ـ كمال الشارني
لم يفلح البيان التوضيحي الصادر، يوم أمس، عن وزارة الخارجية التونسية بخصوص «اعتبار حزب الله تنظيما إرهابيا» في تهدئة الاحتجاج السياسي والمدني ضد موقف وزارة الداخلية التونسية، إذ لا يزال نواب الشعب يطالبون بمساءلة الحكومة التونسية حول تورطها في المصادقة على بيان وزراء الداخلية العرب في هذا الشأن.
موجة الرفض من قبل الأحزاب والمجتمع المدني لموافقة وزارة الداخلية التونسية على بيان الدورة الثالثة والثلاثين لمجلس وزراء الداخلية العرب في تصنيف «حزب الله» تنظيما إرهابيا بلغت ذروتها يوم امس، حتى تحوّلت الى محور حديث السياسيين والنقاشات في وسائل الاعلام.
الاتحاد العام التونسي للشغل كان قد توّج، امس الاول، الحملة السياسية والشعبية الرافضة لقرار مجلس وزراء الداخلية العرب، متمسكا بالخيار التاريخي لتونس في دعم كل أشكال المقاومة ضد الكيان الصهيوني.
ويوم امس، عبّرت نقابة المحامين عن «صدمتها» لما جاء في بيان وزراء الداخلية العرب، منتقدة ما وصفته بـ «انخراط الحكومة التونسية في التوجه الخطير بالتنكر لثوابت الشعب التونسي في الانتصار للمقاومة والمشاركة فيها».
اثر ذلك، تتالت بيانات الأحزاب السياسية في الاتجاه ذاته.
وابدى «حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي» استغرابه لموافقة الحكومة التونسية على بيان وزراء الداخلية العرب، معتبراً ان هذا الموقف يؤكد مجدداً «سياسة الاصطفاف الآلي وراء مواقف المملكة السعودية التي انتهجتها الديبلوماسية التونسية في الآونة الأخيرة كالانضمام إلى (الحلف الإسلامي ضد الارهاب، والمصادقة على تشكيل قوات عربية مشتركة للتدخل العسكري في البلدان العربية...) وهو موقف في تناقض صارخ مع مصالح بلادنا العليا واستقلالية قرارنا السيادي».
كما انتقدت «الجبهة الشعبية» ما وصفته بـ «اصطفاف الحكومة التونسية، من خلال وزير الداخلية، وراء الموقف السعودي الخليجي» معتبرة أن «هذا الموقف لا مصلحة فيه لتونس كما أنه لا مصلحة فيه للشعب اللبناني والشعوب العربية عامة».
ونددت «حركة الشعب» ببيان وزراء الخارجية العرب، معتبرة ان «محاربة الإرهاب تقتضي أوّلا التمييز بدقّة وصرامة بين المقاومة المشروعة والإرهاب» وأنّ «المتابع المحايد لا يحتاج جهدا لكي يتبين أنّ حزب الله يتموقع في قلب معسكر المقاومة الصامدة في وجه المخطّطات الصهيونيّة وأدواتها التكفيريّة».
كما أدان «التحالف الديموقراطي» ما وصفه بـ «انخراط الحكومة التونسية في موقف مخزٍ يتقاطع مع موقف الكيان الصهيوني والجماعات التكفيرية تجاه حزب الله».
بدوره، عبر «الحزب الجمهوري» عن استنكاره لـ «إقدام مجلس وزراء الداخلية العرب بمن فيهم وزير الداخلية التونسي على اعتبار حزب الله تنظيما إرهابيا، والحال انه التنظيم العربي الوحيد الذي يواجه الإرهاب الصهيوني والداعشي».
الرفض التونسي لقرار تصنيف «حزب الله» منظمة «ارهابية» شمل نواباً من الكتل الأربع الأساسية في مجلس نواب الشعب، فيما طالب النائب وليد الجلاد، من «كتلة الحرة» المنشقة عن حزب «نداء تونس» الحاكم، بمساءلة الحكومة التونسية حول هذا الموقف.
وحتى يوم امس، كانت هناك موجة رفض متصاعدة لبيان مجلس وزراء الداخلية العرب بخصوص «حزب الله»، حتى ان البعض تحدث عن «اصطفاف مجاني من الحكومة التونسية وراء موقف سعودي غير سليم».
واعتبر سياسيون كثيرون أن «حزب الله» يمثل جزءا كبيرا من المقاومة العربية، وأن تصنيفه تنظيما إرهابيا «لا يخدم إلا إسرائيل».
ولم يخرج عن هذا الموقف الرافض سوى «حركة النهضة» وأنصارها.
وقال نور الدين البحيري، وهو أحد أهم قادة «حركة النهضة»: «نحن نحترم قرار حكومتنا بتصنيف حزب الله»، لكنه اوضح أن «النهضة» ضد التسرع في التعليق في انتظار فهم الأمر.
اما الجمعي الوريمي، وهو أيضاً احد القاة البارزين في «النهضة»، فقال إنه «بقدر ما يحترم التاريخ النضالي لحزب الله في مقاومة إسرائيل وتحرير جنوب لبنان، فإنه يتحفظ على مشاركته في دعم النظام السوري»، وهي النقطة التي تبدأ منها كل الخلافات بخصوص هذه الموضوع، في حين اعتبرت جريدة «الضمير» القريبة من النهضة، في افتتاحيتها يوم أمس، اّن «الثورة المضادة هي التي تقف مع حزب الله»، مستعرضة قتال «حزب الله» في دعم النظام السوري.
في المقابل، دافع وزير الخارجية خميس الجهيناوي ببسالة عن موقف الدولة التونسية، لكنه هوّن من أهمية قرار تصنيف «حزب الله» منظمة «ارهابية» لعدم وجود إجراءات تطبيقية له، ولأنه جاء في سياق إدانة وزراء الداخلية العرب «لإرهاب داعش وما يقوم به حزب الله من أعمال إرهابية في بعض الدول»، على حد قوله.
وقال الجهيناوي إن «تونس بلد مقر مجلس وزراء الداخلية العرب، لو تحفظت عن التصويت على اعتبار حزب الله تنظيما إرهابيا فإنّ بعض الدول المشاركة كانت ستغادر غاضبة».
وهكذا بدا الموقف الرسمي متذبذباً وغير مقنع، بل إن ثمة من رأى أن وزارة الخارجية تميل إلى التبرؤ من هذا القرار.
ويبدو ان الجهيناوي قد اختار نقل المشكلة إلى رئاسة الجمهورية فقال إن «اعتبار حزب الله اللبناني تنظيما إرهابيا ليس موقف تونس الرسمي الذي يفترض أن يصدر عن رئيس الدولة بالتنسيق مع رئيس الحكومة وتعبر عنه وزارة الخارجية».
وهكذا راجت معلومات عن تعديل في الموقف الرسمي بعد دعوة وزير الخارجية إلى لقاء مع رئيس الجمهورية.
وذكرت وسائل اعلام تونسية، نقلاً عن مصادر في مؤسسة الرئاسة، ان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ابدى استياءه من تصنيف «حزب الله» كتنظيم ارهابي، حيث دعا وزير الخارجية الى «اصلاح الخطأ الذي وقعت فيه بلادنا وتحميل من اتخذ القرار المسؤولية على ذلك».
لكن البيان التوضيحي الذي صدر عن وزارة الخارجية في ما بعد لم يحمل جديدا يستحق التنويه، بل بدا للكثيرين نوعاً من «الفتوى اللغوية» بخصوص تفسير تصنيف «حزب الله»، والتهوين من قيمته العملية، فلا هي تراجعت عنه ولا هي أقنعت بوجاهة موقفها.
وبدأ بيان الخارجية التونسية بتأكيد «التمسك بوحدة القرار العربي، وعدم وجود صبغة إلزامية لقرار» وزراء الداخلية العرب، مشيراً الى ان «انخراط تونس في هذا التوجه الجماعي لا يحجب الدور المهم الذي لعبه حزب الله في تحرير جزء من الأراضي اللبنانية المحتلة ومواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية».
لكن أغلب القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في تونس ظلت تعبر عن الخيبة تجاه محتوى هذا البيان التوضيحي وتقارن الموقف التونسي بنظيره الجزائري الذي اتخذ مسافة جيدة وواضحة من بيان وزراء الداخلية العرب.
كما تتالت الانتقادات للموقف الرسمي الذي وصف بارتباك الأداء الخارجي بصفة عامة، والتساؤل عن الجدوى من تحالف تونس إلى درجة الاصطفاف وراء بعض المواقف الخليجية.
وفي هذا الاطار، اعتبرت صحيفة «الصباح» ان «انحياز تونس للمحور (السني) السعودي ـ الإماراتي والمشاركة في سياسة تقليم أظافر ضد المحور (الشيعي) الذي تقوده إيران... بدا غير مبرّر ومستفزّاً».
وتساءلت «كيف ستواجه تونس هذه الانتكاسة الجديدة والمدوية في الديبلوماسية؟ وما هي تداعيات هذا القرار على العمق العربي والإسلامي لتونس؟».
واعتبرت الصحيفة التونسية ان «تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية وتورّط الديبلوماسية التونسية في ذلك هو خروج نهائي عن خط الزعيم الحبيب بورقيبة الذي كان يرفض سياسة المحاور، ويغلّب مصلحة تونس دائما وفق رؤية براغماتية بعيدة عن الانفعالات والعواطف».
وختمت بالقول ان «لعبة المحاور هذه لن نجني منها الاّ التشنّج على مستوى علاقاتنا الدولية، وموقع المفعول بقراره الوطني».
"حزب الله" يشكر التونسيين: كنتم على قدر الموقف العربي الأصيل
حيّا "حزب الله"، على لسان النائب حسن فضل الله، موقف الشعب التونسي الرافض لبيان وزراء الداخلية العرب الأخير.
وقال فضل الله، في كلمة القاها خلال احتفال تكريمي للشهيد كمال زين الدين في بلدة صفد البطيخ، "لا بد لنا من توجيه تحية تقدير واعتزاز وافتخار لتونس وشعبها وقواها الحيّة، ولمواقف نقاباتها وأحزابها ونوابها، ولموقف الدولة والحكومة فيها التي تبرّأت واحتجت ورفضت التعرّض لحزب الله وللمقاومة، وأعلنت بشكل واضح أنها ترفض الانجرار وراء هذه الخيارات التي لا تنتمي إلى أمتنا وقضايانا ومصالحنا العربية".
واعتبر فضل الله أن "هذا الموقف المشرّف والشجاع الذي اتخذته القوى الحية في تونس لا بد لنا أن نلاقيه نحن من هنا من أرض المقاومة ومن أهلها وعوائل الشهداء والمجاهدين، بالتحية والتقدير والتشجيع، ونقول لأهل تونس: كنتم على قدر الموقف العربي الأصيل، وكنتم الأصيلون في انتمائكم إلى العروبة، وإلى خياراتكم، فأنتم الذين فجّرتم أول انتفاضة في وجه الاستبداد، ووقف حكّام السعودية آنذاك في وجهكم، واليوم تقولون لهؤلاء الحكام إنكم مع المقاومة، وأنتم مع حزب الله المقاوم، وأنتم مع لبنان المقاوم، وترفضون الانجرار إلى هذه المحاولات من قبل هذا النظام من أجل اتهام أشرف ظاهرة في عالمنا العربي ألا وهي ظاهرة المقاومة".
.............................