الخميس، 13 أكتوبر 2016

نادية شحادة دعيبس شهيدة وعروس الصفصاف

مع اقتراب ذكرى استشهادها يوم 18-10-1977.. اعيد نشر المقالة ... نادية شحادة دعيبس شهيدة وعروس الصفصاف - منفذة عملية مقديشو مع الشهيد زهير عكاشة.. بقلم نضال حمد
الشهيدة نادية شحادة دعيبس من بلدة الصفصاف في الجليل الأعلى بفلسطين المحتلة، مواليد سنة 1956 في البحرين.
والدها المرحوم الاستاذ والمربي شحادة دعيبس الذي غادر مجبرا مع عائلته بلدة الصفصاف بعدما احتلها الصهاينة الغاصبون وارتكبوا فيها مجزرة بشعة أودت بحياة العشرات من سكان القرية ومن لجأ إليها من القرى المجاورة. منذ ذلك اليوم 28-10-1948 بدأت رحلة العذاب والشتات والتشرد. فمن مخيم عين الحلوة غادر والد الشهيدة نادية الى البحرين حيث يقال ان شهيدتنا رأت النور في البحرين.
والد شهيدتنا الأستاذ شحادة دعيبس غير معروف لجيلي والأجيال اللاحقة وبعض الأجيال السابقة في المخيم لأنه بعد الوصول الى لبنان تشرد من جديد و بسرعة. لكنه شقيق المرحوم الأستاذ عطا دعيبس، صاحب البسمة والنكتة والطلة الجميلة، الذي عرفناه في ومن المدرسة والحارة في المخيم. وهو من المربين الذين ربوا وعلموا عدة أجيال في مخيم عين الحلوة. بينما انتمى الأستاذ عطا في لبنان الى حركة فتح فضل شقيقه في البحرين ان لا ينتمي لأي تنظيم سياسي وبقي منتميا للصفصاف وكل فلسطين.
كان الاستاذ شحادة دعيبس موسوعة فيما يخص تاريخ بلدة الصفصاف وعاداتها وتقاليدها وكل شيء عنها، وهو بالمناسبة الصديق الحميم للشاعر الأستاذ الصفصافي الراحل محمد ادغيم - أبو هشام - . الذي كتب كثيرا عن بلدة الصفصاف. حيث كان الأستاذ شحادة دعيبس حسبما علمت وعرفت فيما بعد ملهمه وشريكه السري في جمع كل تلك المعلومات عن البلدة وناسها وعاداتها وتقاليدها ..الخ. ويبدو ان حكايات وقصص الوالد عن الصفصاف وفلسطين وفظائع العصابات الاستيطانية الاستعمارية الفاشية الصهيونية هناك أثرت كثيرا في نادية الطفلة فنادية الشابة الفدائية الثورية.
شهيدتنا وبطلتنا نادية شحادة دعيبس
التحقت بالمجال الخارجي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة الشهيد القائد الأسطورة وديع حداد سنة 1975. واستشهدت بتاريخ 18-10-1977 في عملية اختطاف طائرة لوفتهانزا ألمانية بعد اشتباك مع الكومندوس الألماني في مطار مقديشو، استطاع خلاله الكوماندوس قتل جميع أفراد المجموعة ومنهم-ن الشهيدة نادية دعيبس، الشهيدان زهير عكاشة ونبيل حرب فيما تم أسر المناضلة سهيلة اندرواس بعد إصابتها بجروح بليغة. لاحظوا معي ان استشهاد نادية جاء بعد ما يقرب ثلاثون سنة على استشهاد بلدة الصفصاف وفي تاريخ قريب على تاريخ مجزرة الصفصاف وفي نفس الشهر.
كانت نادية دعيبس طالبة جامعية ذكية وناشطة وكلها حيوية وانتماء للقضية. آمنت كما أبناء جيلها من الفلسطينيين والعرب بالعنف الثوري وسيلة وحيدة وأساسية لإيصال معاناة ومأساة ونكبة وحقوق الشعب العربي الفلسطيني الى كل بيت في كل العالم. ففي ذلك الوقت كان التعتيم على قضية فلسطين سيد الموقف،وكان العالم الغربي الذي ارتكب المذابح بحق اليهود الأوروبيين يقف الى جانب اليهود الصهاينة وكيانهم الوليد في فلسطين المحتلة.لذا كان لا بد من إيصال صوت فلسطين إليهم أجمعين. فرفعت نادية كما رفاقها في مدرسة وديع حداد شعار وراء العدو في كل مكان.
تعلمت الشهيدة نادية في مدارس البحرين هي وشقيقتها، هذه الأخيرة التي صادف يوم اختطاف الطائرة ووصولها الى مطار البحرين ان يكون يوم زفافها. حيث كانت في طريقها الى خارج البلاد لقضاء شهر العسل حين رأت الطائرة المختطفة جاثمة على ارض المطار في البحرين. لكنها لم تكن تعلم أن نادية شقيقتها واحدة من فدائيي المجموعة الخاطفة.

لا يجوز ان تدفن سيرة نادية دعيبس هذه الثورية الفلسطينية المتألقة التي حملت فلسطين في قلبها لتحيا معها هناك، لا يجوز ان تمر بدون ذكر وبدون إحياء يليق بالثوريات وبالفدائيات اللواتي لا يمتن أبدا. كما ان شهيدتنا الصفصافية لم تمت ومازالت حيّة في الأجيال التي تواصل حمل راية الكفاح بالرغم من العذابات والجراحات والمؤامرات.
سيرة نادية ليست عادية ولا هي سيرة شخصية عابرة في الصفصاف .. لأنها كانت من جيل العنف الثوري الفلسطيني والعربي والعالمي. وكانت من المثقفات ولم تكن من النساء العابرات والعاديات. هي شخصية صلبة، متعلمة، متيقظة، حساسة، شفافة، قوية، مثقفة، ثورية وفدائية.
لنقرأ معا ماذا كتبت عن نادية في جريدة الوسط البحرينية، في يوم المرأة العالمي الموافق 8-3-2004 اي قبل عشر سنوات من الآن، صديقتها الكاتبة البحرينية منى عباس فضل :
( لم نستطع البكاء عليها ما يكفي، حتى تبينت وتشابكت لنا الخيوط عندما تبنت ونعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين استشهاد إحدى مناضلات الجبهة في عملية فدائية تمت في مطار «مقديشو» بالصومال، وكان ذلك في العام 1977، إن مشاهدة جسدها ملقى على أرض المطار حينما تفجرت الطائرة، يشرح الدلالات العميقة ويختصر تاريخ نضال الشعب الفلسطيني، وموته المجاني بسبب الاحتلال، هل نقول عنها صدمة، أبدا لا أعتقد، فعندما تتلقى خبرا عن أية عملية استشهادية، ومقاومة عند معابر الحدود العنصرية، أو في قعر الأرض المحتلة فلسطين، تطل عليك دوما تلك الوجوه الفلسطينية التي تعرفت عليها وسارت في درب التضحية، من المؤكد أنها تضعك في حال من عدم الإغفال عن الكيفية التي خرج بها ذلك الإنسان حاملا روحه على كفه، يقاوم التداعي ويقاوم التكلس، هكذا شرحت لنا «نادية دعيبس» رؤيتها بالتفصيل، وببداهة لا تقبل المهادنة، هكذا كشفت في زمننا عن أقنعة الصمت، وتركتها عارية، لعل وعسى أن تبقى جذوة الشعلة متقدة. كم هو مخجل هذا الموت، هذه القوافل من الفتيات والفتيان الفلسطينيين الذين يقاومون وجود العدو الصهيوني ويستشهدون يوميا في مقاومة تبدو لا نهائية، هم الجمر تحت الرماد طالما بقت أرض فلسطين العربية أرض احتلال.).
كانت ناديا فتاة صلبة الإرادة والعزيمة، إرادتها فولاذية وعزيمتها من حديد، عنيدة على الثوابت والحق الذي لا يقبل المساومة. كانت طالبة شغوفة بالقراءة والمطالعة والمعرفة، مدركة لما يدور في عالمنا العربي.. ملكت إمكانية التحليل السياسي من خلال ثقافتها الوطنية وتربيتها الحزبية الثورية. عرفتها جامعة الكويت حيث كانت تدرس في آخر أيام عمرها القصير والغني بالكثير من المحطات الوطنية والثورية. ونالت عن جدارة عضوية اتحادي طلاب فلسطين والبحرين.
كانت تحافظ على وتتمسك بتراث فلسطين وبعاداتها وتقاليدها وحتى أكلاتها حيث تقول الكاتبة البحرينية زميلتها في الجامعة منى عباس فضل ان ناديا كانت تحضر المناقيش بالزعتر وفطائر اللحم بالعجين المخبوزة في بيتها الفلسطيني البحريني . وتضيف الكاتبة البحيرينة: نادية تعرفنا بأن العدو الصهيوني لا يعرف إلا لغة وحيدة هي لغة السلاح والمقاومة، اللذين حملتهما وهي تحلم بالوطن الذي تضخم في غربتها ولم تسعها أوطان الدنيا، فثمة وطن وحيد صاخب في ضمير من تشرد وعذب واغتصبت أرضه، إنه فلسطين.
بعض معارف نادية دعيبس قالوا عنها : ( كانت تبيع دمها عشان الطلاب الفقراء... كانت تدعمهم. وكانت من النوع الهادئ جدا، دبلوماسية كتير .. كنت ما بتقدر تعرف منها شي لأنها كانت كتومة جدا.).. إذن هذه هي مدرسة العمل الثوري السري التي تعلم الإنسان الثوري اول ما تعلمه ان يكون صدره كنزه وكاتم وحافظ أسراره.

شكل استشهاد نادية في عملية مقديشو صدمة لوالديها اللذين فجعا بخبر استشهادها حيث لم يكونا على دراية وعلم بما قامت وتقوم به نادية. لكن شقيقتها شادية تقول انها لم تفاجئ باستشهادها وأنها كانت تعلم ان نادية منظمة وتمارس العمل الثوري، وتضيف انها لم تبكها، ولم تذرف دمعاً عليها لأنها يوم علمت باستشهادها شعرت بالفخر والكبرياء والعزة والانتماء الأصيل لفلسطين وشعبها المكافح، وتمنت لو أنها تستطيع القيام بعملية ضد الصهاينة في فلسطين المحتلة.
أقول لشقيقتها شادية بكتابتي عن الشهيدة: قمت بواجبي اتجاه شهيدة فلسطينية فدائية ثورية لم أجد أي شيء عنها سوى سطرين في موقع شهداء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. بالإضافة لمقالة جميلة لكاتبة بحرينية نشرت في جريدة الوسط البحرينية بيوم المرأة سنة 2004 ، وهذه الكاتبة كانت زميلة مع الشهيدة نادية في جامعة الكويت.
و قصتي مع الشهيدة نادية دعيبس تعود لطفولتي وسنوات بدايات مراهقتي، بقيت أحفظ اسمها منذ سماعه يوم استشهادها سنة 1977 وكان عمري يومها 13 سنة. وقلت هذه فتاة من الصفصاف استشهدت لأجل فلسطين بعيدا عن فلسطين. ويومها ازدادت قناعتي بالرغم من صغر سني بأن قضيتنا أممية.
رحم الله شهيدتنا والنصر لمقاومة شعبنا.
انشر هذه المقالة المتواضعة والمعلومات التي جمعتها من هنا وهناك عن الشهيدة الصفصافية ناديا شحادة دعيبس لكي يتعرف وتتعرف عليها شباب وشابات الصفصاف والأجيال الناشئة في فلسطين والشتات. أن أكرم الناس عند الناس ورب الناس هم الشهداء .. فالمجد للشهداء وعلينا الوفاء.
http://www.safsaf.org/word/2014/mars/65.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق