ريتا برادلي.. العمليات الفدائية ضد إسرائيل
- نشأة ريتا ونادية برادلي وعلاقتهما بفلسطين
- عملية الهجوم على إسرائيل وتفاصيلها
- الاعتقال في إسرائيل وظروف التحقيق والسجن
- مرض نادية
- العودة إلى العمل المسلح في لبنان
- عملية الهجوم على إسرائيل وتفاصيلها
- الاعتقال في إسرائيل وظروف التحقيق والسجن
- مرض نادية
- العودة إلى العمل المسلح في لبنان
سامي كليب: مرحبا بكم
أعزائي المشاهدين إلى هذه الحلقة من برنامج زيارة خاصة. من هنا من المملكة
المغربية انطلقت شقيقتان في بداية السبعينيات للقيام بعملية في إسرائيل
باسم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، نادية برادلي توفيت منذ سنوات بفعل
المرض وبقيت شقيقتها ريتا تخبرنا اليوم ما الذي دفع الشقيقتين
البرجوازيتين آنذاك للذهاب إلى قلب إسرائيل ومحاولة القيام بعملية انتهت
بهما إلى السجن وبعدها عاشتا مغامرة كبيرة مع الفلسطينيين في لبنان. ضيفتنا
اليوم هي السيدة ريتا برادلي، حيث وصلت على منزل عائلة برادلي العريق في
الدار البيضاء المغربية، لفتني فيما بقي من عراقة المكان أن المنزل يوحي
بكل شيء سوا بأن ثمة من انطلق منه لينفذ أخطر العمليات العسكرية في
إسرائيل، فالشقيقتان نادية وريتا اللتان ترعرعتا هنا بنعيم الحياة بفضل
شركات النقل وتجارة والدهما لم يكن لديهما أي سبب لهجر العائلة ذات الأب
المغربي والأم الأسبانية الفرنسية الجنسية وتفخيخ ثيابهما وجسديهما
بالمتفجرات والذهاب إلى إسرائيل وإذا كنتم أعزائي المشاهدين تستغربون مثلي
سبب أسم برادلي لعائلة مغربية وسبب انتقال نادية وريتا من حياة الرفاة إلى
سجون إسرائيل ومخيمات التدريب في لبنان فإليكم القصة من أولها فالأهل
كالأبناء كانوا على ما يبدو مقاومين.
ريتا برادلي: بداية كان
والدي مقاوم كبير، اسم والدي بشير بن عمار الشادمي من قبيلة الشادمة، أمي
فرنسية من أصل إسباني هي من فلينسيا في أيام حكومة الوصايا كانا من كبار
المقاومين وكثيرا ما كان أبي يصاب ويقبض عليه وكنا نحاول أن نوقفه، حاولنا
مرارا ولكنه أصيب ذات يوما بسبع عشرة رصاصة، لقد أمضينا طفولتنا ونحن نخبئ
أشخاص في القبو، أمي هربت وقد اعتبرها الفرنسيون طريدة العدالة بينما كان
المغاربة يعتبرونها فرنسية، هذه هويتنا، إنها مسألة شخصية، كان عليه دخول
المستشفى، كان جريحا في سيارته وبحاجة لدخول المستشفى وهكذا تم إدخاله فقيل
له يجب أن تغير أسمك، لمح مقالا في الجريدة عن عمر برادلي فقال طيب سموني
برادلي، لقد أخرجوا من جسده الرصاصات السبعة عشرة وهكذا حافظ على اسمه هذا
لأنه به ظل على قيد الحياة.
سامي كليب: في الواقع إنه الاسم.. كنا نظن أنها عائلة أجنبية؟
ريتا برادلي: لا أبدا أبي مغربي مسلم من منطقة صورة وأمي فرنسية من أصل إسباني وقد اعتنقت الإسلام بزواجها من أبي.
سامي كليب: حين جئت
لعندك سيدة برادلي يعني وجدت أن المنزل موجود في حي راقٍ في الدار البيضاء
ما يشير فعلا إنه عشتِ طفولة مريحة في عائلة يعني شبه غنية وكان الوالد
يعمل وفق ما علمت بمجال النقل، هل كان غنيا هل كان فعلا يعيش بوضع مالي
مريح جدا؟
"والدي بنى ثروته بنفسه ويمتلك شركة نقل وشركة سياحة خارجية إلى إسبانية وفرنسا، ولديه وكالات مع وجود قسم كبير من شركاته في فرنسا وإسبانيا وسويسرا"ريتا برادلي: عاش بوضع مريح جدا، لكنه صنع نفسه بنفسه إذاً والدي بنى ثروته بنفسه مع والدتي، كان يمتلك شركة نقل وشركة سياحة خارجية إلى إسبانية وفرنسا، كانت لديه شركة سياحية فخمة وقد بدأ بعمل صغير ثم تطور وكانت لديه وكالات في المغرب وإسبانيا وفرنسا وسويسرا مع وجود قسم كبير في شركته في فرنسا وإسبانيا وسويسرا.
سامي كليب: لا شيء في
الواقع يوحي في طفولتك أو شبابك بأنكِ مع شقيقتك المرحومة نادية كنتما على
علاقة بقضايا عربية أو قضية فلسطينية على وجه التحديد، ما الذي دفعكما
باتجاه الفلسطينيين وهل كنتما مع علاقة معينة مع الفلسطينيين بشكل أو بآخر؟
ريتا برادلي: المحصلة
أننا نشأنا منذ الصغر في هذا الجو.. الجو الثوري، أشخاص يختبؤون في القبو،
لا يجب التحدث عن ذلك ويجب التزام الصمت، لقد كبرنا وأمضينا طفولتنا مع هذا
كله وبالطبع كنا نبحث عن هويتنا بحثا شخصيا، فبالنسبة لي ولأن أمي إسبانية
كنت أتحدث الإسبانية حتى عامي السادس ثم دخلت المدرسة وتعلمت الفرنسية
وكانت مربيتي إسبانية فتطورت لغتي الإسبانية أنا وشقيقاتي، والدي كان دائم
الترحال فكان يمضي أسبوع في الشهر داخل المغرب ثم يعود لمتابعة أعماله،
إذاً كانت لدينا مشكلة الهوية، كنا في المدرسة الثانوية الفرنسية وكنا
المسلمات المغربيات الوحيدات في مدرسة فرنسية وشعرنا بأننا مرفوضات ولذلك
كنا نبحث عن هوية عربية، عندما دخلنا المدرسة الفرنسية كنا المغربيات
الوحيدات وقد تم قبولنا فقط لأننا من أم فرنسية وهذا كان أمر ثابت ومستمر.
سامي كليب: هل كان هناك أي اتصال مع الفلسطينيين بشكل أو بآخر؟
ريتا برادلي: كلا أصبحنا
على اتصال مع الفلسطينيين في وقت لاحق، يعني مع أجانب يعملون من أجل
فلسطين أي في أعوام الثمانية وستين وتسعة وستين وسبعين وبعد أيلول الأسود
لوقت طويل كانت نادية في باريس حيث كانت تدرس العلوم السياسية والاقتصادية
في السربون وفي نفس الوقت كانت تدرس المسرح وهكذا تعرفت على محمد بو ضياء
الذي قتل في تفجير إسرائيلي يوم السابع والعشرين من حزيران/ يونيو عام
1973.
سامي كليب: بالأحرى بعملية تفخيخ سيارته تفجير سيارته؟
ريتا برادلي: بالضبط وهو جزائري كان يعمل من أجل القضية الفلسطينية.
سامي كليب: ربما
المشاهدون سوف يطرحون سؤالا مبررا ووجيها يعني تفضلتِ أنكي تتحدثين
الإسبانية كنتٍ تتحدثينها الفرنسية أيضا العبرية تعلمتموها مع شقيقتكِ في
السجن إلا العربية اللغة الأم لماذا لا تتحدثينها اليوم؟
ريتا برادلي: إنني أتحدث
العربية بشكل سيئ لأنني لا أتكلمها عادة وهي لغة صعبة وأظن أنه يجب تعلم
كتابتها من أجل معرفتها والتحدث بها.
سامي كليب: ولكن حين كنتِ مع الفلسطينيين أي لغة كنتِ تتحدثين بأي لغة؟
ريتا برادلي: الإنجليزية ثم كنا في بيروت والجميع هناك يتكلم الفرنسية.
سامي كليب: طبعا في ظل
هذا المناخ هناك شخص واحد أثر عليكِ وعلى شقيقتك نادية في البداية على
نادية طبعا رحمة الله هو محمد بو ضياء إذاً الجزائري الأصل الذي كان على
علاقة مع الفلسطينيين والذي قتل بتفجير سيارته في فرنسا من قبل
الإسرائيليين على ما يبدو، كيف حصل اتصال معه؟
ريتا برادلي: كان محمد
بو ضياء على معرفة بأمي منذ وقت طويل وهي أخبرتني بذلك لاحقا ولقد أخبرته
بما قمنا به كنا نعرفه منذ وقت طويل وكانت بيننا ثقة متبادلة لأنه كان جزء
من العائلة ككل الأصدقاء، فكلما أتى إلى المغرب كان يقوم بزيارتنا وكان
يتحدث معنا بكل انفتاح عن القضية التي ينشط لأجلها فلسطين وهذا طبيعي وهكذا
تمت الأمور.
سامي كليب: هكذا إذا
وجدت نادية وكان عمرها خمسة وعشرين عام وريتا تسعة عشر عاما نفسيهما تسعدان
للقيام بعملية في إسرائيل دون أن تدريا ربما آنذاك بأن عمليتهما ستهز
العالم لأنها كانت أول محاولة للتفجير في إسرائيل يقوم بها أجانب غير
فلسطينيين، نادية وريتا اللتان انضمتا إلى ما عرف آنذاك أي عام 1971
بكوماندوز الفصح شكلتا مع رفيقهما في ذاك الكوماندوز أول صدمة لإسرائيل
التي لم تستوعب كيف أن دولتين ليست معهما عداوة أي المغرب وفرنسا أنجبتا
مناضلين منضوين في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لا بل وراهبين
باختراق عقر دار إسرائيل للقيام بثلاث عمليات في حيفا وتل أبيب والقدس،
فكيف حصل ذلك؟
"القضية الفلسطينية كانت معروفة على المستوى المحلي والفلسطينيون يتعذبون كثيرا بعد أيلول الأسود، لذلك هدف العملية كان جعل المسألة الفلسطينية مطروحة على الساحة الدولية"ريتا برادلي: تلك العملية كانت موجهة لجعل المسألة الفلسطينية مطروحة على الساحة الدولية لأن القضية الفلسطينية كانت معروفة على المستوى المحلي والفلسطينيون يتعذبون كثيرا بعد أيلول الأسود وهذا لم يكن معروفا على المستوى الدولي إذا فرنسيون ومغاربة من الغرب يأتون وقد كنا أو المغاربة الذين وصلوا إلى فرنسا من أجل الدفاع عن القضية الفلسطينية وهذه كانت صدمة بالنسبة للإسرائيليين، فكيف يقوموا أجانب بالدفاع عن هذه القضية بالنسبة لهذه العملية ذهبت نادية لمدة ثلاثة أشهر إلى باريس ولم يكن من المخطط أن أشارك في هذه العملية، كان من المفروض أن أقوم بعملية أخرى.
سامي كليب: شو هي؟
ريتا برادلي: لا أظن أنه من المهم التحدث عنها.
سامي كليب: مع الفلسطينيين؟
ريتا برادلي: دائما.
سامي كليب: مِنْ مَنْ تخافين؟
ريتا برادلي: كلا هذا غير ضروري.
سامي كليب: نادية ذهبت إلى باريس وبدأ الإعداد للعملية ما الذي حصل؟
ريتا برادلي: إذاً قامت
بتنظيم العملية أنت تعلم أنه خلال التحضير يذهب الناشطون للتنظيم وهم
يمنحونهم الفرصة للقيام بذلك ثم اتصلت بي وقالت لدينا مشكلة لقد قررنا أنه
عليكِ المشاركة في هذه العملية لأن البعض قد اعتذروا عن المشاركة فهي تبدو
لهم خطرة ومخيفة فأجبتها طيب ليس لدي مانع لكنني بحاجة لأسبوع لمعالجة أمر
ما ومن ثمة سوف التحق بكم وهكذا انضممت إليها في باريس.
سامي كليب: وبعد ذلك ما الذي حصل؟
ريتا برادلي: وبعد ذلك
لقد بقينا.. لم أعد أذكر التاريخ وهو غير مهم على كل حال بقينا في ضاحية
باريسية وكنا نغيّر محل إقامتنا كل يومين ونقوم بالتدريب وقد قمنا بتحضير
المتفجرات مع بعض المسؤولين لقد قمنا بالاستعداد لهذه العملية استعدادا
كاملا ثم انطلقنا..
سامي كليب: بعد كم يوم تقريبا من التدريب؟
ريتا برادلي: ثلاثة أسابيع ثلاثة أسابيع تقريبا.
سامي كليب: هل كان الأمر صعب بالنسبة لكِ مثلا؟
ريتا برادلي: كلا لأننا
كانت لدينا المتفجرات التي وضعناها بين أشيائنا والتي حضرناها بأنفسنا مع
المسؤول الذي كان أسمه شميل بليك هكذا سميناه شميل بليك لأنه كان دائما
يريد..
سامي كليب: فلسطيني كان؟
ريتا برادلي: أجل كانوا جميعا فلسطينيين.
سامي كليب: طيب في الواقع نقل..
ريتا برادلي: ولم يكن الأمر مزاحا بالنسبة لهم.
سامي كليب: نقل
المتفجرات في الواقع كان على ما يبدو صعب وتم التخطيط له بشكل جيد جدا، كيف
استطعتم نقل هذه المتفجرات ومن الذي شارك معكما أنتي والمرحومة نادية في
هذه العملية بالضبط؟
ريتا برادلي: طيب إن
المتفجرات ليست معقدة إلى هذه الدرجة، جميع ملابسنا كانت سوى المتفجرات
المصنوعة من مادة بلاستيكية لكن الواضح هو أنهم بعد اعتقالنا حاولوا تضخيم
الأمور، فقد ذكروا بأننا وضعنا المتفجرات في كل مكان داخل أحذيتنا وكل
ملابسنا حتى الداخلية منها وتفاصيل أخرى كهذه لكن الموضوع هو أن كل الثياب
كانت قد وغسلت بالمتفجرات وتم جمعها، لقد كانت في كل مكان داخل الثياب هذا
أمر بسيط فإن قمت بغسل الملابس بالمتفجرات ثم قمت بتجفيفها ووضعها داخل
الحقيبة فإن المتفجرات ستكون منتشرة في كل الملابس، لكن كانت تلك الطريقة
التي حاولوا بها استغلال الموقف، أين كانت؟ هنا وهناك هذا صحيح كنا قد
وضعنا المتفجرات البعض منها داخل كعوب الأحذية أما الباقي فكان مشبعا
بالمفجرات هذا كل شيء.
سامي كليب: بعد وضع الثياب في المتفجرات وغسلها بالمتفجرات إذاً وضعت في الحقائب وتم نقلها إلى الطائرة، ألم تُرَاقبوا على المطار؟
ريتا برادلي: عندما
خضعنا للتحقيق الإسرائيلي قام شرطي من (كلمة غير مفهومة) بإعطائي مقالة من
صحيفة لوموند تروي أن المخابرات الفرنسية قد أعطت المخابرات الإسرائيلية
سلطة التحقيق في هذه العملية لقاء خدمات أخرى لذا فأنني أظن أن اختيار
ناشطة وأشخاص لم ينفذوا عمليات من قبل ولم تكن لديهم الخبرة قد سمح
للمخابرات الفرنسية بملاحقتنا، لم يستطيعوا اللحاق بنا في أماكن إقامتنا
لأننا كنا نغيّرها باستمرار لكنهم تمكنوا من رصدنا.
سامي كليب: كان كل شيء
مخطط بدقة تامة لكي ينجح فريق الكوماندوز الفصح بعملية التفجير في حيفا وتل
أبيب والقدس، كل شيء كان معدا بدقة تامة أمام ريتا ونادية برادلي ورفاقهما
الفرنسيين ولكن غلطة الشاطر بألف كما يقال والخطأ الفادح تمثل في ضم
الشابة الفرنسية ايفلين بارج إلى العملية فهذه الشابة التي لا تقل جمالا عن
ريتا ونادية برادلي والتي ناضلت طويلا إلى جانب الفلسطينيين كانت ملاحقة
من قبل الاستخبارات الفرنسية وهذا بالضبط ما أدى إلى وقوع كل المجموعة
الفدائية بقبضة إسرائيل قبل تنفيذ العملية.
ريتا برادلي: ذهبنا يوم الحادي عشر من أبريل لقد لاحظنا أنه لم يكن هناك شيء على ما يرام، لم نكن مطمئنتين نادية وأنا.
سامي كليب: في الطائرة؟
ريتا برادلي: نعم لأن تذاكرنا كانت منفصلة، وضعنا جنب إلى جنب في الطائرة.
سامي كليب: يعني بأفهم أنه قطعتم كل الإجراءات الأمنية بدون مراقبة؟
ريتا برادلي: كان بإمكانهم القبض علينا.
سامي كليب: لكن كان بالنسبة للفرنسيين هناك خطر تفجير الطائرة كيف سمحوا لكم بالصعود إلى الطائرة مع المتفجرات برأيك؟
ريتا برادلي: أظن أنه لم
يكن لديهم هذا التفصيل، ربما كانت لديهم تفاصيل الأسماء عن ايفلين بارج
وجواز سفرها لكن لم تكن لديهم تفاصيل عن المتفجرات، متفجرات مخبأة في
الثياب.
سامي كليب: هل خفتِ في الطائرة؟
ريتا برادلي: كلا.
سامي كليب: ليش لا؟
ريتا برادلي: كلا لم نكن
خائفتين في الطائرة لقد تحضرنا عمليا لاستجوابنا فهكذا كنا نتهيأ للدفاع
عن أنفسنا، إنها الغريزة وهذا أمر طبيعي، لقد كان قرارا عقلانيا فنحن نعلم
إلى أين نتجه وماذا نفعل ولم يكن ثمة خوف.
سامي كليب: طيب يعني أي شخص أنا أو أنتِ أو أي شخص آخر يعرف أنه سيقبض عليه لدى وصوله انكشف أمره سيخاف يعني كيف لم تخافي؟
سامي كليب: طيب وصلتم إلى المطار إذاً نادية وأنتِ وايفلين أنتم الثلاثة ما الذي حصل على أرض المطار في تل أبيب؟
ريتا برادلي: كانت أختي وبعد عيد الفصح كنت سأعود لا تستطيع إخبار الأهل.
سامي كليب: طيب وصلتم إلى المطار إذا نادية وأنتِ مع الفرنسيين الثلاثة ما الذي حصل على أرض المطار في تل أبيب؟
ريتا برادلي: تمت
محاصرتي على الفور اسمي دانيال ريفا كانوا قد أحيطوا علما بأن جوازات سفرنا
الفرنسية كانت حقيقية وقد أعطيت للكثيرين من اللاجئين الفلسطينيين، لم
أستطع فعل أي شيء، فألقوا القبض عليّ فور خروجي من الطائرة تمت محاصرتي ولم
أتمكن من اجتياز الجمارك أو الشرطة.
سامي كليب: بينما الغريب أنه نادية اجتازت الحدود؟
ريتا برادلي: أجل لقد
استقلت سيارة أجرة وقد أخذت معها جميع الحقائب هم لم يكونوا على معرفة
بهوية الجميع، كانوا يعلمون بوجود شخص آخر وقد استغرقوا ساعتين حتى وجدوها
وقد وضعوني في مكان ما وأخذوا يطرحون عليّ الأسئلة وكان هناك العديد من
رجال الشرطة.
سامي كليب: أي نوع من الأسئلة؟
ريتا برادلي: كان نوعا
من الاستجواب الذي جربه الإسرائيليون للمرة الأولى علينا، حتى ذلك الحين لم
يكن لديهم هذا النوع من الاستجواب للفلسطينيين بل كانت طريقتهم سريعة
وعنيفة وفي حضور العائلات أي أنهم يضعون المستجوب أمام عائلته ويسيؤون
معاملته والعكس صحيح وكانت فترة التحقيق تمتد لثلاثة أشهر قبل المحاكمة
التي تعقبها العودة إلى السجن والذي أثار غضب السجينات الفلسطينيات وجعلهن
يقاومن داخل السجن ويصرخن وينتفضن هو الطول المبالغ فيه في مدة التحقيقات
وعندما علمنا أن أجانب قد أتوا بعد عشر سنوات للدفاع عن فلسطين تشجعن كثيرا
مما حثهن على المقاومة.
سامي كليب: وكانوا يهتفون بأصوات بأسمائكن؟
ريتا برادلي: اجل وتلك
الأصوات القوية الصادرة عن طرقهن على الأبواب طوال الليل أعطتنا الكثير من
القوة فأصبحت لدينا قوة هائلة ونحن في الزنازين وأمام الاستجواب وهن لم
يفهمن لماذا يستمر الاستجواب طويلا حتى أنهن أضربنا عن الطعام وتعرضن للضرب
ولأن سجن الرجال قرب سجن النساء في رام الله والشرطة تقوم بضرب جميع
الفلسطينيين وتأخذ كل حاجياتهم ثم يحولون زنازينهم إلى زنازين انفرادية مما
يعني أنه وخلال التحقيق معنا وبسبب اعتراضهن تعرضن لعقوبات شديدة
سامي كليب: يعني بالنسبة لكن نادية وأنتي والآخرين والأخريات بالأحرى هل كان التحقيق صعب؟
ريتا برادلي: لقد تعرضن
للضرب وكسروا حنكي وما زلت أعاني من آثار هذا الاعتداء حتى الآن كما حُقنّا
مرتين بالبنتوتال أدى إلى مرض نادية وايفلين أيضا بسبب المواد الكيميائية
حتى أنهم استعملوا معنا طريقة منع النوم والأكل والراحة، فكان علينا أن
نجلس طوال الوقت على الكرسي وكثيرا ما كانوا يعصبون عيوننا ونحن جالسات وهم
يقومون أحيانا بإعطائنا كوبا من الشاي والذي لم يكن شاي ولا أدري ماذا كان
لأننا فور أن نشرب منه حتى نمرض ونبدأ بالهذيان ثم نفقد الوعي وأظن أننا
خلال فترة الاستجواب خسرت كل منا ما بين عشرة وخمسة عشر كيلو جراما وقد
أصبحنا ضعيفات البنية لكن مع تصميم كبير وذلك لأننا كنا نستمد العزم من
صراخ المعتقلات الفلسطينيات، لذا إذا أردت هذا كان يعيد لنا القوة وكان قد
تم فصلنا عن بعضنا وعلمت فيما بعد أن نادية وضعت عارية داخل زنزانة
انفرادية لمدة شهرين أو ثلاثة بالإضافة إلى التحقيق وقد أرهقها هذا كثيرا
وقبل المحاكمة تم نقلنا وذلك من أجل التأكد من صحة التحقيقات مما يعني أنهم
استعانوا للمرة الأولى بمصل الحقيقة.
سامي كليب: شو هو هذا بالضبط عمليا؟
ريتا برادلي: نقلونا إلى
المستشفى الأولى وسط الأسلحة والرشاشات وكل ما هو تابع لتلك الحالة وفي
المستشفى وضعونا على فراش لتكون بالقرب منا آلة لتخطيط القلب والكثير من
الأطباء ثم يقولون لنا أنهم سيقومون بتنويمنا مغناطيسيا ثم كان هناك مسجّل
بالقرب منا وقاموا بحقننا بمادة كيميائية هي البنتوتال وهذا ما قيل لي ولنا
جميعا أنه فقط بعد البنتوتال وهذا ما قيل لنادية وايفلين أيضا.
سامي كليب: يعني مادة كيميائية؟
ريتا برادلي: مادة كيماوية أثرّت هذه المادة كثيرا في صحة نادية وايفلين.
سامي كليب: وشو تأثيرها؟
"نادية بعد ثلاثة أعوام من إقامتها في السجن أخذت تظهر في يدها وأصابعها حالات الالتهاب والغرغرينة الحادة وتورم شديد في الأيدي، وإيفلين لم تكن تستطيع المشي "ريتا برادلي: نادية بدأت تعاني نوعا من الالتهاب في الدم وبعد أربعة أعوام من إقامتها في السجن كلا بل بعد ثلاثة أعوام أخذت تظهر في يدها وأصابعها حالات الالتهاب والغرغرينة الحادة وتورم شديد في الأيدي مع ألم شديد في الأصابع وايفلين لم تكن تستطيع المشي وكانت تعاني من ألم شديد في العمود الفقري.
سامي كليب: وتبين هذه المادة هي السبب فيما بعد؟
ريتا برادلي: اسمع لقد
تم نقلها إلى مستشفى في داسا وكان هنالك قنصل فرنسي يقوم بزيارتنا وقد كان
متعاطفا مع العرب وأمضى أكثر من 15 عاما بين العرب وفي دول عربية خصوصا في
الجزائر وكان داعما للقضية الفلسطينية والناشطين أجلها وأقولها بحق أنه
ساعدنا كثيرا ودعمنا معنويا وقد كان حانقا على ما يفعله الإسرائيليون
بالفلسطينيين وكان غاضبا مما يحدث لنا وعندما رأى حالة نادية قال أنني لن
اسمح بحصول مثل هذه الأمور، لذا تم نقلها إلى مستشفى داسة واجروا لها
التحاليل مع الكثير من الأطباء الإسرائيليين الذين قدموا استشاراتهم وقالوا
قد لا تستعيد عافيتها السابقة ولكنها ستعيش عشرين عاما.
سامي كليب: طيب التحقيق طبعا كان صعب، اعترفتِ بالعملية بكل التفاصيل فيما بعد؟
ريتا برادلي: لقد
اعترفنا بما كنا نحمله كان كل شيء واضحا فكانت لدينا القنابل والمتفجرات
ووجهة العملية أصبحت معروفة أما بالنسبة للباقي فهذا لا يعني أحدا.
[فاصل إعلاني]
سامي كليب: بعد فترة
التحقيقات وعمليات التعذيب النفسي والجسدي قبلت إسرائيل بمحاكمة كوماندوز
الفصح ولا تزال صور المحاكمة حاضرة في أرشيف ريتا برادلي شاهدة من خلال
تعابير وجوه نادية وريتا وايفلين على الشعور بالفشل وخيبة الأمل فكوماندوز
الفصح الذي رفع لواء الكفاح المسلح تحت راية الجبهة الديمقراطية لتحرير
فلسطين ذهب إلى إسرائيلي لتنفيذ عملية كبيرة وليس للانتهاء معتقل ولا تزال
ريتا برادلي حتى اليوم تستعيد ملامح خيبة الأمل نفسها كلما نظرت إلى صور
تلك المحاكمة الشهيرة في إسرائيل.
ريتا برادلي: هذه الصورة
أخذت في اللحظة التي طالب فيها المدعي العام بإعدامنا وقد أصبنا بالصدمة
بعض الشيء واعتقدنا أن العقاب صارم ومتشدد.
سامي كليب: كيف جرت المحاكمة كان في شهود كان في قضاة أو محاكمة عسكرية؟
ريتا برادلي: نعم كانت
محاكمة عسكرية لأنه تم اعتبارنا إرهابيين وليس ناشطين وفي هذه الصورة التي
نشرتها المجلة كنا نشعر بالإهانة ولأننا ذهبنا وكلنا إيمان بعملنا من أجل
القضية الفلسطينية والإسرائيليون يقومون بإهانتك ويجعلونك تعرض ملابسك
ويأخذون لك الصور بالقوة وأمامك الرشاشات فهم يحاولون إهانتك وتحويلك إلى
مهزلة وهو ذلك الشعور بالإهانة الذي لم نستطع تحمله هذا خلال التحقيقات
لأنهم يجعلونك تحمل حذائك مثلا ومن ثم يلتقطون لك الصور كما لو أنه شيء
أردناه وفي النهاية كنا بين أيد الجيش ولم يكن لنا حق الاختيار ولذلك ترى
تلك الوجوه الكئيبة.
سامي كليب: كنتِ تحاولي أن تجيبي على المحققين مثلا أن تردي عليهم بعنف خصوصا إنه شخصيتك كانت ولا تزال قوية؟
ريتا برادلي: لا أدري
كنا نعاند أنا ونادية كنا نعاند، لا أدري لقد صمدنا كان علينا الحفاظ على
المعلومات والبوح بما نستطيع قوله فقط. خلال المحاكمة كانت هناك الكثير من
التدخلات فقد تدخلت فرنسا والمغرب كان يهتم بنا من خلال جلالة الملك الحسن
الثاني، العالم بأسره كان فزعا وقد أرسل مستشار الملك أمي إلى الأراضي
المحتلة لتوكيل محامين لنا وقد حاولوا إيجاد محاميين من الفلسطينيين.
سامي كليب: لأنه إسرائيل حاولت إقناعكم بأن يكون محامي إسرائيلي؟
ريتا برادلي: لم يكن هناك محامون فلسطينيون للدفاع ولا محامون أجانب فهم لا يستطيعون الدفاع عنا ولا يمكن إلا لإسرائيلي الدفاع عنا.
سامي كليب: ولا حتى فرنسي؟
ريتا برادلي: كلا أبدا
وافقت فيليسا لانغر دافعت عن الفلسطينيين وبما أن فيليسا لانغر تقدمية
معتدلة إسرائيلية عينت للدفاع فمن المحتم أن يدفع الفلسطينيون الثمن، السجن
المؤبد المضاعف وهذا أمر معروف إذاً وعند قدوم والدتي قالت لي إن المغرب
يريد المساعدة ويجب عليكم الاستماع إلينا.
سامي كليب: حين كانت
ضيفتنا ريتا برادلي تواجه مع شقيقتها نادية ورفاقهما الثلاثة الآلة
القضائية الإسرائيلية كانت والدتهما تروح وتجيء بين المملكة المغربية
وإسرائيل بحثا عن كيفية تحسين شروط سجن ابنتيها وتخفيف العقوبة وقد لعب
الملك الحسن الثاني وفرنسا دورا في الضغط على إسرائيل خصوصا أن ريتا ونادية
برادلي ورفاقهما الفرنسيين لم يقتلوا إسرائيليين آنذاك، كانت تلك هي المرة
الأولى التي تشاهد فيها نادية وريتا برادلي أمهما قبل أسبوع واحد من
محاكمتهما، حُكِم على ريتا بالسجن عشر سنوات وعلى نادية باثني عشرة عاما
فكيف كان وقع الحكم عليهما؟
ريتا برادلي: أتعلم لقد
مررنا بجميع مراحل الأحكام، فقد حُكِم علينا أولا بالإعدام، ثم انتقلنا إلى
مرحلة الحكم بالسجن وأبلغنا بأنه فترة عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة، فقلنا
طيب سنبقى في السجن لمدة عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة.
سامي كليب: بعد الحكم ما الذي حصل نُقلتم إلى السجن كانت الحياة الطبيعية فيما بعد بالسجن؟
ريتا برادلي: أجل لكنهم كانوا دائما ما يعودون للاستجواب.
سامي كليب: حتى بعد الحكم؟
ريتا برادلي: على هذا
الأساس اتخذنا القرار لأنهم كانوا يعاودون التحقيق فهم يأتون ويأخذوننا
ويكبلوننا ولم نفهم شيء، عندها قررنا تعلم العبرية خصوصا بعد ما تحدثنا إلى
السجينات الفلسطينيات اللواتي قلن أنهن لا يتحدثن العبرية وقد سألناهن عن
فترة سجنهن فمن هن من قلن عشر سنوات أو خمسة عشر سنة فكان التساؤل لماذا لا
تتكلمون العبرية لأنها لغة العدو وعندما بدأنا نتعلم العبرية استطعنا أن
نفهم لماذا يعودوا السجانون دائما لأخذنا وما الذي يريدونه منا وهذه هي
الطريقة الجديدة التي أدخلناها.
سامي كليب: كيف عشتم حياة السجن في خلال السنوات التي أمضيتموها داخل الزنزانات ماذا فعلتم؟
ريتا برادلي: السجن هو
مركز للأمراض العصبية، يأتيك الجميع من العالم الخارجي لكن المشكلة
الأساسية والخطيرة هي أنه لم تكن لدينا معلومات إذ أن لم نستطع قراءة
المعلومات بالعبرية فلن نعرف ماذا يجري في العالم، لذا كان يجب أن ننتظم
وبداية يجب تعلم اللغة ومعرفة العالم الذي يحيط بنا ومعرفة ما يقولونه
ومشاهدة قنوات التلفزة لفهم ما يحدث في العالم.
سامي كليب: كان مسموح لكم التليفزيون والراديو؟
ريتا برادلي: جهاز تلفاز واحد للجميع وفي المبنى حيث السجناء الفلسطينيون تلفاز واحد حين لا نكون في حالة إضراب.
سامي كليب: كنتم في سجن واحد مع أختك والباقين؟
ريتا برادلي: أجل وكان
يجب أن ننظم صفوفنا، ففي عام 1972 حصلنا على أجهزة راديو واستطعنا إدخالها
وهكذا تمكنا من متابعة الأخبار المحلية اليومية وكذلك العالمية وهو أمر مهم
ففي السجن يجب أن تكون منظما.
سامي كليب: طيب يعني
أنتم ذهبتم طبعا نساء ورجال أجانب إذا صح التعبير عرب وأجانب من دول غربية
لنصرة القضية الفلسطينية، لما وقعت حرب 1973 وكنتم داخل السجن كيف كان
تأثيرها عليكم؟
ريتا برادلي: فرحانين
جدا يجب قول الحقيقة لقد قلنا أن العرب سيستيقظون وفي النهاية سيحدث شيء،
العالم ليس حالة ثابتة فداخل السجن هكذا كنا نشعر بالأمور وحتى لو لم ننتصر
فقد كانت تدفعنا إلى الأمام شيئا فشيئا مما يحثنا على البقاء.
سامي كليب: طيب في هذه الأثناء مرضت نادية؟
ريتا برادلي: أجل.
سامي كليب: ما الذي حصل معها داخل السجن؟
ريتا برادلي: بعد السنة
الثالثة أو الرابعة تورمت أصابع يديها وأصيبت بالالتهاب في المفاصل
والغرغرينة وكان من الضروري البتر أو العناية المركزية وهنا تدخل القنصل
الفرنسي في إسرائيل والذي كان فعال ففي الوقت الذي قرر فيه الإسرائيليون
بتر أصابعها من الوسط في اليدين قال حينها أن هذا غير مقبول وهذا أمر لا
يطاق سوف أشعل أزمة دولية وسوف تدفعون الثمن غاليا.
سامي كليب: نجح في إنقاذ نادية تقريبا؟
ريتا برادلي: نجح في إنقاذها طبعا.
سامي كليب: طيب فيما بعد أُفرج عن نادية بسبب الضغوط التي مورست وخرجت بعد أربع سنوات وبضعة أشهر من السجن تقريبا.
ريتا برادلي: نعم.
سامي كليب: وحضرتك خرجتِ بعدها بحوالي كمان عدة أشهر يعني حوالي أمضيتِ خمس سنوات تقريبا في السجن؟
ريتا برادلي: ثمانية أشهر بعدها.
سامي كليب: بعد ثمانية
أشهر من خروج نادية بعدها مباشرة نقلتم إلى فرنسا ولكن قبل الخروج من السجن
حصلت حادثة رهيبة في الواقع حين اعتدت عليكن سجينات إسرائيليات ما الذي
حصل؟
ريتا برادلي: آه هكذا
كان من الطبيعي أن أخرج مع نادية لأنني عندما حصلت على وثائق من منظمة
الصليب الأحمر الدولي كان يجب أن يتم إخلاء سبيلي مع نادية، القنصل عمل من
أجل نادية وايفلين ومن أجلي وأطلق الإسرائيليون سراح نادية وتركوني أنا
وايفلين قيد الاعتقال الإداري أي أنني أمضيت أربع سنوات في إسرائيل وباقي
السنوات انتقال أمضيتها في السجن الإداري والذي كان يتجدد دوريا وخرجنا أنا
وايفلين بارج في نفس اليوم وكانت هناك بعض الإسرائيليات اللواتي لم يتقبلن
ما حصل.
سامي كليب: سجينات.
ريتا برادلي: نعم لكنهم
مدفوعات من قبل إدارة السجن وبالفعل قمن بسكب المياه الساخنة على وجوهنا
ولم نكن ننتظر ذلك فقد تمت مناداتنا وكنا داخل زنزاناتنا ننتظر وعندما
خرجنا كانت وجوهنا حمراء ومحترقة وقد بكينا كثيرا في الطائرة فبدلا من أن
نكون سعيدتين كنا في غاية الحزن لحالتنا تلك.
سامي كليب: أطلق سراح
ريتا برادلي بعد أشهر قليلة من إطلاق سراح شقيقتها نادية، ظن العالم بأن
سنوات السجن ستدفع الشابتين الجميلتين للعودة إلى المغرب أو فرنسا والعيش
بهدوء والندم على العملية والكفاح المسلح ولكن نادية وريتا خرجتا أكثر
تعلقا بالعمل المقاوم مما كان عليه حالهما قبل السجن وهكذا وما أن وصلتا
إلى باريس حتى بدأت رحلة جديدة مع المغامرة والسعي للعودة إلى الكفاح
المسلح في لبنان، فقد كان لبنان آنذاك مسرحا كبيرا للجبهات الفلسطينية
المختلفة وقبل الانتقال إلى لبنان حرصت ريتا برادلي مع شقيقتها على زيارة
القدس ومسجدها الأقصى وبعد القدس رحلتا إلى فرنسا ومنها هربتا إلى إيطاليا
واللافت أن شرطي الحدود الإيطالي تعرف عليّ ريتا لكنه تركها تمر مع
شقيقتها.
ريتا برادلي: كان ينظر
إلي بعينين متعجبتين وقد انتابتني المخاوف وقلت في نفسي ورجوت فقط أن يسمح
لي بالمرور وقال لي طيب كل شيء على ما يرام لقد استمر هذا للحظات وكان
مترددا فأخذ بعض الوقت لعله قال في نفسه هي خارجة من إيطاليا لكن تلك
النظرة فهو يحدق في آلته ثم ينظر إلى ويتساءل ما الذي يجري وكنت قد أطلق
سراحي للتو وهو وترّني وأرهقني.
سامي كليب: وبعد إيطاليا إلى سوريا؟
ريتا برادلي: نعم.
سامي كليب: في سوريا استقبال عظيم من قبل السوريين؟
ريتا برادلي: أه استقبال لا من قبل من الفلسطينيين.
سامي كليب: الفلسطينيين؟
ريتا برادلي: أه كانت
هناك كل الهيئات الفلسطينية، المناضلين كلهم هزوني حسيت أن استقبال عظيم،
حقيقة لم أكن انتظر ذلك فقد نايف حواتمة وجورج حبش وناشطون من فتح، الجميع
كانوا هناك، جميع الأخوات ونادية وتم حملنا على الأكتاف وأدخلنا السيارات
ولم أرى نادية التي أوقفت لمدة خمسة عشر يوما وتطلب الأمر خمسة عشر يوما من
الفلسطينيين لتحرير نادية من السوريين.
سامي كليب: شو السبب.
ريتا برادلي: لأن أسمها
لم يسلم ولم يرسل أنا كنت أحمل جواز سفر سوري وهي كانت تحمل جواز سفرها
الفرنسي، أنا تركوني لأن جواز سفري سوري.
سامي كليب: من السفارة السورية في فرنسا.
ريتا برادلي: (كلمة غير مفهومة) وهي المسكينة..
سامي كليب: شو اعتقدوا أنها جاسوسة إسرائيلية؟
ريتا برادلي: أه جاسوسة
إسرائيلية وقد أحب الفلسطينيون أن يسموها سمر لأنهم قالوا لي أننا أدخلناهم
في اختبار شاق جعلهم يكافحون لأيام طويلة وهم يقنعون السوريين بأنها ليست
جاسوسة إسرائيلية.
سامي كليب: بعد سوريا
طبعا قررتما الانتقال مع الفلسطينيين إلى لبنان وبدأتما ببرنامج إذاعي
باللغة العبرية موجه إلى إسرائيل عبر الإذاعة الفلسطينية، الحياة في لبنان
كانت بالنسبة لكما حياة نضالية أيضا بقيتما في الإطار الفلسطيني؟
ريتا برادلي: في البداية
عالجونا ودونا للبنان واللبناني الأول الذي رأيناه والذي كان يعمل مع
الثورة الفلسطينية ونايف حواتمة هو علي الزين المسؤول الطبي قد تلتقيه في
بيروت كان مسؤولا عن علاجنا.
سامي كليب: علي الزين الذي يعمل اليوم مع اليونيسيف؟
ريتا برادلي: نعم فقد
قال الفلسطينيون أنه علينا أولا أن نعالجكم لتصبحوا بحالة جيدة ويجب الكشف
عن حالتكم الصحية، فنادية كانت وقد استمر العلاج ستة شهور، لقد أجريت
عمليتان لنادية وكادت تموت وكان الطبيب الدكتور زكريا من بيروت وكانتا
ناجحتين فقد عادت يداها للونهما الأبيض لكنه قال أن الحالة ستعاودها بعد
عشرين سنة بالضبط عشرين عام وبعدين توفيت.
سامي كليب: الله يرحمها.
ريتا برادلي: الله يرحمها ومن ثمة عالجونا بالكامل، عالجونا من القرحة، من كل شيء وكان علاجا مكثفا.
سامي كليب: طب بعد الإفراج عنكما حصل اتصال مع الأهل التقيتما بالأهل؟
ريتا برادلي: لا.
سامي كليب: شو السبب يعني ما كان باستطاعتكما العودة إلى المغرب إلى المملكة؟
ريتا برادلي: لم نبحث
كثيرا ولم نتصل أو نحاول فقد كنا محجوزتين للعلاج الصحي المتواصل ثم تم
سؤالنا عما نريده وقد أردنا التعرف عن قرب على هؤلاء الفلسطينيين وأن نرى
ذلك الشعب الفلسطيني عن قرب ويجدر بالذكر أنه ما أن وصلنا إلى بيروت حتى
اندلعت الحرب.
سامي كليب: غير صحيح بعد عدة أيام طبعا.
ريتا برادلي: اندلعت الحرب بعد بضعة أيام وكان أمرا غير مقبول فقد وجدنا لبنان رائعا ونحن بدأنا للتو..
سامي كليب: طب بس الغريب
أنه يعني تركتما الأهل في المملكة المغربية ذهبتما للقيام بعملية في
إسرائيل بعدين إلى لبنان يعني لم تفكرا بالعودة للعيش مع أهلكما؟
ريتا برادلي: كنا نعلم
أننا سوف نعود لملاقاة عائلاتنا لكن لدينا الوقت عندما تكون في سن الشباب
تقول دائما بأن لديك الوقت وبداية طلبنا أن يتم تدريبنا وذهبنا إلى معلولة
وقلنا الآن قد عادت إلينا عافيتنا نريد أن نتدرب.
سامي كليب: عسكريا؟
ريتا برادلي: عسكريا،
الأمر الذي أضحكهم فقيل لنا إذا كنتم تريدون التدريب الصحيح فسوف نشبعكم
منه وذهبنا إلى سوريا إلى قرية معلولة تلك كانت التدريبات الأقسى لكنها
كانت الأروع.
سامي كليب: مع الفلسطينية؟
ريتا برادلي: أه يطلقون
النار علينا كل الوقت وقد تدربنا على سلاح الكلاشينكوف وكل البنادق، كل شيء
لقد خضنا التدريبات جميعها مثل الرجال، كنا ثلاث نساء لكننا أصبحنا
كالرجال خلال ثلاثة أسابيع.
سامي كليب: وبلبنان بعد الانتقال من سوريا إلى لبنان مع الفلسطينيين عملتم بالعمل العسكري أو فقط عمل إعلامي عبر البرنامج العبري؟
"ياسر عرفات طلب منا تنفيذ برنامج إذاعي باللغة العبرية موجه إلى إسرائيل عبر الإذاعة الفلسطينية، وكانت نادية تهتم بالشؤون السياسية الأيديولوجية وبتعليم الفلسطينيين بينما كنت أنا في الأمن"ريتا برادلي: كلا كان ياسر عرفات هو الذي طلب منا تنفيذ ذلك البرنامج عبر إذاعة صوت فلسطين وقد وجدنا هذا جميلا، كنا نتحدث مع الإسرائيليين عبر البرنامج وكانت نادية تهتم بالشؤون السياسية الإيديولوجية وبتعليم الفلسطينيين بينما كنت أنا في الأمن.
سامي كليب: بالأمن؟
ريتا برادلي: نعم.
سامي كليب: الأمن الشخصي لنايف حواتمة؟
ريتا برادلي: نعم تحت أبو عدنان.
سامي كليب: كان صعب بالنسبة لإيلك العمل العسكري في لبنان مع الفلسطينيين؟
ريتا برادلي: لا أحببت هذا كثيرا.
سامي كليب: قبل تصوير
هذه الحلقة أخبرتيني عن قصة حصلت معك ومع شقيقتك نادية في خلال الحرب، ما
الذي حصل يعني أود أن تعيدي روايتها للمشاهدين لو سمحت.
ريتا برادلي: أنها نكتة
صغيرة في ذلك الوقت استقطبت الثورة الفلسطينية الكثير من الأجانب، كانت
هناك مجموعة من التونسيين الذين أتوا لينضموا إلى الثورة الفلسطينية، كان
هناك بعض الإيطاليين والأيرلنديين لقد أصبحت للثورة أهمية لأنه حتى عام
1971 لم يكن هناك من يحارب من أجل القضية الفلسطينية إلا الفلسطينيين
أنفسهم وكانت هناك أعداد هائلة من اللبنانيين فلبنان بلد منفتح بحيث أن
اللبنانيين قد شاركوا بعزم في الثورة، فالكثيرون من اللبنانيين استشهدوا
والعديدون منهم ضحوا بأنفسهم وأستطيع القول أن المرحلة الأجمل التي عاشها
الفلسطينيون كانت في لبنان.
سامي كليب: وانتوا أيضا كمان يعني؟
ريتا برادلي: يجب
الاعتراف للبنانيين بأنهم كانوا رائعين، كانوا متضامنين ورائعين كنا
موجودون في منطقة الفكهاني في حي خارج بيروت وكنت أذهب إلى عملي في الصباح
الباكر ونادية كانت تبقي في مبني فيه مكاتب ياسر عرفات ونحن كنا نسكن
الطابق السابع، قالت نادية هل تستطيعين أن تذهبي وتحضري لي لترا من الحليب؟
فقلت لها أنني قد تأخرت وعليّ الذهاب إلى المكتب وعندها رجتني وطلبت مني
أن أذهب لأتي بلتر من الحليب وقالت أنها متعبة ولا تريد ارتداء ملابسها
والذهاب لشراء الحليب ترددت للحظة ثم قلت طيب سوف أذهب فهذه ليست مسألة
معقدة قلت طيب سأتي بالحليب وبدأ القصف الإسرائيلي الانفجارات كانت تسمع
وكأنها في دماغك، فالقصف لم يكن بعيدا عن المبني وكان رهيبا، كان القصف
الإسرائيلي الأول، الطيران كان يحلّق على علو منخفض، فقالت في نفسها أختي
قد ماتت أما أنا فاستدرت ورأيت المبني يسقط فقط مكاتب ياسر عرفات عندها
ظننت بأنها ماتت ثم نظرت فوجدتها عارية القدمين فقلت لها ما الذي تفعلينه
هنا وفجأة تفسخت الأرض تحتنا وانفتحت حفرة كانت الحالة مرعبة هذا القصف..
سامي كليب: على كل حال كان عندكم حظ، حظ كبير يعني عدة مرات كنت ستموتين مع نادية في خلال الحرب.
ريتا برادلي: نعم عدة
مرات كان عندنا حظ كبير نعم لأن رفاقنا من تونس قتلوا في اليوم نفسه
والساعة نفسها (كلمة غير مفهومة) مثلا الذي كان المرافق الشخصي لنايف
حواتمة قتل مع ثلاثة آخرين بسبب الضربة.
سامي كليب: طيب طبعا
يعني الحديث كنت أتمنى أن يكون أطول جدا لنتحدث عن بعض التفاصيل ولكن وودت
أن أسألك في ختام هذه الحلقة يعني عشت تجربة حرب في لبنان، تجربة سجن طويلة
في إسرائيل، أيضا مغامرة كبيرة من أجل القيام بهذه العملية حين قررتما
العودة مع نادية إلى المملكة المغربية وحصل اتصال بالقنصلية المغربية
وعدتما إلى هنا إلى المملكة المغربية حيث تعيشين اليوم، هل وجدت أنه الحياة
أصبحت مملة بعد كل هذا التاريخ؟
ريتا برادلي: حقا أول
خمس سنوات كانت صعبة عليا كثير الحياة كانت (كلمة غير مفهومة) بدون طعم
لأنه صعب واحد يكون في الحرب يوميا ليل ونهار وعنده مسؤوليات وعنده حيوية
وفي بيروت المناضلين كلهم كانوا يكلموا بعضهم، عندما ترجع للحياة العادية
مشكلة كبيرة، احتجت حوالي خمس سنوات لاعتاد الحياة وذلك بعد أثني عشر عاما
من البُعد لأننا انقطعنا ولم نعد إلى المغرب كل تلك الفترة لكن يجب
الاعتراف بأن بيروت وعلى الرغم من الحرب وتحت القصف كانت رائعة بفضل
اللبنانيين والفلسطينيين والجو المحيط بهم كان رائعا.
سامي كليب: لا تزال صور
نادية برادلي تحتل جدران المنزل، فبعد نضالها مع شقيقتها ريتا في لبنان مع
الفلسطينيين عادت الشقيقتان إلى المملكة المغربية عام 1982، عملت نادية
بالصحافة وأسست جريدة باللغة الفرنسية وسعت مع ريتا للعودة إلى كنف حياة
طبيعية ولا يزال البيانو مقفلا منذ وفاتها، بينما غرقت ريتا بمعارك قضائية
لا تزال مستمرة حتى اليوم بسبب خلافات حول إرث الوالد ولكن من يحفظ إرث
ريتا ونادية وكل أولئك المناضلين العرب والأجانب الذين آمنوا يوما ما بأن
القضية الفلسطينية أهم من الروح والمال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق