عاطف بسيسو
عاطف بسيسو . | |
---|---|
تاريخ الولادة | 23 أغسطس 1948 . |
مكان الولادة | المملكة المتحدة. |
تاريخ الوفاة | 8 يونيو 1992 . |
مكان الوفاة | فندق ميريديان مونبارناس - باريس [1]. |
الجنسية | فلسطيني |
العمل | رئيس الاستخبارات الفلسطينية [2] . |
الحزب | فتح. |
تعديل |
حياته
ولد في 23 أغسطس 1948، في ذروة الضراع والنزوح من فلسطين إبان نكبة عام 1948 وقيام دولة إسرائيل ، وهو من عائلة فلسطينية كبيرة في غزة ، بعد دراسة في بيروت انضم إلى منظمة لتحرير فلسطين وهو ابن سبعة عشر عاما وقد أصبح عضوا في المجلس الثوري لحركة فتح المكون الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعمل مع مسؤولين أمنيين كعلي حسن سلامة الذي قتل في عام 1979 في بيروت وأبو إياد الذي قتل في عام 1991 في قرطاج . ويشتبه أنه متورط في خطف الرهائن في اولمبياد ميونيخ عام 1972 . كما أنه من المدرجين على "قائمة غولدا" الإسرائيلية والتي تضم قيادات فلسطينية معادية لإسرائيل . بسيسو كان يعيش في تونس مع زوجته وثلاثة أطفال، وكان أيضا في بعض الأحيان ينتقل إلى ألمانيا، كجزء من نشاطه ......................
قصة اغتيال الشهيد عاطف بسيسو
بالتفصيل
تحقيق فرنسي
قامت منظمة التحرير الفلسطينية بتشكيل لجنة تحقيق باغتيال " عاطف بسيسو " ، فرفضت الحكومة الفرنسية دخول اثنان من لجنة التحقيق الفلسطينية إلى الأراضي الفرنسية ، لأن المؤشرات الخاصة بعملية الاغتيال لم تكن مريحة للحكومة الفرنسية ،، و جاء تكليف القاضي الفرنسي الشهير " جان لوي بروغيير " لإغلاق الباب أمام لجنة التحقيق الفلسطينية و لامتصاص نقمة منظمة التحرير الفلسطينية على الحادث ..
تشكلت لجنة تحقيق أمنية فرنسية ، و بدأت التحقيقات و التحريات ، فقام وفد أمني فرنسي بزيارة برلين في أيلول 1992 للتنسيق مع المخابرات الألمانية في التحقيق بظروف اغتيال " عاطف بسيسو " و قام كلا الجهازين بالاستماع لشهادة بعض ضباط الأمن الفلسطيني في برلين ثم واصلت اللجنة الفرنسية التحقيق في تونس ..
في البداية حاولت لجنة التحقيق الفرنسية التركيز على توجيه الاتهام لتنظيم " أبو نضال " ، ثم حولت أصابع الاتهام كليا إلى الموساد الإسرائيلي بكل وضوح..
و قد أكدت تقديرات لجنة التحقيق الأمنية الفرنسية مشاركة عشرة أشخاص في عملية الاغتيال ، كما أكدت على أن أسلوب العملية من تنفيذ محترفين ، أجهزة مخابرات و ليس أسلوب " أبو نضال"..،كما أكد بيان رسمي صدر عن وزارة الداخلية الفرنسية أن " عاطف بسيسو" كان يعمل كمفاوض في موضوعات معينة ، و هو ما يفسر اتصالاته بجهاز مكافحة التجسس الفرنسي"..،و قد سلمت الحكومة الفرنسية ملف التحقيق في اغتيال " عاطف بسيسو" إلى القاضي الفرنسي " جان بروغيير" المتخصص بشؤون الإرهاب و الذي يتابع أخطر الملفات في فرنسا
مثل : ملف تفجير طائرة (دي سي 10) التابعة لشركة " أوتا" الفرنسية فوق صحراء النيجر مما أدى إلى وقوع 170 قتيلا في أيلول 1989..
كما يتولى القاضي نفسه متابعة التحقيق في ملف اغتيال رئيس الوزراء الإيراني السابق " شهبور بختيار" الذي قتل في إحدى ضواحي باريس عام 1991..
واشتهر القاضي الفرنسي بطريقته الاستعراضية في طرح المسائل التي يبحثها في الساحة الإعلامية و في عام 1995 قام القاضي الفرنسي بزيارة إلى تونس و طلب من منظمة التحرير الفلسطينية الاجتماع مع " عدنان ياسين" المعتقل لاستكمال التحقيق! ..يقول القاضي الفرنسي : " كان لدى الموساد فرص عديدة لاغتياله ، و لكن اختاروا أن يتم ذلك تحت الأضواء الكاشفة" أي الضجة الإعلامية"،فقد كان باستطاعة الموساد اغتيال " عاطف بسيسو" في طريق رحلته من ألمانيا إلى فرنسا ، وكان باستطاعتها فعل ذلك كحادث سيارة "،كما كان باستطاعة الموساد اغتياله في منطقة المطعم المكسيكي ، وهي منطقة مظلمة "..
لقد أرادت إسرائيل و حزب الليكود الحاكم آنذاك توظيف عملية الاغتيال إعلاميا و على مستوى الرأي العام الإسرائيلي ، للتأكيد للشارع الإسرائيلي بأن الحكومة جادة بـ" محاربة الإرهاب" ، و كان إعلان حركتي " كافي" و " أرواح كاهانا" بالمسؤولية من الاغتيال، نابع من معرفة دقيقة بأن الموساد الذي نفذ العملية ، و هي هدية قدمها حزب الليكود للقوى الإسرائيلية المتطرفة لكسب موقفها أثناء الحملة الانتخابية"..،لكن أهداف عملية الاغتيال لم تكن إعلامية فقط ، و إنما كان لدى إسرائيل أهداف بعيدة أخرى تتعلق بإستراتيجية إسرائيل الأمنية بعد السلام، لإضعاف أجهزة الأمن الفلسطينية بالقضاء على رموزها الفاعلة.. يقول القاضي الفرنسي في رحلته إلى تونس : " قضية عاطف بسيسو ، قضية فرنسية أكثر مما هي فلسطينية ، لأنه صديق لفرنسا ، اغتيل على الأرض الفرنسية ، و هنالك اتفاق " جنتلمان" بين فرنسا ، بأن لا تستخدم الأرض الفرنسية لعمليات تصفية بين الطرفين" ..،" الموساد" لا يستطيع الاعتراف علنا بمسؤولية عن اغتيال " عاطف بسيسو" التي ارتكبها في باريس ، ولكنه أرسل إشارات واضحة للرأي العام الإسرائيلي من خلال إعلان حركة " كافي " و من خلال الصحافة الإسرائيلية التي تستحق التوقف عندها طويلا فيما تناولته حول هذه العملية ..،كما كان الاغتيال على الأرض الفرنسية يحمل رسالة تحذيرية إلى فرنسا ، و قد فهمت فرنسا الرسالة تماما فيما يتعلق بتوجهات الحكومة الفرنسية نحو منظمة التحرير الفلسطينية و دعم مواقفها ، فقد كان اغتيال " عاطف بسيسو" من أجل المستقبل و ليس من أجل الماضي..
لائحة اتهام إسرائيلية
تناولت الصحافة الإسرائيلية موضوع اغتيال"عاطف بسيسو"والتصريحات المختلفة لكبار المسؤولين الإسرائيليين،وأشار بصورة مباشرة وأحيانا بطريقة غير مباشرة إلى أن"عاطف بسيسو"كان هدفا للموساد منذ سنوات طويلة "ولكن خلال السنوات الأخيرة وضع على رأس"القائمة السوداء".،في القدس نفى إسحاق شامير رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك بتصريح صحفي في 8 حزيران 1992 أي علم له بقضية اغتيال "عاطف بسيسو"،"ايهود جول"مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية لشؤون الإعلام قال: "الاتهام بعلاقتنا باغتيال عاطف بسيسو غير مستحق للرد عليه".
كارت عمل أسود:
صحيفة "يديعوت أحرونوت"نشرت تقريرا عن اغتيال"عاطف بسيسو"بتاريخ 9 حزيران 1992 قالت فيه:"عاطف بسيسو كان لسنوات طويلة اليد اليمنى لعلي حسن سلامة و مساعدا لـ" أبو إياد"ومقرب منه،وكانت له علاقة بقتل"رياضيا إسرائيليا في أوليمبيات ميونيخ عام 1972..، بعد اغتيال"أبو إياد"عمل مديرا مؤقتا لجهاز الاستخبارات التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية،وأشرف على أمن الشخصيات الفلسطينية في أوروبا،إحدى وظائفه كانت الاتصال بين التنظيم وبين أجهزة المخابرات السرية الأوروبية في كل ما يتعلق بمكافحة الإرهاب للتنظيمات المتطرفة ومثال على ذلك"أبو نضال" .. ياسر عرفات كان أول من علق على الاغتيال بقوله:"خسرنا بطلا قوميا"وقال في عمان أيضا"قبل أن يغادر"عاطف بسيسو"إلى أوروبا نصحته بأخذ الحيطة حيث أن الموساد يتابعه"..،وأضافت الصحيفة:"رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي"أوري شيجيا"علق على اغتياله قائلا:" فحصت على الشخص،لا توجد أية كلمة طيبة نقولها عنه،له كارت عمل أسود لدينا"،وتواصل صحيفة"يديعوت أحرونوت"تقريرها:"على الرغم من أنه غير واضح من قام باغتيال عاطف بسيسو إلا أن شيئا واحدا واضح جدا،فقد كان له أعداء كثيرون..حيث كان بارزا في أيلول الأسود وشارك بنفسه بعدة عمليات إرهابية ضد إسرائيل في أوروبا..،عاطف بسيسو كان من المعارضين الرئيسيين لـ "أبو نضال" وأفشل مع"أبو إياد"كل محاولة من أبو نضال للعودة لأطر فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية..،بسيسو له ضلع بخلافات داخلية بالتنظيم،وكان وراء عدة إجراءات تفتيش في أطر منظمة التحرير الفلسطينية..،خلال السنوات الثلاث الأخيرة لم يقم "عاطف بسيسو"بأعمال إرهابية فعلية،حيث عمل في مجال الاتصال والتنسيق مع جهات مختلفة..،في أوروبا كان محبوبا وله مؤيدون كثيرون بين رجال منظمة التحرير الفلسطينية في العالم،وعرف كيف يستغل ذلك جيدا..،ولإسرائيل مع"عاطف بسيسو" تاريخ حافل وطويل،في أوائل السبعينات كان من رؤساء جهاز العمليات التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية بالخارج،وعند اجتماعات المجلس الثوري لحركة "فتح" في دمشق في أيلول 1971 الإعلان عن إقامة"أيلول الأسود" تطوع"عاطف بسيسو" للتنظيم القذر الذي أخذ على عاتقه تنفيذ العمليات في الخارج..،ركز بسيسو دائما على أن يبقى في الظل ، واكتشف للمرة الأولى عام 1973 عندما اعتقل مع ثلاثة من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية في روما عندما حاولوا تفجير طائرة العال الإسرائيلية..،ومن الذين لقطوا أنفاسهم عند سماع خبر وفاة "كثير الغلبة" عاطف بسيسو"كان رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي "أوري شجيا".
قائدا بعد الآخر:
صحيفة"حدشوت"الإسرائيلية نشرت تقريرا عن اغتيال"عاطف بسيسو" بتاريخ 9/6/1992 بعنوان رئيسي على الصفحة الأولى..،" الموساد يلاحقهم قائدا بعد الآخر..المخرب الذي قتل في باريس من مخططي مذبحة ميونيخ"،وتناول تقرير الصحيفة موضوع الاغتيال على الصفحة الأولى أيضا"واحدا واحدا بدون مفر،منذ مقتل الرياضيين في ميونيخ عام 1972،اغتيل ستة كانوا مسؤولين عن الحادث:صلاح خلف- أبو إياد- مؤسسي أيلول الأسود،علي حسن سلامة ،وائل زعيتر،محمود الهمشري،أبو يوسف النجار،انضم إليهم عاطف بسيسو،رجل الاستخبارات في منظمة التحرير الفلسطينية"،وواصلت الصحيفة تقريرها:"عاطف بسيسو بدأ نشاطه في العمليات بالمنظمة منذ تأسيس أيلول الأسود عام 1971،وكان مشاركا مباشرة في عملية ميونيخ 1972،وفي عام 1973 كان مشاركا في محاولة لإطلاق صاروخ كتف من نوع"ستريلا"على طائرة العال الإسرائيلية في مطار روما..،وواصلت الصحيفة اتهاماتها لعاطف بسيسو بالمشاركة بالتخطيط لعمليات في لندن وغيرها.. ويتحدث في التقرير ذاته "يوسي ملامين"فيقول:"عاطف بسيسو كان مرتبطا بمقتل الرياضيين في ميونيخ عام 1972،في تلك الفترة كان هناك قليل من الأشخاص استطاعوا عمل كل شئ.
هو لم يكن من القياديين،واسمه بضعة عامة لم يظهر في العناوين الرئيسية،نهى عاطف بسيسو في التنظيم ببطء،في الصغر كان يعمل متسترا،حيث أنه لم يكن مدرجا في قائمة الاغتيالات،ولم تكن له أولوية عالية للاغتيال..
إذا كان تم اغتياله على يد إسرائيل،وإسرائيل تنفي هذا فإن ذلك لم يكن من أجل ميونيخ..،ويضيف:"عاطف بسيسو تسلق وارتفع في دوائر التنظيم ووصل لدرجة رجال العمليات"الأركان"الذين عملوا بقيادة "أبو إياد"..،عاطف بسيسو عمل موازيا لأربع أو خمس أشخاص آخرين بقيادة "أبو إياد"،التوزيع بينهم كان جغرافيا ووظيفيا ، عاطف بسيسو كان مسؤولا عن أوروبا لأمن مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وعلى أمن قادة منظمة التحرير أيضا في أوروبا،إضافة لوظيفة أخرى العلاقات الاستخبارية لمنظمة التحرير مع أجهزة استخبارات أوروبية وأجنبية وكذلك كان مسؤولا عن تشغيل عملاء وتخطيط عمليات في أوروبا...وهكذا تمت تصفية جميع اللذين لهم علاقة بمقتل 13 رياضيا إسرائيليا في ميونيخ".
إسرائيل لن تغفر:
صحيفة "معاريف"الإسرائيلية أوردت تقريرا مفصلا عن حياة واغتيال "عاطف بسيسو"بنفس اتهامات الصحف الإسرائيلية الأخرى،وتناولت الصحافة الإسرائيلية موضوع الاغتيال وكأنها تتلو لائحة اتهام،فيقول تقرير الصحيفة "عاطف بسيسو كان إرهابيا" غير صغير في الماضي وزعيما إرهابيا غير مشهور والملف الإرهابي الخاص به يعود بالأكثر لسنوات عقد السبعينات.،مشاركة فعالة في التخطيط لعملية ميونيخ،ومحاولة تفجير طائرة العال الإسرائيلية في مطار روما عام 1973،من مخططي اختطاف طائرة "سابينا"لمطار اللد،مخطط الهجوم على سفارة إسرائيل بانكوك،ويقولون أنه يتحمل مسؤولية مقتل..،في القاهرة،ومحاولة اغتيال مسؤول..في لندن.،قد يكون"عاطف بسيسو"دفع في باريس الثمن ليس فقط على أفعاله ولكن حساب الماضي أيضا،وقد تكون نفي اليد المجهولة التي انتقمت من مخططي عملية قتل الرياضيين في ميونيخ ورؤساء "إرهابيين"آخرين،قد عملت الآن من خلال ذكريات تاريخية لا تنسى.أضاف إلى ذلك أنه قد يكون هناك عامل مشترك يربط عملية الاغتيال في باريس مع عمليات أخرى،وجد مصيرهم المميت بها قادة آخرين في منظمة التحرير الفلسطينية بعمليات محكمة سريعة وذائعة،التي لا تترك آثارا للكشف عنها"أضافت الصحيفة تستشهد بمقولة أحد مسئولي الأمن الإسرائيليين عندما علق على نفس الأحداث المخفية ضد قادة "فتح"في أنحاء العالم:"إسرائيل وضعت هدفا لها،كل مخططي عملية ميونيخ وقادتها وأخذت على نفسها عهدا ألا تتركهم حتى أخر يوم في حياتها .. الله قد يغفر ـ إسرائيل لن تغفر أبدا".وتوضح صحيفة معاريف مسؤولية إسرائيل عن اغتيال عاطف بسيسو فتقول:"عاطف بسيسو الذي قتل في باريس كان واحدا من الرؤوس الثلاثة الكبيرة الباقية حية،والتي خططت لعملية ميونيخ .الآن بقي اثنان.."،وتواصل الصحيفة في تقريرها:"وعلى عكس جميع رؤساء التنظيم ابتعد عاطف بسيسو عن ذكر اسمه في جميع وسائل الإعلام ولم يكثر من حب الظهور "وفي مراسلة خاصة لنفس الصحيفة كتبت"سيدار بري" المسؤولة عن الشؤون العربية تقول:"إنه كان لإسرائيل حسابا طويلا مع عاطف بسيسو،الذي أصبح ضابط الأمن الرئيسي في منظمة التحرير الفلسطينية بعد اغتيال"أبو إياد"وعمل بتوجيهات مباشرة من ياسر عرفات شخصيا"،وجاءت لائحة الاتهام الإسرائيلية على لسان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية فيقول : "إن تاريخ عاطف بسيسو مع إسرائيل أسود من السواد نفسه.."،إن ما تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية حول اغتيال"عاطف بسيسو"يؤكد أن"الموساد"الإسرائيلي المسؤول عن تدبير عملية الاغتيال،وقد اشتركت جميع الصحف الإسرائيلية -كما نلاحظ- بالتركيز على عملية ميونيخ بشكل خاص ورئيسي،باعتبار هذه العملية بالذات تدغدغ مشاعر الإسرائيليين سابقا،وبقيت خلال السبعينات،ولم يعد هذا الموضوع يجد آذانا صاغية سوى لدى الحكومة الإسرائيلية ذاتها وقياداتها القوى الإسرائيلية المتطرفة التي حاولت المزج بعملية كهذه،في حسابات انتخابية لا أكثر..،لكن الأسباب الحقيقية في اغتيال"عاطف بسيسو"تبقى تتعلق بالحاضر أثناء اغتياله والمستقبل،وهذا الموضوع تجنبت الصحف الإسرائيلية الإشارة إليه بشكل صريح وتحدثت عنه بصورة عابرة..،هنالك اغتيالات عديدة نفذتها"الموساد"كانت جميعها تتعلق بالمستقبل،لتحقيق هدف أساسي بإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية وضرب مؤسساتها العسكرية والأمنية و السياسية ..
يبقى الحديث عن دور تنظيم"أبو نضال"في اغتيال عاطف بسيسو بدعة إسرائيلية،لا تحمل أدنى دليل، بينما كل أصابع الاتهام توجهت إلى الموساد وحتى أن قاضي التحقيق الفرنسي في قضية عاطف بسيسو أصبح على قناعة بأن الموساد هي الجهة الحقيقية و الدليل أنه طلب الاجتماع مع العميل"عدنان ياسين" للاستفسار عن دوره بالإدلاء بمعلومات حول تحركات عاطف بسيسو قبل اغتياله.
إسرائيل سعت لاستخدام عملية ميونيخ كورقة تبتز بها مشاعر الرأي العام العالمي،وكأن عقارب الساعة في الصراع الفلسطيني،الإسرائيلي قد توقفت عند هذه العملية،وعندما أعلن محمد داود عودةـ أبو داود،أحد الذين تتهمهم إسرائيل بالتخطيط لعملية ميونيخ،بأنه مستعد للمثول أمام محكمة ألمانية للإدلاء بشهادته و نفى الاتهامات الإسرائيلية الموجهة إليه،لم تستعد أي محكمة ألمانية لذلك كما أن إسرائيل تجاهلت هذا الموضوع..وهذا دليل على أن إسرائيل ترغب بإبقاء العملية كقميص عثمان تلوح بها حتى تشاء في وجه أي مسؤول من منظمة التحرير الفلسطينية مثل الكارت الأحمر"خلال عام 1997 أعلنت إسرائيل عن مشاركة وتخطيط"ايهود باراك"زعيم حزب العمل الإسرائيلي،باغتيال"أبو جهاد "في تونس ونشرت الصحافة الإسرائيلية تفاصيل العملية،إضافة لمسئوليته عن اغتيال القادة الثلاثة في بيروت بعملية "فردان" أي أن"ايهود باراك"مسؤول عن اغتيال ثلاثة من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح بينهم نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية "أبو جهاد"ورغم هذا يطرح باراك التعايش والسلام ويدعو لهما ومطلوب من الشعب الفلسطيني أن يتعامل معه كداعية سلام،كما هو مطلوب التعامل مع"شارون"المخطط لمذبحة صبرا و شاتيلا وأن يتجاوز الشعب الفلسطيني آلام وجراح الماضي،بينما تتبجح إسرائيل بأنها لا تغفر لمقتل 13 رياضيا.،في عام 1985 طاردت المخابرات الإسرائيلية"الموساد"أحد الرجلين اللذان نجيا من عملية ميونيخ،من الشباب المنفذين،وقتلت أحدهما موتا بالسم وضع له في شراب تناوله بإحدى الدول العربية...
تقصير و تواطؤ:
تناولت الصحافة الفرنسية والعالمية حادث اغتيال"عاطف بسيسو"وحاولت جميعها إلقاء الضوء على خلفيات عملية الاغتيال وتوجهت أصابع الاتهام للموساد الإسرائيلي،فأكدت صحيفة " ليبراسيون"الفرنسية أن"أجهزة الأمن الفرنسية سربت للموساد المعلومات التي أدت إلى اغتيال عاطف بسيسو لأن زيارته لفرنسا تحدد ميعادها بوقت مقيد قبل حضوره،وعن الزيارة علم عدد قليل من الأشخاص من جهاز الأمن الفرنسي وهم الذين كان من المفروض أن يتقابلوا معه،أحدهم نقل المعلومة للموساد،ورجال الموساد قرروا بسرعة عملية الاغتيال..،وقد نفى مصدر في الاستخبارات الفرنسية هذه المعلومة بقوله:"لماذا نقتل الرجل الذي كانت لنا معه علاقات جيدة وأيضا في قلب باريس".
صحيفة"لوموند"الفرنسية ذكرت في 11 حزيران 1992 أن:"الأمن الفرنسي يتجه للاعتقاد بأن منظمة أبو نضال هي التي قتلت"عاطف بسيسو"المحققين الفرنسيين أعلنوا أن الخبراء الذين تفحصوا البيان الذي وزع في تونس،وأخذ على عاتقه هذه العملية باسم"منظمة أبو نضال"قرروا أنه يجب أخذه بجدية بالرغم من النفي الذي جاء بعد ذلك على لسان متحدث باسم التنظيم في بيروت بناء على مصادر مختلفة توحي بوجوب الثقة بمسؤولية أبو نضال وعلم جهاز الاستخبارات الفرنسي أن عاطف بسيسو بنفسه كان متورط بالتخطيط لضرب تنظيم أبو نضال فتح ـ المجلس الثوري كرد على مقتل أبو إياد في تونس عام 1991..،صحيفة"يديعوت أحرونوت"الإسرائيلية نقلت هذا الخبر عن صحيفة "لوموند"في 12 حزيران 1992،وأكدت أن صحيفة "لوموند"متعمقة بشؤون الأمن في فرنسا!،كان هنالك تقصير وتواطؤ فرنسي مع الموساد الإسرائيلي،وهذا التواطؤ غير رسمي ولكن هنالك مسؤولين في الأمن الفرنسي وخاصة في الأمن الداخلي كانوا غير مرتاحين لمستوى التنسيق القائم بين"عاطف بسيسو"وجهاز مكافحة التجسس الفرنسي،أي الفرع الخارجي،وهنالك تنافس قائم بين أجهزة الأمن،ونتيجة لتغلغل الموساد،في المؤسسات الأمنية الفرنسية استطاع الموساد تنفيذ العملية بهدوء،حتى أن نتائج التحقيق ما تزال فرنسا تتستر عليه لغاية الآن لأنه شمل المؤسسات الأمنية الفرنسية من الداخل..
المليونير الوهمي
الأسباب والدوافع التي جعلت حكومة إسرائيل تتخذ قرارها باغتيال "عاطف بسيسو"في عام 1992 لم تكن حتما لأن إسرائيل تذكرت فجأة عملية"ميونيخ"أو العمليات الأخرى التي تناولتها لائحة الاتهام الإسرائيلية،كما أن"عاطف بسيسو"لم يكن طوال السنوات الماضية مختفيا عن الأنظار،وظهر فجأة في باريس..وبالتالي فهنالك دوافع وأسباب أخرى أساسية وجوهرية جعلت"الموساد"يضع"عاطف بسيسو" تحت المجهر ويرصد تحركاته،مستخدما جهاز المخابرات الإسرائيلي إمكاناته الضخمة المالية والتكنولوجية في ذلك،لدرجة اهتمامه برصد المكالمات الهاتفية في منزل"عاطف بسيسو"بتونس..وفي وثيقة سرية أعدها العقيد"كامل أبو عيسى"حول الجهة التي نفذت عملية اغتيال"عاطف بسيسو"الأسباب والدوافع،في تموز 1992 ، كان العقيد كامل أبو عيسى،أحد مساعدي الشهيد"أبو إياد"وعمل مع الشهيد"عاطف بسيسو"لسنوات طويلة في جهاز الأمن الموحد،تقول الوثيقة:
أولاً:
أوردت وسائل الإعلام الإسرائيلية تعريفا بشخصية"عاطف بسيسو"ورأت إسرائيل فيه.
v واحد من الكبار الأقوياء في معسكر الرئيس ياسر عرفات.
v كان يقف وراء عمليات عزل قياديين من مناصبهم في منظمة التحرير الفلسطينية.
v أصبح ضابط الأمن الرئيسي في منظمة التحرير الفلسطينية بعد اغتيال"أبو إياد"وعمل بتوجيهات مباشرة من"أبو عمار".
v تولى مهمة تنسيق العلاقات مع أجهزة الأمن الأوروبية وحظي بحماس شديد من أتباع المنظمة في الخارج.
v كانت له علاقات قوية وهو شخص غني التجربة.
v كان عضوا كبيرا في أيلول الأسود وشارك في عمليات تصفية الإسرائيليين في أوروبا.
ثانياً:
استنادا إلى التعريف الإسرائيلي لشخصية "عاطف بسيسو"كان قول رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلية:إن تاريخ عاطف بسيسو مع إسرائيل أسود من السواد نفسه"وهذا اعتراف ضمني بارتكاب حادثة الاغتيال.
ثالثا:
بحسب التغطية الإسرائيلية للحدث كالقول"إنهم تنفسوا الصعداء بعد أن تلقوا نبأ وفاته"و"أنه تمت تصفية الحساب معه".
وهذا ينفي فرضية إقحام جماعة"أبو نضال"أو أي طرف آخر في عملية الاغتيال .
رابعا:
إن اختيار باريس كمسرح لارتكاب الجريمة كان اختيارا مقصودا ومرصودا لأسباب تتعلق بتشويش العلاقات الفلسطينية الأوروبية،وعدم تكرار تجربة النجاح الفلسطيني في مدريد وفي محادثات روما الثنائية،لتعطيل النشاط الأمني وقد جاءت عملية إحياء ملف"ميونيخ"كدليل وإثبات على النوايا الإسرائيلية .
خامسا: جاءت عملية الاغتيال في تلك المرحلة لتعطيل اقتراب منظمة التحرير الفلسطينية من مراكز النفوذ و القرار في الولايات المتحدة الأمريكية.
سادسا: إن ربط الاغتيال بأسباب تتعلق بالذاكرة التاريخية من قبل إسرائيل ، جاء بهدف التغطية على الدوافع الراهنة لارتكاب الجريمة ، و بالتالي الحديث عن مجموعة إسرائيلية لتعقب كل من شارك في عملية " ميونيخ" ، ثم القيام بإعلام وكالات الأنباء بمسؤولية حركتي "كافي" و " أرواح كاهانا" المتطرفتين عن العملية بالإضافة إلى إقحام جماعة " أبو نضال" عبر اتصال هاتفي مشبوه مع وكالة " فرانس برس" يستهدف التغطية على الموساد و إخفاء الدوافع الإسرائيلية الراهنة التي حتمت على إسرائيل القيام بهذه العملية.
سابعا: إن إسرائيل تعرف تماما أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تراقب عن كثب النشاط الأمني و السياسي لعاطف بسيسو طوال السنوات الثلاث الأخيرة على الساحة الأوروبية ، وأن الارتياح الأمريكي لهذا النشاط بدأ يساهم بالاقتراب من نقطة الاقتناع بأهمية و ضرورة فتح قنوات للتعاون الأمني مع منظمة التحرير الفلسطينية ، لذا اتخذت إسرائيل قرارها بالتصفية ، وهو قرار يشابه في دوافعه السياسية و الأمنية إلى حد كبير دوافع قرارها باغتيال " أبو حسن سلامة" في بيروت ، فإسرائيل ترى أن أي تعاون أمني بين منظمة التحرير الفلسطينية و الولايات المتحدة الأمريكية سواء على الصعيد السري أو العلني خطر عليها.
ثامنا: يثبت التكتيك الأمني لأدوات الجريمة و التكتيك الميداني لمجموعات القتلة بدءا بعملية المراقبة و انتهاء بمرحلة التنفيذ و الانسحاب أن أصول اللعبة الإرهابية المتبعة و أقبل جهاز الموساد الإسرائيلي لم تتغير في الجوهر ، إلا أن عملية التنفيذ و المراقبة في مكان الحادث اعتمدت على معلومات مسبقة من ناحية و على تسهيلات متواطئة من ناحية أخرى ، فبعد وصوله بخمس ساعات جرت عملية التنفيذ علما بأنه كان يعتزم مغادرة باريس في اليوم التالي و على الفور.
كما أن استخدام عدة مجموعات للحماية و التغطية و التنفيذ تدل على طمأنينة يفتقر إليها أي جهاز إذا لم يحصل على تطمينات معينة و هو يعمل خارج أرضه.
تاسعا: تعتمد الفنادق الكبيرة في العديد من عواصم العالم و بما فيها باريس على أجهزة للمراقبة و التصوير الالكتروني و تتابع عملية المراقبة و التحضير و التنفيذ ، و لا يعرف السر عن السبب الذي منع البوليس الفرنسي من التحرك المسبق اعتمادا على الإشارات الإنذارية بوجود تحرك مريب لمجموعة من الأفراد أو لعدة مجموعات في مكان الحادث"
أكدت هذه الوثيقة أن الاغتيال لم يكن بسبب الماضي ، ولكن اغتيال من أجل الحاضر و المستقبل و الملاحظ على ردود الفعل الإسرائيلية أنها تجاهلت متعمدة مسؤولية " عاطف بسيسو" عن أمن الوفد الفلسطيني لمفاوضات السلام في مدريد ، و إشرافه الشخص و اشتراكه الرسمي في اجتماع " هيئة التنسيق الأمنية " في أسبانيا ،و بالتالي فقد اغتالت إسرائيل واحدا من المشرفين الرئيسيين على أمن المؤتمر الذي شاركت فيه إسرائيل بأعلى سلطة فيها تمثلت بالحضور الشخصي لإسحاق شامير رئيس الوزراء ، و كان شامير قد بدأ حياته السياسية في إطار مفاوضات السلام و التسوية مع العرب باغتيال وسيط الأمم المتحدة " الكونت برنادوت" و ختم حياته السياسية بقتل المفاوض الفلسطيني " عاطف بسيسو" رغم أن وزير الخارجية السوري " فاروق الشرع" أثار قضية مقتل " الكونت برنادوت" علنا في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مدريد للسلام ووجه الاتهام مباشرة لإسحاق شامير و عرض على العالم نموذج لطلب البوليس الدولي لإسحاق شامير باعتباره مسؤولا عن اغتيال وسيط الأمم المتحدة و رغم هذا قرر شامير أن يختم حياته السياسية باغتيال آخر، لمفاوض فلسطيني أساسي في المؤتمر الذي تشارك به إسرائيل .
في جنيف:
بعد سنوات من اغتيال " عاطف بسيسو" بدأ حوار ، ونشأت قناة للحوار الأمني الفلسطيني الإسرائيلي برعاية أميريكية.
و كان العميد " نزار عمار" و الذي عمل في جهاز الأمن الموحد منذ تأسيسه ، عضو في تلك الاجتماعات الأمنية و في أحد الاجتماعات سأل " زئيف شيف" المعلق العسكري في صحيفة" هآرتس" و أحد المفكرين الأمنيين الإسرائيليين ، حول الجهة التي اغتالت عاطف بسيسو؟!
فقال له " زئيف شيف": عند عودتي لإسرائيل سوف أسأل مدير المخابرات عندنا ، بعد عدة شهور جرى اجتماع آخر في جنيف ، و أعاد العميد نزار عمار السؤال على زئيف شيف فكان جوابه نقلا عن مدير المخابرات الإسرائيلية " هل لعاطف بسيسو علاقة بعملية ميونيخ ؟ إن كل من له علاقة بعملية ميونيخ لدى الموساد أمر باغتياله دون الرجوع إلى رئيس الحكومة كما هو متبع!!
إجابة مدير المخابرات الإسرائيلية و التي نقلها المعلق العسكري "زئيف شيف" توضح ضمنيا مسؤولية الموساد عن اغتيال " عاطف بسيسو" ، نظرا لاتهامه من قبل الموساد بمسؤوليته عن المشاركة بالتخطيط لعملية ميونيخ.
أجهزة تصنت:
في أواخر نيسان 1989 كان عاطف بسيسو قد قرر السكن في منزل آخر، بعد أن عثر على منزل جديد أثناء " التشطيب" و اتفق مع صاحب المنزل أن يتسلمه في بداية حزيران 1989أي بعد حوالي شهر حتى تكتمل تجهيزات المنزل من الداخل"
و في الموعد المحدد، المتفق عليه ، ترك منزله القديم في شارع إفريقيا ـ المنزه الخامس " كارنوا" إلى المنزل الجديد في المنزه السادس ـ 12 شارع بلال في العاصمة التونسية "
و كان المنزل الجديد قريبا في منزل " عدنان ياسين"
بعد عملية الاغتيال ، وأثناء توافد الشخصيات و السفراء و الوفود إلى منزل الشهيد " عاطف بسيسو" في تونس ، للقيام بواجب العزاء ، لذوي الشهيد ، استعدت المخابرات الأسبانية للكشف في منزل " عاطف بسيسو" عن أجهزة تصنت..
و فعلا جاء الخبراء الأسبان و بدأت عملية الكشف ،و اكتشفوا وجود جهازي تصنت في غرفة الصالون ، جهاز أخفي في علبة الكهرباء و آخر في علبة الهاتف على الحائط .. و تابع الخبراء البحث حتى بوابة المنزل و توقفوا هناك ، باعتبار أن خارج سور المنزل لا يحق لهم الكشف ..
و كانت أجهزة تصنت و بث لا سلكي متطورة جدا ، أعادت إلى الأذهان فورا أجهزة التصنت التي زرعتها المخابرات الإسرائيلية بواسطة " عدنان ياسين " في مكتب أبو مازن ، و لكن المثير أن مدى أجهزة التصنت في البث اللاسلكي لا يتجاوز مسافة 500متر ، حسب تقدير بعض الخبراء ،و تبقى المحطة التي تستقبل بث هذه الأجهزة .. يعتقد أن الفرصة أتيحت للمخابرات الإسرائيلية لتركيب أجهزة التصنت وزرعها ، كانت خلال مدة " تشطيب" المنزل قبل أن ينتقل إليه ،بعد أن عرف أنه سيسكن في المنزل الجديد!!
المليونير الوهمي:
منذ مرحلة بيروت " كانت بعض الإشاعات تلاحق " عاطف بسيسو بأنه مليونير ، بسبب اهتمامه بهواية السيارات و رغم أنه أسرته في غزة من الأثرياء المعروفين، و كان أحيانا أخاه " عاهد بسيسو" يرسل له بعض المال الذي يحتاجه " عاطف " حتى أن السيارة المكشوفة التي اشتراها في بيروت تداولها البعض .
لم يأبه " عاطف بسيسو " بما يقال حوله، فقد كان نزيها محاربا للفساد طوال حياته مما كسب أحيانا عداء البعض..
و عندما اشترى أخ زوجته في الولايات المتحدة الأمريكية سيارة اللاندروفر ، كانت مستعملة بقيمة 2500 دولار فقط و التي أرسلها إليه في ألمانيا ، و عندما أبلغه بأنه اشترى السيارة ، علق " عاطف بسيسو " بخفة ظله المعروفة" حتى يتسلوا بالجيب الذي جلبه عاطف"
نظرا لأن لديه تجربة سابقة في قصة " اليخت" الذي حوله إلى مليونير حقا"
اليخت:
بعد أن انتهت مهام " صخر بسيسو" في يوغسلافيا كممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1985 ، اتصل به " أمين الهندي" و طلب منه أن يجلب معه قارب مطاطي للنزهة البحرية في تونس.
و فعلا اشترى " صخر بسيسو" قارب مطاطي أرضيته من الخشب بـ 600دولار إضافة لمحرك بقيمة 500دولار ، ووضع القارب في الحادية " الكونتيز" الخاص بأغراضه و شحنهم إلى تونس..
لم يهتم " صخر بسيسو" أو " أمين الهندي" كثيرا باستخدام القارب المطاطي للنزهة بينما كان " عاطف بسيسو" الأكثر نشاطا ، وبقي لديه مدة عامين ،وكان القارب يستعمل بعد أن يتم نفخه بالهواء..
و سرعان ما سرت إشاعة في تونس تقول أن لدى " عاطف بسيسو" يختا في البحر بتونس ، و استفسر " صخر حبش" عن ذلك فأكد له " صخر بسيسو" الموضوع "ممازحا" و بأن اليخت قيمته 250 ألف دولار!
وصلت الإشاعة أيضا للرئيس أبو عمار و اهتم بها "أبو مازن –محمود عباس" و سأل " عاطف بسيسو" عن موضوع اليخت ، فطلب منه أن يرى اليخت و رفض أبو مازن ، ثم استجاب أما إلحاح عاطف بأن يرى هذا اليخت و أخذه بالسيارة إلى البحر و طوال الطريق يحدثه عن مزايا اليخت..
كان يقصد " عاطف بسيسو" من خلال ذلك ممازحة " أبو مازن" و أن يريه زيف الإشاعة بنفسه ، و عندما وصلا وجد اليخت عبارة عن قارب مطاطي " زودياك"
و تفاجأ أبو مازن بهذا الموضوع الغريب..
بعد استشهاد " عاطف بسيسو" توجه أخاه " عاهد بسيسو" و المقيم في غزة إلى تونس للمشاركة في الجنازة و رعاية أسرة أخيه ، و قام بحصر إرث ، و كان لدى " عاطف بسيسو" حسابا بنكيا في البنك العربي بتونس ، و ذهب مع زوجته " ريما" إلى البنك و كانت مفاجأة لمدير البنك بأن يحتوي حساب " عاطف بسيسو" الذي أثارت وسائل الإعلام العالمية حول اغتياله ضجة كبيرة ، على " خمسة آلاف دولار فقط"!
تسلمتها زوجته و بيعت سيارة اللاندورفر بألفي دولار و كذلك سيارته الخاصة من نوع "BMW" مسجلة بلوحة دبلوماسية للسفارة اليمنية ، بسعر مخفض بستة آلاف دولار، و كانت هذه التركة المالية لعاطف بسيسو المليونير الوهمي ..
و ربما بقيت إشاعة المليونير تطارده ، فقد سرقت حقيبة " عاهد بسيسو" أثناء العودة و اختفت و لم يعثر عليها و بها شريط فيديو للجنازة ، لاعتقاد بوجود ملفات سرية تخص عاطف بالحقيبة....
أما التركة الحقيقية لعاطف بسيسو كانت انجازات لمنظمة التحرير و الشعب الفلسطيني لا يستطيع أحد تجاهلها.
صور القتلة:
كانت الزيارة الأخيرة التي قام بها " عاطف بسيسو" إلى بولندا في 5 حزيران 1992 فقد وصل ليلا إلى وارسو قادما من برلين ، و اجتمع مع مسؤولين في أجهزة الأمن البولندية ، في إطار التنسيق الأمني بين جهاز الأمن الموحد و الأمن البولندي ، و كانت بولندا من أوائل الدول الأوروبية الشرقية التي أقامت علاقات للتنسيق الأمني ، وقد قام " أبو إياد" بتوقيع اتفاق للتعاون الأمني خطي مع وزير الداخلية البولندي في نهاية عقد السبعينات و أثناء وجود منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت .
و شكلت بولندا لاحقا أهمية خاصة لمنظمة التحرير الفلسطينية لمكافحة نشاط تنظيم أبو نضال في بولندا ، خاصة بعد اغتيال " أبو إياد" نظرا لأن القاتل حمزة أبو زيد.
قام تنظيم " أبو نضال " بتجنيده في بولندا ، حيث أقام فترة بعد أن عمل مع جهاز " هواري "ثم التحق بالأمن المركزي و انفصل عنه ، بسبب سلوكياته في بولندا، حيث قدم رجال الأمن الفلسطيني في بولندا تقارير " سيئة" عديدة لأجهزة الأمن الفلسطينية حول سلوكه و علاقاته المريبة ، رغم أن ضابط الأمن الفلسطيني في بولندا " داود بعلوشة" حاول مساعدته دون جدوى..
انتقل حمزة أبو زيد مع زميل له من قبرص إلى بولندا ، وقيل أنه تم تجنيده لصالح " الموساد" في قبرص قبل أن يكلف من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي باختراق تنظيم أبو نضال في بولندا ، ليحصل على التكليف النهائي باغتيال أبو إياد ، و هكذا أدار الموساد خيوط العملية بطرح فكرة اغتيال أبو إياد على أبو نضلا من خلال عملية الإختراق ، في مرحلة كان " أبو نضال " على استعداد للقيام بمثل هذه العملية كرد فعل انتقامي على انشقاق عبد الرحمن عيسى و عاطف أبو بكر و تحمل " أبو نضال " وزر عملية اغتيال " أبو إياد" و بقيت " الموساد" بعيدة عن الاتهام..
في بولندا كانت الأجهزة الأمنية البولندية جميعها تقيم علاقات للتنسيق الأمني مع جهاز الأمن الموحد الفلسطيني و هي: جهاز حماية الدولة ، المخابرات البولندية ، جهاز حماية الحكومة.
مكث " عاطف بسيسو" ساعات في وارسو و كعادته كرجل المهمات الصعبة ، كانت نشاطاته مثيرة . فاجتمع مع داود بعلوشة و عبد الله حجازي و بعض رجال الأمن الفلسطيني في بولندا ، إضافة لاجتماعه مع مسؤولين في أجهزة الأمن البولندية..
و اجتمع مع أحد رجال أبو نضال الأساسيين في بولندا ، في إطار النشاط الأمني المضاد لتنظيم أبو نضال..
و تردد على أوروبا الشرقية أحيانا لمتابعة عمليات الاختراق في تنظيم أبو نضال التي كان يشرف عليها شخصيا ..
و يعتقد أن سفره المفاجئ إلى بولندا كان أيضا للخروج من دوامة المعلومات في برلين حول اغتياله ، حيث أحدثت له ارباكا ..
بعد اغتيال " عاطف بسيسو" في باريس ، طلبت أجهزة الأمن البولندية اجتماعا مع بعض ممثلي أجهزة الأمن الفلسطينية في وارسو ، و تم بحث موضوع اغتيال " عاطف بسيسو" ووجهت أجهزة الأمن البولندية اتهاما وحيدا " للموساد" بالمسؤولية عن عملية الاغتيال ، و قدموا في إطار التعاون الأمني صورا تقريبية للقتلة إلى أجهزة الأمن الفلسطينية ، حيث أرسلت الصور فورا إلى رئاسة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في تونس..
و كان واضحا أن لدى أجهزة الأمن البولندية معلومات مسبقة عن عملية اغتيال " عاطف بسيسو" و يعتقد أنه تم تحذيره في اجتماعه مع مسؤولي الأمن البولندي أثناء زيارته السرية لوارسو.
و كان " عاطف بسيسو" قد أرسى تعاونا هاما مع أجهزة الأمن البولندية في مجال مكافحة النشاط الاستخباري الإسرائيلي في بولندا ، و كان للموساد نشاط سري ملموس في بولندا و أوروبا الشرقية قبل انهيار الإتحاد السوفياتي و الكتلة الشرقية ، و بعد ذلك تزايد نشاط الموساد في بولندا بشكل شبه مكشوف و كبير، فقاموا بفتح مراكز و شركات تجارية كواجهة و غطاء للنشاط الاستخباري و من خلال السوق السوداء في بولندا..
عدنان ياسين :
أثناء وجود " عاطف بسيسو" في برلين بعد زيارته لكوبا, و التي تحولت إلى لغز آخر ، بعد أن تبين أنه قام بزيارة سرية الأولى و الأخيرة من نوعها لعاطف بسيسو إلى الولايات المتحدة الأمريكية و تحديدا في ولاية " فيلادلفيا" حيث أجرى اجتماعات أمنية مع مسؤولين في المخابر
بالتفصيل
تحقيق فرنسي
قامت منظمة التحرير الفلسطينية بتشكيل لجنة تحقيق باغتيال " عاطف بسيسو " ، فرفضت الحكومة الفرنسية دخول اثنان من لجنة التحقيق الفلسطينية إلى الأراضي الفرنسية ، لأن المؤشرات الخاصة بعملية الاغتيال لم تكن مريحة للحكومة الفرنسية ،، و جاء تكليف القاضي الفرنسي الشهير " جان لوي بروغيير " لإغلاق الباب أمام لجنة التحقيق الفلسطينية و لامتصاص نقمة منظمة التحرير الفلسطينية على الحادث ..
تشكلت لجنة تحقيق أمنية فرنسية ، و بدأت التحقيقات و التحريات ، فقام وفد أمني فرنسي بزيارة برلين في أيلول 1992 للتنسيق مع المخابرات الألمانية في التحقيق بظروف اغتيال " عاطف بسيسو " و قام كلا الجهازين بالاستماع لشهادة بعض ضباط الأمن الفلسطيني في برلين ثم واصلت اللجنة الفرنسية التحقيق في تونس ..
في البداية حاولت لجنة التحقيق الفرنسية التركيز على توجيه الاتهام لتنظيم " أبو نضال " ، ثم حولت أصابع الاتهام كليا إلى الموساد الإسرائيلي بكل وضوح..
و قد أكدت تقديرات لجنة التحقيق الأمنية الفرنسية مشاركة عشرة أشخاص في عملية الاغتيال ، كما أكدت على أن أسلوب العملية من تنفيذ محترفين ، أجهزة مخابرات و ليس أسلوب " أبو نضال"..،كما أكد بيان رسمي صدر عن وزارة الداخلية الفرنسية أن " عاطف بسيسو" كان يعمل كمفاوض في موضوعات معينة ، و هو ما يفسر اتصالاته بجهاز مكافحة التجسس الفرنسي"..،و قد سلمت الحكومة الفرنسية ملف التحقيق في اغتيال " عاطف بسيسو" إلى القاضي الفرنسي " جان بروغيير" المتخصص بشؤون الإرهاب و الذي يتابع أخطر الملفات في فرنسا
مثل : ملف تفجير طائرة (دي سي 10) التابعة لشركة " أوتا" الفرنسية فوق صحراء النيجر مما أدى إلى وقوع 170 قتيلا في أيلول 1989..
كما يتولى القاضي نفسه متابعة التحقيق في ملف اغتيال رئيس الوزراء الإيراني السابق " شهبور بختيار" الذي قتل في إحدى ضواحي باريس عام 1991..
واشتهر القاضي الفرنسي بطريقته الاستعراضية في طرح المسائل التي يبحثها في الساحة الإعلامية و في عام 1995 قام القاضي الفرنسي بزيارة إلى تونس و طلب من منظمة التحرير الفلسطينية الاجتماع مع " عدنان ياسين" المعتقل لاستكمال التحقيق! ..يقول القاضي الفرنسي : " كان لدى الموساد فرص عديدة لاغتياله ، و لكن اختاروا أن يتم ذلك تحت الأضواء الكاشفة" أي الضجة الإعلامية"،فقد كان باستطاعة الموساد اغتيال " عاطف بسيسو" في طريق رحلته من ألمانيا إلى فرنسا ، وكان باستطاعتها فعل ذلك كحادث سيارة "،كما كان باستطاعة الموساد اغتياله في منطقة المطعم المكسيكي ، وهي منطقة مظلمة "..
لقد أرادت إسرائيل و حزب الليكود الحاكم آنذاك توظيف عملية الاغتيال إعلاميا و على مستوى الرأي العام الإسرائيلي ، للتأكيد للشارع الإسرائيلي بأن الحكومة جادة بـ" محاربة الإرهاب" ، و كان إعلان حركتي " كافي" و " أرواح كاهانا" بالمسؤولية من الاغتيال، نابع من معرفة دقيقة بأن الموساد الذي نفذ العملية ، و هي هدية قدمها حزب الليكود للقوى الإسرائيلية المتطرفة لكسب موقفها أثناء الحملة الانتخابية"..،لكن أهداف عملية الاغتيال لم تكن إعلامية فقط ، و إنما كان لدى إسرائيل أهداف بعيدة أخرى تتعلق بإستراتيجية إسرائيل الأمنية بعد السلام، لإضعاف أجهزة الأمن الفلسطينية بالقضاء على رموزها الفاعلة.. يقول القاضي الفرنسي في رحلته إلى تونس : " قضية عاطف بسيسو ، قضية فرنسية أكثر مما هي فلسطينية ، لأنه صديق لفرنسا ، اغتيل على الأرض الفرنسية ، و هنالك اتفاق " جنتلمان" بين فرنسا ، بأن لا تستخدم الأرض الفرنسية لعمليات تصفية بين الطرفين" ..،" الموساد" لا يستطيع الاعتراف علنا بمسؤولية عن اغتيال " عاطف بسيسو" التي ارتكبها في باريس ، ولكنه أرسل إشارات واضحة للرأي العام الإسرائيلي من خلال إعلان حركة " كافي " و من خلال الصحافة الإسرائيلية التي تستحق التوقف عندها طويلا فيما تناولته حول هذه العملية ..،كما كان الاغتيال على الأرض الفرنسية يحمل رسالة تحذيرية إلى فرنسا ، و قد فهمت فرنسا الرسالة تماما فيما يتعلق بتوجهات الحكومة الفرنسية نحو منظمة التحرير الفلسطينية و دعم مواقفها ، فقد كان اغتيال " عاطف بسيسو" من أجل المستقبل و ليس من أجل الماضي..
لائحة اتهام إسرائيلية
تناولت الصحافة الإسرائيلية موضوع اغتيال"عاطف بسيسو"والتصريحات المختلفة لكبار المسؤولين الإسرائيليين،وأشار بصورة مباشرة وأحيانا بطريقة غير مباشرة إلى أن"عاطف بسيسو"كان هدفا للموساد منذ سنوات طويلة "ولكن خلال السنوات الأخيرة وضع على رأس"القائمة السوداء".،في القدس نفى إسحاق شامير رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك بتصريح صحفي في 8 حزيران 1992 أي علم له بقضية اغتيال "عاطف بسيسو"،"ايهود جول"مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية لشؤون الإعلام قال: "الاتهام بعلاقتنا باغتيال عاطف بسيسو غير مستحق للرد عليه".
كارت عمل أسود:
صحيفة "يديعوت أحرونوت"نشرت تقريرا عن اغتيال"عاطف بسيسو"بتاريخ 9 حزيران 1992 قالت فيه:"عاطف بسيسو كان لسنوات طويلة اليد اليمنى لعلي حسن سلامة و مساعدا لـ" أبو إياد"ومقرب منه،وكانت له علاقة بقتل"رياضيا إسرائيليا في أوليمبيات ميونيخ عام 1972..، بعد اغتيال"أبو إياد"عمل مديرا مؤقتا لجهاز الاستخبارات التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية،وأشرف على أمن الشخصيات الفلسطينية في أوروبا،إحدى وظائفه كانت الاتصال بين التنظيم وبين أجهزة المخابرات السرية الأوروبية في كل ما يتعلق بمكافحة الإرهاب للتنظيمات المتطرفة ومثال على ذلك"أبو نضال" .. ياسر عرفات كان أول من علق على الاغتيال بقوله:"خسرنا بطلا قوميا"وقال في عمان أيضا"قبل أن يغادر"عاطف بسيسو"إلى أوروبا نصحته بأخذ الحيطة حيث أن الموساد يتابعه"..،وأضافت الصحيفة:"رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي"أوري شيجيا"علق على اغتياله قائلا:" فحصت على الشخص،لا توجد أية كلمة طيبة نقولها عنه،له كارت عمل أسود لدينا"،وتواصل صحيفة"يديعوت أحرونوت"تقريرها:"على الرغم من أنه غير واضح من قام باغتيال عاطف بسيسو إلا أن شيئا واحدا واضح جدا،فقد كان له أعداء كثيرون..حيث كان بارزا في أيلول الأسود وشارك بنفسه بعدة عمليات إرهابية ضد إسرائيل في أوروبا..،عاطف بسيسو كان من المعارضين الرئيسيين لـ "أبو نضال" وأفشل مع"أبو إياد"كل محاولة من أبو نضال للعودة لأطر فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية..،بسيسو له ضلع بخلافات داخلية بالتنظيم،وكان وراء عدة إجراءات تفتيش في أطر منظمة التحرير الفلسطينية..،خلال السنوات الثلاث الأخيرة لم يقم "عاطف بسيسو"بأعمال إرهابية فعلية،حيث عمل في مجال الاتصال والتنسيق مع جهات مختلفة..،في أوروبا كان محبوبا وله مؤيدون كثيرون بين رجال منظمة التحرير الفلسطينية في العالم،وعرف كيف يستغل ذلك جيدا..،ولإسرائيل مع"عاطف بسيسو" تاريخ حافل وطويل،في أوائل السبعينات كان من رؤساء جهاز العمليات التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية بالخارج،وعند اجتماعات المجلس الثوري لحركة "فتح" في دمشق في أيلول 1971 الإعلان عن إقامة"أيلول الأسود" تطوع"عاطف بسيسو" للتنظيم القذر الذي أخذ على عاتقه تنفيذ العمليات في الخارج..،ركز بسيسو دائما على أن يبقى في الظل ، واكتشف للمرة الأولى عام 1973 عندما اعتقل مع ثلاثة من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية في روما عندما حاولوا تفجير طائرة العال الإسرائيلية..،ومن الذين لقطوا أنفاسهم عند سماع خبر وفاة "كثير الغلبة" عاطف بسيسو"كان رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي "أوري شجيا".
قائدا بعد الآخر:
صحيفة"حدشوت"الإسرائيلية نشرت تقريرا عن اغتيال"عاطف بسيسو" بتاريخ 9/6/1992 بعنوان رئيسي على الصفحة الأولى..،" الموساد يلاحقهم قائدا بعد الآخر..المخرب الذي قتل في باريس من مخططي مذبحة ميونيخ"،وتناول تقرير الصحيفة موضوع الاغتيال على الصفحة الأولى أيضا"واحدا واحدا بدون مفر،منذ مقتل الرياضيين في ميونيخ عام 1972،اغتيل ستة كانوا مسؤولين عن الحادث:صلاح خلف- أبو إياد- مؤسسي أيلول الأسود،علي حسن سلامة ،وائل زعيتر،محمود الهمشري،أبو يوسف النجار،انضم إليهم عاطف بسيسو،رجل الاستخبارات في منظمة التحرير الفلسطينية"،وواصلت الصحيفة تقريرها:"عاطف بسيسو بدأ نشاطه في العمليات بالمنظمة منذ تأسيس أيلول الأسود عام 1971،وكان مشاركا مباشرة في عملية ميونيخ 1972،وفي عام 1973 كان مشاركا في محاولة لإطلاق صاروخ كتف من نوع"ستريلا"على طائرة العال الإسرائيلية في مطار روما..،وواصلت الصحيفة اتهاماتها لعاطف بسيسو بالمشاركة بالتخطيط لعمليات في لندن وغيرها.. ويتحدث في التقرير ذاته "يوسي ملامين"فيقول:"عاطف بسيسو كان مرتبطا بمقتل الرياضيين في ميونيخ عام 1972،في تلك الفترة كان هناك قليل من الأشخاص استطاعوا عمل كل شئ.
هو لم يكن من القياديين،واسمه بضعة عامة لم يظهر في العناوين الرئيسية،نهى عاطف بسيسو في التنظيم ببطء،في الصغر كان يعمل متسترا،حيث أنه لم يكن مدرجا في قائمة الاغتيالات،ولم تكن له أولوية عالية للاغتيال..
إذا كان تم اغتياله على يد إسرائيل،وإسرائيل تنفي هذا فإن ذلك لم يكن من أجل ميونيخ..،ويضيف:"عاطف بسيسو تسلق وارتفع في دوائر التنظيم ووصل لدرجة رجال العمليات"الأركان"الذين عملوا بقيادة "أبو إياد"..،عاطف بسيسو عمل موازيا لأربع أو خمس أشخاص آخرين بقيادة "أبو إياد"،التوزيع بينهم كان جغرافيا ووظيفيا ، عاطف بسيسو كان مسؤولا عن أوروبا لأمن مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وعلى أمن قادة منظمة التحرير أيضا في أوروبا،إضافة لوظيفة أخرى العلاقات الاستخبارية لمنظمة التحرير مع أجهزة استخبارات أوروبية وأجنبية وكذلك كان مسؤولا عن تشغيل عملاء وتخطيط عمليات في أوروبا...وهكذا تمت تصفية جميع اللذين لهم علاقة بمقتل 13 رياضيا إسرائيليا في ميونيخ".
إسرائيل لن تغفر:
صحيفة "معاريف"الإسرائيلية أوردت تقريرا مفصلا عن حياة واغتيال "عاطف بسيسو"بنفس اتهامات الصحف الإسرائيلية الأخرى،وتناولت الصحافة الإسرائيلية موضوع الاغتيال وكأنها تتلو لائحة اتهام،فيقول تقرير الصحيفة "عاطف بسيسو كان إرهابيا" غير صغير في الماضي وزعيما إرهابيا غير مشهور والملف الإرهابي الخاص به يعود بالأكثر لسنوات عقد السبعينات.،مشاركة فعالة في التخطيط لعملية ميونيخ،ومحاولة تفجير طائرة العال الإسرائيلية في مطار روما عام 1973،من مخططي اختطاف طائرة "سابينا"لمطار اللد،مخطط الهجوم على سفارة إسرائيل بانكوك،ويقولون أنه يتحمل مسؤولية مقتل..،في القاهرة،ومحاولة اغتيال مسؤول..في لندن.،قد يكون"عاطف بسيسو"دفع في باريس الثمن ليس فقط على أفعاله ولكن حساب الماضي أيضا،وقد تكون نفي اليد المجهولة التي انتقمت من مخططي عملية قتل الرياضيين في ميونيخ ورؤساء "إرهابيين"آخرين،قد عملت الآن من خلال ذكريات تاريخية لا تنسى.أضاف إلى ذلك أنه قد يكون هناك عامل مشترك يربط عملية الاغتيال في باريس مع عمليات أخرى،وجد مصيرهم المميت بها قادة آخرين في منظمة التحرير الفلسطينية بعمليات محكمة سريعة وذائعة،التي لا تترك آثارا للكشف عنها"أضافت الصحيفة تستشهد بمقولة أحد مسئولي الأمن الإسرائيليين عندما علق على نفس الأحداث المخفية ضد قادة "فتح"في أنحاء العالم:"إسرائيل وضعت هدفا لها،كل مخططي عملية ميونيخ وقادتها وأخذت على نفسها عهدا ألا تتركهم حتى أخر يوم في حياتها .. الله قد يغفر ـ إسرائيل لن تغفر أبدا".وتوضح صحيفة معاريف مسؤولية إسرائيل عن اغتيال عاطف بسيسو فتقول:"عاطف بسيسو الذي قتل في باريس كان واحدا من الرؤوس الثلاثة الكبيرة الباقية حية،والتي خططت لعملية ميونيخ .الآن بقي اثنان.."،وتواصل الصحيفة في تقريرها:"وعلى عكس جميع رؤساء التنظيم ابتعد عاطف بسيسو عن ذكر اسمه في جميع وسائل الإعلام ولم يكثر من حب الظهور "وفي مراسلة خاصة لنفس الصحيفة كتبت"سيدار بري" المسؤولة عن الشؤون العربية تقول:"إنه كان لإسرائيل حسابا طويلا مع عاطف بسيسو،الذي أصبح ضابط الأمن الرئيسي في منظمة التحرير الفلسطينية بعد اغتيال"أبو إياد"وعمل بتوجيهات مباشرة من ياسر عرفات شخصيا"،وجاءت لائحة الاتهام الإسرائيلية على لسان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية فيقول : "إن تاريخ عاطف بسيسو مع إسرائيل أسود من السواد نفسه.."،إن ما تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية حول اغتيال"عاطف بسيسو"يؤكد أن"الموساد"الإسرائيلي المسؤول عن تدبير عملية الاغتيال،وقد اشتركت جميع الصحف الإسرائيلية -كما نلاحظ- بالتركيز على عملية ميونيخ بشكل خاص ورئيسي،باعتبار هذه العملية بالذات تدغدغ مشاعر الإسرائيليين سابقا،وبقيت خلال السبعينات،ولم يعد هذا الموضوع يجد آذانا صاغية سوى لدى الحكومة الإسرائيلية ذاتها وقياداتها القوى الإسرائيلية المتطرفة التي حاولت المزج بعملية كهذه،في حسابات انتخابية لا أكثر..،لكن الأسباب الحقيقية في اغتيال"عاطف بسيسو"تبقى تتعلق بالحاضر أثناء اغتياله والمستقبل،وهذا الموضوع تجنبت الصحف الإسرائيلية الإشارة إليه بشكل صريح وتحدثت عنه بصورة عابرة..،هنالك اغتيالات عديدة نفذتها"الموساد"كانت جميعها تتعلق بالمستقبل،لتحقيق هدف أساسي بإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية وضرب مؤسساتها العسكرية والأمنية و السياسية ..
يبقى الحديث عن دور تنظيم"أبو نضال"في اغتيال عاطف بسيسو بدعة إسرائيلية،لا تحمل أدنى دليل، بينما كل أصابع الاتهام توجهت إلى الموساد وحتى أن قاضي التحقيق الفرنسي في قضية عاطف بسيسو أصبح على قناعة بأن الموساد هي الجهة الحقيقية و الدليل أنه طلب الاجتماع مع العميل"عدنان ياسين" للاستفسار عن دوره بالإدلاء بمعلومات حول تحركات عاطف بسيسو قبل اغتياله.
إسرائيل سعت لاستخدام عملية ميونيخ كورقة تبتز بها مشاعر الرأي العام العالمي،وكأن عقارب الساعة في الصراع الفلسطيني،الإسرائيلي قد توقفت عند هذه العملية،وعندما أعلن محمد داود عودةـ أبو داود،أحد الذين تتهمهم إسرائيل بالتخطيط لعملية ميونيخ،بأنه مستعد للمثول أمام محكمة ألمانية للإدلاء بشهادته و نفى الاتهامات الإسرائيلية الموجهة إليه،لم تستعد أي محكمة ألمانية لذلك كما أن إسرائيل تجاهلت هذا الموضوع..وهذا دليل على أن إسرائيل ترغب بإبقاء العملية كقميص عثمان تلوح بها حتى تشاء في وجه أي مسؤول من منظمة التحرير الفلسطينية مثل الكارت الأحمر"خلال عام 1997 أعلنت إسرائيل عن مشاركة وتخطيط"ايهود باراك"زعيم حزب العمل الإسرائيلي،باغتيال"أبو جهاد "في تونس ونشرت الصحافة الإسرائيلية تفاصيل العملية،إضافة لمسئوليته عن اغتيال القادة الثلاثة في بيروت بعملية "فردان" أي أن"ايهود باراك"مسؤول عن اغتيال ثلاثة من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح بينهم نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية "أبو جهاد"ورغم هذا يطرح باراك التعايش والسلام ويدعو لهما ومطلوب من الشعب الفلسطيني أن يتعامل معه كداعية سلام،كما هو مطلوب التعامل مع"شارون"المخطط لمذبحة صبرا و شاتيلا وأن يتجاوز الشعب الفلسطيني آلام وجراح الماضي،بينما تتبجح إسرائيل بأنها لا تغفر لمقتل 13 رياضيا.،في عام 1985 طاردت المخابرات الإسرائيلية"الموساد"أحد الرجلين اللذان نجيا من عملية ميونيخ،من الشباب المنفذين،وقتلت أحدهما موتا بالسم وضع له في شراب تناوله بإحدى الدول العربية...
تقصير و تواطؤ:
تناولت الصحافة الفرنسية والعالمية حادث اغتيال"عاطف بسيسو"وحاولت جميعها إلقاء الضوء على خلفيات عملية الاغتيال وتوجهت أصابع الاتهام للموساد الإسرائيلي،فأكدت صحيفة " ليبراسيون"الفرنسية أن"أجهزة الأمن الفرنسية سربت للموساد المعلومات التي أدت إلى اغتيال عاطف بسيسو لأن زيارته لفرنسا تحدد ميعادها بوقت مقيد قبل حضوره،وعن الزيارة علم عدد قليل من الأشخاص من جهاز الأمن الفرنسي وهم الذين كان من المفروض أن يتقابلوا معه،أحدهم نقل المعلومة للموساد،ورجال الموساد قرروا بسرعة عملية الاغتيال..،وقد نفى مصدر في الاستخبارات الفرنسية هذه المعلومة بقوله:"لماذا نقتل الرجل الذي كانت لنا معه علاقات جيدة وأيضا في قلب باريس".
صحيفة"لوموند"الفرنسية ذكرت في 11 حزيران 1992 أن:"الأمن الفرنسي يتجه للاعتقاد بأن منظمة أبو نضال هي التي قتلت"عاطف بسيسو"المحققين الفرنسيين أعلنوا أن الخبراء الذين تفحصوا البيان الذي وزع في تونس،وأخذ على عاتقه هذه العملية باسم"منظمة أبو نضال"قرروا أنه يجب أخذه بجدية بالرغم من النفي الذي جاء بعد ذلك على لسان متحدث باسم التنظيم في بيروت بناء على مصادر مختلفة توحي بوجوب الثقة بمسؤولية أبو نضال وعلم جهاز الاستخبارات الفرنسي أن عاطف بسيسو بنفسه كان متورط بالتخطيط لضرب تنظيم أبو نضال فتح ـ المجلس الثوري كرد على مقتل أبو إياد في تونس عام 1991..،صحيفة"يديعوت أحرونوت"الإسرائيلية نقلت هذا الخبر عن صحيفة "لوموند"في 12 حزيران 1992،وأكدت أن صحيفة "لوموند"متعمقة بشؤون الأمن في فرنسا!،كان هنالك تقصير وتواطؤ فرنسي مع الموساد الإسرائيلي،وهذا التواطؤ غير رسمي ولكن هنالك مسؤولين في الأمن الفرنسي وخاصة في الأمن الداخلي كانوا غير مرتاحين لمستوى التنسيق القائم بين"عاطف بسيسو"وجهاز مكافحة التجسس الفرنسي،أي الفرع الخارجي،وهنالك تنافس قائم بين أجهزة الأمن،ونتيجة لتغلغل الموساد،في المؤسسات الأمنية الفرنسية استطاع الموساد تنفيذ العملية بهدوء،حتى أن نتائج التحقيق ما تزال فرنسا تتستر عليه لغاية الآن لأنه شمل المؤسسات الأمنية الفرنسية من الداخل..
المليونير الوهمي
الأسباب والدوافع التي جعلت حكومة إسرائيل تتخذ قرارها باغتيال "عاطف بسيسو"في عام 1992 لم تكن حتما لأن إسرائيل تذكرت فجأة عملية"ميونيخ"أو العمليات الأخرى التي تناولتها لائحة الاتهام الإسرائيلية،كما أن"عاطف بسيسو"لم يكن طوال السنوات الماضية مختفيا عن الأنظار،وظهر فجأة في باريس..وبالتالي فهنالك دوافع وأسباب أخرى أساسية وجوهرية جعلت"الموساد"يضع"عاطف بسيسو" تحت المجهر ويرصد تحركاته،مستخدما جهاز المخابرات الإسرائيلي إمكاناته الضخمة المالية والتكنولوجية في ذلك،لدرجة اهتمامه برصد المكالمات الهاتفية في منزل"عاطف بسيسو"بتونس..وفي وثيقة سرية أعدها العقيد"كامل أبو عيسى"حول الجهة التي نفذت عملية اغتيال"عاطف بسيسو"الأسباب والدوافع،في تموز 1992 ، كان العقيد كامل أبو عيسى،أحد مساعدي الشهيد"أبو إياد"وعمل مع الشهيد"عاطف بسيسو"لسنوات طويلة في جهاز الأمن الموحد،تقول الوثيقة:
أولاً:
أوردت وسائل الإعلام الإسرائيلية تعريفا بشخصية"عاطف بسيسو"ورأت إسرائيل فيه.
v واحد من الكبار الأقوياء في معسكر الرئيس ياسر عرفات.
v كان يقف وراء عمليات عزل قياديين من مناصبهم في منظمة التحرير الفلسطينية.
v أصبح ضابط الأمن الرئيسي في منظمة التحرير الفلسطينية بعد اغتيال"أبو إياد"وعمل بتوجيهات مباشرة من"أبو عمار".
v تولى مهمة تنسيق العلاقات مع أجهزة الأمن الأوروبية وحظي بحماس شديد من أتباع المنظمة في الخارج.
v كانت له علاقات قوية وهو شخص غني التجربة.
v كان عضوا كبيرا في أيلول الأسود وشارك في عمليات تصفية الإسرائيليين في أوروبا.
ثانياً:
استنادا إلى التعريف الإسرائيلي لشخصية "عاطف بسيسو"كان قول رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلية:إن تاريخ عاطف بسيسو مع إسرائيل أسود من السواد نفسه"وهذا اعتراف ضمني بارتكاب حادثة الاغتيال.
ثالثا:
بحسب التغطية الإسرائيلية للحدث كالقول"إنهم تنفسوا الصعداء بعد أن تلقوا نبأ وفاته"و"أنه تمت تصفية الحساب معه".
وهذا ينفي فرضية إقحام جماعة"أبو نضال"أو أي طرف آخر في عملية الاغتيال .
رابعا:
إن اختيار باريس كمسرح لارتكاب الجريمة كان اختيارا مقصودا ومرصودا لأسباب تتعلق بتشويش العلاقات الفلسطينية الأوروبية،وعدم تكرار تجربة النجاح الفلسطيني في مدريد وفي محادثات روما الثنائية،لتعطيل النشاط الأمني وقد جاءت عملية إحياء ملف"ميونيخ"كدليل وإثبات على النوايا الإسرائيلية .
خامسا: جاءت عملية الاغتيال في تلك المرحلة لتعطيل اقتراب منظمة التحرير الفلسطينية من مراكز النفوذ و القرار في الولايات المتحدة الأمريكية.
سادسا: إن ربط الاغتيال بأسباب تتعلق بالذاكرة التاريخية من قبل إسرائيل ، جاء بهدف التغطية على الدوافع الراهنة لارتكاب الجريمة ، و بالتالي الحديث عن مجموعة إسرائيلية لتعقب كل من شارك في عملية " ميونيخ" ، ثم القيام بإعلام وكالات الأنباء بمسؤولية حركتي "كافي" و " أرواح كاهانا" المتطرفتين عن العملية بالإضافة إلى إقحام جماعة " أبو نضال" عبر اتصال هاتفي مشبوه مع وكالة " فرانس برس" يستهدف التغطية على الموساد و إخفاء الدوافع الإسرائيلية الراهنة التي حتمت على إسرائيل القيام بهذه العملية.
سابعا: إن إسرائيل تعرف تماما أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تراقب عن كثب النشاط الأمني و السياسي لعاطف بسيسو طوال السنوات الثلاث الأخيرة على الساحة الأوروبية ، وأن الارتياح الأمريكي لهذا النشاط بدأ يساهم بالاقتراب من نقطة الاقتناع بأهمية و ضرورة فتح قنوات للتعاون الأمني مع منظمة التحرير الفلسطينية ، لذا اتخذت إسرائيل قرارها بالتصفية ، وهو قرار يشابه في دوافعه السياسية و الأمنية إلى حد كبير دوافع قرارها باغتيال " أبو حسن سلامة" في بيروت ، فإسرائيل ترى أن أي تعاون أمني بين منظمة التحرير الفلسطينية و الولايات المتحدة الأمريكية سواء على الصعيد السري أو العلني خطر عليها.
ثامنا: يثبت التكتيك الأمني لأدوات الجريمة و التكتيك الميداني لمجموعات القتلة بدءا بعملية المراقبة و انتهاء بمرحلة التنفيذ و الانسحاب أن أصول اللعبة الإرهابية المتبعة و أقبل جهاز الموساد الإسرائيلي لم تتغير في الجوهر ، إلا أن عملية التنفيذ و المراقبة في مكان الحادث اعتمدت على معلومات مسبقة من ناحية و على تسهيلات متواطئة من ناحية أخرى ، فبعد وصوله بخمس ساعات جرت عملية التنفيذ علما بأنه كان يعتزم مغادرة باريس في اليوم التالي و على الفور.
كما أن استخدام عدة مجموعات للحماية و التغطية و التنفيذ تدل على طمأنينة يفتقر إليها أي جهاز إذا لم يحصل على تطمينات معينة و هو يعمل خارج أرضه.
تاسعا: تعتمد الفنادق الكبيرة في العديد من عواصم العالم و بما فيها باريس على أجهزة للمراقبة و التصوير الالكتروني و تتابع عملية المراقبة و التحضير و التنفيذ ، و لا يعرف السر عن السبب الذي منع البوليس الفرنسي من التحرك المسبق اعتمادا على الإشارات الإنذارية بوجود تحرك مريب لمجموعة من الأفراد أو لعدة مجموعات في مكان الحادث"
أكدت هذه الوثيقة أن الاغتيال لم يكن بسبب الماضي ، ولكن اغتيال من أجل الحاضر و المستقبل و الملاحظ على ردود الفعل الإسرائيلية أنها تجاهلت متعمدة مسؤولية " عاطف بسيسو" عن أمن الوفد الفلسطيني لمفاوضات السلام في مدريد ، و إشرافه الشخص و اشتراكه الرسمي في اجتماع " هيئة التنسيق الأمنية " في أسبانيا ،و بالتالي فقد اغتالت إسرائيل واحدا من المشرفين الرئيسيين على أمن المؤتمر الذي شاركت فيه إسرائيل بأعلى سلطة فيها تمثلت بالحضور الشخصي لإسحاق شامير رئيس الوزراء ، و كان شامير قد بدأ حياته السياسية في إطار مفاوضات السلام و التسوية مع العرب باغتيال وسيط الأمم المتحدة " الكونت برنادوت" و ختم حياته السياسية بقتل المفاوض الفلسطيني " عاطف بسيسو" رغم أن وزير الخارجية السوري " فاروق الشرع" أثار قضية مقتل " الكونت برنادوت" علنا في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مدريد للسلام ووجه الاتهام مباشرة لإسحاق شامير و عرض على العالم نموذج لطلب البوليس الدولي لإسحاق شامير باعتباره مسؤولا عن اغتيال وسيط الأمم المتحدة و رغم هذا قرر شامير أن يختم حياته السياسية باغتيال آخر، لمفاوض فلسطيني أساسي في المؤتمر الذي تشارك به إسرائيل .
في جنيف:
بعد سنوات من اغتيال " عاطف بسيسو" بدأ حوار ، ونشأت قناة للحوار الأمني الفلسطيني الإسرائيلي برعاية أميريكية.
و كان العميد " نزار عمار" و الذي عمل في جهاز الأمن الموحد منذ تأسيسه ، عضو في تلك الاجتماعات الأمنية و في أحد الاجتماعات سأل " زئيف شيف" المعلق العسكري في صحيفة" هآرتس" و أحد المفكرين الأمنيين الإسرائيليين ، حول الجهة التي اغتالت عاطف بسيسو؟!
فقال له " زئيف شيف": عند عودتي لإسرائيل سوف أسأل مدير المخابرات عندنا ، بعد عدة شهور جرى اجتماع آخر في جنيف ، و أعاد العميد نزار عمار السؤال على زئيف شيف فكان جوابه نقلا عن مدير المخابرات الإسرائيلية " هل لعاطف بسيسو علاقة بعملية ميونيخ ؟ إن كل من له علاقة بعملية ميونيخ لدى الموساد أمر باغتياله دون الرجوع إلى رئيس الحكومة كما هو متبع!!
إجابة مدير المخابرات الإسرائيلية و التي نقلها المعلق العسكري "زئيف شيف" توضح ضمنيا مسؤولية الموساد عن اغتيال " عاطف بسيسو" ، نظرا لاتهامه من قبل الموساد بمسؤوليته عن المشاركة بالتخطيط لعملية ميونيخ.
أجهزة تصنت:
في أواخر نيسان 1989 كان عاطف بسيسو قد قرر السكن في منزل آخر، بعد أن عثر على منزل جديد أثناء " التشطيب" و اتفق مع صاحب المنزل أن يتسلمه في بداية حزيران 1989أي بعد حوالي شهر حتى تكتمل تجهيزات المنزل من الداخل"
و في الموعد المحدد، المتفق عليه ، ترك منزله القديم في شارع إفريقيا ـ المنزه الخامس " كارنوا" إلى المنزل الجديد في المنزه السادس ـ 12 شارع بلال في العاصمة التونسية "
و كان المنزل الجديد قريبا في منزل " عدنان ياسين"
بعد عملية الاغتيال ، وأثناء توافد الشخصيات و السفراء و الوفود إلى منزل الشهيد " عاطف بسيسو" في تونس ، للقيام بواجب العزاء ، لذوي الشهيد ، استعدت المخابرات الأسبانية للكشف في منزل " عاطف بسيسو" عن أجهزة تصنت..
و فعلا جاء الخبراء الأسبان و بدأت عملية الكشف ،و اكتشفوا وجود جهازي تصنت في غرفة الصالون ، جهاز أخفي في علبة الكهرباء و آخر في علبة الهاتف على الحائط .. و تابع الخبراء البحث حتى بوابة المنزل و توقفوا هناك ، باعتبار أن خارج سور المنزل لا يحق لهم الكشف ..
و كانت أجهزة تصنت و بث لا سلكي متطورة جدا ، أعادت إلى الأذهان فورا أجهزة التصنت التي زرعتها المخابرات الإسرائيلية بواسطة " عدنان ياسين " في مكتب أبو مازن ، و لكن المثير أن مدى أجهزة التصنت في البث اللاسلكي لا يتجاوز مسافة 500متر ، حسب تقدير بعض الخبراء ،و تبقى المحطة التي تستقبل بث هذه الأجهزة .. يعتقد أن الفرصة أتيحت للمخابرات الإسرائيلية لتركيب أجهزة التصنت وزرعها ، كانت خلال مدة " تشطيب" المنزل قبل أن ينتقل إليه ،بعد أن عرف أنه سيسكن في المنزل الجديد!!
المليونير الوهمي:
منذ مرحلة بيروت " كانت بعض الإشاعات تلاحق " عاطف بسيسو بأنه مليونير ، بسبب اهتمامه بهواية السيارات و رغم أنه أسرته في غزة من الأثرياء المعروفين، و كان أحيانا أخاه " عاهد بسيسو" يرسل له بعض المال الذي يحتاجه " عاطف " حتى أن السيارة المكشوفة التي اشتراها في بيروت تداولها البعض .
لم يأبه " عاطف بسيسو " بما يقال حوله، فقد كان نزيها محاربا للفساد طوال حياته مما كسب أحيانا عداء البعض..
و عندما اشترى أخ زوجته في الولايات المتحدة الأمريكية سيارة اللاندروفر ، كانت مستعملة بقيمة 2500 دولار فقط و التي أرسلها إليه في ألمانيا ، و عندما أبلغه بأنه اشترى السيارة ، علق " عاطف بسيسو " بخفة ظله المعروفة" حتى يتسلوا بالجيب الذي جلبه عاطف"
نظرا لأن لديه تجربة سابقة في قصة " اليخت" الذي حوله إلى مليونير حقا"
اليخت:
بعد أن انتهت مهام " صخر بسيسو" في يوغسلافيا كممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1985 ، اتصل به " أمين الهندي" و طلب منه أن يجلب معه قارب مطاطي للنزهة البحرية في تونس.
و فعلا اشترى " صخر بسيسو" قارب مطاطي أرضيته من الخشب بـ 600دولار إضافة لمحرك بقيمة 500دولار ، ووضع القارب في الحادية " الكونتيز" الخاص بأغراضه و شحنهم إلى تونس..
لم يهتم " صخر بسيسو" أو " أمين الهندي" كثيرا باستخدام القارب المطاطي للنزهة بينما كان " عاطف بسيسو" الأكثر نشاطا ، وبقي لديه مدة عامين ،وكان القارب يستعمل بعد أن يتم نفخه بالهواء..
و سرعان ما سرت إشاعة في تونس تقول أن لدى " عاطف بسيسو" يختا في البحر بتونس ، و استفسر " صخر حبش" عن ذلك فأكد له " صخر بسيسو" الموضوع "ممازحا" و بأن اليخت قيمته 250 ألف دولار!
وصلت الإشاعة أيضا للرئيس أبو عمار و اهتم بها "أبو مازن –محمود عباس" و سأل " عاطف بسيسو" عن موضوع اليخت ، فطلب منه أن يرى اليخت و رفض أبو مازن ، ثم استجاب أما إلحاح عاطف بأن يرى هذا اليخت و أخذه بالسيارة إلى البحر و طوال الطريق يحدثه عن مزايا اليخت..
كان يقصد " عاطف بسيسو" من خلال ذلك ممازحة " أبو مازن" و أن يريه زيف الإشاعة بنفسه ، و عندما وصلا وجد اليخت عبارة عن قارب مطاطي " زودياك"
و تفاجأ أبو مازن بهذا الموضوع الغريب..
بعد استشهاد " عاطف بسيسو" توجه أخاه " عاهد بسيسو" و المقيم في غزة إلى تونس للمشاركة في الجنازة و رعاية أسرة أخيه ، و قام بحصر إرث ، و كان لدى " عاطف بسيسو" حسابا بنكيا في البنك العربي بتونس ، و ذهب مع زوجته " ريما" إلى البنك و كانت مفاجأة لمدير البنك بأن يحتوي حساب " عاطف بسيسو" الذي أثارت وسائل الإعلام العالمية حول اغتياله ضجة كبيرة ، على " خمسة آلاف دولار فقط"!
تسلمتها زوجته و بيعت سيارة اللاندورفر بألفي دولار و كذلك سيارته الخاصة من نوع "BMW" مسجلة بلوحة دبلوماسية للسفارة اليمنية ، بسعر مخفض بستة آلاف دولار، و كانت هذه التركة المالية لعاطف بسيسو المليونير الوهمي ..
و ربما بقيت إشاعة المليونير تطارده ، فقد سرقت حقيبة " عاهد بسيسو" أثناء العودة و اختفت و لم يعثر عليها و بها شريط فيديو للجنازة ، لاعتقاد بوجود ملفات سرية تخص عاطف بالحقيبة....
أما التركة الحقيقية لعاطف بسيسو كانت انجازات لمنظمة التحرير و الشعب الفلسطيني لا يستطيع أحد تجاهلها.
صور القتلة:
كانت الزيارة الأخيرة التي قام بها " عاطف بسيسو" إلى بولندا في 5 حزيران 1992 فقد وصل ليلا إلى وارسو قادما من برلين ، و اجتمع مع مسؤولين في أجهزة الأمن البولندية ، في إطار التنسيق الأمني بين جهاز الأمن الموحد و الأمن البولندي ، و كانت بولندا من أوائل الدول الأوروبية الشرقية التي أقامت علاقات للتنسيق الأمني ، وقد قام " أبو إياد" بتوقيع اتفاق للتعاون الأمني خطي مع وزير الداخلية البولندي في نهاية عقد السبعينات و أثناء وجود منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت .
و شكلت بولندا لاحقا أهمية خاصة لمنظمة التحرير الفلسطينية لمكافحة نشاط تنظيم أبو نضال في بولندا ، خاصة بعد اغتيال " أبو إياد" نظرا لأن القاتل حمزة أبو زيد.
قام تنظيم " أبو نضال " بتجنيده في بولندا ، حيث أقام فترة بعد أن عمل مع جهاز " هواري "ثم التحق بالأمن المركزي و انفصل عنه ، بسبب سلوكياته في بولندا، حيث قدم رجال الأمن الفلسطيني في بولندا تقارير " سيئة" عديدة لأجهزة الأمن الفلسطينية حول سلوكه و علاقاته المريبة ، رغم أن ضابط الأمن الفلسطيني في بولندا " داود بعلوشة" حاول مساعدته دون جدوى..
انتقل حمزة أبو زيد مع زميل له من قبرص إلى بولندا ، وقيل أنه تم تجنيده لصالح " الموساد" في قبرص قبل أن يكلف من قبل جهاز الموساد الإسرائيلي باختراق تنظيم أبو نضال في بولندا ، ليحصل على التكليف النهائي باغتيال أبو إياد ، و هكذا أدار الموساد خيوط العملية بطرح فكرة اغتيال أبو إياد على أبو نضلا من خلال عملية الإختراق ، في مرحلة كان " أبو نضال " على استعداد للقيام بمثل هذه العملية كرد فعل انتقامي على انشقاق عبد الرحمن عيسى و عاطف أبو بكر و تحمل " أبو نضال " وزر عملية اغتيال " أبو إياد" و بقيت " الموساد" بعيدة عن الاتهام..
في بولندا كانت الأجهزة الأمنية البولندية جميعها تقيم علاقات للتنسيق الأمني مع جهاز الأمن الموحد الفلسطيني و هي: جهاز حماية الدولة ، المخابرات البولندية ، جهاز حماية الحكومة.
مكث " عاطف بسيسو" ساعات في وارسو و كعادته كرجل المهمات الصعبة ، كانت نشاطاته مثيرة . فاجتمع مع داود بعلوشة و عبد الله حجازي و بعض رجال الأمن الفلسطيني في بولندا ، إضافة لاجتماعه مع مسؤولين في أجهزة الأمن البولندية..
و اجتمع مع أحد رجال أبو نضال الأساسيين في بولندا ، في إطار النشاط الأمني المضاد لتنظيم أبو نضال..
و تردد على أوروبا الشرقية أحيانا لمتابعة عمليات الاختراق في تنظيم أبو نضال التي كان يشرف عليها شخصيا ..
و يعتقد أن سفره المفاجئ إلى بولندا كان أيضا للخروج من دوامة المعلومات في برلين حول اغتياله ، حيث أحدثت له ارباكا ..
بعد اغتيال " عاطف بسيسو" في باريس ، طلبت أجهزة الأمن البولندية اجتماعا مع بعض ممثلي أجهزة الأمن الفلسطينية في وارسو ، و تم بحث موضوع اغتيال " عاطف بسيسو" ووجهت أجهزة الأمن البولندية اتهاما وحيدا " للموساد" بالمسؤولية عن عملية الاغتيال ، و قدموا في إطار التعاون الأمني صورا تقريبية للقتلة إلى أجهزة الأمن الفلسطينية ، حيث أرسلت الصور فورا إلى رئاسة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في تونس..
و كان واضحا أن لدى أجهزة الأمن البولندية معلومات مسبقة عن عملية اغتيال " عاطف بسيسو" و يعتقد أنه تم تحذيره في اجتماعه مع مسؤولي الأمن البولندي أثناء زيارته السرية لوارسو.
و كان " عاطف بسيسو" قد أرسى تعاونا هاما مع أجهزة الأمن البولندية في مجال مكافحة النشاط الاستخباري الإسرائيلي في بولندا ، و كان للموساد نشاط سري ملموس في بولندا و أوروبا الشرقية قبل انهيار الإتحاد السوفياتي و الكتلة الشرقية ، و بعد ذلك تزايد نشاط الموساد في بولندا بشكل شبه مكشوف و كبير، فقاموا بفتح مراكز و شركات تجارية كواجهة و غطاء للنشاط الاستخباري و من خلال السوق السوداء في بولندا..
عدنان ياسين :
أثناء وجود " عاطف بسيسو" في برلين بعد زيارته لكوبا, و التي تحولت إلى لغز آخر ، بعد أن تبين أنه قام بزيارة سرية الأولى و الأخيرة من نوعها لعاطف بسيسو إلى الولايات المتحدة الأمريكية و تحديدا في ولاية " فيلادلفيا" حيث أجرى اجتماعات أمنية مع مسؤولين في المخابر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق