمام الطاقات المناضلة المستعدة للقيام بواجباتها.
ولا يخفي سمير إقتناعه بأن “الإنتفاضة التي اعتمدت على قدرتها الذاتية تقترب اليوم إلى مرحلة حسم المعركة لمصلحتها، على الرغم من كل الصعوبات والآلام، وذلك بفعل جيش الإستشهاديين الذي تمكن من فرض توازن رعب يميل إلى مصلحتنا”. إذن بالنسبة إليه لم يعد الإستقلال الوطني حلماً “فالإنتفاضة باتت على أبوابه، لكنها بحاجة إلى بعض الوقت لحفظ قضية عودة اللاجئين”.
ويبدي القنطار ثقته التامة بأن “نتائج الإنتفاضة لن تؤدي إلا إلى النصر على العدو وإلى إعادة الإعتبار للقيم الأخلاقية العالية التي تزعزعت بعض الشيء خلال مرحلة “أوسلو”. فالشعب الفلسطينين هو “شعب إستثنائي بكل المقاييس وهذه حقيقة يجب أن يعترف بها الجميع”، لذا يشعر سمير بالفخر لأنه “في هذا الخندق مع الشعب الفلسطيني منذ أكثر من خمس وعشرين سنة”.
الواقع العربي
أما الواقع العربي الذي يراه سمير فهو “مؤلم ومحزن ولا يحتاج إلى الكثير من التعليق والشرح”. فأزمة الديموقراطية التي يشتكي منها العرب في دولهم، لا تغيب عن بال الأسير فهي “قد لعبت وتلعب دوراً أساسياً في استمرار حالة التخلف وبقاء الأنظمة الشمولية والسلطوية المتحكمة بهذه الأمة، كما أن لها دورا في حالة اللامبالاة والإحباط العربيين”.
ويشخص عميد الأسرى الوضع كطبيب يرى الداء لكن على المريض إلتزام العلاج “فالمواطن العربي تحول...........................سمير القنطار
أمضى في المعتقل 24 عاماً من أصل 547 عاماً!
الأسير سمير القنطار يتحدث ل “السفير” من سجن نفحة الصحراوي:
الفلسطينيون شعب استثنائي وهذه حقيقة يجب أن يعترف بها الجميع
السفير (الإثنين، 22 نيسان / أبريل 2002)
عبير جابر
“ينقصني أن أسير تحت السماء بعيداً عن قضبان الحديد”
تخبئ لنا الذاكرة في زواياها، وفي ثناياها الكثير من الوجوه والحكايات والمحطات المصيرية. تروي لنا أنه في يوم من الأيام سمعنا باسم هذا الشخص، لكن مشاغل الحياة جعلتنا نتجاوز ذكراه، ننساه في غمرة المشاغل اليومية. وننعش ذاكرتنا كل عام لنقول “مرت سنة على إعتقاله” وبعد عام نقول مرت سنتان وهكذا. نتذكره بجهد لكنه قابع في زنزانته يراجع الحسابات عنا وعنه.
اليوم الثاني والعشرون من نيسان، ذكرى اعتقال مناضل ذاب في هم القضية الفلسطينية. شاب جسيم، ذو عينين حذقتين، تعرف عليه الجميع عبر تلك الصور التي كانت تصل من فترة لأخرى فتحتل الملصقات، كما تحتل مكاناً هاماً في قلب وعقل والدته وعائلته التي لم تره منذ إعتقاله في مثل هذا التاريخ قبل أربعة وعشرين عاماً. إنها الصور التي تحمل في ما تحمل نظرات الاشتياق والحنين، الرغبة بالحرية وبالسير تحت سماء لا يظللها إلا الغيم، ولا يسيجها إلا المطر ولا يحدها إلا النسيم.
في زنزانة إسمنتية، داخل سجن نفحة الصحراوي. في أرض فلسطين، معتقل لبناني يأبى أن تصيبه رطوبة الأسر بالعفونة. فها هو سمير القنطار بعد مرور أربع وعشرين سنة على إعتقاله متمسكاً بقناعاته، وإيمانه يزداد رسوخاً بالقضية الفلسطينية. هو المؤمن بفكر كمال جنبلاط وروحية جمال عبد الناصر، المقتنع بحتمية التغيير “لأن أمة عبد الناصر وجنبلاط لا يمكن أن تبقى متخلفة خائفة لا حول لها ولا قوة”، يقول ل”السفير” مؤكداً انتماءه إلى مدرسة فكرية وعقلية رائدة.
يطلقون عليه لقب عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، نظراً لأنه أقدم المعتقلين اللبنانيين والعرب ربما في سجون الإحتلال. هذا الرجل الذي انتقل من الطفولة إلى مرحلة الشباب فالرجولة، وهو يتنقل من سجن لآخر، وبين زنزانة إنفرادية وأخرى جماعية، يبدو بعد سني الأسر الطويلة صلبا، قوىا وصامدا.
هو هناك في مكان لا ينتمي إليه، مجبر على تمضية فترة الحكم عليه. 745 سنة، هي مجموع خمسة أحكام بالسجن المؤبد وأضيف إليها سبعة وأربعون عاماً. إذن هو لا يستعجل الرحيل، فالوقت طويل أمامه، لكنه بالطبع لا يريد البقاء. مرت السنوات الأربع والعشرون الأولى والباقي جزء “يسير” في حسابات المستقبل.
وكما يحدث في مخيلة مخرج سينمائي في فيلم بوليسي، تصل إليه الأسئلة عبر “رسول”، وبعد فترة تصلنا الردود، مع “إعتذار عن التأخير في وصول رسالتي التي تحتوي ردوداً على أسئلتكم، فهي وصلتني متأخرة قليلاً بسبب انقطاع زيارات الأسرى، نتيجة الأوضاع التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة”. قبلنا الاعتذار من سمير، وفي مرحلة ثانية وجهنا إليه مجموعة أسئلة واستيضاحاً لمعلومات جديدة. فجاءتنا الإجابة سريعة. طبعاً يستحيل فعل أمر مغاير، لكن الأمر تم بسلام، على أمل إجراء مقابلة وجهاً لوجه مع عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية بعد تحرره.
عندما ترك سمير أسرته ليقوم بعملية “نهاريا”، كان في ريعان شبابه. ودع أمه وإخوته على أنه عائد بعد حين، وطال الوقت ليبلغ السنين. “طبعاً أفكر كثيراً بأسرتي”، وأكثر ما يحزنه هو ذكرى شقيقته “التي توفيت بعد اعتقالي مباشرة، ووالدي الذي توفي بعد اعتقالي بسنوات عدة”. ومنذ يوم إعتقاله لم يستطع سمير رؤية عائلته، لأنه مسجون داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكبرت أسرته في غيابه على أمل عودته. بالطبع لسمير أحلام كأي إنسان “بأن أكوّن أسرة وأتذوق طعم الحياة الطبيعية ولو في حدها الأدنى” فهل يتحقق حلمه؟.
بين الجدران الإسمنتية الرمادية اللون، يفتقد سمير للخصوصية “فهي هنا مصادرة بالمطلق، فلا تستطيع أن تقرأ أو تتحدث أو تسمع الأخبار أو تمشي أو تأكل أو تنام من دون أن تراعي الآخرين الموجودين معك في الغرفة”. لكن الحياة المشتركة أعطته المزيد من التفهم للآخرين “كنت في الماضي لا أطيق من يخالفني الرأي، سياسياً، من الأسرى، واليوم أنا أكثر انفتاحاً وأصغي إلى الآخرين”، وهذا لم يمنعه من تفهم وجهات النظر المخالفة له “أتفهم أحياناً وأقتنع أحياناً أخرى وأتمسك بموقفي في الغالب لكن بهدوء وإبتسامة”. وغيّر الأسر الكثير من عادات سمير، فهدوء الزنزانة انعكس عليه “كنت في السابق أكثر صخباً وبتّ اليوم أكثر هدوءاً وسكوناً”.
الإحساس المرهف سمة أساسية تركها الأسر في شخصية سمير. “الأسر يجعل الإنسان أكثر تحسساً لمشاعر الآخرين ومشاكلهم ومعاناتهم الإجتماعية والصحية”. والشيء الذي يستدر دمع سمير هو مشاهدة “أم فلسطينية استشهد ابنها، تخرج لتقول أنها مستعدة للتضحية ببقية أبنائها من أجل فلسطين”. وعندما يقبع المرء فترة طويلة في السجن “تزداد مهمته صعوبة، فيتوجب عليه أن يكون القدوة للأسرى الجدد”، وهذا ما كان يقوم به مع الوافدين الجدد فيشد من أزرهم ويحاول قدر إستطاعته الإصغاء لهم والتخفيف عنهم. “وخصوصاً عندما تصلنا أخبار عن وفاة أحد أفراد أسرة الأسير”، وفي الأشهر الأخيرة ازدادت هذه الأخبار “فلا يكاد أسبوع يمضي إلا وتصلنا أخبار استشهاد أخوة وأبناء لأسرى هنا”.
ثمة حرب إندلعت في قلب فلسطين منذ سنوات طوال عجاف. ثمة حرب إبادة ترتكب بحق الفلسطينيين العزل اليوم على مرأى من العالم، يشاهدها سمير ورفاقه فتشد الخناق عليهم، تخنقهم، تعيق حلمهم تجعله أسود قاتما. “كنا نضحك للمشاهد الحياتية في السجن، لكن الآن الموقف صعب داخل السجن نظراً لأجواء الحزن التي تلف الأسرى بسبب الإنتفاضة وسقوط عدد كبير جداً من أقربائهم شهداء” يقول عميد الأسرى.
ما ينقص سمير الإنسان في أسره، “أن أسير تحت السماء دون أن تفصلني عنها قضبان الحديد. ينقصني أن أتمشى على الشاطئ وأطلق العنان لنظري دون أن تصده الجدران. ينقصني أن أفتح عيني صباحاً دون أن أجد السجان واقفاً أمامي يقوم بإحصاء الأسرى. ينقصني أن أنام ليلاً دون أن أسمع نباح كلاب الحراسة التي تحيط بالسجن. ينقصني أن أحلم مرة واحدة دون أن تتدخل مشاهد السجن في حلمي”.
“الأخبار وتطور الأحداث في فلسطين ولبنان” هي أول ما يفتح القنطار عينيه عليها. فقد استطاع هو ورفاقه المعتقلين “من خلال التحركات الإحتجاجية الحصول على أجهزة تلفزيونية وإذاعية” في غرفهم. وكونه عضوا في اللجنة الوطنية ولجنة الحوار (سيتحدث عنهما في سياق المقابلة)، يعقد سمير و”الرفاق” في اللجنتين لقاءً، “نناقش فيه ما يتوجب علينا متابعته في اليوم نفسه من قضايا داخلية تتعلق بالأسرى وقضايا تتطلب تحركاً حوارياً مع إدارة العدو أو التحرك بخطوات نضالية”.
أما إذا كان جدول أعمال اللجنتين مختصراً ولا يشغل حيزاً كبيراً من نشاطه اليومي، فيمضي “العميد” ما تبقى من الوقت “في مناقشة أمور عامة وسياسية وشخصية أحياناً، مع أصدقائي في الأسر”. هذه الأمور الشخصية تطال “حياة كل أسير كإنسان ووضع أهله، وتطور حياته المستقبلية ورؤيته للمستقبل”، يوضح سمير.
ويختتم القنطار يومه بمشاهدة “الأخبار والبرامج السياسية وأحياناً الترفيهية، وأقوم بكتابة بعض ما يخطر في بالي، وقد أقرأ كتاباً أو مقالاً”. وتبقى اللحظات التي تسبق خلوده للنوم “حيث تمر على بالي المشاهد التي رأيتها خلال اليوم بأكمله” وتكون المحطة الأبرز فيها “أخبار ومشاهد الهمجية الإسرائيلية بحق أطفال وشعب فلسطين”.
من يستمع إلى كلماته يلاحظ هذا المخزون العاطفي الذي يطفو إلى السطح. يغادر الروح ليظهر من خلال الكلمات، على الرغم من أن الرجل صلب وعنيد. إنها حالة إنسانية فريدة من نوعها، وتجربة غنية لإنسان يسترجع من الذاكرة المثقلة بالهمّ، يومياته وسط الجدران الإسمنتية العالية والأسلاك الشائكة المحيطة بالمكان في طوق حديدي يحاصر الجسد والروح.
النضال في نفحة
في سجن نفحة الصحراوي لا يستطيع السجان خنق الروح. هذا السجن الذي يعود بناؤه “إلى أواخر السبعينات، وفق توصية خاصة من لجنة أمنية صهيونية، وأشرف معهد الهندسة التطبيقية “التخنيون” في حيفا على تصميم هذا السجن”، كما يشير سمير. كانت الغاية من وجود هكذا سجن معتقل “إحضار “الأسرى الكوادر” من السجون المركزية، مثل عسقلان وبئر السبع، وممارسة أقصى أشكال الضغط الجسدي والنفسي عليهم لتحطيمهم وإعادتهم إلى السجون التي أحضروا منها ليكونوا عبرة لباقي الأسرى”.
ويرى القنطار أن “قرار إنشاء سجن نفحة كان رداً صهيونياً على انتظام الأسرى في السجون ورفضهم سياسة تحويلهم إلى كمّ مهمل وعالة على مجتمعهم بعد تحررهم. بالإضافة لإصرار الأسرى على تحويل السجون إلى قلاع مواجهة مع العدو، ومدارس لصقل شخصية المناضل وتصليب عوده وتجهيزه لمواصلة مشوار الكفاح ضد العدو”. هذه كانت الأرضية التي بنى سمير شخصيته على أساساتها.
بعد اعتقاله وُضع سمير في عدة سجون منها “عتليت” و”بئر السبع” و”كفاريونا كمود” و”عسقلان”. وحل عميد الأسرى معتقلاً في سجن نفحة الصحراوي منذ العام 1984. وذلك بعد أن “أحضرت أول دفعة من المناضلين إليه في الأول من أيار العام 1980. وبدل أن يحطم الصهاينة الأسرى، تحول نفحة إلى قلعة مواجهة أساسية كانت وما زالت تشكل رأس الحربة”. وهذا يعود طبعاً إلى المعارك النضالية التي خاضها الأسرى “في نفحة والسجون الأخرى، وأهمها الإضراب المفتوح عن الطعام الذي بدأ في 14/7/1980 واستمر ثلاثة وثلاثين يوماً، وسقط من جرائه أربعة شهداء هم: راسم حلاوة وعلي الجعفري وأنيس دولة وإسحق موراغة” يقول سمير.
من قلب صحراء النقب وعلى بعد ثمانين كيلومتراً من مدينة بئر السبع، أقرب المدن إليه، يقع سجن نفحة. وهو يتسع لحوالى ستمئة أسير موزعين على سبعة أقسام. منذ سنتين ونصف يقبع سمير في الزنزانة ذاتها وهو يصفها بأنها “عبارة عن علب إسمنتية من حيث مساحتها الضيقة وانخفاض سقفها كثيراً، منها ما يتسع لعشرة أسرى ومنها يتسع لثمانية”. ونظراً لوجود غالبية المناضلين ذوي الأحكام العالية فيه “يخضع نفحة لحراسة مشددة ولإجراءات أمنية خاصة، بدءا بنظام التحكم الكهربائي في حركة أبواب السجن الداخلية والخارجية وإنتشار كاميرات المراقبة في كل زاوية منه، بالإضافة للكلاب المفترسة والدوريات المسلحة”. وزيادة في الحيطة والحذر “يحيط بالسجن جدار إلكتروني، ويوجد بالقرب من السجن معسكرات وثكنات ومدارس الضباط في جيش العدو”.
السجان وقواعد اللعبة
إستطاع سمير ورفاقه الأسرى خلال السنوات الطويلة من النضال فرض “ما نسميه قواعد اللعبة مع السجانين”، وهو يوضح أسس هذه اللعبة بأن “كل سجان يحاول المس معنوياً أو مادياً بأي أسير، يعرض بذلك حياته للخطر، وبالفعل تصرفنا في الماضي على هذا الأساس”. وعندما أدرك السجانون “أن تطاولهم يشكل خطراً على حياتهم التزموا بقواعد اللعبة هذه، وخففوا كثيراً من إحتكاكهم بالأسرى”. ويشير سمير إلى أنهم “أدركوا أن الأسير على عكس السجان، ليس لديه ما يخسره سوى القيد، من هنا باتوا يحسبون لنا ألف حساب”. لكن هذا لم يمنع السجانين من مضايقة الأسرى “فهم يعتمدون سياسة التنكيل عبر قوانين تعسفية، بدل السلوك الفردي من قبل السجان”.
وحفاظاً على روحية العمل النضالي المشترك للأسرى في نفحة، جاءت “القوانين الداخلية لتمنع العلاقة المباشرة بين السجان والأسير” يؤكد القنطار. فقد استطاع المناضلون تشكيل لجنة وطنية عامة اختاروها من فصائلهم السياسية وتضم أصحاب التجربة والوعي منهم. ويشير سمير، العضو في هذه اللجنة إلى أنها “مسؤولة عن إدارة شؤون الأسرى ونشاطاتهم الثقافية والرياضية والنضالية، وهي التي تقرر الخطوات الإجرائية ضد إدارة السجن”. وتنبثق عن هذه اللجنة لجنة أخرى هي “لجنة الحوار” ومهمتها “إجراء المفاوضات مع إدارة العدو في ما يتعلق بتحسين شروط الحياة والتغلب على المشاكل اليومية التي تنغص حياة الأسير”. وسمير عضو في هذه اللجنة أيضاً، وهو يشير إلى أنها “الجهة الوحيدة المخولة من قبل الأسرى بالتحدث باسمهم أمام إدارة العدو، والوفود التي تزور السجن كالمحامين والصليب الأحمر الدولي”.
وينتدب من هذه اللجنة ممثل للمعتقل، مهمته “متابعة المشاكل الفردية للأسرى مع إدارة السجن، والعمل على حلها ومتابعة تنفيذ ما تم الإتفاق عليه بين لجنة الحوار وإدارة السجن من حل لمشاكل حياتية جماعية وتحسين شروط الإعتقال”. ويسمح للجنة الوطنية بالتحرك في أوقات محددة يومياً داخل أقسام السجن و”تحت إشراف السجانين وكاميرات المراقبة” وذلك بعد أن حصل الأسرى على اعتراف شبه رسمي بلجنة الحوار التي تمثلهم.
إقتضت المهام الموكلة لسمير في اللجنتين الاحتكاك أكثر مع السجان والإدارة، خاصة أنه يجيد اللغة العبرية بطلاقة. وهذه المواجهات الحوارية المستمرة جعلته يشعر مع رفاقه “أننا حينما نتفاوض معهم فأساس التفاوض لا يكون وفق معادلة الأسير والسجان بل وفق معادلة مناضلين يمثلون شعباً يضحي من أجل استعادة حقوقه، مقابل عدو زجّ بنا في السجون لأننا ندافع عن كرامة شعبنا وحقنا في أرضنا”.
طبعاً يخضع سمير علاقته بالسجان لهذه القواعد، فالقواعد السلوكية “تفرض علينا تقليص الإحتكاك بالسجان كإجراء وقائي نتخذه كي لا نميّع حالة الصراع القائمة بيننا وبينهم”. ومن وجهة نظره فهذا يمنع “استغلال العلاقات الودية التي قد تنشأ بين الأسير والسجان في إحداث ثغرة لمصلحة السجان، تؤدي إلى الإسقاط الأمني للأسرى الجدد”. ففي السجن يملك “السجان هامشاً مادياً أكبر من وعود بتخفيض الحكم أو بالمساعدة لنيل العفو. بينما نحن نملك الهامش المعنوي الأكبر. والهامش المادي قد يغري الأسرى ضعاف النفوس الذين لم تصقلهم التجربة بعد”.
وبسبب نشاطاته في اللجنة الوطنية وقيادة الأسرى عزل سمير في زنزانة إنفرادية خمس مرات في الأعوام 1985، 1987، 1991، 1992، 1994. والعزل كما يصفه سمير “يكون في سجون أخرى بعيدة عن الأسرى، كي يمنعوا تأثيرنا عليهم. لكن تحرك السجناء في نفحة واحتجاجهم ومطالبتهم بفك عزلنا كانت تسفر عن إعادتنا إلى السجن”.
رفاق الأسر اللبنانيون
في “علبة إسمنتية واحدة، أتقاسم مع رفاق الأسر اللبنانيين الحياة اليومية”، يقول سمير. ففي زنزانته نفسها في نفحة هناك ستة أسرى لبنانيين: مصطفى حمود، علي بلحص، يوسف وزنة، فادي الجزار، حسن عنقوني وجواد قصفي. “علاقتنا أخوية نضالية ونواجه معاً هماً ومعاناة مشتركة، ونحن دائماً معنوياتنا مرتفعة وصامدون”. ويعتبر سمير الرفاق “أخوة أعزاء”. أما باقي الأسرى اللبنانيين فيعرف القنطار أخبارهم “من خلال حركة تنقلات الأسرى بين سجن وآخر”. و”الرفيق أنور ياسين يتواجد في سجن شطة ومعنوياته عالية، والأخ محمد البرزاوي موجود في سجن عسقلان وهو بحالة معنوية جيدة رغم وضعه الصحي السيء”. ولا يسمع الأسرى أخباراً عن الشيخ عبد الكريم عبيد والحاج أبو علي الديراني المتواجدين في سجن الصرفند، “فهذا السجن عبارة عن مركز تحقيق خاضع للجيش وليس لمديرية السجون، أي أنه خاص للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وتديره الشرطة العسكرية، لذا لا نعرف عنهم شيئاً”.
الرفيق جبر الفلسطيني
إكتسب القنطار خلال سنوات الأسر الطويلة الكثير من العلاقات المميزة “هنا في فلسطين لدي المئات من الأصدقاء الذين إلتقيتهم في الأسر وعشنا سنوات طويلة المعاناة المشتركة”. لكنه يحتفظ بعلاقة جد متمايزة تربطه برفيق دربه “جبر مطلق وشاح” من مخيم البريجة في غزة، “أعتز بهذه العلاقة كثيراً” يقول سمير.
يتحدث سمير عن “الرفيق جبر” كما يسميه، بشيء من الحنين، فبعد أن أمضيا سوياً خمسة عشر عاماً، تحرر جبر في العام 1999. لكن العلاقة لم تنته هنا. “في العام 1986 تم إحضار الرفيق جبر إلى نفحة بعد محاكمته بتهمة قيادة الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة”. وانتدب جبر ليكون عضواً في “اللجنة الوطنية العامة” و”لجنة الحوار” نظراً “لوعيه الإستثنائي” كما يشير سمير. وبالتالي عملا جنباً إلى جنب في التحركات النضالية، مما قربهما من بعضهما البعض، وبات “الرفيقان” على صلة وثيقة.
ومنذ العام 1986 كانت رحلة سمير وجبر “مشتركة بكل معنى الكلمة: من تخطيط وقيادة مواجهات مع العدو، إلى جانب تنظيم وتطوير الواقع الإجتماعي للأسرى”. وقد عزلتهما إدارة السجن “عدة مرات في زنازين انفرادية وفي سجون بعيدة عن نفحة، كعقاب على دورنا الذي نؤديه في إطار تحمل مسؤولياتنا الوطنية من خلال اللجنة الوطنية ولجنة الحوار”، يوضح سمير.
وعمل سمير وجبر معاً في هيئة تحرير مجلة شهرية داخلية ناطقة باسم الأسرى، إسمها هيئة “نفحة الثورة”. ويقول سمير “أشرفنا بشكل مشترك مع أخوة آخرين على إصدار نشرة أسبوعية إسمها “الإنتفاضة مستمرة”، صدرت هنا في نفحة وكانت ترصد أخبار الإنتفاضة وتستعرضها بشكل تحليلي. وكانت هذه النشرة تعمم على الأسرى في كافة الأقسام”.
تعلم سمير “الكثير من هذا المناضل، فجبر إنسان حساس ورائع وحكيم”. وهو يسترجع مواقفه بشيء من الإحساس بالزهو “كانت مواقفه رائعة تعطي المثال على أصالته”. ويسرد سمير حادثاً يعود إلى “العام 1994، عندما بدأ العدو بإطلاق سراح دفعات من الأسرى الفلسطينيين، في إطار ما يسمى عملية السلام ووفق معايير حددها العدو واستثنى منها المناضلين الذين نفذوا عمليات أدت إلى قتل صهاينة. وطبعاً كانت هذه المعايير ظالمة ومجحفة ومهينة أيضاً للجانب الفلسطيني المفاوض الذي سلم بهذه المعايير ولم يعطها الأهمية المطلوبة في ذلك الوقت”. ويشير سمير إلى أن “العدو حاول إطلاق سراح الأسيرات الفلسطينيات لكنهن رفضن التحرر إلا إذا أطلق سراحهن جميعهن دون استثناء. فقد كان هناك ثلاث أسيرات لا تنطبق المعايير الصهيونية عليهن، وبالفعل كان لإصرار الأسيرات على هذا الموقف لسنوات نتيجة إيجابية برضوخ العدو وإطلاق سراحهن جميعاً”.
وقد حاول “الرفيق جبر” أن يبلور الموقف نفسه على مستوى الأسرى “كان مرشحاً للتحرر، لكنه أصر في سعيه على تبني موقف جماعي للأسرى شبيه بموقف الأسيرات. وناضل أياماً وشهوراً وهو يحاول إقناع الأسرى المرشحين للتحرر لتبني هذا الموقف، لكنه لم يتوصل لإقناع الجميع بسبب الحالة النفسية السيئة التي كانوا يعيشونها نتيجة حدة إتفاق أوسلو”. تحرر جبر في العام 1999 لكنه على تواصل دائم مع الأسرى ومع سمير.
أم الأسرى العرب
نتيجة للعلاقة المميزة التي ربطت سمير برفيقه جبر، طلب هذا الأخير من إدارة السجن السماح لوالدته بزيارة سمير. “بعد جهود وافقت إدارة المعتقل على ذلك، لأننا قبل سنتين كنا قد قمنا بإضراب عن الطعام، كانت أحد مطالبه السماح لعائلات الأسرى الفلسطينين زيارة الأسرى العرب الذين لم تتمكن عائلاتهم من الحضور من الدول العربية لزيارتهم”. وكان أن تعرف سمير على عائلة جبر “وعلى والدته التي أصبحت رمزاً للعطاء، وأصبحت تلقب بأم الأسرى العرب لأنها كانت تزورني وتزور جبر في نفحة، ثم كانت تسافر ستمئة كيلومتر، لزيارة أسرى لبنانيين وسوريين وغيرهم من الأسرى العرب في سجون: الجلمة وشعلة وعسقلان وبئر السبع”.
كانت والدة جبر تمضي غالبية أيام الأسبوع في “التنقل من سجن لآخر لزيارة الأسرى العرب وتأمين إحتياجاتهم” يوضح سمير. ولم تكتف أم الأسرى العرب بذلك بل كانت “تضرب عن الطعام في مقر الصليب الأحمر في غزة، عندما نخوض معارك الإضراب عن الطعام”. وبعد تحرر ولدها جبر واصلت نشاطاتها وهي تشارك أسبوعياً في إعتصام الإثنين الذي تنظمه عائلات الأسرى أمام مقر الصليب الأحمر. “لم تتركني لحظة واحدة”، يقول سمير بامتنان، لكنه يأسف لأن الإستخبارات العسكرية للعدو منعت منذ ثلاث سنوات الزيارة عني، بإستثناء المحامين والصليب الأحمر”. وخلال هذه السنوات الثلاث تمكنت “أم الرفيق جبر من زيارتي مرتين، إستثنائياً بعد جهود كبيرة بذلها الصليب الأحمر في حينه وبعض المحامين”.
النضال للحصول على حق الدراسة
في الأسر يشعر المرء بالرغبة في التغلب على عقارب الساعة التي تسير ببطء شديد وقاتل. “الوقت هنا قاتل، إذا لم نسيطر عليه”. لا يتخيل سمير نفسه وهو يمضي هذه السنون “غارقاً في الهم والتفكير، فلقد قررت منذ البداية أن أسخر وقتي لتحصين ذاتي ثقافياً وتصليب إرادتي عبر المشاركة في المعارك النضالية التي يخوضها الأسرى”. وفعلاً ومنذ اللحظات الأولى لاعتقاله وفور انتهاء محاكمته “بدأتُ بقراءة ما تيسر من الكتب في ذلك الوقت. ولم أدع معركة نضالية واحدة تفوتني، ومع الوقت أصبحت أيضاً من المشاركين في قيادة وتخطيط هذه المعارك، وبذلك عززت الثقة بنفسي وبالتالي أصبحت على يقين أنني قادر على التغلب على كافة الصعاب”.
كان الحصول على الحق في التعلم الأكاديمي ثمرة نضال متواصل خاضه سمير ورفاقه في المعتقل “وتوج بالإضراب المفتوح عن الطعام الذي بدأ في 27/9/1992 واستمر تسعة عشر يوماً، سقط خلاله العديد من شهداء الشعب الفلسطيني في حملات التضامن معنا في الخارج، كما سقط أحد الأسرى شهيداً وهو الشهيد حسين عبيدات، لكننا في النهاية انتزعنا منهم هذا الحق”. وفي محصلة الأمر حصوله على الإجازة في العلوم الإجتماعية والإنسانية من جامعة تل أبيب المفتوحة في حزيران العام 1997، معتمداً على أسلوب “التعلم عن بعد” الذي تنتهجه هذه الجامعة. وهو يحضر اليوم لنيل الماجستير في “الديموقراطية”.
ولم يتوقف سمير عن القراءة التي هي إحدى هواياته، ويشير إلى أن آخر كتاب قرأه كان “باللغة العبرية وعنوانه بالعربية “أقرب ما يكون”، للكاتب جلحاد شيستر رئيس طاقم المفاوضات في عهد حكومة باراك. ويتحدث الكتاب عن جولات المفاوضات مع الفلسطينيين وبالتفصيل منذ صعود باراك للحكم وحتى سقوطه. ويكشف عن تفاصيل المفاوضات السرية والعلنية في كامب دايفيد وفي طابا قبل أيام من سقوط باراك، وهو مدعم بالكثير من الوثائق ومحاضر الجلسات”. ويسمح للأسرى في نفحة بتلقي “الكتب المطبوعة داخل إسرائيل، لكننا مع ذلك نحصل عليها بصعوبة نتيجة تعرضها للرقابة المشددة”.
وتسمح إدارة سجن نفحة للمعتقلين بالحصول على صحيفة عربية واحدة “هي صحيفة القدس، التي تصل إلينا بالجملة، مرة واحدة كل عشرة أيام، من هنا لا نستفيد كثيراً منها، لأنها تصل متأخرة”، يوضح سمير. لكن إجادته للعبرية جعلته يستفيد من القانون الذي يسمح للمسجونين “بشراء الصحف العبرية “معاريف” و”يديعوت أحرونوت”، وأنا أقرأ يومياً “معاريف” وأقرأ “أحرونوت” عندما يبلغني أحد الأسرى أنها تضم مقالة أو موضوعاً مهماً”.
أما الإذاعة والتلفزيون فيعتمدهما سمير كمصدر أساسي لتلقي الأخبار، وأحياناً لمشاهدة البرامج الترفيهية، لكن “الأفلام السينمائية التي يعرضها التلفزيون نادراً ما تثير إهتمامي” يقول سمير الذي خاض مع رفاقه إضراباً في العام 1984 للحصول على هذا الحق.
عندما يقف سمير مستذكراً ما مر عليه وعلى رفاقه في المعتقل “أكاد لا أصدق وأجد نفسي خاشعاً أمام إرادة الإنسان”. إنه الخشوع أمام التحول المفاجئ في حياة سمير، بما يشبه الحلم. فقد قضى على الخرافة القائلة بأنه هو الأسير إذن هو الضعيف. فاليوم بات سمير هذا الإنسان المثقف الواعي الذي يتطرق لمختلف المواضيع بمخزون ثقافي مهم، يمسك بدفة النقاش بدقة ووعي سياسي وثقافي وإجتماعي.
وقد وضع سمير نصب عينيه تحديا آخر إلى جانب العلم والثقافة “وما زلت مصراً عليه وهو أن لا أحني رأسي أمام العدو مهما طالت سنين الأسر”. وهو يؤكد أن “عدونا يقف مندهشاً أمام إرادتنا وصمودنا وكبريائنا، وما حققناه من إنجازات على المستوى الشخصي والوطني طوال السنوات الماضية وحتى هذه اللحظة”. وطبعاً حصد سمير ثمار نضاله الدؤوب في مختلف المجالات “من خلال الاحترام الكبير الذي أحظى به وسط مجموع الأسرى هنا ووسط أبناء الشعب الفلسطيني في فلسطين”.
فلسطين والإنتفاضة
يتابع سمير القنطار من زنزانته ما يجري في لبنان وفلسطين والعالم العربي. وهو يرى أن أحلامه “لم تتغير إنما جزء منها لم يعد حلماً واقترب من الواقع أكثر، كتجربة المقاومة في لبنان وملحمة الشعب الفلسطيني اليوم، وحالة الضعف والتفكك المعنوي الذي يشهدها الكيان الصهيوني، وأسباب أخرى هامة ومتعددة، مما يجعل من حلم تحرير كل فلسطين مهمة ليست بعيدة المنال”. إذن بعد أربع وعشرين سنة لم يفقد سمير الأمل ولن يفقده.
لم تتغير نظرة القنطار للقضية الفلسطينية التي تشربها منذ طفولته، فهي “قضيتي الأولى منذ الصغر والثمن الذي دفعته وأدفعه من أجل فلسطين هو شهادة شرف لي على إنتمائي لهذه القضية، ليس قولاً بل فعلاً ملموساً متواصلاً”. ففلسطين كانت وستبقى قضية في ضمير سمير ووجدانه، “وفي ضمير ووجدان كل فلسطيني وعربي يشعر بالانتماء الحقيقي لتاريخه وجغرافيته وتراثه وتقاليده ولغته، وأنا سأبقى وفياً لهذه القضية حتى آخر أيام حياتي”.
أما فلسطين الإنتفاضة اليوم فيعتبرها سمير “درع حماية للأمة العربية والإسلامية، وهذا ليس مجرد تحليل بل حقيقة صعبة”. فالإنتفاضة برأيه “تمكنت من حماية العراق، ومن فرملة المخطط الأميركي الهادف إلى ضرب إيران وسوريا ولبنان”. لكنه بالمقابل يتأسف لأن “الأمة العربية والإسلامية بكافة قواها ودولها لم ترتق حتى الآن إلى الحد الأدنى في مواجهة هذا التحدي الأميركي الصهيوني”. هذه المواجهة يراها سمير في ترجمة الدعم الكامل للإنتفاضة و”فتح الحدود أمام الطاقات المناضلة المستعدة للقيام بواجباتها.
ولا يخفي سمير إقتناعه بأن “الإنتفاضة التي اعتمدت على قدرتها الذاتية تقترب اليوم إلى مرحلة حسم المعركة لمصلحتها، على الرغم من كل الصعوبات والآلام، وذلك بفعل جيش الإستشهاديين الذي تمكن من فرض توازن رعب يميل إلى مصلحتنا”. إذن بالنسبة إليه لم يعد الإستقلال الوطني حلماً “فالإنتفاضة باتت على أبوابه، لكنها بحاجة إلى بعض الوقت لحفظ قضية عودة اللاجئين”.
ويبدي القنطار ثقته التامة بأن “نتائج الإنتفاضة لن تؤدي إلا إلى النصر على العدو وإلى إعادة الإعتبار للقيم الأخلاقية العالية التي تزعزعت بعض الشيء خلال مرحلة “أوسلو”. فالشعب الفلسطينين هو “شعب إستثنائي بكل المقاييس وهذه حقيقة يجب أن يعترف بها الجميع”، لذا يشعر سمير بالفخر لأنه “في هذا الخندق مع الشعب الفلسطيني منذ أكثر من خمس وعشرين سنة”.
الواقع العربي
أما الواقع العربي الذي يراه سمير فهو “مؤلم ومحزن ولا يحتاج إلى الكثير من التعليق والشرح”. فأزمة الديموقراطية التي يشتكي منها العرب في دولهم، لا تغيب عن بال الأسير فهي “قد لعبت وتلعب دوراً أساسياً في استمرار حالة التخلف وبقاء الأنظمة الشمولية والسلطوية المتحكمة بهذه الأمة، كما أن لها دورا في حالة اللامبالاة والإحباط العربيين”.
ويشخص عميد الأسرى الوضع كطبيب يرى الداء لكن على المريض إلتزام العلاج “فالمواطن العربي تحول بفعل الأزمة إلى متلق سلبي لا يستطيع أن يقول كلمته في ما يجري حوله وفي ما يتعلق بمصير ثرواته، وبالتالي جعلته يصرف نظره عن هموم هذه الأمة”، لكنه يسلم بأن هذا المواطن “يتفاعل أحياناً مع ذروة الأحداث وكثافتها لكن بحدود الإحتجاج على النتائج دون البحث في الأسباب أو معالجتها”.
وبالطبع هناك مسؤولية الأحزاب والقوى الديموقراطية العربية في استمرار هذه الحالة، لذا يرى القنطار “أننا أمام فرصة كبيرة وفرتها الإنتفاضة الفلسطينية للخروج من هذا الواقع العربي السيء، والبدء بمعالجة الأسباب”. فتكون وصيته للأحزاب والقوى “بالتحرك والتخلي عن الخوف والجبن والإنتهازية، وعن البحث عن حضور علني هنا وهناك، على حساب مبادئها وأهدافها العربية”.
وفي هذا السبات يتوجب على اللبنانيين، كما يرى سمير، “التدخل المباشر لحماية أنفسنا أولاً، ولدعم الإنتفاضة ثانياً مهما كان الثمن وسواء بقي الإجماع الوطني حول المقاومة أو لم يبق”. فالإعتبار الوحيد الذي يجب أن يدخل في الحسبان اليوم “هو نداء ضميرنا وواجبنا الوطني والقومي والأخلاقي، وأنا واثق من حتمية تغير هذه الأوضاع لأن أمة جمال عبد الناصر وكمال جنبلاط لا يمكن أن تبقى متخلفة خائفة لا حول لها ولا قوة”.
سمير ولبنان
غاب سمير عن لبنان أربعة وعشرين عاماً، أي منذ الجمهورية الأولى، وهو يشاهد عن بعد ما يجري على أرضه، فيرى ضرورة الوقوف “وقفة تقييمية وطنية شاملة، لإستخلاص الدروس والعبر من التجربة السابقة أي من تجربة الجمهورية الأولى”، فالجمهورية الثانية لم تأت بجديد “من حيث مضمون النظام السياسي في لبنان، ومن حيث المضمون العملي لتعريف المواطن، ولا في ما يتعلق بالتركيبة الإدارية والوظيفية ومعاييرها وأدائها، بالإضافة لمستقبله الإقتصادي”.
ويستشف الأسير القنطار حاجة لبنان لمحطة تقييمية “إذ يفترض به أن يعمق تحمل مسؤولية الأجيال الشابة للهموم الوطنية، عبر استكمال الحلقات المفقودة في ديموقراطيته”، التي يعتبر أهمها “العلاقة المباشرة بين الدولة والمواطن كوحدة سياسية قائمة بحد ذاتها، والتي تعني أن المواطن يتحول إلى مبال ومتفاعل ومندفع لتحمل مسؤولية الهموم، لأنه سيشعر بقدرته على التأثير في تحديد أولويات الدولة وأدائها”.....................سمير القنطار
لن يبقى في الوادي غير حجارتهرفيق جورج... كم كان وقع الخبر ثقيلاً هنا في هداريم، حيث لخبر الموت طعم آخر.
كم «حكيم» لنا حتى ترحل أيها الحبيب؟ من سيصلح ذات البين في غيابك؟ وأنت القلق دائماً على مسار الوحدة الوطنية الفلسطينية التي ما شهدت انحرافاً ولا عبثاً وتقسيماً مثلما تشهده اليوم.
من سيكون حاضراً مع آلامنا؟ وأنت الذي حملت راية الدفاع عن الأسيرات والأسرى وحفظت جيداً «شيفرة» فك الأصفاد التي كتبها سجين على حائط أقبية المخابرات الأردنية في سجن العبدلي.هل أخبرك عن أحمد؟ هذا
الذي تسلّم الأمانة من الشهيد أبو علي مصطفى. أحمد الذي التحق بنا في سجن الصهيونية بعدما اقتادته أيدي الخيانة من سجن الإمبريالية في أريحا.
هل أخبرك عن عبد الرحيم؟ هذا الذي عانقنا قبل أشهر عائداً إلى السجن الكبير في رام الله، مصرّاً على أن نحفظ له سريره في هداريم لأنه لن يطيل الغيبة!
هي القصة نفسها يا جورج نعيد قراءتها ونحفظها عن ظهر قلب. قصة «الثورة التي قامت لتحقق المستحيل لا الممكن».
من يبحث عن المستحيل اليوم يا جورج؟
اليوم أفضل الممكن أن يهلّلوا لمجرم الحرب بوش، أن ينتشوا فرحاً لرقصة السيف المقزّزة في البحرين، لخيمة المضافة المذلّة في الإمارات، لوسام الشرف المفقود في السعودية.
اليوم أفضل الممكن أن نكسر جدار الجوع في رفح. أن نفرح للحصار بدل أن نحزن. حصار غزة الذي رغم بشاعته وقسوته وعنصريته وجبانته كان الترياق الذي أوقف سم التقاتل الداخلي والشتم الذي لا يتوقف عبر الفضائيات، وأعاد الأمل بجمع الشمل ولقاء الإخوة في السلاح والأعداء في تقاسم سراب السلطة.
جورج ليكن غيابك محطّة لحماية كل الثوابت التي أفنيت أجمل سنوات عمرك من أجلها. فلسطين الدولة الحاضنة لكل أبنائها في الوطن والشتات وعاصمتها القدس عروس المدائن وقبلة الأحرار. المقاومة خط ونهج ومسيرة كفاح لكل الثوار في فلسطين ولبنان والعراق وعلى امتداد العالم. التكاتف والتلاحم والصدق والوفاء والشجاعة في مواجهة قوى الأعداء، وقوى الإمبريالية العالمية، وقوى الاستسلام.
سلاماً لك ولكل الشهداء...
أنت قلت «الثوريون لا يموتون». نعم، أنت على حق. الثوريون يحتلون كل الأمكنة في أزقة المخيمات، في معسكرات التدريب، في أقبية التعذيب، يحيون هناك في الوادي الذي لن يبقى فيه غير حجارته.
جورج... الآن نطفئ كل الشموع ونستودعك. سنبكي لأن بسمتك الدافئة لن تستقبلنا يوم حريتنا..........................
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق